التحديد بخمس عشرة رضعة في موثّقة زياد بن سوقة
إلاّ أنّ موثّقة زياد بن سوقة قد صرّحت بعدم كفاية عشر رضعات وإن كانت متوالية ، وهي ما رواه الشيخ (قدّس سرّه) باسناده عن زياد بن سوقة ، قال « قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : هل للرضاع حدّ يؤخذ به ؟ فقال : لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة ، من لبن فحل واحد لم تفصل بينها رضعة امرأة غيرها ، فلو أنّ امرأة أرضعت غلاماً أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد ، وأرضعتهما امرأة اُخرى من فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما »(3).
معارضتها لروايات العشر
وهذه الموثّقة ـ كما تراها ـ قد صرّحت أوّلا بأنّ الحدّ باعتبار العدد خمس عشرة رضعة متوالية ، ثمّ نفت بعد ذلك الحرمة برضاع عشر رضعات ، ويعرف من صدرها أنّ المنفي العشر المتوالية أيضاً .
فتقع المعارضة بينها وبين مفهوم الروايات السابقة الدالّة على كفاية العشر ــــــــــــــــــــــــــــ (1) الوسائل 20 : 375 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح6 ، التهذيب 7 : 314 / 1301 . (2) الوسائل 20 : 374 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح1 [وهي موثّقة زياد بن سوقة الآتي ذكرها] . (3) الوسائل 20 : 374 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح1 ، التهذيب 7 : 315 / 1304 .
ــ[109]ــ
المتوالية بالتباين ، فلابدّ من العلاج ، وليس في المقام رواية تدلّ على اعتبار خمس عشرة رضعة إلاّ هذه الرواية ، ولولاها لكان القول بكفاية العشر متعيّناً .
ترجيحها بمخالفة العامّة
وربما يقال ـ كما في بعض المؤلّفات(1)ـ بترجيح هذه الموثّقة ، لأنّها مخالفة للعامّة ، وليست روايات العشر كذلك ، لوجود القول منهم باعتبار العشر .
الخدشة فيه
وفيه أوّلا : أنّ الترجيح بمخالفة العامّة في طول الترجيح بموافقة الكتاب كما تقرّر في الاُصول(2)، أعني أنّه لابدّ أوّلا من ملاحظة أنّ أيّاً من المتعارضين موافق للكتاب فيرجّح على الآخر ، فإن كانا موافقين للكتاب أو لم يكن في الكتاب بيان للحكم الخاصّ لوحظ عند ذلك المخالف للعامّة منهما ، ورجّح على الآخر ، وفي المقام روايات العشر موافقة للكتاب(3) إن كان فيه إطلاق ، وإلاّ فقد قدّمنا في بعض المباحث(4) وجود السنّة المطلقة الواردة في مقام البيان ، وهي في حكم الكتاب لأنّ المرجّح هو موافقة الكتاب أو السنّة المعتبرة .
وثانياً : أنّه لم يعرف القائل من العامّة باعتبار العشر في نشر الحرمة ، بل هم ينسبون هذا القول إلى الشذوذ(5) ولم يذكروا قائله ، ومن المحتمل أنّهم يريدون ــــــــــــــــــــــــــــ (1) رسالة الرضاع : 56 ، التي أشرنا إليها في تعليقة ص81 . (2) مصباح الاُصول 3 (موسوعة الإمام الخوئي 48) : 498 ـ 499 . (3) النساء 4 : 23 . (4) وهو بحث اعتبار وحدة المرضعة في نشر الحرمة ، راجع ص83 . (5) [لم نعثر خلال مراجعة مجموعة من كتب العامّة على النسبة المذكورة ، بل قال في بداية المجتهد 2 : 35 : وقالت طائفة عشر رضعات ، وفي المحلّى 10 : 9 : فروي عن طائفة أنّه لا يحرم إلاّ عشر رضعات] .
ــ[110]ــ
بذلك الإمامية القائلين باعتبار العشر ، وأمّا جمهور العامّة فهم يكتفون بمسمّى الرضاع الموجب لإفطار الصائم ، أو يعتبرون الرضعة الواحدة ، نعم منهم من يعتبر في نشر الحرمة سبع رضعات كما قدّمنا عن عائشة وحفصة(1).
فتحصّل : أنّه ليس القول بالعشر قولا معروفاً قائله من العامّة كي تطرح رواياته باعتبار موافقتها لهم ، بل القول بأنّ كلتا الطائفتين مخالفتان للعامّة غير بعيد .
ترجيحها بموافقة الكتاب
وقد يتوهّم ـ كما في بعض المؤلّفات(2) أيضاً ـ أنّ الترجيح مع الموثّقة ، بتوهّم موافقتها للكتاب ، لأنّ مفادها يوافق قوله تعالى المتضمّن لحلّ ما وراء ذلك(3)لأنّها تقتضي بقاء الحليّة إلى أن تكمل خمس عشرة رضعة .
الخدشة فيه
ويدفع هذا التوهّم أنّه ليس في الكتاب ما يوافق الموثّقة ، لعدم تعرّضه لبيان ما به يتحقّق الرضاع المحرّم ، لينظر في الروايات الواردة في التحديد أنّ أيّاً منها موافق له ، وأيّاً منها مخالف له ، بل هو مجمل من هذه الناحية ، وإنّما ورد فيه تحريم النكاح في موضوع الاُمّهات والأخوات الرضاعيات(4)، وشأن الأخبار الواردة ــــــــــــــــــــــــــــ (1) المغني لابن قدامة 9 : 193 ، والاُمّ للشافعي 5 : 26 وما بعدها ، وكتاب رحمة الاُمّة على هامش كتاب الميزان 2 : 107 ، [راجع أيضاً ص96 وما بعدها] . (2) رسالة الرضاع : 55 ـ 56 ، المشار إليها في تعليقة ص81 . (3) النساء 4 : 24 . (4) النساء 4 : 23 .
ــ[111]ــ
المتعارضة إنّما هو بيان موضوع الذي حرّمه الكتاب ، فكلتا الطائفتين تفسّران هذا الموضوع ، وتتعارضان في تفسيره ، وقوله تعالى المتضمّن لحلّ ما وراء ذلك(1)يثبت الحلّ لما عدا الموضوع المحرّم ، فالقول بأنّ رواية الخمس عشرة توافق الحلّ المستفاد من الكتاب ليس كما ينبغي ، وإن كان في الكتاب إطلاق(2) فروايات العشر هي الموافقة للكتاب ، لصدق الرضاع بالعشر ، إلاّ أنّا قدّمنا عدم كون الكتاب في مقام البيان من هذه الجهة .
|