الرابع : أن يكون إحرام حجّه من بطن مكّة 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3700


ــ[199]ــ

   الرابع : أن يكون إحرام حجّه من بطن مكّة مع الاختيار للأجماع والأخبار . وما في خبر إسحاق عن أبي الحسن (عليه السلام) من قوله (عليه السلام) : «كان أبي مجاوراً هاهنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج ودخل وهو محرم بالحج» حيث إنه ربّما يستفاد منه جواز الإحرام بالحج من غير مكّة ، محمول على محامل ((1)) أحسنها أن المراد بالحج عمرته حيث إنّها أوّل أعماله ، نعم يكفي أيّ موضع منها كان ولو في سِكَكها للإجماع وخبر عمرو بن حريث ((2)) عن الصادق (عليه السلام) : «من أين اُهل بالحج ؟ فقال : إن شئت من رَحلك وإن شئت من المسجد وإن شئت من الطريق» (1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عشر شهراً حتى يقال بصحّة العمرة لو أتى بها في أواخر ذي الحجّة من هذا العام وبالحج في السنة القادمة لكون الفصل أقل من السنة الواحدة بعدة أيّام ، بل المراد من السنة الواحدة ومن إتيانهما في سنة واحدة أن يكونا معاً واقعين في أشهر الحج من سنة واحدة ، وحينئذ فلا يصح أيضاً لو أتى بعمرة التمتّع في أواخر ذي الحجة وأتى بالحج في العام القابل .

   (1) أجمع علماؤنا كافة على أن ميقات حج التمتّع مكّة المكرّمة ولا يجوز الإحرام من حواليها وضواحيها ، ويدل عليه عدّة من الروايات ، وفي بعضها الأمر بالإحرام من المسجد(3) ، ولكن الرواية ضعيفة بإبراهيم بن ميمون لأنه لم يوثق فتحمل على الاستحباب بناءً على التسامح في أدلّة السنن ، وفي صحيح عمرو بن حريث قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : من أين اُهل بالحج ؟ فقال : إن شئت من رحلك وإن شئت من الكعبة وإن شئت من الطريق» (4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الرواية وإن كانت معتبرة سنداً إلاّ أنها لمعارضتها مع ما تقدّم من الأخبار لا يمكن الاعتماد عليها ، على أنها مشوّشة المتن .

(2) الخبر صحيح سندا .

(3) الوسائل 11 : 339 / أبواب أقسام الحج ب 9 ح 4 .

(4) الوسائل 11 : 339 / أبواب المواقيت ب 21 ح 2 .

ــ[200]ــ

وأفضل مواضعها المسجد وأفضل مواضعه المقام أو الحجر وقد يقال : أو تحت الميزاب ، ولو تعذّر الإحـرام من مكّة أحرم ممّا يتمكّن ، ولو أحرم من غيرها اختياراً متعمداً بطل إحرامه ، ولو لم يتداركه بطل حجّه ، ولا يكفيه العود إليها بدون التجديد بل يجب أن يجدّده لأنّ إحرامه من غيرها  كالعدم ، ولو أحرم من غيرها جهلاً أو نسياناً وجب العود إليها والتجديد مع الإمكان ، ومع عدمه جدّده في مكانه ((1)) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   والرواية على ما رواه في الكافي (2) لم يصرح فيها بموقع الرحل ومكانه كما لم يعلم المراد من الطريق ، ولكن الشيخ رواها في التهذيب بنحو آخر (3) يتضح منه الأمران ، وذلك فإنّه ذكر في أوّل الخبر «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) وهو بمكّة» فيعلم أن السؤال والجواب كانا في مكّة فيكون المراد من الرحل رحله الملقى في مكّة كما أن المراد من الطريق أزقة مكّة وطرقها وشوارعها ، وقد ذكر الشيخ كلمة «من المسجد» بدل قوله «من الكعبة» ، ولعله الأظهر لعدم تمكن إحرام الحاج من الكعبة نوعاً .

   ويدل على الحكم المذكور أيضاً صحيح الحلبي (4) .

   وفي المقام رواية ربّما يستفاد منها جواز الإحرام بالحج من غير مكّة وهي موثقة إسحاق بن عمّار ، قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المتمتع يجيء فيقضي متعة ثمّ تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة وإلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن ، قال : يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه ، لأنّ لكل شهر عمرة ، وهو مرتهن بالحج، قلت : فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه ، قال : كان أبي مجاوراً هاهنا فخرج يتلقى (ملتقياً) بعض هؤلاء ، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد جواز الاكتفاء بإحرامه إذا كان حينه أيضاً غير متمكن من الرجوع إلى مكّة .

(2) الكافي 4 : 455 / 4 .

(3) التهذيب 5 : 477 / 1684 .

(4) الوسائل 11 : 266 / أبواب أقسام الحج ب 9 ح 3 .

 
 

ــ[201]ــ

بالحج ودخل وهو محرم بالحج» (1) .

