لو وجد الكنز في دار الإسلام وعليه أثر الإسلام - حكم الكنز في أرض مبتاعة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 15:الخُمس   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 8119


   وإنّما الكلام فيما إذا وجد في دار الإسلام وكان عليه أثر الإسلام ، كما لو كانت سكّة عبّاسيّة أو أمويّة ونحوهما ، فهل يجري عليه حكم الكنز من التملّك والتخميس ، أو حكم اللقطة ليحتاج إلى التعريف ؟

   ومحلّ الكلام ما إذا وجد في الأماكن العامّة كالمباحات الأصليّة أو ما هو ملك للإمام كالأنفال ، أو للمسلمين كالأراضي المفتوحة عَنوةً ـ وقد تقدّم سابقاً أنّ ملكيّة المسلمين لها لا تستلزم ملكيّة ما في أجوافها من الكنوز والمعادن(1) ـ ونحو ذلك من الآجام وبطون الأودية وغيرها ممّا لم يكن ملكاً شخصيّاً لأحد .

   فقد ذهب جماعة ـ منهم المحقّق في الشرائع وغيره والعلاّمة (2) ـ إلى أ نّه داخل في عنوان اللقطة .

   وذهب جماعة آخرون ـ ومنهم صاحب المدارك (3) ـ إلى أ نّه داخل في عنوان الكنز ويجري عليه حكمه .

   واستدلّ القائلون بأ نّه من اللقطة :

   تارةً : بأصالة عدم جواز تملّكه من غير تعريف ، حيث إنّ الملكيّة أمر حادث يحتاج ثبوته إلى الدليل ومقتضى الأصل عدمه .

   واُخرى : بأنّ كونه في دار الإسلام أمارة كونه لمحترم المال من مسلم أو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 58 .

(2) الشرائع 1 : 207 ، المختلف 3 : 192 .

(3) المدارك 5 : 371 ـ 372 .

ــ[79]ــ

ذمّي ، حيث إنّ مَن في هذه الدار محكومٌ بحقن الدم والمال ، فما لم يثبت أ نّه فيء للمسلمين لا يجوز تملّكه ، بل يجب الفحص عن مالكه .

   وثالثةً : بموثّقة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : قضى علي (عليه السلام) في رجل وجد ورقاً في خربة : أن يعرّفها ، فإن وجد من يعرفها ، وإلاّ تمتّع بها» (1) .

   حيث دلّت على عدم جواز استملاك الورق قبل تعريفها . وقد حملوها على الكنز باعتبار أنّ الورق الموجود في الخربة إذا لم يكن كنزاً مذخوراً تحت الأرض لا معرّف له ليعرف ، إذ لا علامة له حينئذ ، فإنّه سكّة من درهم أو دينار كغيره من المسكوكات فكيف يمكن تعريفه ؟!

   ومع التنزّل فلا أقلّ من الإطلاق ، أي سواء كان الورق على وجه الخربة أم كنزاً مذخوراً تحت الأرض . وعلى أيّ حال فلا يجوز استملاك ما وجد في دار الإسلام وعليه أثر الإسلام من غير تعريف .

   هذا ، وقد أورد غير واحد على الأصل المزبور بأنّ مقتضاه جواز التملّك لا عدمه ، إذ المحترم إنّما هو مال المسلم ، ومن في حكمه كالذمّي وغيره لا احترام له ، فمع الشكّ في أ نّه لمسلم أو لغيره كان مقتضى الأصل عدم وضع المسلم يده على هذا المال ، فيجوز استملاكه بعد إحراز عدم احترامه بمقتضى هذا الأصل . ومجرّد كونه في بلاد الإسلام لا يكون أمارة على أ نّه لمسلم . نعم ، غايته الظنّ ، وهو لا يغني عن الحقّ ، فلا يمنع عن إجراء الأصل المذكور .

   واُورد على هذا الإيراد أيضاً بأنّ مقتضى الأصل عدم جواز التصرّف في مال أيّ أحد ما لم يثبت جوازه ، فإنّ أخذ المال ظلم وتعدٍّ وهو قبيح ، إلاّ ما ثبت بدليل مثل مال الكافر الحربي وليس ذلك منوطاً بالإسلام ، بل الكفر مانع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 25 : 448 / كتاب اللقطة ب 5 ح 5 .

