حكم الزيادة السوقيّة ثمّ نقصانها بعد تمام السنة - لو عمّر بستاناً وغرس فيه أشجاراً ونخيلاً للانتفاع بثمرها وتمرها 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 15:الخُمس   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4240


ــ[235]ــ

بعد تمام السنة واستقرار وجوب الخمس ضمنه ((1)) (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المؤونة في الأوّل ، فلا خمس كما لا ضمان لو تنزّلت ، لأنّ التأخير كان بترخيص شرعي وإجازة من وليّ الأمر ، وهذا بخلاف الثاني ، إذ بعد فعليّة الوجوب من أجل صدق الزيادة على المؤونة خارجاً كان التأخير غير المستند إلى الترخيص الشرعي ولو كان لغرض عقلائي تعدّياً وتفريطاً ، فيضمن لا محالة بعد كونه عامداً وغير معذور شرعاً في عدم البيع كما افترضه في المتن .

   (1) لا يخفى أنّ ظاهر العبارة تعلّق الضمان بالخمس من تلك الزيادة التالفة بالتنزّل ، فيكون الضمان بمقدار الخمس ممّا تلف ، فلو فرضنا أنّ قيمة العين كانت خمسين ديناراً فزادت وصارت في آخر السنة مائة دينار ثمّ رجعت بعد تمام السنة إلى الخمسين ، ضَمِنَ عشرة دنانير التي هي خمس الخمسين التالفة بعد زيادتها .

   بل قد يفرض استيعاب الخمس لجميع المال ، كما لو كانت قيمة العين عشرين ديناراً فزادت ترقّياً فاحشاً حتى بلغت مائة وعشرين ديناراً ثمّ تنزّلت إلى ما كانت عليه من العشرين ، فيجب حينئذ دفع تمام العشرين الذي هو خمس المائة الزائدة . بل قد يحتاج إلى الإتمام من مال آخر ، كما لو بلغت القيمة في المثال المزبور إلى تمام المائتين فكانت القيمة الزائدة على أصل المال مائة وثمانين ديناراً ثمّ تنزّلت إلى ما كانت عليه من العشرين ، فإنّ اللازم حينئذ دفع ستّة وثلاثين ديناراً خمس القيمة الزائدة ، فيزيد الخمس على أصل المال بستّة عشر ديناراً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في التعبير بالضمان مسامحة ، والصحيح أن يقال : إنّه لم يسقط الخمس عن الباقي بالنسبة .

ــ[236]ــ

   وعلى الجملة : فظاهر ما في المتن من التعبير بالضمان هو ما ذكرناه ، مع أ نّه لا دليل عليه بوجه ، ضرورة أنّ نقصان الماليّة لا يستوجب الضمان بتاتاً ، لانحصار موجب الضمان بتلف المال ، إمّا ذاتاً أو وصفاً ، كما لو جعله معيباً ، حيث يضمن حينئذ صفة الصحّة ، وأمّا تلف الماليّة التي هي أمر اعتباري لا تكاد تقع تحت اليد فليس هو من موجبات الضمان ، إلاّ إذا أتلف تمام الماليّة بحيث كانت العين معه في حكم التالف وإن كانت موجودة ، كما لو غصب نقداً رائج المعاملة ـ كالدينار ـ فسقط عن الاعتبار وأصبح قرطاساً لا يسوى فلساً واحداً ، فإنّه نظير المال الملقى في البحر في السقوط عن الماليّة وإن كانت العين موجودة . وأمّا دون البلوغ هذا الحدّ بحيث كانت الماليّة باقية وإن نقصت عمّا كانت عليه فطرأ التلف على مقدار من الماليّة لا على نفس المال ، فلم يدلّ أيّ دليل على ضمانها .

   ومن ثمّ لو غصب مالاً فأبقاه عنده حتى نزلت قيمته السوقيّة ثم ردّه إلى المالك خرج عن عهدة الضمان وإن كان آثماً ، إذ أنّ ضمان اليد مغيّى بالأداء بمقتضى ما ورد من قوله أنّ : «على اليد ما أخذت حتى تؤدِّي» (1) ، وقد أدّى العين بنفسها حسب الفرض ، ولا دليل على ضمان الماليّة التالفة التي هي أمر اعتباري لا تقع تحت اليد كما عرفت .

   وعليه ، فالتعبير بالضمان كما جاء في المتن كأ نّه في غير محلّه ، بل كان الأولى أن يعبّر بعدم سقوط الخمس بدلاً عن التعبير بالضمان، إذ لاموجب لسقوط الخمس ـ بعد استقراره ـ بالتنزّل ، بل هو بعدُ باق في العين ، فتخمّس نفس هذه العين بنفس تلك النسبة التي كانت عليها .

