حكم الشك في الحج الموصى به أ نّه من الواجب أو المستحب 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4369

 

   وأمّا الثالث : وهو ما لو شك في أنه واجب أو مندوب ولم تكن قرينة على أحدهما فقد ذكر المصنف (قدس سره) أن في خروجه من الأصل أو الثّلث وجهين أقواهما خروجه من الثّلث ، إذ لم يعلم كونه واجباً ليخرج من الأصل ، وإنما يخرج من الأصل إذا ثبت كونه واجباً وإلاّ فيخرج من الثّلث .

   وقد نقل المصنف عن السيّد صاحب الرياض رأيه في خروج هذا القسم من الأصل، حيث استفاد ذلك من توجيه السيّد لكلام والد الصدوق(2) ـ الظاهر في كون جميع الوصايا من الأصل ـ بأن مراده ما إذا لم يعلم كون الموصى به واجباً أو ندباً فإن مقتضى عمومات وجوب العمل بالوصية خروجها من الأصل خرج عنها صورة العلم بكونها ندباً فيخرج من الثّلث ، وكذلك حمل خبر عمّار الدال بظاهره على ما عن والد الصدوق على صورة الشك .

   أقول : أمّا عمومات الوصية فالجواب عنها ظاهر ، لأنها مخصّصة بما إذا لم يكن مورد الوصية ندباً وإلاّ فيخرج من الثّلث ، فالتمسك بها لإثبات خروجه من الأصل من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وهو محل إشكال بل منع . وبعبارة اُخرى : الوصية إنما يترتب عليها الأثر في غير الواجب ، وأمّا في مورد الواجب فلا أثر لها لإخراجه من الأصل أوصى به أو لم يوص به ، وأمّا في مورد الشك فلا يمكن الحكم بخروجه من الأصل لعدم إحراز الوجوب والأصل عدمه .

 وأمّا خبر عمّار(3) وهو ما رواه الشيخ عنه عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال :

ـــــــــــــ
(2) ما نقله السيّد في الرياض [ 6 : 119 ] إنما هو عن والد الصدوق فما في المتن من نقله عن الصدوق سهو .

(3) الوسائل 19 : 281 / كتاب الوصايا ب 11 ح 19 .

ــ[85]ــ

الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح ، إذا أوصى به كلّه فهو جائز» فقد أجاب عنه في المتن بإعراض الأصحاب عنه ، ولكن لا حاجة إلى التمسك بالاعراض ، فإن الخبر موهون بمعارضته بغيره من الروايات ممّا هو أصح سنداً وأكثر عدداً وأشهر . على أن الخبر في نفسه ضعيف ولا يمكن الاعتماد عليه وإن لم يكن له معارض ، فإن الشيخ رواه في التهذيب عن أبي الحسن عمر بن شدّاد الأزدي والسري جميعاً عن عمّار بن موسى(1) ، وفي الاستبصار(2) عن أبي الحسن عمرو بن شداد الأزدي ، وفي بعض الأسناد أبو الحسين ، وذكر في السند أيضاً عن أبي الحسن الساباطي عن عمّار بن موسى(3) ، وكيف كان ، لم يوثق الرجل ، وأمّا السري فهو ملعون كذاب ، وقد حمل المصنف تبعاً لصاحب الوسائل المال المذكور في الخبر على خصوص الثّلث الذي أمره بيده ، وهو بعيد جدّاً ، كما أن الشيخ حمل الخبر على ما إذا لم يكن للميت وارث أصلاً لا من قريب ولا بعيد ، فيجوز له حينئذ أن يوصي بماله كيف ما شاء ، وهذا بعيد أيضاً . على أن وجود شخص لا وارث له أصلاً نادر جدّاً ، والعمدة أن الرواية ضعيفة سنداً لا يمكن الاعتماد عليها .

   وقد يتوهّم أنه مع الشك يبنى على أن وصيته في الواجب لا في المندوب فيخرج من الأصل حملاً للوصية على الصحّة ، وإلاّ لو كانت في المندوب لكانت باطلة ، فليس فيها مخالفة لما دل على عدم نفوذ الوصية فيما زاد عن الثّلث ، وليس ذلك من التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية . وبعبارة اُخرى : يظهر الأثر في الزائد عن الثّلث ، لأنّ الوصية لو كانت بالواجب تصح بالنسبة إلى الزائد، ولو كانت بالمندوب تبطل بالاضافة إليه ، فتحمل الوصية على الواجب حملاً لفعله على الصحّة .