ــ[80]ــ

لا أنّ الإسلام شرط ، فإذا شككنا في مال أ نّه لمسلم أو لحربي كان مقتضى الأصل عدم جواز التصرّف فيه ، لا أنّ مقتضى الأصل جوازه إلاّ إذا ثبت أ نّه لمسلم ، بل الأمر بالعكس ، فلا يجوز التصرّف إلاّ إذا ثبت أ نّه لحربي أو بوجه آخر كحقّ المارّة ونحو ذلك .

   والحاصل : أنّ أصالة الاحترام من غير إناطة بالإسلام هي المعوّل عليها في كافّة الأموال بالسيرة العقلائيّة وحكومة العقل القاضي بقبح الظلم كما عرفت ، إلاّ إذا ثبت إلغاؤه والإذن في التصرّف فيه بدليل خاصّ ، كما ثبت في الكافر الحربي بإذن من مالك المملوك الموجب لخروج ذلك عن عنوان الظلم . وقد ورد هذا المضمون في التوقيع الشريف وأ نّه لا يجوز التصرّف في مال أحد إلاّ بإذنه، وإن كان سنده ضعيفاً، إلاّ أ نّه مؤيِّد للمطلوب . وهذا الإيراد وجيهٌ جدّاً .

   ومن هنا لا ينبغي الشكّ من أحد حتى من صاحب المدارك في أ نّا إذا وجدنا شخصاً مجهول الحال في بادية وشككنا في أ نّه مسلم أو كافر حربي لا يجوز لنا أخذ ماله بأصالة عدم إسلامه ، أو لو رأيناه قد وضع ماله في مكان معيّن أو ادّخره فيه فإنّه لا يسوغ لنا استملاكه بإجراء الأصل المزبور بالضرورة .

   وعلى الجملة : فجواز التصرّف في الأموال يتوقّف على إحراز الجواز إمّا بإذن من المالك أو من مالك المملوك ، فأصالة عدم وضع المسلم يده على هذا المال لا أساس لها بتاتاً ولا يترتّب عليها أيّ أثر حسبما عرفت ، بل لا بدّ من الفحص والتعريف ، ولا يجري حكم الكنز .

   وأمّا الموثّقة فقد اُجيب عنها بعدم وضوح ورودها في الكنز ، بل الظاهر أ نّها واردة في اللقطة غير الصادقة على الكنز بالضرورة ، إذ اللقطة هي المال الضائع ، فلا ينطبق على الكنز الذي هو المال المدّخر في مكان معيّن وإن ذُكِر في كلام العلاّمة وغيره أ نّه لقطة .

 
 

ــ[81]ــ

   وهذا الجواب أيضاً يمكن منعه بما عرفت من أنّ الورق الموجود في الخربة بمناسبة الحكم والموضوع لا بدّ وأن يراد بها الكنز ، لعدم إمكان التعريف لو لم يكن كنزاً ، لتوقّفه على علامة ، ولم يفرض وجودها في الرواية ، بل أنّ المنسبق إلى الذهن من مثل قولنا : وجدت في خربة ورقاً ، هو الكنز ، ولا أقلّ من الشمول له بالإطلاق ، فحملها على اللقطة بعيدٌ كما لا يخفى .

   فهذه الموثّقة تدلّنا أيضاً على أنّ هذا المال حكمه حكم اللقطة ولا بدّ من الفحص ، ولا يجري عليه حكم الكنز .

   هذا ، ومع ذلك كلّه فالظاهر أنّ ما ذكره صاحب المدارك ـ ولعلّه المشهور بين المتأخّرين ـ من وجوب الخمس وإجراء حكم الكنز عليه لا اللقطة ولا مجهول المالك هو الصحيح .

   والوجه فيه أمّا مع قطع النظر عن النصّ وهي الموثّقة ، فهو أ نّه إن كانت قرينة على أ نّه لمحترم المال من مسلم او ذمّي أو احتملنا ذلك فمقتضى الأصل عدم جواز التصرّف فيه كما ذكروه .

   وأمّا إذا علمنا أ نّه ادّخره إنسان منذ عهد قديم وفي الأزمنة السابقة البالغة مئات السنين كما هو الغالب في الكنوز حيث لا يحتمل عادةً حياة مدّخرها بل قد مات جزماً مسلماً كان أم كافراً وقد خرج الكنز عن ملكه قطعاً :

   فحينئذ إن علمنا بأنّ له وارثاً محترم المال من مسلم أو ذمّي قد انتقل الملك إليه نسلاً بعد نسل إلى زماننا هذا وإن لم يعرف المالك الفعلي بشخصه ، كان مقتضى القاعدة حينئذ لزوم الفحص عنه ، فإنّه وإن لم يدخل في عنوان اللقطة إلاّ أ نّه من مجهول المالك فلا يمكن تملّكه وإخراج خمسه .

