لو اُعطي تدريجاً فبلغ مقدار مؤونة السنة - عدم الفرق في إعطاء الزكاة بين النقدين وغيرهما 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3632


ــ[242]ــ

   [ 2771 ] الثامنة عشرة : قد عرفت سابقاً(1) أ نّه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مؤونة السنة ، بل يجوز دفع ما يزيد على غناه((1)) إذا اُعطي دفعة ، فلا حدّ لأكثر ما يدفع إليه وإن كان الأحوط الاقتصار على قدر الكفاف خصوصاً في المحترف الذي لا تكفيه حرفته . نعم، لو اُعطي تدريجاً فبلغ مقدار مؤونة السنة حرم عليه أخذ ما زاد للإنفاق ، والأقوى أ نّه لا حدّ لها في طرف القلّة أيضاً (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هم من جملة المصارف ، على أنّ العبد لم يشتر من سهمهم بل من سهم الرقاب ، فيعلم من ذلك أنّ المراد بمالهم أي المال الذي يصرف فيهم ، ومن المعلوم أنّ الزكاة كما تصرف فيهم تصرف في غيرهم من سائر الأصناف أيضاً . إذن فذكر الفقير إنّما هو من باب التمثيل لمطلق أرباب الزكاة ، فالولاء لها لا لخصوص الفقراء، ولعلّ تخصيصهم بالذكر هنا وفيما تضمّن أنّ الله أشرك الفقراء مع الأغنياء إنّما هو من أجل أنّ العمدة والأصل في حكمة التشريع هو رفع حاجة الفقير وسدّ خلّته .

   ويتقوّى هذا الاستظهار بالتصريح بأهل الزكاة في صحيح أيّوب بن الحرّ من غير ذكر للفقير . إذن فلا ينبغي التأمّل في شمول الحكم لمطلق أرباب الزكاة وإن كان الاحتياط حذراً عن الخلاف ممّا لا ينبغي تركه .

   (1) وقد مرّ البحث حول ذلك مستوفىً في المسألة الثانية من فصل أصناف المستحقّين ، فلاحظ ولا نعيد .

   (2) على المشهور بين المتأخّرين فيجوز إعطاء أيّ مقدار شاء .

 ونُسب إلى جماعة ـ  كالمفيد والسيّد والشيخ والصدوقين والمحقّق(2) وغيرهم  ـ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم الإشكال فيه .

(2) نسبه إليهم صاحب الحدائق 12 : 245 .

ــ[243]ــ

أ نّه لا يعطى الفقير أقلّ ممّا يجب في النصاب الأوّل وهو خمسة دراهم أو نصف دينار ، المتّحدان بحسب القيمة في زمن الأئمّة (عليهم السلام) ، حيث كان كلّ دينار يسوى عشرة دراهم .

   ونُسب إلى ابن الجنيد وسلاّر أنّ أقلّه ما يجب في النصاب الثاني وهو درهم أو قيراطان (1) .

   أمّا القول الأخير فلم يعرف له ايّ مستند وعهدته عليهما .

   وأمّا القول الثاني فيستدلّ له بصحيحة أبي ولاّد الحنّاط عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سمعته يقول : «لا يعطى أحد من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم، وهو أقلّ ما فرض الله عزّ وجلّ من الزكاة في أموال المسلمين ، فلا تعطوا أحداً من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم فصاعداً» (2) .

   وما رواه معاوية بن عمّار وعبدالله بن بكير جميعاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «قال : لا يجوز أن يدفع من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم ، فإنّها أقلّ الزكاة» (3) .

   ولكنّهما معارضتان بصحيحة محمّد بن عبدالجبّار : أنّ بعض أصحابنا كتب على يدي أحمد بن إسحاق إلى عليّ بن محمّد العسكري (عليه السلام) : اُعطي الرجل من إخواني الزكاة الدرهمين والثلاثة، فكتب : «افعل إن شاء الله تعالى»(4) .

   والجمع العرفي بين الصحيحتين يقتضي حمل النهي في صحيحة الحنّاط على

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نسبه إليهما صاحب المدارك 5 : 279 .

(2) الوسائل 9 : 257 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 2 .

(3) الوسائل 9 : 257 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 4 ، التهذيب 4 : 62 / 168 ، الاستبصار 2 : 38 / 117 .

(4) الوسائل 9 : 256 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 1 .

ــ[244]ــ

الكراهة ، ولكنّه لا يتأتّى في رواية معاوية ، للتدافع بين ما تضمّنته من التعبير بـ  «لا يجوز» وبين التعبير بـ «افعل» في صحيحة ابن عبدالجبّار ، بحيث لو اجتمعا في كلام واحد وعُرض على أهل العرف تحيّروا لما يرونه من التدافع والتهافت . وقد ذكرنا في محلّه أنّ ضابط الجمع العرفي أنّ الدليلين لو اجتمعا في كلام واحد واُلقيا على العرف لم يتحيّر أهله ، بل يرون أنّ أحدهما قرينة على المراد من الآخر لا أ نّه مضادّ له كما في المقام .

