2 ـ نشر الحرمة بين الرضيعين
المسألة الثانية : يعتبر في نشر الرضاعِ الحرمةَ بين الرضيعين ـ بحيث تتحقّق بينهما الاُخوّة الرضاعية ـ اتّحاد الفحل ، فلو ارتضع أحدهما الرضاع المحرّم من مرضعة بلبن فحل ، وارتضع الآخر الرضاع المحرّم من تلك المرضعة بلبن فحل آخر لم تتحقّق بينهما الاُخوّة الرضاعية ، وإن تحقّق النشر في كلّ منهما بالنسبة إلى المرضعة وإلى فحله .
وهذا هو المشهور بين الفقهاء ، استناداً إلى ما دلّ على ذلك صريحاً من ــــــــــــــــــــــــــــ (1) الوسائل 20 : 389 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب6 ح4 . (2) الوافي 21 : 243 / ب37 (صفة لبن الفحل) ح2 .
ــ[86]ــ
الروايات ، وهي صحيحة الحلبي وصحيحة بريد العجلي ، وموثّقة عمّار المتقدّمة(1).
كلام مع الشيخ الطبرسي والمحدّث الكاشاني
وخالف في ذلك الشيخ الطبرسي (قدّس سرّه)(2) على ما يحكى عنه ، والمحدّث الكاشاني (قدّس سرّه) في محكي مفاتيحه(3) ووافيه .
قال في الوافي بعد نقل صحيحة بريد : وهذا الخبر يدلّ على أنّ مع تعدّد الفحل لا تحصل الحرمة وإن كانت المرضعة واحدة ، وهذا مخالف لقوله تعالى : (وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ)(4) وقول النبي (صلّى الله عليه وآله) : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » وقول الرضا (عليه السلام) في حديث محمّد بن عبيدة الهمداني : « فما بال الرضاع يحرم من قبل الفحل ولا يحرم من قبل الاُمّهات ؟ وإنّما حرّم الله الرضاع من قبل الاُمّهات ، وإن كان لبن الفحل أيضاً يحرم » . ثمّ قال : وقد قالوا (صلوات الله عليهم) : « إذا جاءكم عنّا حديث فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف فردّوه » فما بال أكثر أصحابنا أخذوا بهذه الأخبار الثلاثة وتركوا ما وافق كتاب الله(5). ويعني بالأخبار الثلاثة : صحيحة الحلبي ، وصحيحة بريد ، وموثّقة عمّار(6). ــــــــــــــــــــــــــــ (1) في ص82 ، 76 ، 83 . (2) [على ما حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب النكاح (إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم 20) : 321 ، ولكنّه لم يصرّح به في مجمع البيان 3: 28 ـ 29 ، والمؤتلف من المختلف 2 : 281 فلاحظ] . (3) راجع مفاتيح الشرائع 2 : 238 . (4) النساء 4 : 23 . (5) الوافي 21 : 248 / ب37 (صفة لبن الفحل) ذيل ح10 . (6) الوسائل 20 : 389 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب6 ح3 ، 1 ، 2 ، وقد تقدّمت في ص76، 82، 83 .
ــ[87]ــ
وتوضيح الكلام في المقام : أنّ هنا أخباراً دالّة على اعتبار وحدة الفحل وهي الأخبار الثلاثة المتقدّمة ، وتعارضها رواية محمّد بن عبيدة الهمداني المتقدّمة(1) في نشر الحرمة برضاع المملوكة ، حيث قال فيها : « فما بال الرضاع يحرم من قبل الفحل ولا يحرم من قبل الاُمّهات ، وإنّما الرضاع من قبل الاُمّهات ، وإن كان لبن الفحل أيضاً يحرم » فإنّه يدلّ على أنّ الاشتراك في الاُمّ كالاشتراك في الأب في باب الرضاع في تحقّق الاُخوّة ، وإن كان الأب مختلفاً .
فإن كان مراد المحدّث المزبور لزوم طرح الأخبار الثلاثة لعدم حجّيتها في نفسها لمخالفتها للكتاب .
فيرد عليه : أنّ المخالفة المعنيّة في أخبار العرض على الكتاب هي المخالفة بنحو التباين أو العموم من وجه ، ولا تشمل المخالفة بنحو العموم المطلق ، كما هو محقّق في محلّه(2)، ولو شملت هذا النوع من المخالفة لسقطت أكثر أخبار الوافي عن الحجّية ، إذ ما أكثر التقييدات والتخصيصات في الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) بالإضافة إلى عمومات الكتاب وإطلاقاته ، والمخالفة في هذه الأخبار الثلاثة من هذا القبيل .
وإن أراد لزوم طرحها لمعارضتها برواية محمّد بن عبيدة ، وتقدّمها عليها بموافقة الكتاب .
فيرد عليه أوّلا : أنّ رواية محمّد بن عبيدة ضعيفة السند ، وليست بحجّة في نفسها ، فإنّ محمّد بن عبيدة مهمل في كتب الرجال ، ولا يذكر بمدح ولا ذمّ ، فلا تعارض الأخبار المعتبرة .
وثانياً : أنّ ظاهر إضافة الولد إلى شخص إرادةُ الولد النسبي ، فقوله في ــــــــــــــــــــــــــــ (1) الوسائل 20 : 391 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب6 ح9 ، وقد تقدّمت في ص75 ، 86 . (2) مصباح الاُصول 2 ، 3 (موسوعة الإمام الخوئي 47 ، 48) : 174 ، 488 .
ــ[88]ــ
الرواية : « أليس كلّ شيء من ولد ذلك الرجل ... » قبل قوله : « فما بال الرضاع ... » ظاهر في ولد الرجل نسباً ، وبهذه القرينة يكون المراد من تحريم الرضاع من قبل الاُمّهات تحريم أولادهنّ نسباً بالإضافة إلى المرتضع ، وقد تقدّم أنّ حرمة أولاد المرضعة نسباً على المرتضع غير مشروطة بوحدة الفحل ، كما دلّت عليه موثّقة جميل(1) المتقدّمة . فلا تعارض أصلا بين رواية محمّد بن عبيدة والأخبار الثلاثة .
وثالثاً : أنّ غاية الأمر إطلاق الرواية من حيث الأولاد النسبيين والرضاعيين ، فتقيّد بالأولاد النسبيين بقرينة الأخبار الثلاثة .
ورابعاً : أنّ أمارات التقيّة في الرواية تسقطها عن الحجّية ، وهي قوله : « وأنا أكره الكلام » إذ لو كان الإمام (عليه السلام) متمكّناً من بيان الحكم الواقعي لم يكن وجه لكراهة الكلام وبيان حكم الله الواقعي في المسألة . وتعبيره عن المأمون بـ « أمير المؤمنين » .
فالرواية ساقطة أوّلا من حيث الصدور ، وثانياً من حيث الدلالة ، وثالثاً من حيث جهة الصدور .
فيتعيّن الأخذ بالأخبار الثلاثة ، وتقييد إطلاق الكتاب والسنّة من حيث تحقّق الاُخوّة الرضاعية من قبل الاُمّ بها ، فإنّ الاُخوّة ليست حقيقتها إلاّ الاشتراك في الأب أو الاُمّ كما تقدّم ، إلاّ أنّ هذه الأخبار قد دلّت على إلغاء الاُخوّة من قبل الاُمّ في المرتضعين من مرضعة واحدة.
فتعجّب المحدّث الكاشاني من الأصحاب في غير محلّه .
|