كفاية نيّة واحدة للحج والعمرة - لو نوى إحراماً كإحرام فلان 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثاني:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3847


ــ[394]ــ

   [ 3236 ] مسألة 7 : لا تكفي نيّة واحدة للحج والعمرة بل لا بدّ لكل منهما من نيّته مستقلاً ، إذ كل منهما يحتاج إلى إحرام مستقل(1) فلو نوى كذلك وجب عليه تجديدها ، والقول بصرفه إلى المتعيّن منهما إذا تعيّن عليه أحدهما والتخيير بينهما إذا لم يتعيّن وصحّ منه كل منهما كما في أشهر الحج لا وجه له ، كالقول بأنه لو كان في أشهر الحج بطل ولزم التجديد وإن كان في غيرها صحّ عمرة مفردة .

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فإذا جاز الوضوء وجب لأنه واجد للماء فلم ينتقل الأمر إلى التيمم .

   (1) لأنّ كلاّ منهما عمل مستقل يحتاج إلى نيّة مستقلّة .

   ثمّ نقل المصنف قولين آخرين :

   أحدهما : أنّ النيّة تنصرف إلى المتعيّن منهما إذا تعيّن عليه أحدهما والتخيير بينهما إذا لم يتعيّن وصحّ منه كل منهما ، كما إذا كان إحرامه في أشهر الحج ، وهذا القول نسبه في المدارك(1) إلى الشيخ في الخلاف(2) .

   ثانيهما : ما اختاره المحقق في الشرائع(3) بأنه لو كان إحرامه في أشهر الحج بطل ولزم تجديد النيّة ، وإن كان في غيرها تعيّن للعمرة المفردة .

   والتحقيق أن يقال : إنه قد يقصد بإحرامه مجموع العملين وهذا مما لا ينبغي الريب في بطلانه ، سواء كان هناك متعيّن أم لا ؟ وسواء كان إحرامه في أشهر الحج أم في غيرها ، وذلك لأنّ مجموع العملين لم يشرع له الإحرام وإنما شرع الإحرام لكل واحد منهما ، فما قصده لم يشرع له الإحرام وما شرع له الإحرام لم يقصده .

   ولو أحرم للحج والعمرة على نحو التداخل ، بمعنى أنه يحرم لكل منهما بإتيان فرد واحد في الخارج بحيث يكون مجمعاً للفردين ، نظير ما إذا سلم جماعة على شخص فأجاب بجواب واحد قاصداً به ردّ الجميع ، فإنه في الحقيقة أجاب كل واحد من أفراد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المدارك 7 : 260 .

(2) لم نعثر عليه في الخلاف بل هو في المبسوط 1 : 368 .

(3) الشرائع 1 : 277 .

ــ[395]ــ

السلام الصادر من الجميع ، غاية الأمر بمظهر ومبرز واحد ، وبذلك يتحقق الامتثال لكل من الفردين بإتيان فرد واحد حيث كان مجمعاً للعنوانين .

   ثمّ إنّه في هذه الصورة قد نفرض أنه عالم بعدم جواز ذلك ويعلم أن كل واحد من الحج والعمرة يحتاج إلى إحرام مستقل ونيّة مستقلة ومع ذلك ينويهما بنيّة واحدة ويأتي بإحرام واحد ، فيكون مشرعاً ويصدر العمل منه على نحو التشريع ، فيقع العمل الصادر منه مبغوضاً ولا يمكن التقرب ولا الامتثال به ، وقد يفرض أنه جاهل بذلك فلا يكون مشرّعاً ولا يكون العمل الصادر منه مبغوضاً ، وفي هذه الصورة تارة يصح كل منهما في نفسه واُخرى لا يصح .

   أمّا الاُولى : كما إذا كان الإحرام في أشهر الحج ففي مثله لا يمكن الحكم بصحّتهما معاً ولا يقع كلاهما في الخارج جزماً ، لاحتياج كل منهما إلى إحرام مستقل ، ولا بدّ في الحكم بصحّتهما معاً من تحقق الإحرامين وهي غير ممكنة على الفرض ، وصحّة أحدهما دون الآخر ترجيح من غير مرجح ، ولا دليل على التخيير في المقام ، فمقتضى القاعدة هو الحكم بالبطلان ، نظير البيع الصـادر من المالك والوكيل في وقت واحد نعم ورد التخيير في بعض الموارد كتزويج الاُختين معاً بعقد واحد أو اختيار الخامسة فيما إذا تزوج من خمسة بعقد واحد كما في النص (1) .

