جواب المحقّق الخراساني (قدّس سرّه) :
وقد أجاب عن الاستدلال بهاتين الصحيحتين صاحب الكفاية المحقّق ــــــــــــــــــــــــــــ (1) الوسائل 20 : 391 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب6 ح10 . (2) الوسائل 20 : 404 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب16 ح1 .
ــ[38]ــ
الخراساني (قدّس سرّه) في رسالته الرضاعية(1) بأنّ المستفاد من التنزيل الذي تضمّنته الصحيحتان ليس إلاّ التنزيل بلحاظ حرمة تزويج أبي المرتضع بأولاد المرضعة أو صاحب اللبن ، ولا يستفاد منهما حكم تزويجه بغيرهنّ أو تزويج غيره بهنّ ، وأنّ السؤال عن جواز تزويجه وعدمه يوجب صرف وجه الإطلاق في التنزيل إلى التنزيل بلحاظ حرمة تزويجه بهنّ ، هذا .
المناقشة في جوابه :
ولا يمكن المساعدة على ما أفاده (قدّس سرّه) إذ هو خلاف المفهوم العرفي من الصحيحتين المتقدّمتين ، فإنّ التنزيل قد جاء بلسان التعليل للحكم بعدم الجواز في الصحيحة الثانية ، وبلسان تطبيق الكبرى على الصغرى في الصحيحة الاُولى ، ومن الواضح إفادة كلّ منهما العموم بالنظر العرفي ، نعم إذا كان التنزيل في مرتبة نفس الحكم كان قاصراً عن إفادة العموم ، كما في قوله (عليه السلام) في بعض روايات العصير العنبي : « هو خمر لا تشربه »(2) فإنّ مجيء الحكم بقوله (عليه السلام) : « لا تشربه » بالتنزيل بقوله : « هو خمر » يمنع عن استفادة الإطلاق من التنزيل المزبور فإنّه يصلح لكونه قرينة على اختصاص التنزيل بهذا الأثر ، ولا أقل من الاحتمال وهذا بخلاف ما إذا جاء التنزيل بلسان التعليل ، أو تطبيق الكبرى على الصغرى في ــــــــــــــــــــــــــــ (1) كتاب الرضاع (ضمن مجموعة من كتب الآخوند «قدّس سرّه» : 5 ـ 6 [مجموعة الكتب هذه مودعة في مكتبة السيّد النجفي المرعشي (قدّس سرّه) تحت عنوان : قطرات من يراع بحر العلوم] . (2) الوسائل 25 : 293 / أبواب الأشربة المحرّمة ب7 ح4 عن التهذيب 9 : 122 / 526 [لا يخفى أنّ الموجود في الوسائل «لا تشربه» من دون كلمة «خمر» نعم هي موجودة في التهذيب] .
ــ[39]ــ
الرتبة المتقدّمة على الحكم ، فإنّه يفيد العموم بلا ريب ، وعليه فلا مناص من استفادة عموم التنزيل من الصحيحتين المتقدّمتين .
والذي يوضّح ذلك أنّ العناوين المتضايفة كما هي متلازمة في مرحلة الثبوت والواقع متلازمة في مرحلة التنزيل ، فكما أنّ كون زيد أباً لعمرو لا ينفكّ في الواقع عن كون عمرو ابناً له ، فكذا في مرحلة التنزيل لا ينفكّ تنزيل زيد منزلة الأب لعمرو عن تنزيل عمرو منزلة الابن له. وهكذا تنزيل شخص منزلة ابن الأخ ، أو ابن الابن لشخص آخر لا ينفكّ عن تنزيل الآخر منزلة العمّ والجدّ ، وهكذا ، إلاّ أنّ ذلك لا يقتضي المصير إلى عموم المنزلة بالمعنى المصطلح عليه ، وهو شمول التنزيل للعناوين الملازمة ، فإنّ مقتضاه ـ مع غضّ النظر عمّا سيأتي(1) ـ ليس إلاّ التعدّي في الحكم بالحرمة إلى كلّ عنوان أصلي مترتّب على كون أولاد المرضعة أو صاحب اللبن أولاداً لأبي المرتضع ، فيكون المستفاد منها عموم التنزيل في المورد الخاص فيحرم على أخي أبي المرتضع أن يتزوّج بأولاد المرضعة أو صاحب اللبن لأنّه عمّهنّ ، ويحرم عليهم أن يتزوّجوا باُخت أبي المرتضع لأنّها عمّتهم ، كما يحرم أن يتزوّجوا باُمّ أبي المرتضع لأنّها جدّتهم ، ويحرم على أبي أبي المرتضع أن يتزوّج بهنّ لأنّه جدّهن . كما أنّ مقتضى ذلك حرمة تزويج أولاد المرضعة أو صاحب اللبن بأولاد أبي المرتضع ، لا من جهة أنّهم إخوة أخيهم ، فإنّ هذا العنوان كما تقدّم(2) لا يقتضي التحريم في النسب فضلا عن الرضاع ، بل لصيرورتهم إخوة لهم بالتنزيل المزبور فإنّ حقيقة الاُخوّة ليست إلاّ الاشتراك في الأب أو في الاُمّ أو في كليهما ، إلاّ في ــــــــــــــــــــــــــــ (1) في ص42 . (2) في ص33 .
ــ[40]ــ
الأخوين الرضاعيين ، فإنّ الشارع اعتبر هناك في الاُخوّة الاشتراك في الفحل ، ولم يكتف بالاشتراك بالاُمّ ، وبالتنزيل المزبور يصبح الأب الحقيقي لأولاد أبي المرتضع أباً تنزيلياً لأولاد المرضعة أو صاحب اللبن ، فيشتركون في أب واحد ، فتتحقّق الاُخوّة بينهم ، كما ذهب إليه الشيخ الأنصاري (قدّس سرّه) في رسالته الرضاعية(1)وإن كان الأشهر خلاف ذلك .
وما أورده عليه بعض الأساطين من اختلاف الاُخوّة والاشتراك في الأب مفهوماً ، وأنّ كلا منهما ليس عين الآخر ، وأنّ عنوان أولاد الأب عنوان ملازم للاُخوّة لا عينه ، لا يساعد عليه الفهم العرفي .
ثمّ إنّ مقتضى عموم التنزيل في الصحيحتين المتقدّمتين(2) حرمة زوجة أبي المرتضع ـ سواء أكانت اُمّاً للمرتضع أم لا ـ على أولاد صاحب اللبن أو المرضعة لأنّها حليلة أبيهم التنزيلي ، فتشملها الآية المتضمّنة لحرمة نساء الآباء على أولادهم(3).
|