سنّ الرضاع
وأمّا القسم الثالث ـ وهو ما يعتبر في الرضيع ـ : فهو أن يكون مجموع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والأصل المعتبر في ذلك إطلاق اسم اللبن عليه كالماء ، هل يطهر إذا خالطه شيء من الطاهر . [انتهى] أي أنّه إذا اختلط اللبن بغيره هل يبقى إطلاق اسم اللبن عليه أم لا ، فإن كان يطلق اسم اللبن عليه كان محرّماً ، وإلاّ فلا . ــــــــــــــــــــــــــــ (1) الوسائل 20 : 389 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب6 ح4 ، 1 . وقد تقدّمت في ص72 ، 76 . (2) كتاب الرضاع (ضمن مجموعة من كتب الآخوند (قدّس سرّه)) : 16 [لاحظ ما ذكرناه في صفحة 38] .
ــ[92]ــ
الرضاع المعبنر واقعاً في حولي الرضاع، على ما هوي المعرفوف بين الفقهاء«1», فلا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
«1» قال الشيخ (قدّس سرّه) في الخلاف 5 : 98 مسألة 4 : الرضاع إنّما ينشر الحرمة إذا كان المولود صغيراً ، فأمّا إن كان كبيراً ، فلو ارتضع المدّة الطويلة لم ينشر الحرمة ، وبه قال (عمرو بن العاص) عمر بن الخطّاب ، وابن عمر ، وابن عبّاس ، وابن مسعود ، وهو قول جميع الفقهاء ، أبو حنيفة وأصحابه ، والشافعي ، ومالك وغيرهم . وقالت عائشة : رضاع الكبير يحرم كما يحرم رضاع الصغير ، وبه قال أهل الظاهر .
وجاء في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة 4 : 223 ـ 224 .
وفي كتاب فقه السنّة 2 : 399 ـ 401 ما محصّله الاستدلال على اعتبار الحولين في سنّ الرضيع بالآية الكريمة قوله تعالى : (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ ...) .
وبجملة من الروايات المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله) وقال إنّه رأي جماهير العلماء للأدلّة المتقدّمة ، إلاّ أنّه رووا عن عائشة رواية نسبتها إلى النبي (صلى الله عليه وآله) تعارض الآية الكريمة وتلك الروايات ، لأنّها تدلّ على نشر الحرمة برضاع الكبير أيضاً ، وهي رواية أعرض عنها مشهور العامّة أيضاً ، حتّى اضطرّوا إلى القول بنسخها ، أو حملها على صورة الاضطرار والحاجة ، أو التخصيص بموردها .
وليس إلاّ تأويلا تبرّعياً لا دليل عليه ، والأولى طرحها رأساً ، ولكن عملت بها عائشة في من كانت تحبّ أن يدخل عليها من الرجال ، فكانت تأمر اُختها اُمّ كلثوم وبناتِ أخيها أن يرضعن من أحبّت أن يدخل عليها من الرجال ، كما عن عروة(1).
وأمّا الرواية فهي ما روي عن زينب بنت اُمّ سلمة ، قالت « قالت اُمّ سلمة لعائشة : إنّه يدخل عليك الغلام الأيفع(2) الذي ما اُحبّ أن يدخل علَيَّ ، فقالت عائشة : أما لك ــــــــــــــــــــــــــــ (1) فقه السنّة 2 : 400 ، والاُمّ (للشافعي) 5 : 28 . (2) يَفَع الغلام : ترَعْرَعَ ، وناهز البلوغ .
ــ[93]ــ
عبرة عندهم بالرضاع بعد الحولين .
واستندوا في ذلك إلى قوله (عليه السلام) في عدّة أخبار : « لا رضاع بعد فطام » المفسّر بسنّ الفطام في رواية حمّاد بن عثمان ، قال : « سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : لا رضاع بعد فطام ، قلت : وما الفطام ؟ قال : الحولين الذي قال الله(1) عزّوجلّ »(2).
وتحقيق الكلام في المقام : أنّ هنا أربع طوائف من الأخبار :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في رسول الله (صلى الله عليه وآله) اُسوة حسنة ؟ فقالت : إنّ امرأة أبي حذيفة(3) قالت : يارسول الله ، إنّ سالماً يدخل عليَّ ، وهو رجل ، وفي نفس أبي حذيفة منه شيء ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أرضعيه حتّى يدخل عليك » .
وقد أجاب عنها في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة 4 : 224 : أنّ ذلك كان قبل تحديد مدّة الرضاع بالحولين ، فنسخ العمل به ، أو هو خصوصية لسالم وسهلة ، لما رآه النبي (صلى الله عليه وآله) من الضرورة الملحّة التي تستلزم الترخيص لأهل هذا البيت ، حيث لا يمكن الاستغناء عن دخول سالم بحال . على أنّ هناك إشكالا آخر ، وهو أنّ الرضاع يستلزم كشف الثدي ومصّه ولمسه ، وهو محرّم . ولكن أجاب : أنّه لا يستلزم ، لأنّ التحريم كما يكون ــــــــــــــــــــــــــــ (1) في سورة البقرة 2 : 233 . (2) الوسائل 20 : 385 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب5 ح5 . (3) اسمها « سهلة » بنت سهيل ، وأمّا « سالم » فهو مولى لامرأة من الأنصار ، تبنّاه أبو حذيفة زوج سهلة ، وكان يدخل عليها لأنّها كانت تراه ابناً له ، ولمّا نزلت آية (ادْعُوهُمْ لاِبَائِهِمْ ...)شكت ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرووا رواية الرضاع فيه كما ذكرنا . راجع فقه السنّة 2 : 400 ] وفيه : ... كانت تراه ابناً لها ... [ والفقه على المذاهب الأربعة 4 : 224 ، وكتاب الاُمّ للشافعي 5 : 28 .
