إذا كان حقّ الغير في الذمّة لا في عين المال - صور ثلاث في ثبوت حقّ الغير في الذمّة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 15:الخُمس   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3809


ــ[153]ــ

   [ 2907 ] مسألة 31 : إذا كان حقّ الغير في ذمّته (1) لا في عين ماله فلا محلّ للخمس ، وحينئذ فإن علم جنسه ومقداره ولم يعلم

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وتسليمه إلى مالكه ، وهذا الحكم في نفسه لا ضرر فيه بوجه ،

وإنّما يترتّب الضرر على إحراز الوصول إليه ، الناشئ من حكم العقل بوجوب الاحتياط من أجل تنجيز العلم الإجمالي وأجنبي عن الحكم الشرعي ، فمصدر الضرر هو الاحتياط لا جعل الحكم وتشريعه ليرتفع بالحديث .

   ونظير ذلك ما لو كانت عنده أواني عديدة وفيها الدهن والعسل والزيت ونحوها من الأموال الثمينة ، وقد علم بنجاسة إحدى تلك الأواني إجمالاً ، فإنّه لا ريب في أنّ الاجتناب عن الجميع موجب للضرر ، ولكن هذا الضرر إنّما نشأ عن الاحتياط اللازم من أجل حكم العقل بتنجّز العلم الإجمالي، وأمّا الاجتناب عن نفس النجس الواقعي الموجود في البين فلا ضرر فيه ، بل الموجب له ضمّ سائر الأفراد ، فما هو الحكم الشرعي لا ضرر فيه ، وما فيه الضرر لم يكن حكماً شرعيّاً . وعليه ، فقاعدة الضرر لا مجال لها في المقام أبداً .

   ومن جميع ما ذكرناه تعرف أنّ الصحيح إنّما هو الوجه الأوّل ، أعني : لزوم إرضاء من يحتمل ملكيّته بأيّ وجه كان ولو بإعطاء كلّ واحد المقدار المعلوم .

   نعم ، لو بنينا على شمول قاعدة الضرر للمقام تعيّن الرجوع حينئذ إلى القرعة ، حيث إنّ حالها حال البيّنة ونحوها من الطرق الشرعيّة المعيّنة للواقع ، ولكن قد عرفت ما فيه .

   وكيفما كان ، فلا نعرف وجهاً لما ذكر من التوزيع أو التصدّق ، بل يدور الأمر بين الاحتياط وهو الصحيح إن أمكن ، وإلاّ فالقرعة حسبما عرفت .

   (1) قد عرفت حكم ما لو كان حقّ الغير في عين المال .

ــ[154]ــ

صاحبه أصلاً أو علم في عدد غير محصور تصدّق به عنه بإذن الحاكم أو يدفعه إليه ، وإن كان في عدد محصور ففيه الوجوه المذكورة ، والأقوى هنا أيضاً الأخير((1))، وإن علم جنسه ولم يعلم مقداره بأن تردّد بين الأقلّ والأكثر أخذ بالأقلّ المتيقّن ودفعه إلى مالكه إن كان معلوماً بعينه ، وإن كان في عدد محصور فحكمه كما ذكر ، وإن كان معلوماً في غير المحصور أو لم يكن علم إجمالي أيضاً تصدّق به عن المالك بإذن الحاكم أو يدفعه إليه ، وإن لم يعلم جنسه وكان قيميّاً فحكمه كصورة العلم بالجنس ، إذ يرجع إلى القيمة ويتردّد فيها بين الأقلّ والأكثر ، وإن كان مثليّاً ففي وجوب الاحتياط وعدمه وجهان ((2)) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأمّا إذا كان في الذمّة فقد ذكر (قدس سره) أ نّه لا محلّ للخمس ، نظراً إلى أنّ الموضوع للخمس في هذا القسم منه إنّما هو المال المخلوط ، ولا شبهة في أنّ الاختلاط من أوصاف الأعيان الخارجيّة ، وأمّا الذمّة فهي لا تشتغل إلاّ بنفس الحرام فقط ، ولا موقع فيها لاختلاط الحلال بالحرام بوجه ليتعلّق بها التخميس .

   ولكن ما ذكره (قدس سره) يختصّ بما إذا كان الحرام ثابتاً في الذمّة ابتداءً .

   وأمّا إذا كان ذلك بعد الاختلاط بأن أتلف المخلوط فهل يجري عليه حكم الثبوت في الذمّة ابتداء ، أو لا ، فيه وجهان :

   اختار شيخنا الأنصاري (قدس سره) الثاني ، وأ نّه لا فرق في وجوب التخميس بين العين الخارجيّة وبين ما انتقل إلى الذمّة بعد الاختلاط (3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحكم فيه وفيما بعده كسابقه .

(2) الأقوى التصالح إن أمكن ، وإلاّ فالمرجع فيه القرعة .

(3) كتاب الخمس : 268 .