   وأمّا إذا لم يحرز ذلك كما هو الغالب حيث لم يعلم ثبوت الوارث بالفعل ، إمّا لعدم ثبوته من أصله ، أو كان وقد انقرض ، فمقتضى القاعدة حينئذ الانتقال إلى الإمام ، لأصالة عدم وجود وارث محترم ، فيدخل في موضوع من مات ولم

ــ[82]ــ

يكن له وارث ، المحكوم بالدخول في ملك الإمام .

   فالكنز في المقام حيث أصبح بلا مالك بمقتضى أصالة عدم الوارث فهو بتبع الأرض المدفون فيها فيءٌ للإمام وقد أباحه (عليه السلام) للمسلمين ، كما هو الشأن في كلّ أرض لا ربّ لها فيملكه الواجد وعليه خمسه .

   ونظير ذلك ما نجده من أجزاء العمارات السابقة والأبنية العتيقة الخربة البائد أهلها من خشب أو طابوق أو آجر ونحو ذلك ، كما نشاهدها الآن في الكوفة وغيرها ممّا كان ملكاً لبني العبّاس أو بني اُميّة أو لكافر محترم المال ، فإنّ مقتضى الأصل جواز استملاكها والتصرّف فيها ، لكونها من المباحات المنتقلة إلى الإمام (عليه السلام) التي أباحها لشيعته .

   فإذا كان الكنز من هذا القبيل جاز تملّكه ووجب خمسه حسبما عرفت .

   وأمّا بالنظر إلى النصّ فالموثّقة وإن كانت ظاهرة فيما ذكروه بقرينة الفحص والتعريف ، إلاّ أ نّه لا بدّ من حملها على خربة لها مالك موجود بالفعل لم يعرض عنها ، فيجب الفحص والتعريف ، لكونه من مجهول المالك ، دون الخربة التي أعرض عنها مالكها ، فإنّ المال حينئذ لواجده بلا تعريف وعليه خمسه .

   والقرينة على هذا الحمل صحيحة محمّد بن مسلم المشتملة على عين السؤال المذكور في الموثّقة ، قال : سألته عن الدار يوجد فيها الورق «فقال : إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم ، وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحقّ به» (1) .

   فهذه الصحيحة تقيّد الموثّقة وتدلّ على اختصاص التعريف بغير فرض الجلاء ، وأمّا مع الجلاء والإعراض فالورق لواجده من غير تعريف ، فلا يدخل في اللقطة ولا في مجهول المالك ، بل يدخل في الكنز فيملك ويخمّس ، كما لعلّه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 25 : 447 / كتاب اللقطة ب 5 ح 1 .

ــ[83]ــ

المشهور بين المتأخّرين .

   وملخّص الكلام : أنّ مقتضى الأصل وإن كان هو عدم جواز التصرّف في ملك الغير من غير إذن من المالك أو من الشارع ، إلاّ أنّ محلّ الكلام هو الكنز الذي لم يعرف له مالك موجود بالفعل لموت المدخّر وعدم العلم بوجود الوارث ، فيكون المرجع حينئذ أصالة عدم الوارث ، المحقّق لكونه من الأنفال وملكاً للإمام بتبع الأرض وقد أباحه (عليه السلام) لشيعته ، فيكون ملكاً لواجده وعليه خمسه ، فلا يجري عليه حكم اللقطعة أو مجهول المالك .

   هذا ، مضافاً إلى صحيحة محمّد بن مسلم الصريحة في ذلك حسبما عرفت ، ولولا ما ذكرناه ـ من الأصل والصحيحة ـ لأمكن المناقشة في القسم السابق أيضاً ، إذ لم يكن حينئذ فرقٌ بين هذا القسم ـ أعني : ما وجد في دار الإسلام وعليه أثر الإسلام ـ وبين القسم السابق ـ أي ما لم يكن عليه أثر الاسلام ـ فلم يجز استملاكه أيضاً ولزم إجراء حكم اللقطة عليه ، ضرورة أنّ مجرّد عدم الاشتمال على أثر الإسلام لا يكشف عن عدم كونه ملكاً للمسلم، لجواز استملاك المسلم سكّة غير إسلاميّة ، فإنّ بين الأمرين عموماً من وجه ، فكما أنّ السكّة الاسلاميّة يمكن أن تكون لغير المسلم فكذا المسلم يمكن أن يملك سكّة غير اسلاميّة ، فلم تصحّ التفرقة بين القسمين ، مع أ نّهم ادّعوا الإجماع على جواز الاستملاك في القسم السابق حسبما عرفت .