   والذي يهوّن الخطب أنّ الرواية ضعيفة السند بـ: إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم ـ كما في الوسائل والتهذيب ـ فإنّ المراد به هو إبراهيم بن إسحاق الأحمري على ما صرّح به الشيخ نفسه في الاستبصار عند نقل الرواية ، وهو ضعيف متّهم في دينه لا يعمل بشيء من رواياته . ومع الغضّ وتسليم أ نّه شخص آخر فهو مجهول ، فالرواية ضعيفة على كلّ حال .

   فليس في البين ما عدا الصحيحتين ، وقد عرفت وجه الجمع بينهما .

   فالأقوى إذن هو القول الأوّل المنافي للتحديد مع نوع كراهة في الأقل من الخمسة .

   ويعتضد ذلك برواية محمّد بن أبي الصهبان ، قال : كتبت إلى الصادق (عليه السلام) هل يجوز لي يا سيّدي أن اُعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة الدراهم فقد اشتبه ذلك عليّ ؟ فكتب : «ذلك جائز» (1) .

   فإنّ الجمع بينها وبين صحيحة الحنّاط هو ما عرفت من الحمل على الكراهة .

   إنّما الكلام في سندها، فقد ناقش فيه الأردبيلي في جامع الرواة بأ نّه مرسل ، نظراً إلى أنّ محمّد بن أبي الصهبان هو محمّد بن عبدالجبّار وهو من أصحاب الهادي (عليه السلام) كما يظهر من روايته السـابقة ، فكيف يمكن أن يكاتب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 258 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 23 ح 5 .

ــ[245]ــ

من غير فرق بين زكاة النقدين وغيرهما (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصادق (عليه السلام) مع ما بينهما من الفصل الطويل ؟! فلا مناص من وجود واسطة في البين فتكون مرسلة لا محالة (1) .

   وفيه ما لا يخفى ، بداهة أنّ الإرسال إنّما يتحقّق في مثل التعبير بـ  : «قال» أو : «روي» وما شاكلهما ، لا في مثل التعبير بـ «كتبت» ، فإنّه كقوله «سمعت» لا يطلق إلاّ في صورة المباشرة ومن دون أيّ واسطة كما لعلّه واضح جدّاً .

   والذي يغلب على الظنّ لو لم يكن مقطوعاً به أنّ المراد به هو الهادي (عليه السلام) ، والتوصيف بالصادق كالتوصيف بالعالم ـ وكلّهم صادقون عالمون ـ يراد به معناه الوصفي لا العنوان اللّقبي ، إذ الشائع الدارج على ألسنة الرواة وأرباب الحديث التعبير عن الإمام الصادق (عليه السلام) باسمه جعفر أو جعفر ابن محمّد ، أو كنيته أبو عبدالله (عليه السلام) ، وأمّا التعبير بالصادق فهو في غاية الندرة والقلّة ، وإنّما اشتهر (عليه السلام) بذلك في الأزمنة المتأخّرة . إذن فالرواية مسندة ومعتبرة ، ومع الغضّ عنها ففي الرواية السابقة السليمة عن المعارضة غنىً وكفاية حسبما عرفت .

   (1) هل التحديد بالخمسة دراهم ـ منعاً أو كراهةً ـ الوارد في صحيحة الحنّاط المتقدّمة يختصّ بالفضّة أو يعمّ كافّة الأعيان الزكويّة ؟

   الظاهر هو الثاني ، فإنّ هذا التقدير وإن كان هو أقلّ ما يجب في زكاة الفضّة إلاّ أنّ توصيفه في الصحيحة بأ نّه أقلّ ما فرضه الله من الزكاة في أموال المسلمين بعد ملاحظة جواز تبديل الزكاة عن كلّ جنس زكوي بالنقدين يكشف عن الإطلاق وعدم الاختصاص ، إذ الخمسة دراهم كما يمكن دفعها عن زكاة الفضّة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جامع الرواة 2 : 135 .

ــ[246]ــ

ولكن الأحوط عدم النقصان عمّا في النصاب الأوّل من الفضّة في الفضّة وهو خمس دراهم ، وعمّا في النصاب الأوّل من الذهب في الذهب وهو نصف دينار، بل الأحوط مراعاة مقدار ذلك في غير النقدين أيضاً ، وأحوط من ذلك مراعاة ما في أوّل النصاب من كلّ جنس ، ففي الغنم والإبل لا يكون أقلّ من شاة ، وفي البقر لا يكون أقل من تبيع ، وهكذا في الغلاّت يعطى ما يجب في أوّل حدّ النصاب .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net