ــ[102]ــ
رواية فضيل
إحداها : ما عن الشيخ في التهذيب باسناده إلى حريز ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : « لا يحرم من الرضاعإلاّ المخبورة ـ وفي نسخة (المخبور) وفي اُخرى (المجبور) ـ أو خادم ، أو ظئر ، ثمّ يرضع عشر رضعات يروي الصبي وينام »(1).
ضعف سندها
وهذه الرواية ضعيفة السند بمحمّد بن سنان الواقع في طريقها ، فإنّه قد اختلفت الأقوال فيه ، فبعضهم وثّقه(2)، وبعضهم ضعّفه(3)، حتّى قيل : إنّه كذّاب(4)، ومنهم من اعتمد عليه ، كالعلاّمة في بحث الرضاع(5).
وقال السيّد الميرداماد (قدّس سرّه) في دفع الضعف عن هذه الرواية : إنّ للشيخ (قدّس سرّه) طريقين إلى حريز ، ليس فيهما محمّد بن سنان(6).
ولم يظهر لنا وجه ما ذكره (قدّس سرّه) لأنّ الشيخ يروي هذه الرواية في التهذيب عن حريز من طريق محمّد بن سنان ، وثبوت طريقين آخرين له إلى حريز ــــــــــــــــــــــــــــ (1) الوسائل 20 : 377 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح11 ، التهذيب 7 : 315 / 1305 [في المصدر : « المجبورة » بدل « المخبورة »] . (2) [كالشيخ المفيد في الإرشاد 2 (مصنّفات الشيخ المفيد 11) : 248] . (3) [كالشيخ في رجاله : 364 / 5394 ، والنجاشي في رجاله : 328 / 888 ، والشيخ المفيد في الرسالة العددية (مصنّفات الشيخ المفيد 9) : 20]. (4) [والقائل هو الفضل بن شاذان كما حكاه عنه الكشي في رجاله : 507 / 979] . (5) المختلف 7 : 31 . (6) رسالة في الرضاع (ضمن رسائل تسع مسمّاة بالرضاعيات والخراجيات) : 99 .
ــ[103]ــ
ليس فيهما محمّد بن سنان(1) لا ينافي نقل هذه الرواية بهذا الطريق .
والإنصاف : أنّ هذه الرواية ضعيفة السند ، لم تثبت حجّيتها عندنا ، فلا يمكن الاعتماد عليها .
مناقشة الشيخ الأنصاري
وقد ناقش شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه)(2) في هذه الرواية بوجهين آخرين من حيث المتن .
أحدهما : أنّ هذه الرواية رواها الصدوق (قدّس سرّه)(3) باسناده إلى حريز عن الفضيل ، بلا زيادة قوله : « ثمّ يرضع عشر رضعات يروي الصبي وينام »(4) فتقع المعارضة بين رواية الشيخ ورواية الصدوق من حيث الزيادة والنقيصة ومقتضى القاعدة الكليّة في ذلك ترجيح جانب الزيادة والأخذ به ، لأنّ احتمال السقط في الكتابة سهواً أقوى من احتمال إضافة شيء فيها .
إلاّ أنّه لا يمكن العمل بهذه القاعدة في خصوص روايات الصدوق ، لسبق زمانه على زمان الشيخ ، وأضبطيّته في نقل الأخبار وكتابتها ، حتّى علّل ذلك بأنّه صدوق في نقله ، بخلاف نقل الشيخ في التهذيب ، فإنّا أيضاً قد وجدنا فيه موارد الاشتباه والسهو ، فتقدّم رواية الصدوق، وهي لا تتضمّن الزيادة المذكورة.
هذه هي المناقشة الاُولى من مناقشتي الشيخ (قدّس سرّه) . ــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع الفهرست : 62 / 249 . (2) كتاب النكاح (إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم 20) : 310 . (3) الفقيه 3 : 307 / 1474 [مع اختلاف يسير عن المتن المتقدّم] . (4) الوسائل 20 : 376 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح7 .
