اشتراط مقدوري التسليم - اشتراط كونهما مملوكين 

الكتاب : المستند في شرح العروة الوثقى-الجزء 16:الإجارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4519


ــ[32]ــ

   الثاني : أن يكونا مقدوري التسليم (1) ، فلا تصحّ إجارة العبد الآبق ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لي من ذلك النصف أو الثالث بعد حقّ السلطان «قال : لا بأس به ، كذلك اُعامل اُكرتي» (1) .

   فيستفاد منها جواز الجهل بالاُجرة ، لعدم انضباط الكمّيّة التي يخرجها الله من الأرض .

   ولكنّها ـ مضافاً إلى ضعف سندها بـ : أبي نجيح ، فإنّه مجهول ـ قاصرة الدلالة ، لخروجها عن باب الإجارة وإن تضمّنت لفظها ، ضرورة لزوم كون الاُجرة شيئاً مملوكاً بالفعل للمستأجر ليتمكّن من تمليكها للمؤجّر إزاء تملّك المنفعة منه ، وما يستخرجه الله من الأرض لا وجود له الآن ليملكه المستأجر فكيف يملّكه للمؤجّر ويجعله اُجرة ؟! فمن المقطوع به أ نّها ناظرة إلى باب المزارعة وأجنبيّة عن محلّ الكلام ، وقد ورد في أخبار باب المزارعة ما عبّر فيه بالإجارة ، لما بينهما من المشابهة في التسلط على العين والانتفاع منها .

   فتحصّل : أ نّه ليست لدينا رواية تدلّ على عدم قدح الجهالة في باب الإجارة ، بل أنّ معتبرة أبي الربيع دالّة على القدح حسبما عرفت .

   (1) لا إشكال في اعتبار هذا الشرط في باب البيع ، لدلالة النصّ مضافاً إلى الوجوه الاُخر المذكورة في محلّها .

   وأمّا في باب الإجارة فالأمر فيه أوضح بحيث ينبغي الجزم به حتى لو فرضنا إنكاره في البيع ، نظراً إلى أنّ المنفعة ـ كسكنى الدار مثلاً ـ لم تكن من الاُمور القارّة الباقية وإنّما هي أمر تدريجي الحصـول توجد وتنصرم كنفس

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 19 : 52 / كتاب المزارعة ب 15 ح 3 ، الكافي 5 : 269 / 2 ، رجال الكشي : 354 / 663 .

ــ[33]ــ

الزمان ، فهي تتلف شيئاً فشيئاً حسب مرور الزمان ، سواء استوفاها مالكها أم لا .

   وعليه ، فإذا كان المالك مسيطراً عليها صحّ اعتبار ملكيته لها ، وأمّا إذا لم تكن قابلة للاستيفاء خارجاً لإباق أو مرض ونحوهما فهي آناً فآناً تنعدم ، ومعه كيف يكون المالك مالكاً لهذه  المنفعة  التي تتلف بنفسها حتى يملّكها للآخر؟! فإنّ العقلاء لا يعتبرون الملكيّة بالإضافة إلى تلك المنافع ، فليست هي مملوكة لمالك العين فكيف يملّكها للغير بالإجارة ؟!

   وعلى الجملة : تعذّر التسليم مانع عن صدق عنوان التمليك المتعلّق بالمنفعة المأخوذ في مفهوم الإجارة ، فلا محيص من اعتبار القدرة عليه تمهيداً لتحقّق العنوان المزبور .

   وهكذا الحال في إجارة الأعمال ، فإنّها كما في الأموال بمناط واحد ، بل الأمر فيها أوضح كما لايخفى، فمن كان عاجزاً عن عمل فليس هو مسلّطاً عليه ومالكاً له حتى يملّكه للغير .

   هذا، وقد يستدلّ للمقام بما رواه الصدوق من نهي النبي (صلّى الله عليه وآله) عن الغرر ، نظراً إلى أنّ استئجار متعذّر التسليم معاملة غرريّة .

   ويجاب بعدم ورود الرواية هكذا لا من طرقنا ولا من طرق العامّة ، وإنّما الوارد نهيه (صلّى الله عليه وآله) عن بيع الغرر ، ويحتاج التعدّي من البيع إلى غيره إلى الدليل .

