حكم الزيادة الحكميّة الناشئة عن ارتفاع القيمة السوقيّة - حكم الزيادة السوقيّة ثمّ نقصانها قبل تمام السنة 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 15:الخُمس   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4574


   إنّما الكلام في الزيادة الحكميّة الناشئة عن ارتفاع القيمة السوقيّة التي تتّفق في جميع الأجناس ولا سيّما الأراضي مع بقاء العين على حالها كمّاً وكيفاً ، فهل يجب الخمس في هذه الزيادة ، أو لا يجب ، أو أنّ فيه تفصيلاً ؟

   فنقول : لا كلام في وجوب خمس هذه الزيادة فيما لو حصلت في عين كانت متعلّقة للخمس ولم يؤدّ خمسها ، ضرورة أنّ خمس تمام العين ملك للسادة ، وكما ترقّت قيمة أربعة أخماسها ترقّت قيمة خمسها ، فيجب الخروج عن عهدة خمس العين بقيمتها الفعليّة . وهذا واضح ، بل هو خارج عن محلّ الكلام .

   وإنّما الكلام فيما إذا لم تكن العين متعلّقة للخمس من الأوّل كما في الإرث ، أو كانت ولكن أدّى خمسها فأصبح المال بتمامه ملكاً طلقاً له ، وقد زادت القيمة عندئذ .

   وهذا قد يفرض في المال الذي ملكه من غير معاوضة كالمنتقل إليه بالإرث أو الإحـياء مع حاجته إلى ما أحيا لأجل الصرف في السكنى ـ مثلاً ـ أو الاستيلاء على مال مباح لا ربّ له من البرّ أو البحر أو هبة مصروفة في المؤونة ، كما لو بذل له أحد داراً للسكنى ، أو قلنا : إنّ الهبة لا خمس فيها ، ونحو ذلك ممّا تملّكه بلا عوض ومن غير أن يقع بإزائه مال ، بل انتقل بما له من الخصوصيّة .

   واُخرى : يفرض فيما تملّكه بسبب المعاوضة من شراء ونحوه ، بحيث يكون المقصود التحفّظ على الماليّة والتبدّل في الخصوصيّة كما هو الشأن في عامّة المعاوضات .

   أمّا في الأوّل : فلا ينبغي التأمّل في أنّ زيادة القيمة لا تعدّ فائدة حتى ولو

ــ[231]ــ

باع العين بأغلى الثمن ، إذ لا يصدق عرفاً أ نّه استفاد شيئاً ، بل غايته أ نّه بدّل عيناً مكان عين اُخرى لا أ نّه ربح وغنم ، إذ لم يشتر شيئاً حتى يربح أو يخسر ، والأمر مع عدم البيـع أوضح ، لبقاء العين عنده كما  كانت بلا زيادة شيء ، والارتفاع أمر اعتباري ينتزع من كثرة الباذل ، فكان مالكاً للبستان ـ مثلاً ـ والآن كما كان يملكه على ما هو عليه ، زادت قيمته أم نقصت .

   وعلى الجملة : فسواء باع أم لم يبع لم يربح ، فلم تتحقّق فائدة حتى يجب خمسها .

   ويلحق به ما هو شبه المعاوضة كالمهر الذي هو بإزاء الزوجيّة ، فلو أمهرها داراً أو عقاراً أو بستاناً فترقّت قيمتها لم يجب خمسها ، سواء باعها أم لا ، لعين ما عرفت .

   ولا يبعد أنّ عبارة الماتن ـ أعني قوله : نعم ، لو باعها لم يبعد ، إلخ ـ منصرفة عن هذا الفرض وناظرة إلى الفرض الآتي ، أعني : ما  كان الانتقال بسبب المعاوضة من شراء ونحوه ، بقرينة قوله (قدس سره) بعد ذلك : كما إذا  كان المقصود من شرائها ، إلخ .

   وكيفما كان ، فلا ينبغي التأمّل في عدم وجوب الخمس في الزيادة في هذه الصورة ، لعدم صدق الفائدة ، من غير فرق بين صورتي البيع وعدمه حسبما عرفت .