   هذا ، ويمكن أن يستدلّ للمطلوب بالإطلاق في بعض نصوص الخمس في الكنز ، فإنّ الموضوع في بعضها وإن كان هو الكنز المملوك لواجده من غير نظر إلى حصول الملك وعدمه ، فلم تكن إلاّ في مقام بيان وجوب الخمس بعد الفراغ عن كون الكنز مملوكاً على الوجه المقرّر شرعاً ، كصحيح الحلبي : أ نّه سأل

ــ[84]ــ

أبا  عبدالله (عليه السلام) عن الكنز ، كم فيه ؟ «فقال : الخمس» (1) .

   إلاّ أنّ بعضها الآخر كما يدلّ على وجوب الخمس يدلّ على ملكيّته لواجده ، كصحيحة عمّار بن مروان ـ وهو اليشكري الثقة ـ قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «فيما يخرج من المعادن، والبحر، والغنيمة، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه ، والكنوز ، الخمس» (2).

   فإنّ المستفاد من مثل ذلك بحسب الفهم العرفي أنّ واجد الكنز يملك الأربعة أخماس الباقية بعد إخراج الخمس كواجد المعدن والغوص والغنيمة ونحوها ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق في حصول الملك بين ما كان عليه أثر الإسلام وما لم يكن ، من غير توقّف على التعريف .

   ونحوها صحيحة ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز، والمعادن» إلخ(3) ، بالتقريب المتقدّم .

   وهذه الرواية معتبرة ، فإنّ أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني وإن لم يوثّق في كتب الرجال إلاّ أ نّه شيخ الصدوق وقد وثّقه صريحاً . وما في الوسائل من ضبط : عن جعفر ، بدل : بن جعفر ، غلط ، والصحيح ما أثبتناه (4) .

   والمتحصّل من جميع ما قدّمناه : أنّ الأقوى أنّ الكنز مطلقاً ملكٌ لواجده ، سواء أكان عليه أثر الإسلام وكان في بلد الإسلام أم لا ، كما لعلّه المشهور بين المتأخّرين حسبما مرّ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 495 /  أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 1 .

(2) الوسائل 9 : 494 /  أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 6 .

(3) الوسائل 9 : 494 /  أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 7 .

(4) راجع في ذلك كلّه ص 71 .

ــ[85]ــ

ولو كان في أرض مبتاعة مع احتمال كونه لأحد البائعين عرّفه((1)) المالك قبله ، فإن لم يعرّفه فالمالك قبله(1) وهكذا فإن لم يعرّفوه فهو للواجد وعليه الخمس.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) وفي حكم البيع ما لو انتقل بناقل آخر من هبة أو إرث ونحو ذلك ، فقد ذكر المشهور أ نّه يرجع إلى من انتقل عنه ، فإن عرفه فهو ، وإلاّ رجع إلى المالك قبله وهكذا ، فإن يئس يعامَل معاملة مجهول المالك فيتصدّق على الفقراء ، ولا يدخل في عنوان الكنز فإنّ له مالكاً محترماً وإن كان مجهولاً . ولأجله يجب التصدّق .

   واستدلّوا عليه بقاعدة اليد بتقريب أنّ اليد التي كانت على هذا المال أمارة الملك ومن ثمّ وجب الرجوع على ذي اليد ، فإن عرّفه ، وإلاّ سقطت يده عن الحجّيّة باعترافه أنّ المال ليس له ، وتحيى عندئذ اليد السابقة ، إذ هي إنّما سقطت عن الأماريّة لمكان اليد التي بعدها ، فإذا سقطت اللاّحقة سلمت السابقة .

   وهذا الوجه كما ترى ، بل لعلّه واضح الفساد ، ضرورة أنّ اليد أمارة الملكيّة من غير توقّف على التعريف والسؤال ، فلو كانت اليد حجّة في المقام فاللاّزم الدفع إلى ذي اليد من غير إناطة على التعريف ، اللّهمّ إلاّ أن يعترف هو بالخلاف وينفيه عن نفسه، وإلاّ فما دام لم ينفه كان له من غير حاجة إلى الفحص والتحقيق، ولذا لو كان ميّتاً يدفع إلى وارثه ، أو مجـنوناً يدفع إلى وليّه من غير سؤال واستعلام ، فلا يمكن التمسّك بقاعدة اليد لإثبات التعريف .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محلّ الكلام هو الكنز الذي لا يعرف له مالك بالفعل ، وفي مثله لا موجب لتعريفه بالنسبة إلى أحد البائعين ، فإنّ المفروض انقطاع يدهم عن الأرض المبتاعة فحالهم حال غيرهم في ذلك ، فالظاهر أ نّه للواجد بلا حاجة إلى التعريف .

