اختلاف كلمات الأصحاب (قدس سرهم) في مبدأ وقت وجوب الفطره 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 14:الزكاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3769


ــ[460]ــ


فصل

في وقت وجوبها

   وهو دخول ليلة العيد((1)) جامعاً للشرائط (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) اختلفت كلمات الأصحاب (قدس سرهم) في مبدأ وقت وجوب الفطرة :

   فعن جماعة كثيرين : أ نّها تجب بغروب شمس آخر يوم من شهر رمضان جامعاً للشرائط ، كما صرّح به المحقّق في الشرائع والمعتبر والعلاّمة في جملة من كتبه والشهيد الثاني في المسالك ونقل عن الشيخ في الجمل والاقتصاد واختاره ابن حمزة وابن إدريس بل نسبه في الحدائق إلى المشهور بين المتأخّرين(2) .

   وعن جماعة آخرين : أنّ وقتها طلوع الفجر من يوم الفطر ، وإليه مال السيّد في المدارك(3) .

   ويستدلّ للمشهور بما رواه الصدوق بإسناده عن عليّ بن أبي حمزة ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في المولود يولد ليلة الفطر واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر «قال : ليس عليهم فطرة ، وليس الفطرة إلاّ على مَن أدرك الشهر» (4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل طلوع الفجر من يوم العيد .

(2) الشرائع 1 : 203 ، المعتبر 2 : 611 ، القواعد 1 : 359 ، التذكرة 5 : 391 ، النهاية 2 : 440 ، المسالك 1 : 452 ، الجمل والعقود (الرسائل العشر) : 209 ، الاقتصاد : 429 ، الوسيلة : 131 ، السرائر 1 : 469 ، الحدائق 12 : 297 .

(3) المدارك 5 : 344 .

(4) الوسائل 9 : 352 /  أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 1 ، الفقيه 2 : 116 / 500 .

 
 

ــ[461]ــ

   وبالصحيح عن معاوية بن عمّار ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن مولود ولد ليلة الفطر ، عليه فطرة ؟ «قال : لا ، قد خرج الشهر» وسألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر ، عليه فطرة ؟ «قال : لا» (1) .

   لكن الاُولى ضعيفة السند أوّلاً وإنّ عُبّر عنها بالصحيحة تارةً وبالمصحّحة اُخرى ، من أجل ضعف علي بن أبي حمزة الذي هو البطائني الكذّاب ، وما في الوسائل من ضبط علي بن حمزة بحذف كلمة «أبي» غلط والصواب ما أثبتناه (2) . على أنّ في طريق الصدوق إليه شيخه محمّد بن علي ماجيلويه ولم يوثّق ، ومجرّد الشيخوخة سيّما للصدوق لا تكفي في الوثاقة كما مرّ مراراً .

   وقاصرة الدلالة ثانياً ، إذ ليس مفادها ما عدا ثبوت الوجوب على من أدرك الشهر في قبال من لم يدرك ، فالإدراك شرط للوجوب ، وأمّا أنّ هذا الواجب متى وقته وما هو مبدؤه فلا تعرّض فيها لذلك بتاتاً ، ومن الجائز أن يكون الوقت طلوع الفجر مشروطاً بإدراك الشهر .

   وأمّا الثانية ـ أعني : صحيحة معاوية ـ فهي أولى بقصور الدلالة ، إذ ليس مفادها إلاّ نفي الوجوب عمّن لم يكن موجوداً في الشهر حقيقةً كالمولود ، أو حكماً كمن أسلم ، ولا تعرّض فيها بوجه لإثبات أصل الوجوب فضلاً عن بيان وقته .

   واستدلّ في المدارك للقول الآخر بعد اختياره بصحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الفطرة ، متى هي ؟ «فقال : قبل الصلاة يوم الفطر» قلت : فإن بقي منه شيء بعد الصلاة ؟ «قال : لا بأس ، نحن نعطي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 352 /  أبواب زكاة الفطرة ب 11 ح 2 .

(2) في الوسائل المحقّق جديداً : علي بن أبي حمزة .

ــ[462]ــ

عيالنا منه ثمّ يبقى فنقسّمه» (1) .

   وفيه أوّلاً : أنّ السؤال عن الفطرة بنفسها وأ نّها متى هي ظاهرٌ في عطائها وأدائها لا وجوبها ، ولا سيّما بقرينة قوله (عليه السلام) في الجواب : «لا بأس ، نحن نعطي» ، فهي ظاهرة في السؤال عن وقت الإخراج لا عن زمان الوجوب الذي هو محلّ الكلام .

   وثانياً : أ نّه لا دلالة لها بوجه على كون مبدأ الوقت طلوع الفجر كما هو المدّعى ، بل مفادها أنّ مبدأه طلوع الشمس الذي هو أوّل اليوم كما في سائر إطلاقات اليوم مثل : يوم المزدلفة وأيّام التشريق ونحوها ، فإنّ المبدأ في الكل أوّل طلوع الشمس ، وأمّا ما بين الطّلوعين فهو إمّا ملحق بالليل، أو حدّ متوسّط بينه وبين النهار ، فلازم الاستدلال بها الالتزام بأن مبدأه طلوع الشمس ولا قائل به .

   فالانصاف أنّ الروايات لا دلالة لها على شيء من القولين ، ولا يمكن الاستدلال بها على تعيين مبدأ الوجوب وأ نّه الغروب أو طلوع الفجر ، لعدم التعرّض فيها لشيء من الأمرين ، فتنتهي النوبة حينئذ إلى مراجعة الاُصول العمليّة ، وستعرف الحال فيها إن شاء تعالى .

