مقالة ابن إدريس حول الرواية
ثمّ إنّ ابن إدريس (قدّس سرّه) قال في أوّل كتاب النكاح من السرائر : المحرِّم(1) عشر رضعات متواليات على الصحيح من المذهب ، وذهب بعض أصحابنا إلى خمس عشرة رضعة ، معتمداً على خبر واحد ورواية(2) عمّار بن موسى الساباطي(3) وهو فطحي المذهب مخالف للحقّ ، مع أنّا قدّمنا أنّ أخبار الآحاد لا يعمل بها ولو رواها العدل ، فالأوّل مذهب السيّد المرتضى وخيرته وشيخنا المفيد ، والثاني خيرة شيخنا أبي جعفر الطوسي ، والأوّل هو الأظهر الذي تقتضيه اُصول المذهب(4) انتهى . ــــــــــــــــــــــــــــ (1) [هذه الكلمة لم ترد في السرائر ـ الطبعة الحديثة ـ لكن يقتضيها السياق] . (2) [الموجود في الطبعة الحديثة من السرائر : ... خبر واحد رواية عمّار ...] . (3) الوسائل 20 : 374 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح1 . (4) السرائر 2 : 520 .
ــ[114]ــ
المناقشة فيها
وقد تعجّب منه في بعض المؤلّفات(1) بأنّه كيف خفيت على ابن إدريس الروايات الدالّة على التحديد بالخمس عشرة ، حتّى ادّعى أنّه ليس في الباب [إلاّ] رواية واحدة ، وهي رواية عمّار الساباطي ، وقد ذكر المؤلّف المذكور روايات زعم دلالتها على التحديد بالخمس عشرة رضعة ، وذكر أيضاً أنّه لم يجد رواية عمّار الساباطي في الوسائل ولا في غيره من كتب الحديث ، فكيف أنكر ابن إدريس هذه الروايات وادّعى رواية لا توجد في كتب الحديث .
دفع المناقشة
أقول : من الغريب ما ذكره هذا المؤلّف في المقام ، لأنّ رواية عمّار الساباطي التي ذكرها ابن إدريس هي رواية زياد بن سوقة ، وهو ـ أعني عمّاراً ـ ينقل هذه الرواية عن جميل بن صالح عن زياد بن سوقة(2) عن الإمام (عليه السلام) ، وإنّما نسب ابن إدريس الرواية لعمّار لبيان السبب في ضعفها ، حيث إنّه فطحي المذهب وفي كتب الفقه تنسب الرواية إلى زياد بن سوقة ، لأنّه هو الراوي عن الإمام (عليه السلام) مباشرة .
وما يظهر من كلام ابن إدريس ـ من إنّه ليس في المقام ما يدلّ على اعتبار الخمس عشرة رضعة إلاّ هذه الرواية ـ هو صحيح أيضاً ، لأنّ الروايات(3) التي ذكرها المؤلّف المذكور للاستدلال بها على اعتبار العدد المزبور قاصرة عن إفادة ذلك ، إلاّ رواية الشيخ الصدوق في المقنع ، وهي هكذا : محمّد بن علي بن الحسين في ــــــــــــــــــــــــــــ (1) رسالة الرضاع : 55 ، وقد أشرنا إليها في تعليقة ص81 . (2) الوسائل 20 : 374 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح1 . (3) وهي ح2 و3 و4 و18 في الباب المذكور ، وقد ذكرها في ص53 ـ 55 من رسالته .
ــ[115]ــ
المقنع ، قال : « وسئل الصادق (عليه السلام) : هل لذلك حدّ ؟ فقال : لا يحرم من الرضاع إلاّ رضاع يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة متواليات لا يفصل بينهنّ »(1)وهي ـ كما ترى ـ مرسلة .
ترجيح روايات العشر
وبالجملة : فالمحتمل ممّا ذكرنا أنّ الترجيح مع روايات العشر ، لأنّه ـ مضافاً إلى ذهاب جلّ الأعاظم كالسيّد المرتضى(2)، وشيخنا المفيد(3) إلى هذا القول ، بل نسب إلى معظم الأصحاب في الروضة(4) وإلى عامّة المتأخّرين في كنز العرفان(5) ومضافاً إلى تعاضد روايات العشر وكثرتها ، وإلى أنّ الاحتياط يقتضي العمل بها لأنّ مقتضاها المنع من النكاح بتحقّق العشر ، وغاية ما يترتّب على ذلك جواز النظر ، بالنظر إلى أنّ المرضعة عشراً اُمّ رضاعية ، والمرتضعة عشراً اُخت رضاعية وهذا بخلاف ما تقتضيه رواية الخمس عشرة ، فإنّ مقتضاها جواز النكاح ما لم يكمل هذا العدد وإن كملت العشر ، وهذا خلاف الاحتياط كما هو واضح ـ يجب ترجيح روايات العشر ، لأنّها موافقة لمطلقات السنّة الواردة في مقام البيان(6) وإن ــــــــــــــــــــــــــــ (1) المقنع : 330 ، الوسائل 20 : 379 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب2 ح14 . [وفي بعض نسخ المقنع : وسئل أبو جعفر (عليه السلام)] . (2) حكاه عنه ابن إدريس في سرائره 2 : 520 . (3) المقنعة : 502 . (4) الروضة البهيّة 5 : 157 . (5) [لاحظ كنز العرفان 2 : 232 ، بل اختار التحريم بخمس عشرة رضعة في التنقيح الرائع 3 : 46] . (6) وهي صحيحة بريد وابن سنان وحسنته المذكورة في الوسائل 20 : 388 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب6 ح1 ، 4 ، وقد تقدّمت في ص76 ، 72.
ــ[116]ــ
لم يرد في الكتاب مطلق في مقام البيان .
|