اعتبار الرجوع إلى الكفاية - بيع الدار والحلي وغيرهما للصرف في مؤونة الحج 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4204


ــ[33]ــ

   الرّابع : الرّجوع إلى الكفاية ، وهو التمكّن بالفعل أو بالقوّة من إعاشة نفسه وعائلته بعد الرّجوع ،

وبعبارة واضحة : يلزم أن يكون المكلّف على حالة لا يخشى معها على نفسه وعائلته من العوز والفقر

بسبب صرف ما عنده من المال في سبيل الحجّ ، وعليه فلا يجب على من يملك مقداراً من المال يفي

بمصارف الحجّ وكان ذلك وسيلة لإعاشته وإعاشة عائلته ، مع العلم بأ نّه لا يتمكّن من الإعاشة عن

طريق آخر يناسب شأنه (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

والقرب من جهة الغلبة ، فإنّ الأكثر مسافة يستدعي أكثر اُجرة وقيمة ، كما أنّ الأقل مسافة يستدعي

أقل نفقة واُجرة غالباً ، وربّما يعكس الأمر فقد يكون أقرب مسافة يحتاج إلى الأكثر اُجرة وقيمة ،

والأكثر مسافة يستدعي أقل نفقة كالعود إلى العراق بطريق البر ، والعود إلى الشام من طريق الجو

الّذي هو أقل مسافة ولكنّه أكثر اُجرة فالعبرة في الحقيقة بالأقل والأكثر نفقة ، فالأحسن أن يفصّل

بنحو آخر ذكره سيِّدنا الاُستاذ (ذمّ ظله) في الشرح على العروة(1) .

   وحاصله : أ نّه قد يفرض عدم تمكّنه من العود إلى بلده ولكن لا بدّ له من أن يذهب إلى بلد آخر ،

فحينئذ يعتبر وجود نفقة الذهاب إلى ذلك البلد وإن كان أبعد لأنّ الرّجوع إلى وطنه كالعراق غير

ممكن له ، وبقاؤه في مكّة حرجى عليه ، والمفروض لزوم الذهاب إلى بلد آخر ، فيعتبر وجود نفقة

الذهاب إلى ذلك البلد .

   وقد يفرض أ نّه يريد الذهاب إلى بلد آخر لرغبته الشخصيّة ، فلا عبرة في نفقة الذهاب إلى ذلك

البلد بالقرب والبعد ، بل العبرة حينئذ بكثرة القيمة وقلّتها ، فإن كان الذهاب إلى ذلك البلد الّذي

يريد البقاء فيه اختياراً يستدعي الصرف أكثر من العود إلى وطنه وإن كان أقل مسافة ، فالعبرة بمقدار

نفقة العود إلى وطنه ، وإن كان الذهاب إليه يحتاج إلى الأقل اُجرة فالعبرة بذلك وإن كان أبعد مسافة

كالمثال المتقدّم .

   (1) وعمدة ما يدل على اعتبار ذلك إنّما هي قاعدة نفي العسر والحرج ، وأمّا الأخبار الّتي استدلّ

بها على ذلك فكلّها ضعيفة إلاّ خبر أبي الربيع الشامي ، قال :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 26 : 75 .

ــ[34]ــ

فبذلك يظهر أ نّه لا يجب بيع ما يحتاج إليه في ضروريّات معاشه من أمواله ، فلا يجب بيع دار سكناه

اللاّئقة بحاله وثياب تجمّله وأثاث بيته ، ولا آلات الصنائع الّتي يحتاج إليها في معاشه ونحو ذلك ، مثل

الكتب بالنسبة إلى أهل العلم ممّا لابدّ منه في سبيل تحصيله .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

«سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ : (... وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ ا لْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ

إِلَيْهِ سَبِيلاً ...) فقال : ما يقول النّاس ؟ قال فقلت له : الزاد والرّاحلة ، قال فقال أبو عبدالله (عليه

السلام) : قد سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن هذا فقال : هلك الناس إذن ، لئن كان من كان له

زاد وراحلة قدر ما يقوت عياله ويسـتغني به عن الناس ينطلق إليهم فيسـلبهم إيّاه لقد هلكـوا إذن

، فقيل له : فما السبيل ؟ قال فقال : السعة في المال إذا كان يحجّ ببعض ويبقي بعضاً لقوت عياله أليس

قد فرض الله الزّكاة فلم يجعلها إلاّ على من يملك مائتي درهم»(1) والخبر وإن كان موثقاً ـ  لأن أبا

