إعادة غسل الإحرام بعد الحدث - إعادة الغسل بأكل ولبس ما لا ينبغي للمحرم 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 7463


ــ[361]ــ

بل الأقوى كفاية غسل اليوم إلى آخر اللّيل وبالعكس(1) ، وإذا أحدث بعدها قبل الإحرام يستحب إعادته خصوصاً في النوم(2) ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأمّا ما رواه الشيخ عن عمر بن يزيد «من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل ، ومن اغتسل ليلاً كفاه غسله إلى طلوع الفجر» (1) فلا يصح الاستدلال به ، لأنّ السند غير واضح ، لما في بعض النسخ عثمان ابن يزيد بدل عمر بن يزيد ، والأوّل غير موثق ، فيكون الراوي مردداً بين الموثق وغيره .

   (1) يدل عليه إطلاق صحيح جميل عن أبي عبدالله (عليه السلام) انه قال : «غسل يومك يجزئك لليلتك ، وغسل ليلتك يجزئك ليومك» (2) .

   وموثق سماعة «من اغتسل قبل طلوع الفجر وقد استحم قبل ذلك ثمّ أحرم من يومه أجزأه غسله ، وإن اغتسل في اللّيل ثمّ أحرم في آخر اللّيل أجزأه غسله» (3) واحتمال أن اللام في قوله «لليلتك» و «ليومك» في صحيح جميل بمعنى إلى الغاية ليكون المراد انتهاء أمد الغسل إلى آخر النهار بعيد جدّاً ، بل هي للتعدية .

   بل يمكن أن يقال بأن الغسل الواقع في اليوم يكفي لليوم الآخر ما لم يحدث ، وهذا وإن لم يصرح به في النصوص ، وقد لا يتحقق في الخارج عادة لوقوع الحدث في أثناء اليوم ولو مرّة واحدة غالباً ، ولكن لا مانع من الالتزام بكفاية ذلك لو اتفق ، لأنّ العبرة ـ كما أشرنا إليه ـ بحصول الإحرام عن الغسل وإن كان الغسل متقدِّماً عليه بيوم أو يومين أو أكثر أو أقل ، ولا خصوصية للاجتزاء بالغسل النهاري في الليل ولا العكس ، فلا حد زماني للغسل ، كما عرفت أنه لا حد مكاني له ويجوز تقديمه على الميقات من أي موضع شاء .

   (2) وجه التخصيص بالنوم ـ مع أن البول أقوى ـ لورود النص الخاص فيه ، وأمّا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التهذيب 5 : 64 / 204 ، الوسائل 12 : 328 / أبواب الإحرام ب 9 ح 1 .

(2) الوسائل 12 : 328 / أبواب الإحرام ب 9 ح 1 .

(3) الوسائل 12 : 329 / أبواب الإحرام ب 9 ح 5 .

ــ[362]ــ

غيره من الاحداث فلا نص فيه ، وألحقوا بالنوم غيره من النواقض ، لانتقاض الغسل بغير النوم من الأحداث أيضاً ، بل انتقاضه بسائر الأحداث أقوى .

   أمّا ما يدل على استحباب إعادة الغسل بعد النوم فهو صحيح النضر عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال : «سألته عن الرجل يغتسل للإحرام ثمّ ينام قبل أن يحرم قال : عليه إعادة الغسل» (1)، ونحوه خبر علي بن أبي حمزة (2) ، ولكنّه ضعيف السند .

   ويعارضه صحيح العيص، قال: «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة، ويلبس ثوبين ثمّ ينام قبل أن يحرم، قال: ليس عليه غسل»(3) وقد حمله الشيخ على نفي الوجوب(4) بينما حمله آخر على نفي التأكّد .