   ويندفع بأن خروج الحج الواجب من الأصل ليس لأجل الوصية ، فإنها صحّت أو لم تصح يخرج الحج الواجب من الأصل ، فهو أجنبي عن الوصية ، وإنما تؤثر في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 9 : 187 / 753 .

(2) الاستبصار 4 : 121 / 459 .

(3) التهذيب 9 : 186 / 748 .

ــ[86]ــ

المندوب ، فإنه لو كان زائداً على الثّلث فلا أثر لها وتصح إذا كان بمقداره .

   على أن أصالة الصحّة لا مجرى لها في أمثال المقام ، توضيح ذلك : أن مدرك أصالة الصحّة سواء كانت جارية في عمل نفسه أو عمل الغير هو السيرة لا الدليل اللفظي ليتمسك بإطلاقه ، فحينئذ لا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقن ، والقدر المتيقن جريانها فيما إذا كان الشك راجعاً إلى نفس العمل لا إلى العامل ، مثلاً لو شكّ في أن عقد النكاح أو عقد البيع وقع صحيحاً أم فاسداً يحمل على الصحّة ، وأمّا لو شكّ في أن العامل والمباشر هل له الولاية والسلطنة على ذلك أم لا فلا يمكن إحراز ذلك بالحمل على الصحّة ، فلو رأينا شخصاً يبيع ملك أحد وشككنا في أنه هل له الولاية على ذلك أم لا ، لا دليل على الحمل على الصحّة ولا يمكن إثبات الولاية ، نعم لو شكّ في صحّة العقد الصادر من نفس المالك أو الولي يحمل على الصحّة ، وكذا لو زوج شخص امرأة من رجل وشكّ في ولايته ووكالته عنها لا يمكن الحكم بالصحّة ، لعدم إحراز شمول السيرة لأمثال المقام .

   والحاصل : حيث إن الدليل منحصر بالسيرة فلا بدّ من الأخذ بالقدر المتيقن منها وهو ما إذا اُحرز سلطنة المباشر وولايته ولكن يشك في صحّة عمله من حيث وجدانه للشرائط وعدمه ، وأمّا لو شكّ في أصل ولايته وسلطنته فلا يمكن إثباتها بأصالة الصحّة ، ولذا لا نحكم بصحّة كل عقد صادر من كل أحد ، ومقامنا من هذا القبيل ، لأنّ الحج إذا كان واجباً لا حاجة إلى الوصية ، وإن كان مندوباً ليس له الولاية في إخراجه من الأصل ، فالشك في كون الموصى به واجباً أو ندباً راجع إلى الشك في صدور الوصية عمن له الولاية أم لا ، فالصحيح ما ذكره المصنف (قدس سره) من أنه يخرج من الثّلث في صورة الشك .

   نعم ، إذا كان في البين قرينة على أن الحج الموصى به هو الواجب يؤخذ بها كالايصاء بالحج من الأمكنة البعيدة في الأزمنة السابقة ، فإن الظاهر منه هو الحج الواجب ، إذ الايصاء بالمندوب من تلك الأمكنة في الأزمنة السابقة بعيد جدّا .

   وربّما يقال بالحمل على الواجب للانصراف ، فإنه بمنزلة إخبار الميِّت وإقراره

ــ[87]ــ

يظهر من سيّد الرياض (قدس سره) خروجه من الأصـل حيث إنه وجّه كلام الصّدوق (قدس سره) ـ الظاهر في كون جميع الوصايا من الأصل ـ : بأنّ مراده ما إذا لم يعلم كون الموصى به واجباً أو لا ، فإنّ مقتضى عمومات وجوب العمل بالوصية خروجها من الأصل خرج عنها صورة العلم بكونها ندبياً ، وحمل الخبر الدال بظاهره على ما عن الصدوق أيضاً على ذلك ، لكنه مشكل فإن العمومات مخصصة بما دلّ على أن الوصية بأزيد من الثّلث ترد إليه إلاّ مع إجازة الورثة . هذا ، مع أن الشبهة مصداقية والتمسك بالعمومات فيها محل إشكال ، وأمّا الخبر المشـار إليه وهو قوله (عليه السلام) : «الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح إن أوصى به كله فهو جائز» ، فهو
موهون((1)) بإعراض العلماء عن العمل بظاهره ، ويمكن أن يكون المراد بماله هو الثّلث الذي أمره بيده . نعم ، يمكن أن يقال في مثل هذه الأزمنة بالنسبة إلى هذه الأمكنة البعيدة عن مكّة : الظاهر من قول الموصي : حجّوا عنِّي ، هو حجة الإسلام الواجبة ، لعدم تعارف الحج((2)) المستحبي في هذه الأزمنة والأمكنة فيحمل على أنه واجب من جهة هذا الظهور والإنصراف ، كما أنه إذا قال : أدّوا كذا مقداراً خمساً أو زكاة ، ينصرف إلى الواجب عليه . فتحصل : أن في صورة الشك في كون الموصى به واجباً حتى يخرج من أصل التركة أو لا حتى يكون من الثّلث ، مقتضى الأصل الخروج من الثّلث ، لأنّ الخروج من الأصل