   ومحل الاستشهاد قوله (عليه السلام) : «كان أبي مجاوراً هاهنا» إلى آخر الحديث إلاّ أ نّها لمعارضتها بما تقدّم من الأخبار لا يمكن الاعتماد عليها . على أنّها مشوّشة المتن لأنّ الجواب بقوله (عليه السلام): «كان أبي مجاوراً هاهنا» إلى آخر الحديث، لا يرتبط بالسؤال ، لأنّ السائل إنما سأل عن إحرام عمرة التمتّع والإمام (عليه السلام) حكم بالعمرة ثانياً إذا رجع في غير الشهر الذي تمتّع فيه ، ثمّ سأل السائل أ نّه دخل في نفس الشهر الذي خرج فيه ، فالسؤال متمحض في حكم العمرة ، فالجواب بالاهلال بالحج، وأن أباه (عليه السلام) أحرم بالحج ودخل وهو محرم بالحج لا يرتبط بالسؤال ولعلّ الجواب سقط في البين أو أنه (عليه السلام) أعرض عن الجواب تقيّة ونحوها وأجاب بأمر آخر أجنبي عن السؤال .

   والذي يؤكِّد ما ذكرنا من عدم التئام الجواب مع السؤال أنّ أباه (عليه السلام) إذا كان متمتِّعاً بالحج فكيف خرج قبل الحج ، ثمّ إنّه (عليه السلام) متى كان مجاوراً في مكّة ؟ وما هو المراد من المجاورة ؟ هل جاور مدّة سنتين أو أقل ؟ كل ذلك غير ثابت فلا بدّ من ردّ علم هذه الرواية إلى أهلها .

   وأمّا حمل الحج فيها على العمرة كما في المتن وزعم أ نّه أحسن المحامل فبعيد جدّاً لوجهين :

   أحدهما : التقابل بين العمرة والحج في الرواية ، ففي صدرها يذكر العمرة وفي الذيل يذكر الاهلال بالحج ، فإن التقابل يقتضي إرادة الحج في قبال العمرة ، والحج وإن كان قد يطلق على عمرة التمتّع ولكن التقابل في الذكر يقتضي الافتراق .

   ثانيهما : أنه (عليه السلام) بعد ما حكم بوجوب الإحرام إذا دخل في غير الشهر الذي تمتّع فيه سأله السائل أنه دخل في نفس الشهر الذي خرج فيه وأ نّه هل يجب عليه الإحرام للعمرة لدخول مكّة؟ فأجابه الإمام (عليه السلام) بأنّ أباه (عليه السلام)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 303 / أبواب أقسام الحج ب 22 ح 8 .

ــ[202]ــ

أحرم من ذات عرق بالحج ودخل وهو محرم بالحج ، وذلك غير مرتبط بالسؤال أصلاً ولا يتلائم مع السؤال أبدا .

   وبالجملة : لا ينبغي الريب في وجوب الإحرام بالحج من مكّة المشرفة ولا يجوز من خارجها ، والأفضل من مقام إبراهيم (عليه السلام) أو حجر إسماعيل كما في صحيح معاوية بن عمّار(1) ، وذكر بعضهم من تحت الميزاب ، ولم نعثر له على دليل ، نعم هو جزء للحجر .

   فتحصل : أن مكّة المعظمة ميقات لحج التمتّع ، وحالها حال سائر المواقيت التي يجب الإحرام منها ، فإن تمكن من ذلك فهو وإلاّ فيحرم من أي مكان هو فيه ، فلو فرضنا أنه خرج من مكّة بدون الإحرام ناسياً ولم يمكن له الرجوع إليها يحرم من مكانه ويذهب إلى عرفات ، وهذا الحكم وإن لم يرد فيه نص بالخصوص ولكنه مما قام عليه الاجماع والتسالم ، ويمكن استفادته من عدّة روايات (2) وردت فيمن تجاوز الميقات بلا إحرام ولم يمكن له الرجوع إلى الميقات لخوف فوت الأعمال ، وهذه الروايات وإن كان موردها إحرام العمرة إلاّ أنه يمكن التعدي من موردها إلى غيره للتعليل بخوف فوت الأعمال المذكور في الروايات ، فيعلم من ذلك أن الإحرام من الميقات مشروط بالتمكن من إدراك الموقف فإذا خاف الفوت أحرم من مكانه .

   وأمّا إذا أتى الموقف ووصل إليه بدون الإحرام ناسياً ولم يمكن له الرجوع إلى مكّة لضيق الوقت ونحوه ، أحرم من مكانه أيضاً .

 ويدل عليه صحيحتا علي بن جعفر ، قال : «سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر وهو بعرفات فما حاله ؟ قال يقول : اللّهمّ على كتابك وسنّة نبيّك فقد تمّ إحرامه» (3) وقال في الاُخرى : «عن رجل كان متمتعاً خرج إلى عرفات وجهل أن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 407 / أبواب الإحرام ب 52 ح 1 .

(2) الوسائل 11 : 328 / أبواب المواقيت ب 14 .

(3) الوسائل 11 : 338 / أبواب المواقيت ب 20 ح 3 .