   ولكن الظاهر أن الخبرين متعارضان ومتنافيان ولا جمع عرفي بينهما، لأنّ المستفاد من صحيح النضر كون النوم ناقضاً، ويظهر من صحيح العيص عدم ناقضيته، ولايمكن الجمع بين ما دل على الناقضية وما دلّ على عدمها فإنهما من المتنافيين ، وقد ذكرنا غير مرّة أن الميزان في الجمع العرفي بما لو اجتمع المتعارضان في كلام واحد ولم يكن تناف بينهما عرفاً ، بل كان أحدهما قرينة على الآخر ، ففي مثله يتحقق الجمع العرفي وأمّا إذا اجتمعا في كلام واحد وكانا متنافيين بنظر العرف فلا مجال للجمع بينهما عرفاً والناقضية وعدمها من المتنافيين، والروايتان ناظرتان إلى الناقضية وعدمها، فالروايتان متعارضتان فتسقطان، والمرجع هو القاعدة المقتضية لانتقاض الغسل بالحدث ، فحكم النوم وغيره سيّان .

   وتفصيل ذلك : أنه لا ريب في أن الغسل ينتقض بالحدث نوماً كان أم غيره ، وأمّا الروايات الواردة في المقام فمنحصرة بالنوم ، وقد عرفت أنها متعارضة ، وحمل ما دلّ على عدم الاعادة على نفي الوجوب بعيد ، لأنّ السؤال ليس عن أصل العمل وإتيان الغسل حتى يمكن حمله على نفي الوجوب ، بل السؤال عن الناقضية وعدمها ، ولا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 12 : 329 / أبواب الإحرام ب 10 ح 1 ، 2 .

(3) الوسائل 12 : 330 / أبواب الإحرام ب 10 ح 3 .

(4) التهذيب 5 : 65 / 208 ، الاستبصار 2 : 164 / 539 .

ــ[363]ــ

معنى حينئذ للحمل على نفي الوجوب ، كما أن حمله على عدم التأكّد ـ  كما عن السيِّد صاحب المدارك  ـ (1) بعيد أيضاً ، فإنّ الناقضية وعدمها لا يتأكدان ، فلا محيص إلاّ عن التساقط فلابدّ من الرجوع إلى ما تقتضيه القاعدة في النوم وغيره من الأحداث فنقول:

   إن كان المراد من استحباب الغسل مجرد إتيان عمل خارجي قبل الإحرام كتقديم الصلاة على الإحرام أو تقديم بعض الأدعية فلا يضر الحدث الواقع بعده ، لأنه قد امتثل الأمر الاستحبابي فليس عليه إعادة الغسل وله أن يحرم ، كما أنه ليس عليه إعادة الصلاة أو الأدعية الواردة قبل الإحرام .

   وإن كان المراد باستحباب الغسل وقوع الإحرام عن طهور ، وأن يكون الإحرام صادراً منه حال كونه متطهراً ، وحيث إن الغسل طهور كما يظهر من الروايات ، بل هو أقوى في الطهورية من الوضوء لقوله (عليه السلام): «وأي وضوء أطهر من الغسل»(2) فإذا صدر الحدث بعده فلا طهور لانتفاضه به ، فإن الطهور والحدث لا يجتمعان ، فلا يكون الإحـرام الصادر منه عن طهور ، فحينئذ يستحب له إعادة الغسل ليكون الإحرام صادراً عن الطهور ولا يكفي الوضوء ، لأنّ الإحرام يكون صادراً عن طهور الوضوء لا طهور الغسل والمسنون صدور الإحرام عن الغسل .

   وهذا الذي ذكرناه هو الصحيح ، لا سيما على القول بأن كل غسل ثبت استحبابه يجزئ عن الوضوء كما هو المختار عندنا . وأنه يجوز معه الاتيان بكل ما يتوقف على الطهور ، فإذن لا حاجة إلى نص خاص يدل على استحباب إعادة الغسل بعد صدور مطلق الأحداث .

 مضافاً إلى ما يؤكد ذلك ويدل عليه، صحيح عبدالرحمن بن الحجاج، قال: «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجـل يغتسل لدخول مكّـة ثمّ ينام فيتوضّأ قبل أن يدخل أيجزئه ذلك أو يعيد ؟ قال : لا يجزئه لأنه إنما دخل بوضوء» (3) فإنّ الصحيح

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المدارك 7 : 252 .

(2) الوسائل 2 : 244 / أبواب الجنابة ب 32 .

