الكلام في استطاعة مَن يملك مالاً غائباً - مبدأ الزمان الّذي يحرم تفويت الاستطاعة منه 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4126


ــ[45]ــ

   مسألة 38 : إذا كان له مال غائب يفي بنفقات الحجّ منفرداً أو منضمّاً إلى المال الموجود عنده ، فإن

لم يكن متمكّناً من التصرّف في ذلك المال ولو بتوكيل من يبيعه هناك لم يجب عليه الحجّ (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

   وثانياً بالحل ، فإنّ المكلّف بالنسبة إلى نفسه لا يعلم بوقوعه في المخالفة ، ولو علم لكان من العلم

الإجمالي في التدريجيّات ويجب الفحص حينئذ ولكنّه خارج عن محل الكلام ، وأمّا بالنسبة إلى سائر

الناس فإنّه قد يعلم بوقوعهم في الخلاف ولكن لا أثر لذلك بالنسبة إلى نفسه .

   ومنها :  خبر زيد الصائغ الوارد في الدراهم الممتزجة من الفضّة والمس والرصاص الآمر بتخليصها

وتصفيتها حتّى يحترق الخبيث ويبقى الخـالص قال : «قلت : وإن كنت لا أعلم ما فيها من الفضّة

الخالصة إلاّ أ نّي أعلم أنّ فيها ما يجب فيه الزّكاة ؟ قال : فاسبكها حتّى تخلص الفضّة ويحترق الخبيث ثمّ

تزكي ما خلص من الفضّة لسنة واحدة»(1) فإنّ الأمر بالتخليص ليس إلاّ لاعتبار الفحص وإلاّ فلا

موجب له .

   والجواب عن ذلك أوّلاً : أنّ الخبر ضعيف السند بزيد الصائغ وثانياً : أ نّه ضعيف الدلالة ، بأ نّه لو

كانت الدراهم ممتزجة من ثلاثة أشياء فيتمكّن المكلّف من إعطاء الزّكاة بنسبة المال الموجود في الدراهم

ولا حاجة إلى إعمال هذه العمليّة من سبك الدراهم وتخليصها . والظاهر أنّ الرواية في مقام بيان تعليم

كيفيّة التخليص وليست في مقام بيان وجوب الفحص .

   فتحصل :  أ نّه لا دليل على وجوب الفحص في هذه الموارد ، وللمكلّف أن يعمل بالاُصول

الشرعيّة الجارية فيها .

   (1) لعدم صدق الاستطاعة ، لأنّ العبرة في تحقق الوجوب بالتمكّن من التصرّف ومجرّد الملكيّة لا

يحقق موضوع الاستطاعة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 9 : 255 /  أبواب المستحقين للزكاة ب 21 ح 2 .

ــ[46]ــ

وإلاّ وجب (1) .

   مسألة 39 : إذا كان عنده ما يفي بمصارف الحجّ وجب عليه الحجّ ولم يجز له التصرّف فيه بما يخرجه

عن الاستطاعة ولا يمكنه التدارك ، ولا فرق في ذلك بين تصرّفه بعد التمكّن من المسير وتصرّفه فيه قبله

، بل الظاهر عدم جواز التصرّف فيه قبل أشهر الحجّ أيضاً (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

   (1) لصدق الاستطاعة ، إذ لا يعتبر فيها حضور المال وكونه تحت يده فعلاً ، بل الميزان هو التمكّن

من التصرّف والمفروض حصوله .

   (2) لا ريب في أنّ مقتضى حكم العقل حرمة تفويت الملاك وعدم جواز تعجيز المكلّف نفسه عن

أداء الواجب بعد فعليته وتحقق شرائطه وحدوده وإن كان الواجب متأخّراً ، لأنّ الميزان في تقبيح العقل

للتعجيز هو تنجيز الواجب وفعليته وإن كان زمان الواجب استقباليّاً .