ــ[155]ــ

   وناقش فيه المحقّق الهمداني (قدس سره) فاختار الأوّل وأنكر الخمس في المقام (1) .

   وهذان الوجهان مبنيّان على أنّ الخمس في هذا القسم هل هو كسائر الأقسام والكلّ من سنخ واحد في أ نّها ملك فعلي لأرباب الخمس فالمال مشترك بين المالك والسادة بنسبة معيّنة ـ أعني : الخمس ـ أو أ نّه في هذا القسم من سنخ آخر ؟ ومناط تشريعه تفريغ الذمّة وتطهير المال متى تصدّى للتخميس خارجاً بتعبّد من صاحب الشريعة ، وإلاّ فالحرام الواقعي ملك لمالكه ولا شركة إلاّ بنسبة ذاك الحرام ، زاد على الخمس أم نقص ، فلم يكن الخمس ملكاً للسادة بمجرّد الخلط كما كان كذلك في الغنيمة والكنز والمعدن ونحوها ، بل يملكونه متى تصدّى للتطهير والأداء خارجاً .

   فعلى الثاني لا وجه للتخميس ، لأ نّه لم يستقرّ في الذمّة ـ قبل التصدِّي للأداء خارجاً ـ إلاّ نفس الحرام الواقعي قلّ أم كثر ، ولم تكن الذمّة مشغولة إلاّ به ، والمفروض عدم الأداء، فلا يجب عليه إلاّ الخروج عن واقع ما اشتغلت به الذمّة.

   وهذا بخلاف الأوّل الذي استظهرناه واستظهره الشيخ الأنصاري (قدس سره) من اتّحاد السنخ في الجميع وأنّ الشارع جعل الخمس لأرباب الخمس في المال المخلوط بالولاية الشرعيّة ، إذ عليه يكون حال هذا المال حال ما لو أتلف الكنز أو المعدن ونحوهما ممّا تعلّق به الخمس في الانتقال إلى الذمّة واشتغالها به وكونه ضامناً له كما كان يجب في العين الخارجيّة .

   فما ذكره الماتن من الاختصاص بالعين وعدم الجريان في الدين وجيه ، ولكنّه في خصوص ما إذا كان ثابتاً في الذمّة ابتداءً ، لا ما لو كان مختلطاً فاُتلف فإنّه يجب فيه الخمس حينئذ أيضاً حسبما عرفت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصباح الفقيه 14 : 180 ـ 181 .

ــ[156]ــ

   وكيفما كان ، ففيما إذا كان حقّ الغير ديناً ثابتاً في الذمّة فقد يعلم جنسه ومقداره ، واُخرى يعلم الجنس دون المقدار ، وثالثةً لم يعلم الجنس أيضاً .

   أمّا في الصورة الاُولى : فإن علم صاحبه تفصيلاً فلا إشكال ، وإلاّ فإمّا أن يعلم به إجمالاً في شبهة محصورة كالمردّد بين عدد معيّن أو غير محصورة ، أو لم يعلم به أصلاً لا تفصيلاً ولا إجمالاً .

   ولا يخفى وضوح الفرق بين الأخيرين ، ولذا عبّر بتعبيرين ، فإنّ أطراف المعلوم بالإجمال قد يكون محصوراً بحيث يمكن فيه الاحتياط وهذا ظاهر، واُخرى غير محصور لا يمكن فيه ذلك كما لو علم بكونه مديناً لرجل من أهل البلد الكذائي أو العشيرة الفلانيّة الواسعة الأطراف والكثيرة الأفراد كألف أو ألفين ـ مثلاً ـ وثالثةً يعلم باشتغال ذمّته لأحد بأخذ المال منه سرقةً أو غيلةً ـ مثلاً ـ ولا يعرفه بوجه ، فلا يدري أ نّه من أيّ بلد أو من أيّة عشيرة ، فلا يعرف اسمه ولا عنوانه ولا أيّاً من خصوصيّاته ، بحيث لم يكن لأطراف الشبهة عدد ، ومن الجائز تردّده بين الآلاف أو الملايين ولا يمكن التعيين حتى في عدد غير محصور ، ومن ثمّ عبّر (قدس سره) عنه بما لم يعلم صاحبه أصلاً .

   وكيفما كان ، ففيما إذا كان العدد محصوراً يجري ما تقدّم من الوجوه الأربعة ـ  أعني : التصدّق ، أو التوزيع ، أو القرعة ، أو الإرضاء  ـ ولا يزيد المقام على ما مرّ بشيء ، غايته أنّ الموضوع هناك كان عيناً خارجيّة ، وهنا دين في الذمّة فتجري فيه تلك الوجوه بمناط واحد .

   وأمّا إذا كان مردّداً في عدد غير محصور أو لم يكن معلوماً أصلاً  فمن الواضح عدم تأتّي شيء من الوجوه المذكورة ما عدا التصدّق ، لعدم إمكان الاحتياط بارضاء الكلّ ، كما لا معنى للتوزيع أو القرعة فينتهي الأمر إلى الصدقة .

