حكم تمتع القريب والقِران والإفراد للبعيد - حكم المقيم بمكّة من حيث وجوب حجّ التمتّع أو غيره 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3906


ــ[173]ــ

   مسألة 144 : لا بأس للبعيد أن يحجّ حجّ الإفراد أو القِران ندباً ، كما لا بأس للحاضر أن يحجّ حجّ

التمتّع ندباً ولا يجوز ذلك في الفريضة فلا يجزئ حجّ التمتّع عمّن وظيفته الإفراد أو القِران ، وكذلك

العكس (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

وصحيحة الفضلاء الدالّة على أ نّه ليس لأهل مكّة ولا لأهل مر ولا لأهل سرف متعة ؟ وغير ذلك من

الرّوايات الدالّة على تعين التمتّع على النائي ، وتعين الإفراد والقِران على الحاضر والقريب (1) .

   (1) قد عرفت أنّ مقتضى الكتاب العزيز والرّوايات الكثيرة تعين حجّ التمتّع على من كان بعيداً

عن مكّة بمقدار خاص ، وتعين الإفراد أو القِران على من كان حاضراً أي غير بعيد عنها ، ولكن ذلك

إنّما هو بالنسبة إلى حجّة الإسلام وما هو الفرض للمكلّف فلا يجزئ للبعيد إلاّ التمتّع ، ولا للحاضر

إلاّ الإفراد أو القِران .

   وأمّا بالنسبة إلى الحجّ الندبي فيجوز لكلّ من البعيد والحاضر كل من الأنواع الثلاثة بلا إشكال،

كمن حجّ ندباً قبل استطاعته لحجّ الإسلام أو لحصول حجّ الإسلام منه .

   وتدل على ذلك روايات كثيرة قد عقد في الوسائل باباً خاصّاً مستقلاًّ لذلك (2) فراجع .

   نعم ، لا ريب في أنّ التمتّع أفضل مطلقاً كما ورد ذلك في عدّة من النصوص المعتبرة (3) .

   هذا كلّه مضافاً إلى أنّ نفس إطلاق ما دلّ على فضائل الحجّ وترتب الثواب عليه يقتضي جواز

الإتيان بكل من الأقسام الثّلاثة وإنّما يتعيّن على المكلّف نوع خاص في الحجّ الّذي يكون فرضاً له .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 258 /  أبواب أقسام الحجّ ب 6 .

(2) لاحظ الوسائل 11 : 246 /  أبواب أقسام الحجّ ب 6 .

(3) الوسائل 11 : 246  / أبواب أقسام الحجّ ب 4 .

ــ[174]ــ

نعم ، قد تنقلب وظيفة المتمتع إلى الإفراد كما يأتي (1) .

   مسألة 145 : إذا أقام البعيد في مكّة فإن كانت إقامته بعد استطاعته ووجوب الحجّ عليه وجب

عليه حجّ التمتّع ، وأمّا إذا كانت استطاعته بعد إقامته في مكّة وجب عليه حجّ الإفراد أو القِران بعد

الدخول في السنة الثّالثة وأمّا إذا استطاع قبل ذلك وجب عليه حج التمتّع (2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

   (1) في المسألة 155 إن شاء الله فانتظر .

   (2) البعيد قد يسكن مكّة المكرّمة بقصد المجاورة وقد يسكنها بقصد التوطّـن وعلى كل تقدير قد

يكون مستطيعاً في بلده قبل أن يسكن مكّة وقد يستطيع في مكّة فهذه صور أربع :

   الاُولى :  أن يقيم البعيد في مكّة بقصد المجاورة وكانت استطاعته حاصلة في بلده قبل أن يسكن مكّة

ووجب عليه الحجّ في بلده ، ففي هذه الصورة يجب عليه التمتّع ولا ينقلب فرضه من التمتّع إلى

الإفراد . ونحوها ما لو استطاع في مكّة مدّة مجاورته ولكن استطاع قبل مضي سنتين من مجاورته ، فإنّ

هذا الفرض ملحق بمن استطاع في بلده قبل مجاورته .

