حديث : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
وينبغي التكلّم في مدلول هذه الجملة الشريفة ، ومقداره سعة وضيقاً ، تمهيداً لما يأتي من المباحث ، ويتم ذلك ضمن جهات : ما هو المراد من الموصول ؟
الجهة الأُولى : أنّ من الواضح أنّه ليس المراد بكلمة (ما) الموصولة شخص من يحرم بالنسب ، ليكون المعنى : أنّ كلّ شخص يحرم من النسب فهو بعينه يحرم من الرضاع ، لأنّ نفس المحرّم بالنسب لا معنى لكونه محرّماً من جهة الرضاع .
وأمّا إرادة النوع منها ـ بأن تكون كناية عن العناوين التي هي مورد الحكم بالحرمة في باب النكاح ، كالأُمومة والبنوّة والأُخوّة ، ليكون المعنى : أنّ كلّ عنوان محرّم من جهة النسب يحرم نظيره من جهة الرضاع ـ فيبعدها أنّها خلاف الظاهر ، إذ الظاهر أنّ المحرّم بالرضاع هو نفس المحرّم بالنسب ، لا نظيره . مضافاً إلى استلزامها استعمال لفظ (ما) في من يعقل .
والذي يقوى في النظر أن تكون (ما) كناية عن الفعل ، فيكون المعنى : أنّ الفعل الذي يحرم من جهة النسب يحرم من جهة الرضاع أيضاً ، فنكاح الأُمّ النسبيّة محرّم من جهة النسب ، فكذا نكاح الأُمّ الرضاعيّة محرّم من جهة الرضاع .
وعليه فالجملة الشريفة بمقتضى إطلاق الموصول فيها باطلاق صلته تعمّ كل حكم تحريمي مترتّب على النسب ، ولا يختصّ بباب النكاح ، مثلا : يحرم تملّك الأُمّ ــــــــــــــــــــــــــــ (1) الوسائل 20 : 371 / أبواب ما يحرم بالرضاع .
ــ[22]ــ
والأب النسبيين ، فكذا الأُمّ والأب الرضاعيين بمقتضى إطلاق الجملة الشريفة .
والذي يعضد ذلك ما رواه في الكافي عن عبدالله بن سنان في الصحيح ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « سئل وأنا حاضر عن امرأة أرضعت غلاماً مملوكاً لها من لبنها حتّى فطمته ، هل لها أن تبيعه ؟ فقال : لا ، هو ابنها من الرضاعة ، حرم عليها بيعه وأكل ثمنه ، ثمّ قال : أليس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(1).
فاستدلّ الإمام (عليه السلام) على عدم جواز بيع الابن الرضاعي وتنزيله منزلة الابن النسبي في ذلك بالجملة المباركة ، بتقريب : أنّ تملّك الابن من النسب حرام فهو حرام من الرضاع .
ويدلّ على ذلك أيضاً ما رواه الشيخ بسند معتبر عن أبي بصير وأبي العبّاس وعبيد ، كلّهم جميعاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: «ولا يملك أُمّه من الرضاعة ، ولا أُخته ولا عمّته ولا خالته ، إذا ملكن عتقن . وقال : ما يحرم من النسب فإنّه يحرم من الرضاع»(2).
والحاصل : أنّ مقتضى إطلاق الجملة الشريفة(3) والخبرين المتقدّمين تنزيل الرضاع منزلة النسب في كل حكم تحريمي مترتّب على النسب، من غير اختصاص ــــــــــــــــــــــــــــ (1) الوسائل 20 : 405 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب17 ح1 ، الكافي 5 : 446 / 16 [لا يخفى أنّ السند في الكافي هكذا : عن ابن سنان ، عن رجل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام)] . (2) الوسائل 18 : 247 / أبواب بيع الحيوان ب4 ح1 ، التهذيب 8 : 243 / 877 [مع اختلاف يسير عمّا في التهذيب] . (3) الوسائل 20 : 371 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب1 ح1 : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » .
ــ[23]ــ
بباب النكاح .
وربما يتوهّم في المقام أنّ لازم إطلاق الموصول في الجملة الشريفة(1) من هذه الجهة ما لا يمكن الالتزام به من الأحكام ، فإنّ لازمه أنّه إذا ارتضع غير هاشمي من لبن هاشمي أن تحرم على المرتضع الزكاة ، مع أنّه غير هاشمي ، لأنّ حرمة الزكاة مترتّبة في الشريعة المقدّسة على الانتساب إلى هاشم ، فيقوم الرضاع مقامه في هذه الجهة . وكذا لازمه أن يحرم الخمس على الهاشمي المرتضع من لبن غير الهاشمي إذا كان موضوع حرمة الخمس الانتساب إلى غير هاشم ، لا عدم الانتساب إلى هاشم . وكذا لازمه حرمة مباشرة ولد المسلم المرتضع من لبن كافر ، حيث إنّ ولد الكافر بحكم الكافر ، والرضاع يقوم مقام النسب .
ولكنّ التوهّم المذكور يندفع بأنّ ظاهر الجملة الشريفة(2) تنزيل الرضاع منزلة النسب بما هو نسب ، من دون نظر إلى أيّة خصوصية من الخصوصيات القائمة بالنسب ، فهي ليست ناظرة إلى خصوصيات الأنساب ، بحيث يترتّب على الرضاع حكم كل نسب بما له من الخصوصيات ، ليترتّب على ابن الكافر الرضاعي حكم ابن الكافر النسبي ، وعلى غير الهاشمي المرتضع من لبن الهاشمي حكمه بما أنّه هاشمي ، بل مفادها ليس إلاّ حكماً عاماً بالإضافة إلى جميع البشر ، وهو تنزيل الرضاع منزلة النسب بما هو نسب ، لا بما هو نسب خاصّ . فهي تنزل الأُمومة الرضاعيّة منزلة الأُمومة النسبيّة فيما لها من الأحكام التحريميّة ، وهكذا سائر العناوين . ــــــــــــــــــــــــــــ (1) ، (2) الوسائل 20 : 371 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب1 ح1 : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » .
|