ــ[86]ــ

   ومن هنا ذكر جماعة أ نّه يعطى لمن انتقل عنه من غير سؤال وتعريف ، استناداً إلى قاعدة اليد ، وأ نّه تشير إليها صحيحة ابن مسلم المتقدّمة : عن الدار يوجد فيها الورق «فقال : إن كانت معمولة فيها أهلها فهي لهم» إلخ (1) ، ومثلها صحيحته الاُخرى (2) .

   لكن مورد الصحيحتين اليد الفعليّة وأجنبي عن اليد الزائلة بالانتقال عنها ببيع ونحوه التي هي محلّ الكلام ، فلا موقع للاستدلال بهما .

   وأمّا قاعدة اليد فهي أيضاً لا مجال للاستدلال بها في المقام ، ضرورة أنّ المتّصف بالحجّيّة وما هو أمارة الملكيّة إنّما هو اليد الفعليّة ، فتكون اليد القائمة على الأرض يداً على ما فيها من الكنز بالتبع ، وأمّا اليد السابقة الزائلة فعلاً بالتمليك إلى شخص آخر فلا أماريّة لها بوجه ، بل لعلّ العادة قاضية بالقطع بجهالة ذي اليد عمّا في الأرض من الكنز ، وإلاّ فكيف يمكّن المشتري منه ولم يستخرجه لنفسه ؟!

   وملخّص الكلام : أ نّه لا يمكن المساعدة على ما ذكروه من الدفع إلى المالك قبله فإن عرّفه وإلاّ فالمالك قبله وهكذا استناداً إلى قاعدة اليد :

   أمّا أوّلاً : فلأنّ القاعدة لو تمّت فهي حجّة مطلقاً بلا توقّف على الدعوى من ذي اليد ، بل هي حجّة حتى مع الشكّ وجهل ذي اليد بالملكيّة ، ولأجله يدفع إلى وارثه لو كان ميّتاً ، فما هي الحاجة إذن إلى التعريف للمالك السابق وصدور الدعوى منه ؟! بل لا بدّ وأن يدفع إليه ابتداءً .

   وثانياً : أنّ حجّيّة اليد ـ سواء أكان المستند فيها السيرة العقلائيّة ، وهي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 25 : 447 / كتاب اللقطة ب 5 ح 1 .

(2) الوسائل 25 : 447 / كتاب اللقطة ب 5 ح 2 .

ــ[87]ــ

العمدة ، أم بعض النصوص مثل ما دلّ على جواز الشهادة استناداً إلى اليد ـ خاصّة باليد الفعليّة فهي الكاشفة عن الملكيّة ، وأمّا الزائلة فهي ساقطة عن درجة الاعتبار ولا أماريّة لها بوجه ، لخروجها عن مورد السيرة والأخبار بالضرورة ، وقد يكشف عنه ذيل صحيحتي ابن مسلم المتقدّمتين ، قال (عليه السلام) فيهما : «وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحقّ به» إلخ ، حيث دلّت على سقوط اليد عن الملكيّة بالجلاء والإعراض ، ولأجله كان الواجد أحقّ به ، فإذا سقطت بالإعراض فسقوطها بالانتقال ببائع ونحوه ـ  الذي هو محلّ الكلام  ـ بطريق أولى كما لا يخفى .

   وعليه ، فمقتضى القاعدة عدم الفرق بين المالك السابق وغيره ، بل حكم الكنز في الأرض المبتاعة حكمه في أرض الموات في أ نّه إن احتمل أنّ له مالكاً محترماً موجوداً بالفعل كان من مجهول المالك ووجب التعريف ، فيراجع المالك السابق كما يراجع غيره ، فإن ظهر وإلاّ تصدّق عنه ، وأمّا لو لم يحتمل وجود المالك الفعلي ولا سيّما إذا كانت قرينة على ذلك ـ مثل ما إذا كان الكنز عتيقاً ونحو ذلك كما هو الغالب في الكنوز على ما مرّ ـ جاز استملاكه ، فهو لواجده وعليه خمسه ، بمقتضى إطلاق النصوص الدالّة على جواز تملّك الكنز وأداء خمسه . هذا ما تقتضيه القاعدة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net