   ويدل على ما ذكرنا : أنّ بعض الآيات الشريفة تدل على تشريع الحكم بالحج على جميع المكلّفين

من دون النظر إلى تعيين نوع منه على صنف من أصناف المكلّفين كقوله تعالى : (... وَللهِِ عَلَى النَّاسِ

حَجُّ ا لْبَيْتِ ...) (1) ولكن الآية الاُخرى كقوله سبحانه : (... ذلِكَ لِمَن لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي

المَسْجِدِ الحَرَامِ ...) (2) والرّوايات المفسّرة المبيّنة للآية المحدّدة بالثمانية والأربعين ميلاً دلّت على أنّ

الحجّ يختلف باختلاف الأماكن والأصناف ، وأنّ البعيد بحد خاص حكمه التمتّع ، والقريب والحاضر

فرضه الإفراد ، فالمستفاد من الآية والرّوايات أنّ المكلّف على قسمين :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) آل عمران 3 : 97 .

(2) البقرة 2 : 196 .

ــ[175]ــ

   قسم فرضه التمتّع وقسم فرضه الإفراد ، وما دلّ من الرّوايات على انقلاب الفرض من التمتّع إلى

الإفراد كصحيحة زرارة «من أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة لا متعة له» (1) وكصحيحة عمر بن

يزيد «المجاور بمكّة يتمتع بالعمرة إلى الحجّ إلى سنتين ، فإذا جاوز سنتين كان قاطناً وليس له أن يتمتع»

(2) ناظر إلى توسعة موضوع الجعل ، وأن من أقام في مكّة مقدار سنتين كان قاطناً وكان من أهل مكّة

تنزيلاً وحكمه حكم أهل مكّة ، ولا نظر لهذه الرّوايات إلى من استطاع في بلده أو استطاع في مكّة قبل

السنتين ، فمن كانت وظيفته التمتّع ولكن ترك الحجّ حتّى جاور مكّة فلا يكون مشمولاً لهذين الخبرين

الصحيحين .

   وبعبارة اُخرى : الخبران منصرفان عمّن كان مستطيعاً سابقاً ، سواء كان مستطيعاً في بلده وترك

الحجّ أو استطاع في مكّة قبل السنتين ، وإنّما الخبران في مقام بيان أنّ الحجّ الواجب على من سكن مكّة

وتعيين بعض الأنواع عليه ، ولا نظر لهما إلى من وجب عليه الحجّ سابقاً وكانت وظيفته التمتّع في

السابق ، فهو باق على حكمه السابق .

   ولو أغمضنا عمّا ذكرنا واحتملنا شمول الخبرين لهذا الفرض أيضاً فيصبح الخبران مجملين ، فيدور

الأمر بين تخصيص الأقل والأكثر، فلا بدّ من الإقتصار على الأقل وهو خصوص حصول الاستطاعة بعد

السنتين أخذاً بالمتيقن ، فتكون النتيجة أن من لم يكن مستطيعاً في بلده واستطاع في مكّة بعد مجاورته

سنتين ينقلب فرضه إلى الإفراد فإنّ التنزيل ثابت بهذا المقدار ، وأمّا غيره وهو من استطاع في بلده

وكان مكلّفاً بحج التمتّع ولم يأت به أو حصلت الاستطاعة في مكّة قبل السنتين فمحكوم بالحكم الأوّل

ولم يثبت في حقّه التنزيل .

   هذا كلّه مضافاً إلى دعوى قيـام الإجمـاع على أنّ تكليف مثل هذا الشخص لا يتبدل من التمتّع

إلى الإفراد .

   الصورة الثّانية :  أن يجاور البعيد في مكّة ويستطيع بعد إقامته فيها بعد الدخول في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 265 /  أبواب أقسام الحجّ ب 9 ح 1 .

(2) الوسائل 11 : 266 /  أبواب أقسام الحجّ ب 9 ح 2 .

ــ[176]ــ

السنة الثّالثة ، فالمشهور أ نّه يتبدل فرضه من التمتّع إلى الإفراد وهو الصحيح .

   بيان ذلك : أ نّه لو كنّا نحن والآية الشريفة والرّوايات العامّة ولم تكن روايات خاصّة في المقام لكان

الواجب عليه حج التمتّع ، لأنّ موضوع التمتّع من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ومن لم يكن

من أهل مكّة ، وذلك صادق على البعيد المجاور .