ــ[104]ــ
الجواب عنها
أقول : هذه المناقشة مدفوعة ، لأنّها إنّما تتمّ لو كانت الرواية واحدة ، ولكن بعد المراجعة يظهر أنّهما روايتان ، وأنّ رواية الشيخ غير رواية الصدوق سنداً ومتناً .
أمّا اختلاف السند فيظهر بالمراجعة إلى كتاب الفقيه ، فإنّ الصدوق يذكر في آخره(1) إسناده إلى حريز ، وليس في إسناده إليه محمّد بن سنان .
وأمّا اختلاف المتن فرواية الشيخ هي ما ذكرناه ، ورواية الصدوق هي باسناده إلى حريز عن الفضيل عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «لا يحرم من الرضاع إلاّ ما كان مخبوراً ، قلت : وما المخبور ؟ قال : اُمّ تربّي ، أو ظئر تستأجر ، أو خادم تشتري »(2) فإنّ هذه الرواية ـ كما ترى ـ يغاير متنها متن رواية الشيخ بالكليّة ، إذ ليس في رواية الشيخ السؤال عن معنى المخبور ، وإن اشتملت على زيادة : « ثمّ يرضع عشر رضعات ... » هذا .
ولا يخفى أنّ هنا وجهاً آخر لتعدّد الروايتين ، وهو أنّ رواية الصدوق عن أبي عبدالله (عليه السلام) ورواية الشيخ عن أبي جعفر (عليه السلام) . ــــــــــــــــــــــــــــ (1) في المشيخة [أي في الفقيه 4 (المشيخة) : 35] ذكر أنّ له في الرواية عن حريز أربعَ طرق كلّها صحيحة ، وليس محمّد بن سنان في أيٍّ من الطرق ، قال : وما كان عن حريز فقد رويته عن أبي ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى بن عبيد والحسن بن ظريف وعلي بن إسماعيل بن عيسى، كلّهم عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز . هذا أحد الطرق ، اكتفينا بذكره] الموجود في المصدر : عن أبي ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن الحسين بن سعيد وعلي بن حديد وعبدالرحمن بن أبي نجران ، عن حمّاد بن عيسى عن حريز] . (2) [في الفقيه « ... إلاّ ما كان مجبوراً ، قال قلت : وما المجبور ؟ ... » وذيلها « أو أمة تشترى »] .
ــ[105]ــ
المناقشة الثانية : هي أنّ الحصر الوارد بقوله : « لا يحرم من الرضاع إلاّ المخبور » خلاف الإجماع ، لأنّ نشر الحرمة بالرضاع لا ينحصر بالمخبور المفسّر في الرواية الاُخرى بـ « اُمّ تربّي ، أو ظئر تستأجر ، أو أمة تشتري » لأنّ إرضاع غير هذه الثلاثة يوجب نشر الحرمة أيضاً إذا كان بالشروط المعتبرة في ذلك ، فتطرح الرواية لمخالفة متنها الإجماع .
الجواب عنها
أقول : هذه المناقشة مندفعة أيضاً ، لأنّ الحصر فيها إنّما هو بالإضافة إلى غير المستمرّة في الإرضاع ، بأن ترضع مرّة أو مرّتين أو أكثر ، بحيث لا يبلغ العدد المعتبر في نشر الحرمة ، فيكون المراد : أنّ الرضاع المحرّم هو الرضاع المستمرّ الكثير البالغ إلى الحدّ الذي يوجب نشر الحرمة ، لا الأقلّ من ذلك .
ومن هنا يظهر أنّ نسخة « المخبور » ـ بالخاء المعجمة ـ أصحّ من بقيّة النسخ لأنّه مأخوذ من خبر الأرض إذا كثر زرعها ، وأمّا المجبورة ـ بالجيم ـ بمعنى الملزمة بالرضاع فهي قليلة الاستعمال ، لأنّه يقلّ استعمال لفظ « الجبر » ثلاثياً بهذا المعنى ، وإنّما تستعمل من باب الإفعال ، ويقال : (أجبره) على ذلك أي ألزمه به .
فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّه لا يرد على هذه الرواية سوى أنّها ضعيفة السند بمحمّد بن سنان .
|