هل يجوز التصرّف في بعض الربح ما دام الخمس منه باقياً في اليد مع قصد إخراجه من البقيّة ؟ 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 15:الخُمس   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4260


ــ[289]ــ

   [ 2952 ] مسألة 76 : يجوز له ((1)) أن يتصرّف في بعض الربح ما دام مقدار الخمس منه باقياً في يده مع قصد إخراجه من البقيّة ، إذ شركة أرباب الخمس مع المالك إنّما هي على وجه الكلّي في المعيّن (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ممّن لم يؤدّ الخمس إذا باع لشيعي ملتزم بالخمس عملاً بنصوص التحليل ـ كما هو الصحيح ـ فلا إشكال بالنسبة إلى من انتقل إليه ولم يكن عليه أيّ شيء ، لأنّ وليّ الأمر قد أمضى هذه المعاملة ، وأمّا من انتقل عنه فبما أ نّه أتلف الخمس فيكون ضامناً له ويرجع الحاكم الشرعي إليه خاصّة .

   وأمّا لو أنكرنا شمول نصوص التحليل للمقام وألحقناه بالزكاة كما هو المعروف ، أو كان البيع لغير الشيعي ، فيجري فيه ما ذكرناه هناك من فساد المعاملة في حصّة الخمس ، لأ نّه باع مالاً يملك خمسه ، فلا جرم يتوقّف على إجازة الحاكم الشرعي ، فإن أجاز رجع إلى خمس الثمن ، وإلاّ فمع بقاء العين يسترجعها بنفسها ، ومع التلف يرجع إلى كلّ منهما كما في تعاقب الأيدي ، ومع رجوعه إلى الثاني يرجع هو إلى الأوّل ، ولا عكس كما عرفت .

   (1) لا يخفى أنّ القول بجواز التصرّف في بعض الربح مبني على أحد أمرين :

   الأوّل : ما اختاره في كيفيّة التعلّق من كونه من قبيل الكلّي في المعيّن ، إذ عليه لا شركة في نفس الأشخاص ، بل هي باقية على ملك المالك ، فله التصرّف في بعض الأطراف ما دام يبقى للكلّي مقدار يقبل الانطباق عليه .

   ولكن المبنى غير تام ، لعدم الدليل عليه ، بل الدليل على خلافه في المقام ، كما ستعرف .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال بل منع ، وكونه من قبيل الكلّي في المعيّن ممنوع ولا يبعد أن يكون من باب الإشاعة ولا موجب لقياسه بالزكاة بعد ظهور أدلّته في الإشاعة .

ــ[290]ــ

   الثاني : أ نّه من قبيل الشركة في الماليّة ، كما في الزكاة على ما تقدّم تقريره في محلّه (1) ، وأنّ الشركة في المالية تفارق الإشاعة في أ نّها لا تستوجب المنع عن التصرّف في البعض ، إذ الماليّة كلّي قابل للانطباق على أبعاض العين، فله التصرّف فيما شاء منها .

   ويندفع أوّلاً : بأ نّه لا موقع لقياس الخمس على الزكاة ، بعد ظهور الأدلّة الواردة فيه في الإشاعة ، حسبما تعرفه في التعليق الآتي .

   وثانياً : بأنّ الشركة في الماليّة أيضاً مانعة عن التصرّف ، لعدم كون الماليّة المزبورة كلّيّة ، وإنّما هي سارية في جميع أجزاء العين ، فكلّ جزء من الأجزاء مشترك بين المالك والمستحقّ ، لكن لا بشخصيّته بل بماليّته ، نظير شركة الزوجة مع الورثة في ماليّة البناء وإن لم ترث من نفس الأعيان .

   ومن ثمّ لم يكن للوارث التصرّف قبل أداء حقّ الزوجة ، لسريان الماليّة المشتركة في تمام الأجزاء بالأسر كما عرفت .

   وبالجملة : فالشركة في الماليّة لا تستوجب جواز التصرّف ، بل هي أيضاً مانعة ، كما في إرث الزوجة .

   نعم ، نلتزم بجواز ذلك في باب الزكاة ، استناداً إلى ما ورد فيها من نصوص العزل وجواز الإفراز وأنّ للمالك الولاية على تعيين الزكاة في بعض العين ، وإذا صحّ تعيين تمام الزكاة صحّ تعيين بعضها أيضاً جزماً ، كما لو أراد عزل نصف الزكاة أو ربعها ـ مثلاً ـ لعدم انحصار العزل في عزل مجموع ما عليه من الزكاة بالضرورة .

   وبما أنّ لازم العزل تعيين حصّة المالك في الباقي فنصوص العزل تدلّنا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 23 : 172 ـ 173 .

ــ[291]ــ

كما أنّ الأمر في الزكاة أيضاً كذلك وقد مرّ في بابها (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بالملازمة العرفيّة على ولاية المالك على تعيين حصّته الشخصيّة من العين بتمامها وإفرازها عن العين المشتركة ، وبالطريق الأولى له تعيين بعض الحصّة .

   فبهذا البيان يمكن الالتزام بجواز تصرّف المالك في بعض العين ، لأنّ تصرّفه في البعض مرجعه إلى تعيين حصّته كلاًّ أو بعضاً وأنّ هذا له والزكاة في الباقي ، فنستفيد من دليل جواز العزل جواز تعيين المالك مقداراً من المال لنفسه بحيث لا يشترك الفقير معه فيه . فإذن جواز التصرّف في المال الزكوي في بعض النصاب مستفاد من هذا الدليل ، وأمّا في باب الخمس فلم يرد مثل هذا الدليل ، إذ لم يدلّ أيّ دليل على جواز العزل فيه بحيث لو تلف المعزول لم يضمن ، ومعلوم أنّ أحكام الزكاة لا تجري بأجمعها في الخمس .