   ولكن مقتضى الأخبار الخاصّة الآتية إجراء حكم أهل مكّة عليه ، وأ نّه مكّي تنزيلاً ، فيجب عليه

الإفراد ، وهذا ممّا لا خلاف فيه في الجملة .

   وإنّما وقع الخلاف في الحد الّذي يوجب إنقلاب فرضه من التمتّع إلى الإفراد فالمشهور بين

الأصحاب أ نّه يتحقق بالإقامة في مكّة مدّة سنتين والدخول في الثّالثة .

   ونسب إلى الشيخ وابن إدريس أنّ الحد الموجب للإنقلاب إكمال ثلاث سنين والدخول في

الرّابعة(1).

   ونسب إلى الشهيد في الدورس أ نّه يتحقق بإكمال سنة واحدة والدخول في الثّانية (2) ، واختاره

صاحب الجواهر (3) .

   وسبب الإختلاف النصوص . ولكن ما نسب إلى الشيخ بالتحديد إلى ثلاث سنين والدخول في

الرّابعة فلا شاهد عليه من الأخبار إلاّ الأصل المقطوع بالرّوايات ، فهذا القول ساقط فيبقى القولان

الآخران .

   أحدهما :  ما نسب إلى المشهور من التحديد بسنتين والدخول في الثّالثة ، ويدل عليه صحيح زرارة

، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال «من أقام بمكّة سنتين فهو من أهل مكّة لا متعة له» وصحيح عمر

بن يزيد قال «قال أبو عبدالله (عليه السلام) : المجاور بمكّة يتمتع بالعمرة إلى الحجّ إلى سنتين ، فإذا

جاوز سنتين كان قاطناً ، وليس له أن يتمتع» (4) 

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المبسوط 1 : 308 ، السرائر 1 : 522 .

(2) الدروس 1 : 331 .

(3) الجواهر 18 : 89 .

(4) الوسائل 11 : 265 /  أبواب أقسام الحجّ ب 9 ح 1 ، 2 .

ــ[177]ــ

   ثانيهما :  ما نسب إلى الشهيد وقوّاه صاحب الجواهر من الاكتفاء بإكمال سنة واحدة والدخول في

الثّانية اعتماداً إلى جملة من الأخبار .

   منها : صحيحة الحلبي قال «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) لأهل مكّة أن يتمتعوا؟ قال : لا ...

قلت : فالقاطنين بها ، قال : إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكّة» (1) وهي صحيحة

السند وواضحة الدلالة .

   ومنها :  صحيحة عبدالله بن سنان «المجاور بمكّة سنة يعمل عمل أهل مكّة ، يعني يفرد الحجّ مع أهل

مكّة ، وما كان دون السنة فله أن يتمتع» (2) وهي أيضاً واضحة الدلالة والسند معتبر ، فإنّ إسماعيل

بن مرار الواقع في السند وإن لم يوثق في كتب الرّجال ولكنّه من رجال تفسير علي بن إبراهيم القمي

وهم ثقات ، وفي بعض نسخ التفسير إسماعيل بن ضرار وهو محرف جزماً كما هو الموجود في الطبعة

القديمة وتفسير البرهان ، وهنا روايات أخر تدل على ذلك أيضاً ولكنّها ضعيفة السند والعمدة ما

ذكرناه .

   وقد أجاب السيِّد في العروة (3) عن هذه الرّوايات بإعراض المشهور عنها ، فيتعيّن العمل

بالصحيحتين المتقدّمتين صحيحة زرارة وعمر بن يزيد ، ولكن قد ذكرنا غير مرّة أنّ إعراض المشهور لا

يوجب سقوط الرّواية المعتبرة سنداً عن الحجيّة . على أنّ الشهيد وصاحب الجواهر قد عملا بها .

   وقد جمع صاحب الجواهر بين الطائفتين بحمل الصحيحتين على الدخول في السنة الثّانية فتلتئم مع

الطائفة الثّانية الدالّة على اعتبار مضي سنة واحدة والدخول في الثّانية .