الربيع الشامي من رجال تفسير علي بن إبراهيم القمي وهم ثقات  ـ إلاّ أ نّه على ما رواه الشيخ في

التهذيب ليس فيه ما يدل على المدّعى إلاّ جملة «السعة في المال إذا كان يحجّ ببعض ويبقي بعضاً لقوت

عياله» (2) وهذه تدل على شرط آخر وهو اعتبار وجود ما يمون به عياله حتّى يرجع في الاستطاعة

وذلك أجنبي عن اعتبار الرّجوع إلى الكفاية ، ولذا قال الشهيد الثّاني : إنّ الرّواية لا تدل على

مطلوبهم ، وإنّما تدل على اعتبار المؤونة ذاهباً وعائداً ومؤونة عياله كذلك (3) .

 نعم ، المفيد رواه في المقنعة عن أبي الربيع الشامي وزاد فيه بعد قوله : «ويستغني به عن النّاس يجب

عليه أن يحجّ بذلك ثمّ يرجع فيسأل الناس بكفه لقد هلك إذن ، فقيل له : فما السبيل ؟ قال : السعة

في المال»(4) ثمّ ذكر تمام الحديث ، وفيما رواه المفيد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 37 /  أبواب وجوب الحجّ ب 9 ح 1 .

(2) التهذيب 5 : 2 / 1 .

(3) الروضة البهيّة 2 : 168 .

(4) المقنعة : 385 .

ــ[35]ــ

   وعلى الجملة : كلّ ما يحتاج إليه الإنسان في حياته وكان صرفه في سبيل الحجّ موجباً للعسر والحرج

لم يجب بيعه ، نعم ، لو زادت الأموال المذكورة عن مقدار الحاجة وجب بيع الزائد في نفقة الحجّ ، بل

من كان عنده دار قيمتها ألف دينار مثلاً ويمكنه بيعـها وشراء دار اُخرى بأقل منها من دون عسر

وحرج لزمه ذلك إذا  كان الزائد وافياً بمصارف الحجّ ذهاباً وإياباً وبنفقة عياله (1) .

   مسألة 23 :  إذا كان عنده مال لا يجب بيعه في سبيل الحجّ لحاجته إليه ، ثمّ استغنى عنه وجب عليه

بيعه لأداء فريضة الحجّ ، مثلاً إذا كان للمرأة حلي تحتاج إليه ولا بدّ لها منه ثمّ استغنت عنه لكبرها أو

لأمر آخر وجب عليها بيعه لأداء فريضة الحجّ (2) .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

دلالة على المدّعى ولكن طريق المفيد إلى أبي الربيع الشامي مجهول .

   والحاصل : الرّواية الموثقة خالية عمّا يكون شاهداً على المدّعى ، وما يكون شاهداً عليه غير موثق ،

فالعمدة ـ كما ذكرنا ـ أدلّة نفي الحرج .

   ومن ذلك يظهر اعتبار أمر آخر في الاستطاعة وهو وجود ما يمون به عياله حتّى يرجع ، بل لو لم

يكن له ذلك لا يتحقق عنـوان الاستطاعة فإنّ قوله (عليه السلام) : «يجب الحجّ إذا  كان عنده ما

يحجّ به»(1) لا يصدق إلاّ إذا كان مالكاً لقوت عياله ممّن يجب عليه نفقته شرعاً . فإنّه حق مالي يجب

عليه أداؤه وليس له تفويته . ثمّ لا يخفى إن مفاد خبر أبي الربيع الشامي لا يزيد عمّا يقتضيه أدلّة نفي

الحرج .

   (1) والوجه في ذلك كلّه أدلّة نفي العسر والحرج الّتي أشار إليها في المتن ، ولذا يجب بيع الزائد عن

مقدار الحاجة وصرفه في الحجّ ، وكذا يجب الإنتقال إلى دار اُخرى أرخص من داره ، لعدم وقوعه في

العسر والحرج على الفرض .

   (2) فإنّ المرأة إذا كانت محتاجة إلى لبس الحلي كما إذا  كانت شابة ومن شأنها أن تلبس الحلي

فحينئذ لا يجب عليها بيعه وتبديله وصرفه في الحجّ ، لأن صرفه في الحجّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ورد مضمونه في الوسائل 11 : 33 /  أبواب وجوب الحجّ ب 8 ح 1 ، 3 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net