   وأمّا ثمرة هذا البحث: فقد قيل أ نّها تظهر فيما لو مات بعد غروب ليلة العيد جامعاً للشرائط، فعلى الأوّل يجب الإخراج من تركته ، لفعليّة التكليف . بخلاف الثاني ، لوقوع الموت عندئذ قبل تعلّق الخطاب وحدوث الإيجاب .

   ولكنّها مبنيّة على القول بكون زكاة الفطرة كزكاة المال حقّاً ماليّاً متعلّقاً بالعين ، ليكون حالها حال سائر الديون المحكومة بلزوم الإخراج من التركة . وأمّا بناءً على ما هو الأظهر من كونها حكماً تكليفيّاً محضاً من غير أن يتضمّن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 354 /  أبواب زكاة الفطرة ب 12 ح 5 .

ــ[463]ــ

الوضع بوجه ـ لقصور الأدلّة عن إفادة أزيد من ذلك كما عرفته فيما سبق ـ فتلغو هذه الثمرة ، بداهة سقوط التكليف بالموت فلا تخرج عن التركة على كلّ حال .

   نعم ، تظهر الثمرة في وجوب حفظ القدرة وعدمه ليلة العيد ، إذ على الثاني جاز له تفويت جميع أمواله وجعل نفسه فقيراً عند طلوع الفجر كي لم يكن مشمولاً للخطاب آنذاك ، لعدم وجوب حفظ القدرة قبل تعلّق التكليف . بخلافه على الأوّل ، لفعليّة الوجوب لدى الغروب وتنجّز التكليف عند دخول الليل المانع عن تفويت القدرة ، فيجب حفظها للصرف في الامتثال : إمّا فعلاً على القول باتّحاد وقتي الوجوب والإخراج ، أو بعد الطلوع بناءً على التفكيك وتأخّر الثاني وكونه من قبيل الواجب التعليقي .

   هذا ، وقد تقدّم دعوى الإجماع على لزوم استجماع الشرائط لدى غروب ليلة العيد ، فإن تمّ فلا كلام ، وإلاّ فتكثر الثمرة بين القولين ، كما لو بلغ الصبي أو تحرّر العبد أو زال الجنون أو أعال شخصاً أو صار غنيّاً أثناء الليل ، فإنّه لا تجب الفطرة على القول الأوّل ، لعدم استجماع الشرائط أوّل الوقت ، وتجب على الثاني ، لحصولها حينئذ ، وقد تقدّم أنّ الأظهر عدم قيام الإجماع ، ولم يرد نصّ إلاّ بالإضافة إلى خصوص المولود والكافر الذي أسلم ، فيجب الاقتصار عليهما ولا موجب للتعدّي (1) .

   وإذ قد عرفت الثمرة فيقع الكلام فيما يقتضيه الأصل العملي بعد ما عرفت من قصور الأدلّة عن إثبات شيء من القولين ، والبحث فيه يقع تارةً من حيث ثبوت الوجوب ليلة العيد ، واُخرى من حيث جواز الإخراج وقتئذ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وتظهر الثمرة أيضاً فيما لو صار فقيراً أو زال العقل أو زالت العيلولة أثناء الليل واستمرّ إلى زوال يوم العيد .

ــ[464]ــ

   أمّا الأوّل : فلا ينبغي التأمل في أنّ مقتضى الاستصحاب عدم تعلّق الخطاب إلى زمان اليقين بحدوثه وهو ما بعد طلوع الفجر ، فإنّ الوجوب مقطوع الثبوت حينئذ باتّفاق الأصحاب ، بل يمكن استفادته من صحيحة العيص المتقدّمة ، بناءً على كون «يوم الفطر» متعلّقاً بقوله : «قبل الصلاة» أي قبل الصلاة من يوم الفطر ، فإن مبدأ صلاة العيد هو أوّل طلوع الشمس ، فطبعاً يكون قبل الصلاة قبل طلوع الشمس ، فتدلّ على ثبوت الوجوب فيما بين الطلوعين .

   وكيف ما كان ، فلا شكّ في أنّ الوجوب المشكوك حدوثه في الليل محكومٌ بالعدم بمقتضى الاستصحاب ، فيجوز له تفويت المال ولا يجب التحفّظ عليه قبل طلوع الفجر .

   وأمّا الثاني ـ أعني : الإخراج ليلة العيد ـ : فإن اعتمدنا على النص الدالّ على جواز الإخراج حتّى في شهر رمضان بل من أوّل يوم من الشهر ـ وسيجيء البحث حوله قريباً إن شاء تعالى(1)  ـ فجواز الإخراج ليلة العيد بطريق أولى كما لا يخفى .

   وأمّا لو لم نعتمد عليه وقطعنا النظر عنه فالظاهر عدم الاجتزاء بالإخراج ليلاً ، للشكّ في الخروج عن عهدة الامتثال بذلك .

   وما يقال من أنّ المرجع حينئذ أصالة البراءة عن تقييد الإخراج بكونه في النهار ، للشكّ في شرطيّة اليوم للإعطاء .

   مدفوعٌ بأنّ البراءة عن الشرطيّة والتقيّد فرع إحراز أصل التكليف ليتعلّق الشكّ بقيده ، فيدفع بأصل العدم ، وهو مشكوك في المقام ، بل محكوم بالعدم بمقتضى الاستصحاب إلى مطلع الفجر كما تقدّم ، وعندئذ فيكون التقيّد باليوم قهريّاً وإن لم يكن شرطيّاً ملحوظاً في نفس الواجب ، نظير الأمر بالصلاة بعد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 472 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net