(3) الوسائل 13 : 201 / أبواب مقدّمات الطواف ب 6 ح 1 .

ــ[364]ــ

يدل بوضوح على انتقاض الغسل بالنوم وأنه إذا دخل بعد النوم فقد دخلها من غير غسل ، والسؤال وإن كان عن النوم فلا يشمل حدثاً آخر ولكن الظاهر أن القصد من السؤال لم يكن مقصوراً على النوم ، وإنما منظوره في السؤال أنه هل يجزئ الوضوء عن الغسل السابق الملحوق بالنوم ؟ وأنّ الغسل السابق هل انتقض بالنوم ويحتاج إلى الوضوء لدخول مكّة أم لا ؟ فسؤاله مسوق لإجزاء الوضوء عن الغسل السابق الذي صدر بعده النوم ، وأجاب (عليه السلام) بعدم إجزاء الوضوء عن الغسل السابق ، فلا نظر إلى خصوص النوم ، بل لا نحتمل خصوصية للنوم ، وإنما الغرض انتقاض الغسل وإجزاء الوضوء عنه .

   كما يستظهر منه عدم الاختصاص بالغسل لدخول مكّة ، بل المنظور بالعمل الذي يعتبر فيه الغسل إحراماً كان أم غيره من الأعمال ، غاية الأمر مصداقه في الرواية إنّما هو الغسل لدخول مكّة المكرّمة ، فإن المستفاد من التعليل الوارد في الرواية «لأنّه إنّما دخل بوضوء» أن كل عمل اعتبر فيه الغسل سواء كان إحراماً أو غيره ينتقض بالنوم باعتبار أنه حدث لا لخصوصية فيه ، كما لا خصوصية لغسل الدخول في مكّة وإنّما ذكر ذلك في الرواية من باب ذكر المصداق لحكم كلّي ، فإنّ التعليل يقتضي عموم الحكم لمطلق الحدث ولمطلق الغسل .

   ثمّ إنّ الرواية رواها الكليني على النحو المتقدِّم(1) ، ولكن الشيخ رواها في التهذيب(2) وذكر «يغتسل للزيارة» بدل «يغتسل لدخول مكّة» ، وذكر في ذيل الرواية «إنّما دخل بوضوء» مع أنّ المناسب أن يذكر «إنّما زار بوضوء» ليطابق الصدر ولعلّه وقع السهو من قلمه الشريف أو من النساخ ، وما ذكره الكليني هو الصحيح وكيف كان لا يفرق الحال بين الأمرين .

   وممّا يدل على انتقاض الغسل بمطلق الحدث موثق إسحاق بن عمّار «عن غسل الزيارة يغتسل بالنهار ويزور باللّيل بغسل واحد ، قال : يجزئه إن لم يحدث ، فإن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 4 : 400 ح 8 .

(2) التهذيب 5 : 251 / 851 ، الوسائل 14 : 249 / أبواب زيارة البيت ب 3 ح 4 .

ــ[365]ــ

كما أنّ الأولى إعادته إذا أكل أو لبس ما لا يجوز أكله أو لبسه للمحرم ، بل وكذا لو تطيب ، بل الأولى ذلك في جميع تروك الإحرام فلو أتى بواحد منها بعدها قبل الإحرام الأولى إعادته (1) ،

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحدث ما يوجب وضوء فليعد غسله» (1) والرواية واضحة الدلالة على انتقاض الغسل بمطلق الحدث ، ولا نحتمل الاختصاص بغسل الزيارة كما عرفت .

   وأمّا من حيث السند فالرواية موثقة اصطلاحاً بإسحاق لأنه فطحي ثقة ، وأمّا عبدالله الواقع في السند فإن كان ابن سنان كما صرّح به في التهذيب (2) فلا كلام وإلاّ فالرواية معتبرة أيضاً ، لأنّ عبدالله مردد بين ابن سنان وبين عبدالله بن جبلة وكلاهما ثقة ، وهما يرويان عن إسحاق بن عمّار ويروي عنهما موسى بن القاسم ، وأمّا عبدالله ابن مسكان أو عبدالله بن المغيرة وإن كانا يرويان عن إسحاق بن عمّار ولكن لا يروي عنهما موسى بن القاسم ، وأمّا احتمال كونه عبدالله بن يحيى الكاهلي لأجل روايته عن إسحاق بن عمّار ورواية موسى بن القاسم عنه فيبعـده أن عبدالله عند الاطلاق لا ينصرف إليه لأ نّه غير معروف .