   ويدلّ عليها ـ مضافاً إلى عدم الخلاف وأنّ المالك إذا لم ينتفع من ماله

ــ[157]ــ

فلينتفع من ثوابه ـ روايتان :

   الاُولى : صحيحة يونس الواردة فيمن أصاب متاع صاحبه في طريق مكّة ولا يعرفه والآمرة ببيعه والتصدّق بثمنه (1) ، فإنّه يستفاد منها بحسب الفهم العرفي أنّ المناط في التصدّق عدم التمكّن من الإيصال ، سواءً أكان عيناً خارجيّة أم ديناً في الذمّة ، فإنّ موردها وإن كان هو الأوّل إلاّ أنّ هذه الخصوصيّة كسائر الخصوصيّات المذكورة في الرواية من كونه في طريق مكّة ونحو ذلك ملغاة في نظر العرف كما لا يخفى .

   على أ نّه يمكن إرجاع ما في الذمّة إلى ما في الخارج بالتسليم إلى وليّ الغائب ـ أعني : الحاكم الشرعي الذي هو وليّ من لا وليّ له ـ أو إلى عدول المؤمنين ، إذ لا ريب في جواز تفريغ الذمّة بالإعطاء إليه ، ثمّ بعد أن تعيّن وتشخّص يتصدّق به بصريح هذه الصحيحة ، فيستدلّ بها على جواز التصدّق بأحد هذين النحوين .

   الثانية : صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في رجل كان له على رجل حقّ ففقده ولا يدري أين يطلبه ، ولا يدري أحيّ هو أم ميّت ، ولا يعرف له وارثاً ولا نسباً ولا ولداً ، «قال : اطلب» قال : فإنّ ذلك قد طال ؟ فأتصدّق به ؟ «قال : اطلبه» (2) .

   حيث يستأنس منها أنّ الوظيفة بعد اليأس إنّما هي الصدقة التي ذكرها السائل . وإنّما أمر (عليه السلام) ثانياً بالفحص والطلب مقدّمةً لحصول اليأس .

   وأمّا الصورة الثانية ـ أعني : ما إذا كان الجنس معلوماً والمقدار مجهولاً بأن تردّد بين الأقلّ والأكثر من غير فرق بين المثلي والقيمي ـ : فلا محالة يقتصر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 25 : 450 / كتاب اللقطة ب 7 ح 2 .

(2) الوسائل 26 : 297 /  أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 6 ح 2 .

ــ[158]ــ

على المقدار المتيقّن ، عملاً بأصالة البراءة عن ضمان الزائد ، فيجري فيه حينئذ ما ذكرناه في الصورة السابقة .

   وأمّا الصورة الثالثة ـ أعني : ما إذا كان الجنس أيضاً مجهولاً ـ فقد يكون قيميّاً واُخرى مثليّاً ، ويلحق به المردّد بينهما . أمّا القيمي كما لو علم أ نّه غصب حيواناً مردّداً بين الشاة والبقرة ، فبما أنّ الضمان في القيميات تنتقل من العين التالفة إلى القيمة بمقتضى صحيحة أبي ولاّد (1) وغيرها فالذمّة غير مشغولة بعد التلف إلاّ بنفس القيمة ، وحينئذ فإن تساوت القيمتان فلا إشكال ، وإلاّ فبما أ نّها دائرة لا محالة بين الأقلّ والأكثر فليقتصر على المقدار المتيقّن بعد دفع اشتغال الذمّة بالقيمة الزائدة بأصالة البراءة أو بأصالة العدم .

   وبعدئذ يجري فيه ما تقدّم في الصورة الاُولى من الشقوق التي عرفتها، فلاحظ.

   إنّما الكلام في المثلي الذي يكون الضمان فيه بنفس المثل حتى بعد التلف ـ لا بقيمته ـ كما لو تردّد المغصوب ـ مثلاً ـ بين الحنطة والشعير أو بين الدرهم والدينار .

   ويلحق به المردّد بين المثلي والقيمي كما لو تردّد المغصوب بين الحنطة والشاة.

   فإنّه لا يمكن الالتزام هنا بالانحلال بعد أن كانت الذمّة مشغولة بنفس المال ، وكون القيمة في أحدهما أقلّ لا يستوجب ذلك كما هو ظاهر ، فالأمر دائر بين المتباينين لا محالة .

   وعليه ، فما هي الوظيفة حينئذ ؟

   ربّما يقال بل قيل بالتوزيع ، عملاً بقاعدة العدل والإنصاف ، فيعطى في المثال نصف مَنّ من الحنطة ونصف مَنّ من الشعير أو نصف مَنّ من الحنطة ونصف قيمة الشاة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 25 : 390 / كتاب الغصب ب 7 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net