ــ[45]ــ
الفصل الأوّل
في حكم المرتضع
الفصل الأوّل : في حكم المرتضع بالإضافة إلى غيره ، ويتمّ بيانه في ضمن مسائل :
1 ـ حرمة المرضعة على المرتضع
المسألة الاُولى : تحرم المرضعة على المرتضع ، لأنّها بالإرضاع تكون اُمّاً له وقد دلّ على ذلك الكتاب(1) والسنّة(2) كما تقدّم .
2 ـ حرمة اُصول المرضعة على المرتضع
المسألة الثانية : تحرم اُصول المرضعة على المرتضع ، لأنّهم يكونون أجداداً وجدّات له ، فلا يجوز أن يتزوّج أبو المرضعة فصاعداً بالمرتضعة ، كما لا يجوز أن يتزوّج المرتضع باُمّ المرضعة فصاعداً . وكذا الحكم في حواشي اُصول المرضعة كأخي أبي المرضعة واُخته ، وأخي اُمّ المرضعة واُختها ، لأنّهم يكونون أعماماً وعمّات وأخوالا وخالات .
ولا فرق في حرمة اُصول المرضعة على المرتضع بين النسبيين والرضاعيين كما سيظهر إن شاء الله في المسألة الثالثة . ــــــــــــــــــــــــــــ (1) النساء 4 : 23 الناطقة بحرمة الاُمّ من الرضاعة . (2) الوسائل 20 : 371 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب1 ح1 « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » .
ــ[46]ــ
3 ـ حرمة حواشي المرضعة على المرتضع
المسألة الثالثة : تحرم حواشي المرضعة على المرتضع ، فلا يجوز أن يتزوّج المرتضع باُخت المرضعة ، لأنّها خالته من الرضاعة ، كما لا يجوز أن يتزوّج أخو المرضعة بالمرتضعة ، لأنّها بنت اُخته من الرضاعة .
وما ذكرناه من الحكم في هذه المسألة والمسألة السابقة لا إشكال فيه ولا خلاف إذا كانت علقة الاُصول والحواشي بالمرضعة علقة نسبية . وأمّا إذا كانت علقتهم بها رضاعية فالمشهور هو الحكم بالحرمة أيضاً ، إلاّ أنّ العلاّمة في القواعد(1) والمحقّق الثاني في جامع المقاصد(2) خالفا في ذلك ، وحكما بعدم الحرمة ، واستندا في ذلك إلى اعتبار اتّحاد الفحل في نشر الرضاعِ الحرمةَ مطلقاً وحيث إنّ وحدة الفحل غير متحقّقة في هذه الموارد ـ لأنّ العلقة بين المرتضع واُصول المرضعة أو حواشيهم أو حواشيها الرضاعيين قائمة برضاعين ، وصاحب اللبن في كل من الرضاعين غير صاحب اللبن في الآخر بالطبع ـ فلا حرمة في البين .
ويرد على ذلك : أنّ اعتبار وحدة الفحل بمقتضى ما يفهم من أدلّة اعتبارها(3) إنّما هو في تحقّق الاُخوّة الرضاعية بين شخصين ، فإذا ارتضع شخصان الرضاع المحرّم من امرأة واحدة مثلا ، وكان اللبن في رضاع كليهما لشخص واحد تحقّقت الاُخوّة بينهما ، كما تتحقّق الحرمة بين كلّ منهما وكلّ من الفحل والمرضعة . وإذا كان اللبن في رضاع أحدهما لشخص وفي رضاع الآخر لشخص آخر ، لم تتحقّق الاُخوّة بينهما ، وإن حرم كلّ منهما على كلّ من الفحل والمرضعة . ــــــــــــــــــــــــــــ (1) قواعد الأحكام 3 : 27 / ي . (2) جامع المقاصد 12 : 257 ، 228 . (3) الوسائل 20 : 388 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب6 .
