أمّا الأدلّة العقلية فهي اُمور :
الأوّل : هو أنّه لا شكّ ولا ريب في أنّ المؤثّر الوحيد في الوجود بجميع شؤونه وأحواله هو الله الواحد ، إذ هو مقتضى سلطنته المطلقة وفاعليته التامّة ، وعبّروا عن هذا المعنى بعبارة معروفة في الكتب الكلامية والفلسفية : «لا مؤثّر في الوجود إلاّ ــــــــــــــــــــــــــــ (1) لم نعثر عليه ، نعم ذكر المقرّر ذلك في كتاب جبر واختيار : 267 ، 15 (باللغة الفارسية) . (2) وسيأتي البحث عنها في ص82 .
ــ[35]ــ
الله» فليس غيره مؤثّراً ومتصرّفاً في الكون والفساد ، وكيف يكون العبد مؤثّراً مع أنّه محتاج في جميع شؤونه وأطواره إلى الله تعالى ، بل قد تحقّق في محلّه(1) أنّ الممكن في ذاته نفس الافتقار ، لا أنّه ذات ثبت لها الافتقار ، هذا .
مع أنّه لو كان غيره تعالى مؤثّراً في الوجود وخالقاً لشيء لزم الشرك وتعدّد الخالق . هذا ملخّص ما بيّنوه من الأمر الأوّل .
ونقول في الجواب : إنّ إطلاق المؤثّر والخالق على من يكون الفعل ناشئاً عنه ليس على معنى واحد ، وقد بيّن في محلّه(2) أنّ هذا الإطلاق يقع على أنحاء كثيرة ولابدّ لنا من بيان أقسام ثلاثة منها توطئة للجواب :
الأوّل : المؤثّر الحقيقي القائم بنفسه ، المستغني في فعله عمّا سواه ، وهو منحصر في الله الواحد إذ هو القائم بنفسه ، المستغني في فعله حتّى عن الرويّة والآلة .
الثاني : ما يصدر منه الفعل ويتّصف بالمؤثّرية ، ولكن ليس له أيّ قدرة واختيار في فعله وتركه ، وشأنه شأن الآلة التابعة للإرادة الفاعلة ، كالأدوات الصناعية .
وهذا القسم وإن كان اتّصافه بالفعل صحيحاً كاتّصاف السيف بالقاطعية ، إلاّ أنّ استناد التأثير إليه تابع لصدور الفعل عن الفاعل ، ولضعف الاستناد إليه يوشك أن يصحّ سلبه عنه .
الثالث : ما يكون وسطاً بين القسمين ، وذلك بأن كان اتّصافه بالفاعلية اتّصافاً بالحقيقة بلا عناية ، إلاّ أنّ كونه قادراً على الفاعلية تابع لإرادة الغير وإفاضته ، وهذا كالإنسان المختار ، فإنّ القدرة على اختياره ـ كجميع أطوار ــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع الأسفار 3 : 253 ، نهاية الحكمة : 301 . (2) راجع نهاية الحكمة 172 ـ 177 .
ــ[36]ــ
وجوده ـ وإن كان منه تعالى مع دوام الإفاضة وتجدّدها في جميع الآنات الممتدّة ، إلاّ أنّ اتّصافه بالفاعلية بإعمال قدرته مستند إلى نفسه .
إذا تحقّقت ذلك ظهر لك أنّه لا ملازمة بين الالتزام بصدور الأفعال من العباد على النحو الثالث وبين القول بالشرك وتعدّد الخالق ، نعم القول باستقلال العبد في فعله كما عليه المفوّضة مرتبة من القول بالشرك ، كما اُشير إليه في روايات أهل البيت (عليهم السلام) وسيأتي التعرّض لذلك فيما بعد إن شاء الله(1). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص101 و96 .
|