   ففي المثال السابق حينما ترقّت العين من العشرين إلى المائة والعشرين وتعلّق الخمس بالمائة الزائدة ، فبما أنّ المالك يملك رأس المال بضميمة أربعة أخماس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المستدرك 14 : 7 / كتاب الوديعة ب 1 ح 12 .

ــ[237]ــ

الزيادة فمرجع ذلك إلى تعلّق حقّ السادة بسدس ماليّة العين الفعليّة ، لأنّ نسبة العشرين الذي هو خمس الزيادة إلى المائة والعشرين التي هي القيمة الفعليّة هي السدس ، فإذا تنزّلت القيمة ورجعت إلى ما كانت عليه من العشرين تستحقّ السادة حينئذ من العين نفس النسبة التي كانوا يستحقّونها أوّلاً ـ أعني : السدس ـ فتقسّم العشرون ستّة أجزاء : جزء للسادة ، والباقي للمالك ، لا أ نّه يضمن ذلك الخمس لكي يؤدِّي تمام العشرين .

   وهكذا الحال في بقيّة الموارد ، فلو كان رأس المال ثمانين ديناراً فربح آخر السنة عشرين فكان الخمس أربعة التي نسبتها إلى المائة نسبة الواحد إلى الخمسة والعشرين ، فلو رجعت القيمة إلى الأوّل ـ أعني : الثمانين ـ قسّمت على خمسة وعشرين ، وكان جزء منها خمساً والباقي للمالك ، وهكذا .

   ولكن هذا المعنى لا يساعده ظاهر العبارة ، بل ظاهرها ضمان نفس الخمس من الزيادة التالفة ، وقد عرفت أ نّه لا وجه له ، لعدم استيجاب نقص الماليّة للضمان في أيّ مورد كان، حتى في موارد الغصب الذي هو من أشدّ أنواع الضمان ، بحيث ورد ـ كما قيل ـ أنّ الغاصب يؤخذ بأشقّ الأحوال ، فمع بقاء العين يجب الأداء من ماليّة العين على النسبة التي كانت عليها سابقاً حسبما عرفت .

   والتحقيق : ابتناء المسألة على كيفيّة تعلّق الخمس بالأعيان :

   فبناءً على أنّ الخمس متعلّق بالعين ـ كما هو ظاهر أدلّة وجوبه ، وقد صرّح به الماتن (قدس سره) في المسألة 75 ـ فلا أثر لتنزّل القيمة بعد تعلّق الوجوب وتأخير الأداء في الضمان ، فإنّ متعلّق الحقّ هو نفس العين الخارجيّة وهي موجودة من دون نقصان ، وإنّما النقيصة في أمر اعتباري وهو القيمة ، ولا موجب للضمان بالإضافة إليه .

   ولا فرق في ذلك بين القول بأنّ التعلّق من باب الإشاعة كما هو الصحيح ، أو

ــ[238]ــ

من باب الكلّي في المعيّن على ما اختاره ، فإنّ متعلّق الحقّ على كلا التقديرين هو الخمس من العين الموجودة ، وإنّما يفترقان في جواز التصرّف في غير مقدار الخمس قبل أدائه وعدم جوازه ، وهذا أمر آخر خارج عن محلّ الكلام .

   نعم ، إذا قلنا أنّ الخمس متعلّق بالماليّة وأ نّها من قبيل الكلّي في المعيّن ، وجب الخروج عن عهدة ذاك المقدار المعيّن من الكلّي ، ولا أثر لتنزّل القيمة أو ارتفاعها في ذلك أبداً ، نظير ما لو كان الميّت مديناً بمبلغ معيّن ـ كمائة دينار ـ فإنّه يجب إخراج هذا المقدار من عين التركة ثمّ التقسيم بين الورثة ، سواء أترقّت القيمة السوقيّة للتركة لدى إرادة التقسيم أم تنزّلت ، لكونه مديناً بعين هذا المقدار ، ولا إرث إلاّ بعد الدين .

   ونظيره أيضاً ما لو أوصى الميّت بمقدار معيّن من ثلثه ـ كعشرة دنانير ـ ولو بوصيّة عهديّة ، فإنّه يجب إخراج هذا المقدار المعيّن من تركته التي كانت تسوى عند موته مائة دينار ـ مثلاً ـ سواء أترقّت بعد ذلك فصارت مائتين أم تنزّلت فصارت خمسين ، فلا فرق في ذلك بين صعود القيمة ونزولها ، لتعلّق الحقّ بمقدار معيّن من المال تعلّقه بالعين نحو تعلّق الكلّي في المعيّن ، فلا يستوجب تغييرها تبديلاً في هذا التقدير الخاصّ .