ــ[203]ــ

يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده ، قال : إذا قضى المناسك كلّها فقد تمّ حجّه» (1) ويعلم منهما أن شرطية الإحرام من مكّة للحج إنما هي في حال التمكّن وموردهما وإن كان خصوص الجاهل والناسي ولكن المتفاهم منهما شمول الحكم لمطلق العذر وعدم اختصاصه بمورد الجهل والنسيان ، وإنما خصّ الجهل والنسيان بالذكر لعدم تمكن الإحرام من الميقات في موردهما وإلاّ فلا خصوصية لهما .

   ولو أحرم من غير مكّة اختياراً متعمداً ـ والحال أنه متمكن من الإحرام منها ـ بطل إحرامه ولا يجتزئ به ، لأنه غير مأمور به ، وإجزاء غير المأمور به عن المأمور به على خلاف القاعدة ويحتاج إلى الدليل وهو مفقود .

   ولو فرضنا أنه أحرم من غير مكّة متعمداً ولكنه رجع إلى مكّة ثانياً فهل يجزئه هذا الإحرام أو يلزم عليه التجديد والإحرام ثانياً من مكّة ؟ نسب إلى بعض العامّة صحّة الإحرام وعدم لزوم التجديد ، لأنّ المطلوب منه أمران أحدهما الإحرام والآخر كونه في مكّة وهما حاصلان ، ولكنه فاسد جدّاً ، لأنّ إحرامه من خارج مكّة في حكم العدم فلا بدّ من تجديد الإحرام من مكّة بلا خلاف بيننا .

   ولو أحرم من غير مكّة جهلاً أو نسياناً فإن أمكنه الرجوع إلى مكّة فلا كلام في لزوم العود إليها حتى يحرم ، إذ لا دليل على جواز الاجتزاء بذلك ، ومجرّد الجهل أو النسيان لا يجدي في الحكم بالصحّة .

   وأمّا إذا لم يتمكن من الرجوع إلى مكّة فهل يجزئ الإحرام الأوّل أو يجب عليه التجديد في مكانه ، لأنّ الإحرام الأوّل لا دليل على الاجتزاء به ؟ نسب إلى الشيخ في الخلاف(2) والعلاّمة في التذكرة(3) الاجتزاء، وعلله بعضهم بأنه لا اثر للتجديد لمساواة ما فعله لما يستأنفه ويجدده ، فإن ما يجدده عين ما أتى به أوّلاً . واستدلّ أيضاً بأصالة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 338 / أبواب المواقيت ب 20 ح 2 .

(2) الخلاف 2 : 265 المسألة 31 .

(3) التذكرة 7 : 193 .

ــ[204]ــ

البراءة عن لزوم التجديد .

   وأشكل عليه في الجواهر بأنّ ما أوقعه أوّلاً لم يكن بمأمور به فهو فاسد فلا بدّ من إتيان الإحرام الصحيح المأمور به ، ومجرد كون الثاني مساوياً للأوّل في الكون في غير مكّة لا أثر له ، لأنّ الإحرام الأوّل فاسد فهو كالعدم ، وليس النسيان مصححاً وإنّما هو عذر في عدم وجوب العود ، وذلك لا يوجب الاجتزاء بالإحرام الأوّل . وأمّا أصالة البراءة فلا مجال لها مع الاطلاقات الدالّة على الاتيان بالإحرام الصحيح ، وما أتى به غير صحيح على الفرض ، وقد عرفت أن مجرّد النسيان لا يصحح الإحرام وإنما هو عذر لترك الواجب ، فالحكم بالصحّة يحتاج إلى الدليل وهو مفقود(1) . وما ذكره صحيح متين .

   ثمّ إن مقتضى إطلاق كلام المصنف (قدس سره) عدم جواز الاكتفاء باحرام من أحرم من غير مكّة ناسياً أو جاهلاً ولو كان حين الإحرام غير متمكن من الرجوع إلى مكّة واقعاً حتى إذا كان متذكراً ، كما أن صاحب الجواهر (قدس سره) تأمل في الحكم بالصحّة في الصورة المذكورة ، ولكن لا يبعد جواز الاكتفاء بإحرامه إذا  كان حينه غير متمكِّن من الرجـوع إلى مكّة واقعاً ، لأنه قد أتى بما هو مكلف به واقعاً وهو الإحرام من هذا المكان لفرض عدم إمكان العود ، فإحرامه صحيح وإن لم يعرف سببه ، بل تخيل واعتقد أنّ الإحرام من هذا المكان جائز في نفسه وأ نّه بحسب الوظيفة الأوّلية مع أنّ الأمر ليس كذلك وإنما جاز له الإحرام في هذا المكان لعجزه عن العود إلاّ أنّ هذا الاعتقاد غير ضائر في صحّة عمله وإحرامه بعد فرض مصادفته للأمر به واقعاً ، فلا بدّ من التفصيل بين الإحرام الصادر عنه جهلاً أو نسياناً في حال التمكن من الرجوع إلى مكّة فيحكم ببطلانه ، لعدم كونه مأموراً به وبين الإحرام الصادر عنه في حال العجز عن العود إلى مكّة فيحكم بصحّته ، لانقلاب وظيفته الواقعية إلى الإحرام من هذا المكان وإن لم يعلم به .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجواهر 18 : 21 ، 22 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net