تحرير محلّ الكلام :
الأوّل : أنّ محلّ الكلام في المسألة يلزم أن يكون العنوان الملازم الذي لا ينفكّ عن بعض العناوين المحرّمة نسباً أو سبباً ، كعنوان أُمّ الأخ وأُخت الابن وجدّة الابن ، دون العنوان الذي يمكن انفكاكه عنها ، كأُخت الأخ ، فإنّها قد تكون أُختاً فتحرم ، وقد لا تكون أُختاً فلا تحرم، كما إذا كان لزيد أخ من أُمّه دون أبيه وكان لذلك الأخ أُخت من أبيه ، فهي أُخت أخي زيد ، لكنّها ليست أُختاً لزيد ، لا من أُمّه ولا من أبيه ، فلا تحرم على زيد . وإذا لم تحرم أُخت الأخ ـ التي ليست بأُخت ـ في باب النسب فعدم حرمتها بالرضاع أولى ، فعدم تأثير الرضاع في مثل هذا العنوان ينبغي أن يخرج عن محلّ النزاع . نعم أُخت الأخ من الأبوين تحرم في النسب دائماً فتحرم مثلها من الرضاع أيضاً، بناءً على عموم التنزيل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة 1280 : لا ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعاً ، ولا في أولاد المرضعة ولادة لا رضاعاً ، فإذا أرضعت زوجة الجدّ للأُمّ طفلا من لبن جدّه لأُمّه(3)حرمت أُمّ المرتضع على أبيه(4)، ولا فرق في المرضعة بين أن تكون أُمّاً لأُمّ المرتضع ، وأن لا تكون أُمّاً لها ، بل تكون زوجة لأبيها . ــــــــــــــــــــــــــــ (1) رسالة في الرضاع (ضمن رسائل تسع مسمّاة بالرضاعيات والخراجيات) : 25 ، 17 . (2) السرائر 2 : 555 . (3) أي جدّ الولد لأُمّ الولد . (4) أي على أبي الولد ، وهي زوجته .
ــ[34]ــ
ما هو مقتضى الأصل ؟
الأمر الثاني : أنّ مقتضى الأصل في موارد الشكّ في تحقّق الرضاع المحرّم ، أو سببيّته لنشر الحرمة ، هل هو الحرمة أو الحلّ ؟
فنقول : أمّا الشبهة المصداقية بأن يشكّ في تحقّق أصل الرضاع أو بعض شروطه ، فإذا لم يكن ما يثبت ذلك المشكوك من أصل أو أمارة ، فمقتضى الاستصحاب عدم تحقّقه ، مثلا : إذا شكّ في أصل تحقّق الرضاع بين زيد وهند فالأصل عدمه ، وكذا إذا شكّ في مدّة الرضاع أو عدده ولم يعلم تحقّق المقدار المعتبر في التحريم . وإذا شكّ في تحقّق النكاح الصحيح بين الفحل والمرضعة أو كون الوطء بنحو الزنا ، فمقتضى أصالة الصحّة فيه كونه بنحو مشروع ، فيكون اللبن محرّماً . وكذا إذا شككنا في حياة المرضعة ، فمقتضى استصحاب حياتها تحقّق هذا الشرط .
وأمّا الشبهة الحكميّة ، كأن يشكّ في اشتراط نشر الحرمة بالرضاع بشكل خاصّ ، فإن كان هناك إطلاق يتمسّك به لنفي اعتبار ذلك الأمر فهو ، وإلاّ بأن كان الدليل مجملا ، أو كان معارضاً بإطلاق دليل آخر ، ولم تنته النوبة إلى الترجيح أو التخيير ، فلا مانع من التمسّك بعمومات الحلّ ، كالآية المتضمّنة لحلّ ما وراء العناوين المحرّمة(1) والآية المتضمّنة لإباحة نكاح ما طاب من النساء(2) لأنّ مقتضى العمومات جواز نكاح أيّة امرأة ، وقد خرج عن هذا العموم طوائف من النساء فإذا شكّ في اعتبار شيء في العنوان الخارج بالتخصيص كان المخصّص مردّداً بين الأقلّ والأكثر ، وحيث إنّه منفصل فالقاعدة في مثله تقتضي التمسّك بالعموم في مورد الشكّ . ــــــــــــــــــــــــــــ (1) النساء 4 : 24 . (2) النساء 4 : 23 .
ــ[35]ــ
أصالة الحل
ولا يخفى أنّه لا يمكن التمسّك في المقام بأصالة الحلّ ، لأنّها محكومة بأصالة عدم تحقّق الزوجيّة بين الشخصين اللذين يشكّ في تحقّق الحرمة بينهما بالرضاع ، وهذا بخلاف الشبهة المصداقية ، فإنّ استصحاب عدم تحقّق الزوجية فيها محكوم بالأصل المنقّح عدم تحقّق الرضاع ، لكون الشكّ في تحقّق الزوجيّة مسبّباً عن الشكّ في تحقّق الرضاع .
وأمّا أصالة الحلّ الواردة في رواية مسعدة بن صدقة المعتبرة التي يقول الإمام (عليه السلام) فيها : « والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البيّنة »(1) فقد تحقّق في محلّه(2) أنّ المراد ما يعمّ الأصل التنزيلي والأمارة المقتضيين للحلّ ، لا خصوص ما يساوق أصالة البراءة ، وذلك بقرينة ما ذكر فيها من الأمثلة فإنّ مثبت الملكيّة في العبد والثوب هي اليد ، ونافي الأُخوة والرضاع في الزوجة هو الاستصحاب .
هذا تمام الأمرين اللذين أردنا التنبيه عليهما .
ونقول بعد ذلك : ما يمكن أن يستدلّ به ، أو استدلّ به للقائلين بعموم المنزلة وجهان :
|