   أقول : أمّا حديث نهيه (صلّى الله عليه وآله) عن بيع الغرر فقد ورد من طرقنا ومن طرق العامّة ، حيث رووه في أكثر الصحاح وغيرها ، كما أنّ الصدوق رواه بأسانيد غير أ نّها بأجمعها ضعاف كما مرّت الإشارة إليه ، فيبتني التصحيح على القول بانجبار الضعيف بعمل المشهور ، وحيث إنّ الأظهر عدم الجبر

ــ[34]ــ

فيحتاج إثبات الحكم حتى في البيع إلى التمسّك بدليل آخر ، وقد مرّت الإشارة إليه قريباً (1) .

   وأمّا حديث نهيه (صلّى الله عليه وآله) عن الغرر الذي ذكره الشهيد وكذا الشيخ في الخلاف في كتاب الشركة (2) فيمكن أن يكون نظرهما في ذلك إلى روايتين :

   إحداهما : وردت من طرق العامّة ، وهي التي رواها أحمد في مسنده (3) من أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) نهى عن بيع السمك في الماء لأ نّه غرر .

   حيث يظهر من التعليل أنّ النهي قد تعلّق بالغرر على سبيل الإطلاق ، وأنّ التطبيق على البيع من باب تطبيق الكبرى على الصغرى ، فيصحّ أن يقال : إنّه (صلّى الله عليه وآله) نهى عن الغرر مطلقاً وإن كان مورده هو البيع .

   والثانية : وردت من طرقنا ، وهي التي رواها الصدوق في معاني الأخبار بإسناد متّصل إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أ نّه نهى عن المنابذة والملامسة وبيع الحصاة ـ إلى أن قال : ـ وهذه بيوع كان أهل الجاهليّة يتبايعونها فنهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عنها لأ نّها غرر كلّها (4) .

   لدلالة التعليل عليه بالتقريب المتقدّم .

   وعلى الجملة : فتصحّ مقالة الشهيد من أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) نهى عن الغرر استناداً إلى هاتين الروايتين، غير أنّ سنديهما ضعيف فلا يمكن التعويل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 27 ـ 28 .

(2) غاية المراد 2 : 355 ، الخلاف 3 : 330 .

(3) مسند أحمد 1 : 388 .

(4) الوسائل 17 : 358 / أبواب عقد البيع وشروطه ب 12 ح 13 ولها ذيل يدلّ على المطلوب أيضاً مذكور في ص 352 ب 10 ح  ، معاني الأخبار : 278 .

ــ[35]ــ

على شيء منهما . والعمدة في الاستدلال ما عرفت .

   هذا كلّه في متعذّر التسليم المقطوع به .

   وأمّا المشكوك فيه : فإن وقعت الإجارة مطلقة من غير تقييد بالقدرة على الاستيفاء خارجاً فلا ينبغي الشكّ في فسادها حينئذ ، إذ ما لم تثبت القدرة على التسليم لم ينتزع عنوان الملكيّة بالإضافة إلى المنفعة الواقعة في حيّز الإجارة ـ  حسبما تقدّم  ـ فطبعاً يكون مورد الإجارة مردّداً بين المال وما لا ماليّة له ، المستلزم لوقوع الاُجرة حينئذ بلا عوض ، وما هذا شأنه محكوم بالفساد ، لعدم إحراز المبادلة والمعاوضة المعتبرة في مفهوم الإجارة .

   وأمّا تخصيص الصحّة بفرض القدرة ـ بمعنى : أنّ الإجارة وإن اُنشئت مطلقة إلاّ أنّ صحّتها مراعى بإمكان الاستيفاء فإن تمكّن من استيفاء المنفعة خارجاً صحّت وإلاّ فلا ـ فهو وإن كان ممكناً ثبوتاً إلاّ أنّ الدليل على الصحّة قاصر إثباتاً ، نظراً إلى أنّ أدلّة النفوذ والإمضاء تتبع كيفيّة الإنشاء سعةً وضيقاً بمناط تبعيّة العقود للقصود ، والمفروض في المقام تعلّق الإنشاء بالإجارة على صفة الإطلاق ومن غير تقييد بالقـدرة ، فما قصده المتعاملان غير قابل للإمضاء والنفوذ، وما هو قابل غير مقصود . فلا مناص من الالتزام حينئذ بالفساد حسبما عرفت .