   وأمّا في الفرض الثاني ـ أعني : ما لو استند التملّك إلى المعاوضة من شراء ونحوه ـ فقد يكون المقصود منها الاتّجار بالتحفّظ على الماليّة وازديادها من غير نظر إلى خصوصيّة المال كما هو الحال في أغلب التجّار .

   واُخرى : يكون الغرض منها الانتفاع من نفس العين كسكنى الدار أو ركوب السيّارة ، أو من اُجرتها كما لو أعدهما للإيجار ، أو من نمائها أو نتاجها كما لو

ــ[232]ــ

اشترى غنماً أو بقراً لينتفع من أصوافها أو ألبانها أو ما يتولّد منها ولو ببيع ونحوه مع التحفّظ على أصل العين كما هو المفروض .

   أمّا في القسم الثاني : فلا ينبغي التأمّل في أ نّه ما لم يبع العين لا يصدق الربح ، فلا يستوجب ترقّي القيمة صدق عنوان الفائدة لتخمس . نعم ، يتحقّق الصدق بعد البيع ، إذ كان قد اشترى البقرة بخمسين ـ مثلاً ـ وباعها بمائة ، فتكون الخمسون الزائدة ربحاً وفائدةً عرفاً ، فيصحّ أن يقال : إنّه ربح في هذه المعاملة كذا مقداراً .

   فيفصّل في هذا القسم بين البيع وعدمه ، فلا يجب الخمس في الثاني ، لانتفاء الفائدة ، ويجب في الأوّل ، لحصول الزيادة على ما اشترى ، وهو معنى الربح عرفاً ، فإنّه إنّما يقاس بالإضافة إلى رأس المال ، فكان مائة فصار ألفاً ـ  مثلاً  ـ فقد ربح تسعمائة .

   ثمّ إنّ هذا واضح فيما إذا كان الثمن من جنس ما اشترى كالمثال ، وأمّا إذا باعه بجنس آخر كالعروض ـ كما لو اشترى شياه بالدنانير ثمّ باعها بالبعير ـ فهل يجب الخمس حينئذ ؟

   استشكل فيه بعضهم ، للتشكيك في صدق الفائدة . ولكنّه في غير محلّه .

   ولا فرق في صدق الزيادة المحقّقة لعنوان الفائدة بين كون الثمن من النقود أو العروض ، إذ الاعتبار ـ في نظر العقلاء ـ لدى ملاحظة المعاملة ومقايسة الربح وعدمه بماليّة ما يدخل في الكيس عوضاً عمّا خرج، ولا نظر بوجه إلى الخصوصيّة الشخصيّة . ومن ثمّ تراهم لا يرتابون في صدق الفائدة مع الزيادة المزبورة .

   وإن باعه بنقد آخر غير النقد الذي اشترى به أوّلاً ، كما لو اشترى الشاة بدينار فباعها بليرة ذهبيّة أو ريال سعودي أو إيراني ، فيصحّ أن يقال : إنّه ربح كذا ديناراً ، نظراً إلى أ نّه تلاحظ قيمة الدينار لا شخصه . فلا فرق إذن في

ــ[233]ــ

   [ 2930 ] مسألة 54 : إذا اشترى عيناً للتكسّب بها فزادت قيمتها السوقيّة ولم يبعها غفلةً أو طلباً للزيادة ثمّ رجعت قيمتها إلى رأس مالها أو أقلّ قبل تمام السنة (1) لم يضمن خمس تلك الزيادة ، لعدم تحقّقها في الخارج . نعم ، لو لم يبعها عمداً

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صدق الفائدة بين كون الثمن الثاني من جنس الثمن الأوّل أو من غيره . وعلى الثاني لا فرق بين النقود والعروض ، لكون الملحوظ هي الماليّة التي هي الميزان عند العقلاء حسبما عرفت .