ــ[47]ــ
ففي المقام يعتبر أن يكون رضاع المرتضعة ورضاع أخيها أو اُختها الرضاعيين من لبن شخص واحد ، فإذا تحقّق ذلك تحقّقت الاُخوّة بينهما، فتحرم على أخيها الرضاعي بنتها الرضاعيّة ، كما تحرم عليها بنتها النسبية . وكذا يحرم على اُختها الرضاعية ابنها الرضاعي ، كما يحرم عليها ابنها النسبي ، فتقييد إطلاق أدلّة الرضاع بوحدة الفحل إنّما هو في مورد خاص ، والإطلاق في سائر الموارد باق بحاله .
مضافاً إلى دلالة صحيحة الحلبي على ذلك ، قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يرضع من امرأة وهو غلام ، أيحلّ له أن يتزوّج اُختها لاُمّها من الرضاعة ؟ فقال : إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا يحلّ ، وإن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين فلا بأس بذلك »(1).
وكذا موثّقة عمّار الساباطي ، قال : « سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن غلام رضع من امرأة ، أيحلّ له أن يتزوّج اُختها لأبيها من الرضاع ؟ فقال لا ، فقد رضعا جميعاً من لبن فحل واحد من امرأة واحدة ; قال : فيتزوّج اُختها لاُمّها من الرضاعة ؟ قال فقال : لا بأس بذلك ، إنّ اُختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت الغلام ، فاختلف الفحلان ، فلا بأس »(2).
4 ـ حرمة فروع المرضعة على المرتضع
المسألة الرابعة : تحرم على المرتضع فروع المرضعة نسباً وإن نزلوا ، سواء أكان أبوهم فحلا للمرتضع أم لا ، لتحقّق الاُخوّة من قبل الاُمّ بينه وبينهم بالرضاع .
ولا يشترط اتّحاد الفحل هنا ، بلا خلاف ظاهراً ، لإطلاق الآية المباركة ــــــــــــــــــــــــــــ (1) الوسائل 20 : 389 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب6 ح3 . (2) الوسائل 20 : 388 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب6 ح2 .
ــ[48]ــ
المتضمّنة لحرمة الأخوات من الرضاعة(1)، وقوله (عليه السلام) : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب »(2).
مضافاً إلى موثّقة جميل ـ بأحمد بن الحسن بن علي بن فضّال ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « إذا رضع الرجل من لبن امرأة حرم عليه كلّ شيء من ولدها وإن كان من غير الرجل الذي كانت أرضعته بلبنه »(3) وهي صريحة الدلالة على ذلك .
ولكن تعارضها صحيحة صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن (عليه السلام) في حديث قال « قلت له : أرضعت اُمّي جارية بلبني ، فقال : هي اُختك من الرضاعة قلت : فتحلّ لأخ لي من اُمّي لم ترضعها اُمّي بلبنه ـ يعني ليس بهذا البطن ولكن ببطن آخر ـ ؟ قال : والفحل واحد ؟ قلت : نعم ، هو أخي لأبي واُمّي ، قال : اللبن للفحل ، صار أبوك أباها واُمّك اُمّها »(4) فإنّها بمقتضى الاستفصال بقوله (عليه السلام) : « والفحل واحد » تدلّ على اعتبار وحدة الفحل في المقام ، حيث إنّ ظاهرها أنّ الأخ أخ نسبي بمقتضى إضافة اللبن إليه .
ولكنّها بمقتضى إعراض المشهور عنها ساقطة عن الحجّية ، على ما هو المعروف بينهم من سقوط الحجّية بالإعراض .
وأمّا بناءً على ما اخترنا ـ من أنّ الشهرة العمليّة ليست جابرة ، وأنّ إعراض المشهور لا يوجب سقوط الحجّية ـ فلابدّ من إعمال قواعد التعارض بين الموثّقة ــــــــــــــــــــــــــــ (1) النساء 4 : 23 . (2) الوسائل 20 : 371 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب1 ح1 ، 3 ، 7 . (3) الوسائل 20 : 403 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب15 ح3 . (4) الوسائل 20 : 395 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب8 ح3 .