   وأمّا الثانية : فيمكن الحكم بصحّة أحدهما دون الآخر كما إذا كان إحرامه في غير أشهر الحج ، فحينئذ لا يبعد الحكم بالتعيين للعمرة المفردة لإمكان وقوعه عمرة والمفروض أنه أحرم قربة إلى الله تعالى ، ولا يقع عن الحج لعدم إمكان وقوعه .

   وبعبارة اُخرى : لا مانع من الحكم بصحّة الإحرام للعمرة المفردة لأنّ أصل الإحرام قد أتى به متقرباً إلى الله تعالى ، وإنما تخيل إتيان فردين بذلك ، أحدهما مشروع في نفسه وقابل لوقوعه والآخر غير مشروع ، والمفروض أنه لم يكن مشرعاً ليقع العمل الصادر منه مبغوضاً غير قابل للتقرب به ، وإنما ظنّ كفاية النيّة الواحدة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 20 : 478 / أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 25 ، وفي ص 522 / أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ب 4 .

ــ[396]ــ

   [ 3237 ] مسألة 8 : لو نوى كإحرام فلان فإن علم أنه لماذا أحرم صح ، وإن لم يعلم فقيل بالبطلان لعدم التعيين ، وقيل بالصحّة لما عن علي (عليه السلام) والأقوى الصحّة لأنه نوع تعيين ، نعم لو لم يحرم فلان أو بقي على الاشتباه فالظاهر البطلان ((1)) ، وقد يقال : إنه في صورة الاشتباه يتمتّع ، ولا وجه له إلاّ إذا كان في مقام يصح له العدول إلى التمتّع (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

على نحو التداخل وظنّ إمكان إتيانهما معاً فضم ما هو المشروع إلى قصد أمر آخر غير مشروع ، فبالنسبة إلى الحج لا يقع لعدم وقوعه في محله ، ولكن لا مانع من وقوعه للعمرة المفردة ، ومجرد ضمه إلى ما هو غير مشروع غير ضائر بالعمل القربي الواجد لما يعتبر فيه ، نظير انضمام بعض الأغسال الواردة إلى أغسال اُخر لا موجب لها ، فإنّ مجرّد اقتران ما لا أمر له إلى ما هو المأمور به لا يضر بصحّة المأمور به .

   (1) هذه المسألة تتصور إلى ثلاثة صور :

   الاُولى : ما إذا فرضنا أن فلانا الذي قصد أن يحرم مثله لم يحرم أصلاً ، فلا ينبغي الريب في بطلان إحرامه لأ نّه أحرم إحراماً لا واقع له ، إذ المفروض أن ذلك الشخص لم يحرم .

   الثانية : ما إذا صدر الإحرام من ذلك الشخص المقصود واقعاً وعلم بما قصده وأن إحرامه للحج أو للعمرة ، وهذا ممّا لا ينبغي الشك في صحّته لحصول النيّة المعتبرة وتميز المنوي ، ومجرّد قصده بأنّ إحرامه كإحرام فلان غير ضائر بصحّة إحرامه .

   الثالثة : ما إذا كان إحرام من قصد متابعته مجهولاً عنده ولا يعلم به حين الإحرام فتارة يفرض أنه يعلمه بعد ذلك واُخرى لا ينكشف له إلى الآخر ويبقى على الاشتباه .

   أمّا الثاني : فقد حكم المصنف بالبطلان ، والظاهر أنه لا موجب له لأنّ التعيّن الواقعي مع الاشارة الاجمالية إليه يكفي وإن لم يعلم به تفصيلاً كما تقدّم في الناسي وذكرنا هناك أن الإحرام إذا كان بقصد ما عيّنه واقعاً وإن كان منسياً فعلاً يحكم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الظاهر هو الصحّة ولزوم العمل بالاحتياط المتقدّم في الحاشية السابقة .

ــ[397]ــ

بصحّته ، ولا فرق بين المقامين سوى كون النسيان مسبوقاً بالعلم وإلاّ فالواقع متعيّن في الموردين ، غاية الأمر لا يتمكن من التمييز فتكفي الاشارة الاجمالية ، بل حتى إذا كان متمكناً من التمييز لا يلزم التفصيل في النيّة وتكفي الاشارة الاجمالية ، فيجوز له أن يحرم لما يعيّنه الله واقعاً فيما بعد ، والمقام أولى بالصحّة لأنه متعيّن في غير علم الله أيضاً ، لأنّ الشخص الذي أحرم أوّلاً يعلم قصده ، غاية الأمر من أحرم كإحرامه لا يدري بما قصده ، فالمقام نظير ما إذا نوى طبقاً لما كتبه في القرطاس الذي نساه ولا يتمكّن من الرجوع إلى القرطاس .