   والظاهر أ نّه لا خلاف بين الفقهاء في عدم جواز إتلاف الاستطاعة بعد تحققها وإنّما اختلفوا في مبدأ

زمان عدم الجواز ، فالمعروف بينهم أنّ مبدأه خروج الرفقة فيجوز الإتلاف قبل خروج القافلة الاُولى

وإن كان متمكّناً من المسير . وعن بعضهم كالسيِّد في العروة أنّ مبدأه هو التمكّن من المسير ولا عبرة

بخروج الرفقة ، فيجوز له قبل أن يتمكّن من المسير أن يتصرّف في المال بما يخرجه عن الاستطاعة ، وأمّا

بعد التمكّن منه فلا يجوز وإن كان قبل خروج الرفقة(1) .

   وعن المحقق النائيني أنّ العبرة بأشهر الحجّ ، فإذا هلّ هلال شوال لم يجز له إتلاف ما استطاع به .

   والظّاهر أ نّه لا دليل على شيء ممّا ذكروه ، والصحيح عدم جواز إتلاف الاستطاعة من أوّل زمان

حصولها ، ولو قبل التمكّن من المسير أو قبل خروج الرفقة أو قبل أشهر الحجّ ، وذلك لأنّ مقتضى

الآية الكريمة والرّوايات المفسّرة للاستطاعة

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) العروة الوثقى 2 : 239 / 3020 .

ــ[47]ــ

نعم ، إذا تصرّف فيه ببيع أو هبة أو عتق أو غير ذلك حكم بصحّة التصرّف وإن كان آثماً بتفويته

الاستطاعة (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

تنجّز الوجوب عليه بمجرّد حصول الاستطاعة من الزاد والرّاحلة وتخلية السرب وصحّة البدن ، من

دون فرق بين حصولها في أشهر الحجّ أو قبلها أو قبل خروج الرفقة أو قبل التمكّن من المسير أو بعده ،

فمتى حصلت الاستطاعة يتنجز الواجب عليه ، وأشهر الحجّ إنّما هو ظرف للواجب لا للوجوب ،

فالوجوب المستفاد من الأدلّة غير محدّد بوقت خاص ، ولذا لو استطاع قبل أشهر الحجّ وفرضنا أ نّه لا

يتمكّن من الوصول إلى الحجّ لو سافر في شهر شوال لبعد المسافة كما في الأزمنة السابقة بالنسبة إلى

البلاد البعيدة يجب عليه السفر في زمان يمكنه الوصول إلى الحجّ ولو في شهر رجب أو قبله ، فلا عبرة

بأشهر الحجّ ولا بغير ذلك ممّا ذكروه .

   (1) لما ذكرنا في الاُصول أنّ النهي في المعاملات لا يقتضي الفساد(1) ، وحاصل ما ذكرنا هناك: أنّ

المعاملات كالبيع مثلاً مركبة من اُمور ثلاثة لا رابع لها ، وهي الاعتبار الشرعي أو العقلائي ، والمبرز ـ

بالكسر ـ والمبزر ـ بالفتح ـ أي اعتبار نفس البائع.

   أمّا الاعتبار الشرعي أو العقلائي فلا يعقل تعلّق النهي به ، لأنّه خارج عن تحت اختيار البائع أو

المشتري ، إذ ليس ذلك بفعله وإنّما هو فعل الشارع ، فما يصح تعلّق النهي به إمّا المبرز ـ بالكسر ـ

 أو المبرز ـ بالفتح ـ ومجرّد النهي عن أحدهما أو كليهما لا يقتضي الفساد ، بل أقصاه دلالته على

المبغوضية ، ولا ينافي ذلك ترتب أثر البيع عليه ، فإنّه من قبيل غسل الثوب بالماء المغصوب ، فإنّه وإن

كان محرّماً ولكن يطهر الثوب به جزماً .

   نعم ، لو تعلّق النهي بنفس عنوان البيع إرشاداً إلى الفساد كالنهي عن بيع ما ليس عنده أو النهي عن

بيع الغـرر ، فيدل على الفساد لا لأجل الحرمة والمبغوضيّة بل للإرشاد إلى الفساد ، ولذا قد تكون

المعاملة جائزة ومع ذلك يحكم عليها بالفساد .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 36 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net