ــ[49]ــ
والصحيحة ، وحيث إنّ الموثّقة موافقة للكتاب والسنّة ، والصحيحة مخالفة لهما ـ لأنّ إطلاقهما يقتضي عدم اعتبار وحدة الفحل في المقام كما تقدّم ـ فالترجيح للموثّقة .
هذا مضافاً إلى الاضطراب الموجود في متن الصحيحة ، حيث إنّ المناسب للمقام أن يقول عقيب قوله (عليه السلام) : « اللبن للفحل » : أبوه أباها واُمّه اُمّها . إذ مورد الكلام هو الأخ والجارية ، لا السائل والجارية .
وأمّا اختلافهما من حيث الصحّة والتوثيق فلا يوجب ترجيح الصحيحة لأنّ الترجيح بصفات الراوي إنّما هو في الحكم ، لا في الرواية .
وأمّا فروع المرضعة رضاعاً فيشترط في حرمتهم على المرتضع اتّحاد الفحل كما هو المشهور ، خلافاً للطبرسي(1)، حيث إنّه لم يعتبر اتّحاد الفحل في تحقّق الاُخوّة بالرضاع ، وسيأتي تضعيفه في محلّه(2).
ويتبع الطبقة الاُولى من فروع المرضعة بالنسب أو الرضاع في الحرمة على المرتضع سائر الطبقات ، لأنّهم يكونون أولاد إخوة المرتضع .
ولا يخفى أنّ خلاف العلاّمة والمحقّق الثاني (قدّس سرّهما)(3) آت هنا ، فمقتضى ظاهر كلامهما عدم حرمة غير الطبقة الاُولى من فروع المرضعة الرضاعيين ، لعدم اتّحاد الفحل ، وإن كان كلامهما وارداً في مورد المسألة الثانية والثالثة من هذا الفصل . ــــــــــــــــــــــــــــ (1) [لاحظ المؤتلف من المختلف 2 : 281 ، مجمع البيان 3 : 28 ـ 29 ، فإنّه لم يصرّح بذلك نعم حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب النكاح (إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم 20) : 339 / المسألة التاسعة] . (2) راجع ص86 وما بعدها . (3) المتقدّم في ص46 .
ــ[50]ــ
5 ـ حرمة المرتضع على الفحل
المسألة الخامسة : يحرم المرتضع إذا كان اُنثى على الفحل إجماعاً ، لأنّها بنته من الرضاع .
6 ـ حرمة المرتضع على اُصول الفحل
المسألة السادسة : يحرم المرتضع على اُصول الفحل ، لأنّهم يصيرون بالرضاع أجداداً وجدّات له ، من غير فرق بين الاُصول النسبيين والاُصول الرضاعيين وخلاف العلاّمة والمحقّق الثاني آت هنا أيضاً .
وفي حكم اُصول الفحل من في حاشية نسب اُصول الفحل ، ومن في حاشية رضاعهم ، لأنّهم أعمام وعمّات وأخوال وخالات .
7 ـ حرمة المرتضع على من في نسب الفحل أو رضاعه
المسألة السابعة : يحرم المرتضع على من في حاشية نسب الفحل أو رضاعه لأنّهم عمومته . ويأتي خلاف العلاّمة والمحقّق الثاني هنا في الحاشية الرضاعية أيضاً .
8 ـ حرمة المرتضع على فروع الفحل
المسألة الثامنة : يحرم المرتضع على فروع الفحل نسباً ورضاعاً ، لأنّهم إخوة وأولاد إخوة ، ولا فرق بين أن يكون رضاعهم من مرضعة المرتضع وأن يكون من غيرها ، كما يدلّ على ذلك بعض الأخبار(1). ويأتي هنا أيضاً خلاف العلاّمة والمحقّق الثاني في غير الطبقة الاُولى من فروعه الرضاعيين .
هذا تمام الفصل الأوّل . ــــــــــــــــــــــــــــ (1) وهي الأخبار الدالّة على أنّ العبرة بوحدة الفحل في تحقّق الاُخوّة الرضاعية ، الواردة في الوسائل 20 : 388 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب6 ، 394 / ب8 .
|