   وأمّا في القسم الأوّل ، أعني ما إذا كان المقصود من المعاوضة التجارة والازدياد في الماليّة من غير نظر إلى الخصوصيّات الفرديّة ، كما هو شأن عامّة التجّار ، حيث إنّ كلّ من أعدّ نفسه للاتّجار كالبقّال الذي يبيع الأرز والحبوبات ونحوها لا همّ له بعد المحافظة على أصل المال سوى الزيادة على الماليّة والعثور على الغنيمة والفائدة من غير نظر إلى الخصوصيّات والأشخاص ، فحينئذ لو اشترى السلعة أوّل السنة رخيصاً فازدادت القيمة آخر السنة فالظاهر وجوب الخمس في الزيادة ، لصدق الربح والفائدة من غير أن يتوقّف الصدق المزبور عرفاً على تحقّق البيع خارجاً ، فإنّ الاستفادة في نظر العقلاء منوطة بزيادة القيمة المقتضية لإمكان التبديل بمال أكثر ، ولا تعتبر فعليّة التبديل .

   وبهذا الاعتبار يقال : إنّ فلاناً أكثر ثروة من فلان ، أي أنّ الأموال التي يملكها يمكن بيعها بأكثر ممّا يباع به مال الآخر . فالعبرة بأوفريّة القيمة لا بفعليّة التبديل خارجاً . وعليه ، فيجب الخمس في زيادة القيمة ، سواء أباع بالزيادة أم لم يبع ، كما أفاده في المتن .

   (1) فصّل (قدس سره) بين ما إذا كان التنزّل قبل تمام السنة ، وبين ما إذا

ــ[234]ــ

كان بعدها ، وحكم بالضمان في خصوص الثاني ، وعلّل عدمه في الأوّل بعدم تحقّق الزيادة في الخارج .

   أقول : الظاهر أ نّه (قدس سره) لا يريد الزيادة الماليّة ، كيف؟! وهي لا تتوقّف على البيع الخارجي كما صرّح (قدس سره) به في المسألة السابقة ، ولأجله التزم هناك بوجوب خمس الارتفاع بمجرّد التمكّن من البيع وإن لم يتحقّق خارجاً .

   ولا يبعد أ نّه (قدس سره) يريد به الزيادة على مؤونة السنة ، حيث إنّ الخمس وإن تعلّق أوّل ظهور الربح إلاّ أنّ استقرار الوجوب إنّما هو بعد انتهاء السنة وفيما يزيد على المؤن المصروفة فيها أو التالفة قهراً خلالها كما في المقام ، فلا خمس إلاّ فيما يبقى له خالصاً زائداً عمّا تلف وما صرف ، ولا شكّ أنّ الزيادة بهذا المعنى غير متحقّقة في المقام ، لفرض تنزّل القيمة أثناء السنة بعد ارتفاعها ، فقد تلفت تلك الزيادة خلال السنة وقبل أن يستقرّ الوجوب ، ومن الواضح عدم كونه موجباً للضمان بعد أن رخّص له الشارع في التأخير فضلاً عن استناده إلى الغفلة أو كونه بنيّة صالحة ولغاية عقلائيّة وهي طلب الزيادة فاتّفق العكس ، فلم يكن مثل هذا الإبقاء والتأخير تعدّياً ولا تفريطاً في حقّ السادة ليستتبع الضمان .

   وبذلك افترق هذا الفرض عن الفرض الثاني ـ أعني : ما كان التنزّل في القيمة بعد انقضاء السنة واستقرار وجوب الخمس ـ إذ هنا قد تحقّقت الزيادة على المؤونة خارجاً بحيث يصحّ أن يقال : إنّ هذه زيادة لم تتلف ولم تصرف في مؤونة السنة فيجب خمسها ، فلو أخّر عمداً ضمن لو تنزّلت وإن كان من قصده زيادة الربح ، إذ ليس للمالك الولاية على ذلك حتى إذا كان بصالح أرباب الخمس في اعتقاده .

   وعلى الجملة : يفترق الفرض الأوّل عن الثاني في عدم صدق الزيادة على




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net