   ففي المقام أيضاً ـ بناءً على هذا المبنى ـ حينما ارتفعت القيمة من العشرين إلى المائة والعشرين في المثال المتقدّم واستقرّ عليه خمس الزيادة ـ وهو العشرون ـ لزمه الخروج عن عهدة هذا المقدار المعيّن واشتغلت ذمّته للسادة بهذه الكمّيّة الخاصّة ، ولا تأثير لتنزّل القيمة في تغيير الذمّة عمّا اشتغلت به وإن عادت إلى ما كانت عليه من العشرين على ما هو الشأن في عامّة موارد الكلّي في المعيّن .

   فما ذكره في المتن من ضمان خمس الزيادة مبني على هذا القول ، لكنّه (قدس سره) لا يلتزم به .

ــ[239]ــ

   وأمّا بناءً على ما هو الحقّ من أ نّه من قبيل الشركة والإشاعة في العين كما هو ظاهر قوله تعالى : (فَأَنَّ للهِِ خُمُسَهُ) ، إلخ ، أو القول بأ نّه من قبيل الكلّي في المعيّن في نفس العين ، فلا ضمان حينئذ ، بل اللاّزم إخراج الخمس من ماليّة هذه العين على النسبة التي كانت عليها حسبما بيّناه .

   ونظير المقام : إرث الزوجة ممّا ثبت في الأراضي من بناء وأشجار ونحوها ، حيث إنّها ترث من ماليّتها وقيمتها لا من عينها ، فهي ما لم تدفع إليها القيمة تشارك الورثة في مالية تلك الأعيان بمقدار الثمن . ولأجله كان ما تسلّمته من القيمة تتلقّاه في الحقيقة عن نفس الميّت وبعنوان الإرث منه ، لا أ نّه عطيّة يبذلها إليها الوارث . وعليه ، فيختلف مقدار تلك الماليّة باختلاف القيمة السوقيّة صعوداً ونزولاً ، فلو تنزّلت القيمة عمّا كانت عليه عند الموت يردّ النقص عليها أيضاً ، لأ نّها إنّما تستحقّ بمقدار الثمن ولا يضمنها الوارث بوجه .

   ونظير ذلك أيضاً : الوصيّة بالثلث ، فإنّ تنزّل القيمة يستلزم ورود النقص على الثلث كالأصل من غير أن يضمنها الوارث كما هو ظاهر .

   وملخّص الكلام : أنّ نقصان الماليّة لا ضمان فيه كما أسلفناك ، وأمّا خمس الزيادة التالفة بالتنزّل فضمانه مبني على أنّ تعلّق الخمس من قبيل الكلّي في المعيّن في الماليّة ، وأمّا على المختار من أ نّه من قبيل الشركة في العين أو القول بأ نّه من قبيل الكلّي في المعيّن في نفس العين فلا ضمان ، بل يجب التخميس بنفس النسبة التي كانت عليها قبل التنزّل حسبما عرفت .

ــ[240]ــ

   [ 2931 ] مسألة 55 : إذا عمّر بستاناً وغرس فيه أشجاراً ونخيلاً للانتفاع بثمرها وتمرها لم يجب الخمس في نموّ تلك الأشجار((1)) والنخيل (1) ، وأمّا إن كان من قصده الاكتساب بأصل البستان فالظاهر وجوب الخمس في زيادة قيمته وفي نموّ أشجاره ونخيله .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) فصّل (قدس سره) بين ما إذا كان من قصده الاتّجار والاكتساب بأصل البستان ، وبين ما إذا كان الانتفاع بثمره .

   ففي الأوّل : يجب الخمس في مطلق الزيادة من النماء المتّصل أو المنفصل أو زيادة القيمة ، لصدق الربح في الجميع كما تقدّم . وقد عرفت أنّ المناط في صدقه بالإضافة إلى ما هو معدّ للتكسّب هو الازدياد في الماليّة غير المنوط بفعليّة البيع خارجاً ، وهو متحقّق في المقام .

   وأمّا في الثاني : فقد نفى (قدس سره) الخمس في مطلق الزيادة . ولكنّك خبير بأنّ إطلاق كلامه (قدس سره) ينافي ما تقدّم منه سابقاً من وجوب الخمس في الزيادة المتّصلة والمنفصلة (2) ، فلا بدّ من حمل كلامه (قدس سره) على بستان أعدّه للانتفاع به شخصاً لنفسه وعائلته بحيث كان من المؤونة ، نظير البقرة التي اشتراها لينتفع بلبنها ، فإنّ هذا هو الذي لا خمس فيه مطلقاً ، لا في الزيادة الفعليّة من المتّصلة والمنفصلة ، ولا في الزيادة الحكميّة ، نظراً إلى استثناء المؤونة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل يجب في نموّها إلى أن تبلغ حدّ الانتفاع بثمرها وبعده لا يجب الخمس في خصوص ما يعدّ منها من المؤن .

(2) في ص 228 .

 
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net