   ويرد عليه : أنّ هذا المعنى وإن احتمل في خبر زرارة المتقدِّم وأمكن حمل قوله : «من أقام بمكّة

سنتين» على الدخول في الثّانية بعد إكمال السنة الاُولى وإن كان ذلك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 266 /  أبواب أقسام الحجّ ب 9 ح 2 .

(2) الوسائل 11 : 269 /  أبواب أقسام الحجّ ب 9 ح 8 .

(3) العروة الوثقى 2 : 325 / 3206 .

ــ[178]ــ

هذا إذا كانت إقامته بقصد المجاورة . وأمّا إذا كانت بقصد التوطن فوظيفته حجّ الإفراد أو القِران من

أوّل الأمر إذا كانت إستطاعته بعد ذلك ، وأمّا إذا كانت قبل قصد التوطن في مكّة فوظيفته حجّ التمتّع

(1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

بعيداً ، إلاّ أ نّه لا يحتمل ذلك في خبر عمر بن يزيد ، للتصريح فيه بالتجاوز عن سنتين .

   فالصحيح في الجواب أن يقال : إنّ التعارض بين الطائفتين متحقق ، فالمرجع بعد التعارض والتساقط

عموم ما دلّ على أنّ البعيد فرضه التمتّع وإن جاور مكّة ، والقدر المتيقن من التخصيص حسب

الخبرين المتقدّمين من سكن مكّة مدّة سنتين ودخل في الثّالثة، وأمّا غير ذلك فلم يثبت تخصيص في حقّه

، فالواجب عليه ما يقتضيه العموم وهو وجوب التمتّع عليه إلاّ بعد مضي سنتين ، وقد عرفت أ نّه هو

القول المشهور .

   ثمّ إنّ هنا أخباراً تدل على أنّ العبرة في إنقلاب الفرض بالمجاروة خمسة أشهر أو ستّة أشهر (1) .

   والجواب عنها : أ نّه لا عامل بها اصلاً . على أ نّها معارضة بالصحيحين المتقدّمين صحيحة زرارة

وصحيحة عمر بن يزيد . مضافاً إلى أنّ ما دلّ على خمسة أشهر ضعيف بالإرسال .

   (1) الصورة الثّالثة :  وهي ما إذا أقام البعيد في مكّة بقصد التوطّن وكانت استطاعته بعد ذلك

فوظيفته حجّ الإفراد أو القِران من أوّل الأمر ـ أي بلا حاجة إلى مضي سنتين ـ وذلك لأ نّه يصدق

عليه أ نّه من أهالي مكّة بعد مرور شهر ونحوه ، ممّا يصدق معه عرفاً أنّ البلد وطنه ، فما دلّ على أ نّه

لا متعة لأهل مكّة يشمل المقيم بقصد التوطن ، لعدم احتمال اختصاص هذه الأدلّة بسكنة مكّة

الأصليين .

   وأمّا الصحيحتان المتقدّمتان الدالّتان على انقلاب الفرض إلى الإفراد أو القِران فيما إذا تجاوزت مدّة

الإقامة سنتين فلا تشملان المتوطن لاختصاصهما بالمجاور .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 265 /  أبواب أقسام الحجّ ب 8 ح 3 ، 4 ، 5 .

ــ[179]ــ

وكذلك الحال في من قصد التوطن في غير مكّة من الأماكن الّتي يكون البعد بينها وبين المسجد الحرام

أقل من ستّة عشر فرسخاً (1) .
ـــــــــــــــ

ــــــ

   الرّابعة :  ما إذا قصد التوطن في مكّة ولكنّه كان مستطيعاً للحج في بلده قبل قصد التوطن فوظيفته

حجّ التمتّع ، لأ نّه كان مكلّفاً بالتمتع قبل ذلك ولا موجب لإنقلاب فرضه من التمتّع إلى الإفراد ، فإنّ

مقتضى الإطلاقات من الآية والرّوايات كما عرفت وجوب حجّ التمتّع على جميع المكلّفين ، خرج من

ذلك أهالي مكّة ونحوهم ، والقدر المتيقن في الخروج عن المطلقات من استطاع بعد توطنه ، وأمّا في غير

ذلك فهو باق تحت المطلقات الدالّة على التمتّع .

   (1) لعدم الفرق بين مكّة وبين البلاد الّتي تكون محكومة بحكم مكّة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net