   وعليه ، فمقتضى القاعدة عدم جواز التصرّف في باب الخمس ، لأنّ التصرّف في المال المشترك بدون إذن الشريك يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل حسبما عرفت .

   (1) تقدّم في كتاب الزكاة أنّ النصوص الواردة في العين الزكويّة على طوائف(1) :

   فمنها : ما هو ظاهر في أنّ التعلّق بنحو الفرد المردّد مثل قوله (عليه السلام) : «في كلّ أربعين شاة شاة» ، حيث إنّ ظاهرها أنّ فرداً مردّداً بين الأربعين متعلّق للزكاة وهو المعبّر عنه بالكلّي في المعيّن .

   ومنها : ما هو ظاهر في الإشاعة مثل قوله (عليه السلام) : «فيما سقته السماء العشر» ، فإنّ التعبير بالكسر المشاع ظاهر في الشركة الحقيقيّة .

   ومنها : ما هو صريح في الشركة في الماليّة مثل قوله (عليه السلام) : «في كلّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 23 : 384 ـ 390 .

ــ[292]ــ

خمس من الإبل شاة» ، ضرورة عدم كون الشاة من أفراد الإبل ، فلا معنى للكلّي في المعيّن ولا الإشاعة ، فطبعاً يكون كالصريح في إرادة الشركة في الماليّة . ونحوه ما ورد في نصاب البقر من أ نّه «في كلّ ثلاثين تبيعة ، وفي كلّ أربعين مسنّة» ، إذ قد لا يكون شيء من الثلاثين مشتملاً على التبيعة ولا الأربعين على المسنّة .

   نعم ، لو كان المراد ثبوت الشاة في الذمّة ودفعها من خارج العين الزكويّة أمكن حينئذ أن يكون التعلّق بوجه آخر ، لكنّه خلاف ما تنادي به الأخبار من التعلّق بنفس الأعيان ، وحيث إنّ الشاة لا تكون في الإبل فلا جرم كان المعنى : أ نّها ثابتة في ماليّتها .

   ويعضده ما ورد في بعض الأخبار من أنّ الله أشرك الفقراء في أموال الأغنياء(1) ، فإنّه حيث لا شركة حقيقيّة في نفس العين حسبما عرفت فلا مناص من إرادة الشركة في الماليّة .

   هذا ، وبما أنّ من المقطوع به أنّ كيفيّة التعلّق في جميع الأجناس الزكويّة على نمط واحد وسنخ فارد ، لعدم احتمال الاختلاف باختلاف الأجناس كما يفصح عنه التعبير عن الكلّ بعنوان واحد ـ وهو الصدقة ـ في قوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ) إلخ (2) ، وكذا ما ورد عنه (صلّى الله عليه وآله) من فرض الزكاة في تسعة أشياء (3) ، الظاهر في أنّ الجميع على نسق واحد .

   فلا مناص حينئذ من رفع اليد عن ظاهر بعض النصوص بصراحة الآخر ، فيحمل على إرادة الشركة في الماليّة في الجميع ، لما عرفت من صراحة البعض فيه بحيث لا يقبل التأويل ، أمّا غيره فلا يعدو عن الظهور القابل لرفع اليد عنه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر الوسائل 9 : 219 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 4 ح 4 .

(2) التوبة 9 : 60 .

(3) الوسائل 9 : 54 /  أبواب ما تجب فيه وما ... ب 8 ح 2 ، 3 ، 4 .

ــ[293]ــ

والحمل على ما عرفت ، جمعاً بين الأخبار .

   ومن ثمّ التزمنا هناك بأنّ التعلّق إنّما هو على سبيل الشركة في الماليّة كما تقدّم .

   وأمّا في باب الخمس فالأدلّة بين ما هو ظاهر في الإشاعة والشركة الحقيقيّة وبين ما لا ينافي ذلك ، فمثل قوله تعالى : (فَأَنَّ للهِِ خُمُسَهُ)(1) ظاهرٌ في أنّ المتعلّق هو خمس المغنم نفسه على نحو يكون الخمس المشاع للمستحقّ، والأربعة أخماس الباقية للمالك ، نظير قولك : بعت أو وهبت خمس الدار ، الذي هو ظاهر في الكسر المشاع بلا إشكال .

   وهكذا قوله (عليه السلام) في موثّقة سماعة : «ما أفاد الناس من قليل أو كثير ففيه الخمس» ، فإنّ الكسر المشاع جزء من المركّب المشتمل عليه . وبهذه العناية صحّت الظرفيّة ، إذ الكلّ مشتمل على الجزء ، نظير قولك : الرأس في الجسد أو اليد في البدن .

   وأمّا ما ورد من أنّ الخمس على خمسة أشياء أو من خمسة أشياء (2) فمفاده أنّ الخمس ثابت على هذه الاُمور ، أو يخرج من هذه الاُمور ، وأمّا أنّ كيفيّة التعلّق بتلك الاُمور بأيّ نحو فلا دلالة لهذه الأخبار عليها بوجه ، بل هي ساكتة عن هذه الناحية . فغايته أ نّها لا تدلّ على الإشاعة لا أ نّها تدلّ على خلافها .

   إذن فلا مانع من الأخذ بما عرفت ممّا كان ظاهراً في الإشاعة ، لسلامته عن المعارض . وبذلك يمتاز المقام عن باب الزكاة .

   ودعوى أنّ الخمس قد شُرِّع لبني هاشم بدلاً عن الزكاة أو عوضاً عنها كما

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأنفال 8  : 41 .

(2) الوسائل 9 : 485 /  أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net