   وإن وقعت مقيّدة بالقدرة على التسليم فقال ـ مثلاً ـ : آجرتك هذا إن أمكن حصول المنفعة خارجاً ، فقد يقال حينئذ بالفساد من وجهين :

   أحدهما : أ نّه غرر ، حيث لم يعلم وجود المنفعة خارجاً .

   وفيه : أنّ الغرر هو الخطر لا مجرد الجهل ، ولا خطر في المقام بوجه ، لاستلام المنفعة على تقدير حصولها واسترداد الاُجرة على التقدير الآخر ، فلا مخاطرة بتاتاً ، غايته الجهل ولا دليل على قدحه ، بل لا يبعد صحّة ذلك في البيع أيضاً .

ــ[36]ــ

وفي كفاية ضمّ الضميمة هنا كما في البيع إشكال (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فلو كان الموكّل شاكّاً في بيع الوكيل فباع ماله على تقدير عدم خروجه عن ملكه ببيع الوكيل صحّ فيما لو انكشف عدم البيع .

   ثانيهما : من جهة التعليق المجمع على بطلانه في العقود وإن حصل المعلّق عليه خارجاً .

   ويندفع بأنّ مورد الإجماع إنّما هو التعليق على أمر أجنبي عن العقد أو الإيقاع كنزول المطر والقدوم من السفر ، أمّا التعليق على ما يتوقّف عليه العقد سواء علّق أم لم يعلّق ـ كقوله : بعتك هذا إن كان ملكي ، أو أنت طالق إن كنت زوجتي ـ فلا يكون مثله قادحاً .

   والمقام من هذا القبيل ، لما عرفت من دخل القدرة على التسليم في تحقّق الملكيّة ، فمرجع التعليق في المقام إلى قوله : آجرتك إن كانت المنفعة ملكاً لي ، فلا يضرّ مثل هذا التعليق .

   والمتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ الدخيل في الصحّة إنّما هو واقع القدرة على التسليم لا إحرازها ، فلا مانع من الإجارة في صورة الشكّ لو صادفت حصول القدرة خارجاً .

   (1) نظراً إلى اختصاص دليل الكفاية ـ وهو موثّق سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله «قال : لا يصح إلاّ أن يشتري معه شيئاً آخر، ويقول : أشتري منك هذا الشيء وعبدك بكذا وكذا ، فإن لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه» (1) ـ بالبيع 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 17 : 353 /  أبواب عقد البيع ب 11 ح 2 .

ــ[37]ــ

   الثالث : أن يكونا مملوكين ، فلا تصحّ إجارة مال الغير (1) ولا الإجارة بمال الغير إلاّ مع الإجازة من المالك .
ـــــــــــــــــــــــ

   وليس قوله (عليه السلام) : «فان لم يقدر» إلخ ، تعليلاً ليتعدّى إلى غيره ، وإنّما هو تفريع محض مترتّب على تقدير عدم القدرة على العبد ، فهو بيان لحكم تعذّر الآبق لا لعلّة الحكم ومناطه ، وبما أنّ الحكم مخالف للقاعدة لتعلّق الإنشاء بوقوع الثمن بإزاء المجموع فتخصيصه ـ في فرض عدم القدرة ـ بالبعض تعبّد محض ، فلا جرم يقتصر على مورد قيام النصّ وهو بيع العبد الآبق ، فلا يتعدّى إلى بيع غيره كالفرس الشارد فضلاً عن التعدّي إلى غير البيع كالإجارة ، للزوم الاقتصار في الحكم المخالف للقاعدة على مورد الدليل .

   (1) هذا واضح ، وذلك لعدم المقتضي للصحّة أوّلاً ، ضرورة أنّ كلّ أحد مخاطب بوجوب الوفاء بالعقد الواقع على مال نفسه أو بمال نفسه لا مال الغير ، فلا نفوذ بالإضافة إليه لا من ناحية العقلاء ولا الشارع .

   ولوجود المانع ثانياً ، وهو ما دلّ على المنع من التصرّف في مال الغير وعدم حلّيّته إلاّ بإذنه .

   وأمّا صحّة هذه الإجارة الفضوليّة بإجازة المالك أو إذنه السابق ووقوعها له فهو أمر آخر ، وسيجيء منه التعرّض له فيما بعد إن شاء الله تعالى(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 46 ـ 48 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net