   وروى الكليني(3) أيضاً عن إسحاق بن عمّار بسند آخر مثل ما تقدّم .

   (1) قد عرفت بما لا مزيد عليه انتقاض الغسل بالنوم وبغيره من الأحداث واستحباب إعادة الغسل إذا أحدث قبل الإحرام ، كما أنه لا ينبغي الاشكال في استحباب إعادة الغسل إذا أكل أو لبس ما لا يجوز أكله أو لبسه للمحرم ، بل وكذا لو تطيب ، ويشهد له النصوص :

   منها : صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «إذا لبست ثوباً لا ينبغي لك لبسه أو أكلت طعاماً لا ينبغي لك أكله فأعد الغسل»(4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 248 / أبواب زيارة البيت ب 3 ح 2 .

(2) التهذيب 5 : 251 / 850 .

(3) الكافي 4 : 511 / 2 ، الوسائل 14 : 294 / أبواب زيارة البيت ب 4 ح 3 .

(4) الوسائل 12 : 332 / أبواب الإحرام ب 13 ح 1 .

ــ[366]ــ

   ومنها : صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «إذا اغتسلت للإحرام فلا تقنع ولا تطيب ولا تأكل طعاماً فيه طيب فتعيد الغسل»(1) .

   وظاهر النص وإن كان وجوب الاعادة للأمر بها ولكن الوجوب غير محتمل بعدما كان الغسل من أصله مستحباً ، فالاعادة كالأصل مستحبة .

   ولكن وقع الكلام في أن الأمر بالاعادة إرشاد إلى بطلان الغسل الأوّل كما في إعادة الغسل بعد النوم ، أو أنه أمر مولوي ، ففي الحقيقة يستحب الغسلان ؟

   ولا يخفى أن الأمر في أمثال هذه الموارد ظاهر في الارشاد ، ولكن حيث نعلم من أدلّة اُخرى أن الطهور لا ينتقض إلاّ بالنواقض المعروفة الخمسة ، وليس الأكل أو اللبس لما لا يجوز أكله أو لبسه للمحرم وكذا إتيان بقيّة تروك الإحرام من نواقض الوضوء أو الغسل ، فيكون الأمر بإعادة الغسل أمراً مولوياً استحبابياً ، ففي الحقيقة يكون كلا الغسلين مستحباً ، فقوله : «فتعيد الغسل» يعني من جهة الإحرام لا أنه يعيده لانتقاضه بأكل الطيب أو لبس المخيط ، فلو أكل بعد الغسل ولم يغتسل ثانياً فهو باق على طهارته ، وبناءً على إجزائه عن الوضوء يجوز له إتيان الصلاة ومس الكتاب وكل ما يتوقف على الطهور ، فالأمر بالاعادة غير ناظر إلى انتقاض الغسل باستعمال تروك الإحرام ، وإنما الأمر بالاعادة لأجل الإحرام وعدم الفصل بينه وبين الغسل بإتيان تروك الإحرام .

   نعم ، مقتضى رواية القاسم بن محمّد عن علي بن أبي حمزة ، قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل اغتسل للإحرام ثمّ لبس قميصاً قبل أن يحرم ، قال : قد انتقض غسله»(2) هو انتقاض الغسل وبطلانه ، ولكن السند مخدوش بعلي بن أبي حمزة وهو البطائني الضعيف المعروف المتهم بالكذب ، وأمّا احتمال أن علي بن أبي حمزة هو الثمالي الموثق الممدوح فيبعده أن الثمالي لا توجد له رواية ولا واحدة في الكتب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 332 / أبواب الإحرام ب 13 ح 2 .

(2) الوسائل 12 : 303 / أبواب الإحرام ب 11 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net