ــ[94]ــ
اُولاها : ما تضمّن قوله (عليه السلام) : « لا رضاع بعد فطام » من دون تفسير ، كحسنتي الحلبي ومنصور بن حازم(1).
ثانيتها : ما اشتمل على تفسيره بالحولين ، وهي رواية حمّاد المتقدّمة .
ثالثتها : ما تضمّن أنّ « الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم » بهذا النصّ وهي رواية البقباق(2).
رابعتها : ما تضمّن أنّ « الرضاع بعد الحولين قبل أن يفطم محرّم » ، وهي رواية داود بن الحصين(3).
ولا ريب أنّ الفطام في الطائفة الاُولى ظاهر في نفسه في الفطام الفعلي ، ولا وجه لحمله على سنّ الفطام .
ورواية حمّاد المفسّرة له بسنّ الفطام لا تنهض حجّة على التفسير ، لأنّ في طريقها سهل بن زياد ، وهو مختلف فيه ، ولم يثبت توثيقه ، فلا يمكن الاستناد إليها على مسلكنا ، وهو عدم انجبار ضعف السند بالعمل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالمصّ يكون بالشرب ، فيصحّ أن تكون قد حلبت له ثديها فشرب .
وقريب منه ما ذكره في كتاب فقه السنّة 2 : 401 .
أقول : فتأمّل في هذه التمحّلات حول رواية هجرها المسلمون قاطبة ، لمخالفتها للكتاب والسنّة ، وسيرة المسلمين . ــــــــــــــــــــــــــــ (1) الوسائل 20 : 385 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب5 ح2 ، 1 . (2) الوسائل 20 : 385 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب5 ح4 . (3) الوسائل 20 : 386 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب5 ح7 .
ــ[95]ــ
ابن يحيى ـ الذي هو من الأجلاّء ـ عنه لا تدلّ على توثيقه . هذا مضافاً إلى معارضتها برواية داود بن الحصين(1)، والترجيح للثانية ، لموافقتها لإطلاق الكتاب .
وبما ذكرناه يتّضح أنّ ما يظهر من بعض المؤلّفات(2)ـ من أنّ هذه الروايات صحيحة بأجمعها ـ ليست في محلّه .
وكيف كان ، فبعد سقوط الرواية المفسّرة للفطام(3) ورواية البقباق(4) يتعيّن الحكم بأنّ الرضاع إنّما يسقط عن التأثير بتحقّق الفطام خارجاً ، وأنّه لا أثر لبلوغ الحولين في ذلك وجوداً أو عدماً ، فالفطام قبل الحولين يوجب خروج الرضاع الواقع بعده عن إطلاق أدلّة تحريم الرضاع ، بمقتضى قوله (عليه السلام) : « لا رضاع بعد فطام »(5) كما أنّه ما لم يتحقّق الفطام خارجاً يكون الرضاع محرّماً ، بمقتضى إطلاق الأدلّة ، وإن تجاوز سنّ الصبي الحولين ، لما تقدّم من ظهور قوله (عليه السلام) : « لا رضاع بعد فطام » في أنّ المزيل للتأثير هو الفطام الفعلي . مضافاً إلى قوله (عليه السلام) في رواية داود بن الحصين : « الرضاع بعد الحولين قبل أن يفطم محرّم »(6)هذا ، والمحكي عن ابن أبي عقيل(7) هو ذلك . ــــــــــــــــــــــــــــ (1) المتقدّمة آنفاً . (2) رسالة في الرضاع : 35 ، المشار إليها في تعليقة ص81 . (3) وهي رواية حمّاد ، راجع الوسائل 20 : 385 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب5 ح5 . (4) الوسائل 20 : 385 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب5 ح4 . (5) الوسائل 20 : 384 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب5 ح1 ، 2 . (6) الوسائل 20 : 386 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب5 ح7 . (7) راجع المختلف 7 : 35 / المسألة 3 .
ــ[96]ــ
والحاصل : أنّ ما هو المعروف بين الفقهاء في المقام لا يمكن المصير إليه ، نعم إطلاق أدلّة تحريم الرضاع منصرف عن بعض الصور قطعاً ، كما إذا فرضنا أنّ طفلا بقي على الرضاع ولم يفطم إلى أن بلغ العاشرة من عمره ، فإنّ مثل هذا لا تشمله أدلّة الرضاع قطعاً ، فلا أثر فيه للفطام وجوداً أو عدماً .
بل يمكن أن يقال : إنّ قوله سبحانه : (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)(1) يدلّ على أنّ حدّ الرضاع يتمّ بتمام الحولين وعليه فلا أثر للرضاع بعده ، ولا تعمّ مثله المطلقات .
|