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بالواجب عليه ، كما أن إخباره بعدم ثبوت حج الإسلام عليه يسمع منه .

   وفيه : أن مجرّد الانصراف إلى الواجب غير مفيد ، لإمكان أن يكون الايصاء من باب الاحتياط وكون الواجب واجباً احتياطياً لا واجباً أصلياً ، والذي يخرج من الأصل هو الواجب الأصلي لا الاحتياطي ، وكذا في الوصية بالخمس والزكاة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الخبر في نفسه ضعيف فلا حاجة في سقوط حجيته إلى التمسك بالإعراض .

(2) نعم ولكن يمكن أن يكون الإيصال من باب الاحتياط وكذا في الوصية بالخمس ونحوه .

ــ[88]ــ

موقوف على كونه واجباً وهو غير معلوم بل الأصل عدمه إلاّ إذا كان هناك انصراف ، كما في مثل الوصية بالخمس أو الزكاة أو الحج ونحوها ، نعم لو كانت الحالة السابقة فيه هو الوجوب كما إذا علم وجوب الحج عليه سابقاً ولم يعلم أنه أتى به أو لا فالظاهر جريان الإستصحاب والإخراج من الأصل . ودعوى أن ذلك موقوف على ثبوت الوجوب عليه وهو فرع شكّه لا شكّ الوصي أو الوارث ، ولا يعلم انّه كان شاكّاً حين موته أو عالماً بأحد الأمرين مدفوعة بمنع اعتبار شكّه بل يكفي شكّ الوصيّ أو الوارث أيضاً ، ولا فرق في ذلك بين ما إذا أوصى أو لم يوص ، فإنّ مقتضى أصالة بقاء اشتغال ذمّته بذلك الواجب عدم انتقال ما يقابله من التركة إلى الوارث ، ولكنّه يشكل على ذلك الأمر في كثير من الموارد لحصول العلم غالباً بأن الميت كان مشغول الذمّة بدين أو خمس أو زكاة أو حج أو نحو ذلك ، إلاّ أن يدفع بالحمل على الصحّة فإن ظاهر حال المسلم الإتيان بما وجب عليه ، لكنّه مشكل في الواجبات الموسعة بل في غيرها أيضاً في غير المؤقتة فالأحوط في هذه الصورة ((1)) الإخراج من الأصل .

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ونحوهما من الحقوق المالية ، فإن الايصاء بها لو كان من باب الاحتياط ولو احتياطاً وجوبياً ليس إقراراً باشتغال ذمّته وباستقرار الدين عليه ، فإن الاحتياط لا يوجب اشتغال الذمّة ، نعم إذا كان هناك ظهور في أن الموصى به هو الحج الأصلي فهو المتبع فإنّ الظهور كالصراحة في لزوم الاتباع .

   ثمّ إنّ المصنف (رحمه الله) ذكر المتحصل ممّا تقدّم ، وهو أنه في صورة الشك في كون الموصى به واجباً حتى يخرج من الأصل أو لا حتى يكون من الثّلث ذكر أن مقتضى الأصل الخروج من الثّلث ، لأنّ الخروج من الأصل موقوف على كونه واجباً وهو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الأظهر ذلك فيما إذا علم بكون الحق ثابتاً في ذمّته وشكّ في أدائه ، وكذلك فيما إذا علم بتعلق الحق بالعين وكانت باقية وأمّا مع تلفها فالأصل يقتضي البراءة من الضمان .

ــ[89]ــ

غير معلوم بل الأصل عدمه ، إلاّ إذا كان هناك انصراف إلى الواجب كالوصية بالخمس والزّكاة والحج ، إلاّ إذا كان واجباً عليه سابقاً وشكّ في إتيانه وعدمه فالظاهر جريان الاستصحاب بشك الوصي أو الوارث لا شك الموصي .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net