   وأمّا الأوّل : وهو الذي يعلمه بعد ذلك وينكشف له كيفية إحرام ذلك الشخص فالظاهر أيضاً أنه لا مانع من الحكم بالصحّة ، لأنّ التعيين الاجمالي حاصل ، ولا دليل على اعتبار الأزيد من ذلك ، بل هذه الصورة أولى بالصحّة من الإحرام لما يعيّن الله فيما بعد ، الذي قلنا بجواز ذلك وإن لم ينكشف عنده ، والمفروض في المقام حصول الانكشاف لديه أيضاً .

   وقد يتمسك للصحّة في هذه الصورة بفعل علي (عليه السلام) حينما قدم من اليمن محرماً بالحج وسأله النبي (صلّى الله عليه وآله) «وأنت يا علي بما أهللت ؟ قال (عليه السلام) : إهلالاً كإهلال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : كن على إحرامك مثلي (1) » كما في صحيحة معاوية بن عمّار ، وفي صحيحة الحلبي «فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : يا علي بأي أهللت ؟ فقال : أهللت بما أهلّ النبي (صلّى الله عليه وآله) ، فقال : لا تحل أنت ، فأشركه في الهدي» (2) فقد ذكروا أن معنى ذلك أني نويت الإحرام بما أحرمت به أنت يا رسول الله كائناً ما كان ، فكأنه (عليه السلام) لم يعيّن إهلاله حجاً أو عمرة وإنما نوى إهلالاً كإهلال النبي (صلّى الله عليه وآله) فأقره النبي (صلّى الله عليه وآله) على ذلك فقال له : لا تحل أنت وكن على إحرامك .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 215 / أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4 .

(2) الوسائل 11 : 222 / أبواب أقسام الحج ب 2 ح 14 .

ــ[398]ــ

   ولكن يظهر من الصحيحتين أن فعل علي (عليه السلام) أجنبي عن الاجمال في النيّة وعن الاكتفاء بقوله: اُحرم كإحرام فلان، وذلك لأنّ الظاهر من قول أميرالمؤمنين (عليه السلام) : إهلالاً كإهلال النبي (صلّى الله عليه وآله) ، أني نويت الحج المشروع الواجب على المسلمين وهو حج الإفراد أو القران، فمراده (عليه السلام) ـ  والله العالم  ـ أني نويت الحج كحج النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وسائر المسلمين ، ولم يكن حج التمتّع حينذاك مشروعاً ، وإنما شرّع بعد وصول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى مكّة وبعد السعي قبل وصول أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى مكّة ، فما نواه أمير المؤمنين (عليه السلام) إنما هو حج الإفراد فلا إجمال في نيّته أصلا .

   نعم ، في صحيح معاوية بن عمّار وصحيحة الحلبي ما يظهر منهما المنافاة من جهة اُخرى ، ولا يمكن الجمع بينهما من هذه الجهة ، وهي أن مقتضى صحيح معاوية بن عمّار أن الهدي الذي جاء به رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أربع وستّون أو ستّ وستون وما جاء به أمير المؤمنين (عليه السلام) أربع وثلاثون أو ستّ وثلاثون ـ  الترديد من الراوي  ـ وساق الهدي كالنبيّ (صلّى الله عليه وآله) فيشمله قوله (صلّى الله عليه وآله) : «ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محلّه» ، ويظهر من صحيح الحلبي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يأت بالهدي ولم يسق هدياً وإنما رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ساق مائة بدنة وأشركه في هديه وجعل له سبعاً وثلاثين، فيكون حاله (عليه السلام) كحال سائر المسلمين لقوله (صلّى الله عليه وآله): «يأمرني أن آمر من لم يسق هدياً أن يحل»(1) ومع ذلك أمره بعدم الاحلال وأشركه في هديه وحجّه ، فلا بدّ من الالتزام بأن ذلك من مختصاته (عليه السلام) ونحو ذلك من التأويلات .

   ثمّ إنّ المصنف ذكر في آخر المسألة أنه قد يقال : يتمتّع في صورة الاشتباه وعدم انكشاف الحال إلى الآخر ، ولكن لا دليل عليه إلاّ في مورد يصح له العدول إلى التمتّع كما فعله المسلمون بأمر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وفيما إذا لم يكن متعيّناً عليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 231 ، أبواب أقسام الحج ب 2 ح 25 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net