21 ـ التظليل للرِّجال 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الثالث:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5636


ــ[491]ــ


21 ـ  التظليل للرِّجال

   مسألة 269 : لا يجوز للرّجل المحرم التظليل حال سيره بمظلة أو غيرها ، ولو كان بسقف المحمل أو

السيارة أو الطائرة ونحوها ، ولا بأس بالسير في ظل جبل أو جدار أو شجر ونحو ذلك من الأجسام

الثابتة، كما لا بأس بالسير تحت السحابة المانعة عن شروق الشمس . ولا فرق في حرمة التظليل بين

الراكب والراجل على الأحوط ، والأحوط بل الأظهر حرمة التظليل بما لا يكون فوق رأس المحرم ،

بأن يكون ما يتظلّل به على أحد جوانبه (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

   (1) المعروف بين الأصحاب حرمة التظليل على الرجال بأن يستظل من الشمس حال الركوب ، بل

ادعي عليه الاجماع وعدم الخلاف ، ونقل عن ابن الجنيد أ نّه قال : يستحب للمحرم أن لا يظلل على

نفسه(1) فان أراد بالاستحباب مجرّد المحبوبية فغير صريح في الخلاف ، وإن أراد معناه الاصطلاحي فهو

مخالف ، ولكن لا يعبأ بخلافه بعد استفاضة الروايات في المنع ، ففي بعضها النهي عن الركوب في القُبة

، وفي بعضها النهي عن الركوب في الكنيسة ، وفي آخر الأمر بالاضحاء ، وفي بعض آخر النهي عن

التستّر عن الشمس ، وفي بعضها النهي عن التظليل(2) .

   وبالجملة : لا ينبغي الريب في أصل الحكم ، إلاّ أنّ السبزواري استشكل في أصل الحكم قال :

والمسألة عندي محل إشكال(3) لروايات توهم منها الاستحباب وعدم الوجوب .

 منها : صحيحة الحلبي(4) ، لقوله : فيها «ما يعجبني» وقال : وظاهر ذلك الأفضلية

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نقل عنه في المختلف 4 : 108 .

(2) الوسائل 12 : 515 /  أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 1 ، 4 ، 11 ، 9 ، 3 .

(3) الذخيرة : 598  السطر 18 .

(4) الوسائل 12 : 516 /  أبواب تروك الاحرام  ب 64 ح 2 ، 5 .

ــ[492]ــ

ولا يدل على التحريم .

   وفيه : ما لا يخفى ، فان هذه الكلمة لا تدل على الجواز ، بل كثيراً ما تستعمل في الحرمة .

   ومنها : صحيحة علي بن جعفر قال «سألت أخي (عليه السلام) اُظلل وأنا محرم ؟ فقال : نعم ،

وعليك الكفّارة»(1) .

   والجواب : أن تجويزه (عليه السلام) له الاستظلال قضية شخصية في واقعة ، ولعل تجويزه له من

أجل كونه مريضاً أو كان يتأذى من حر الشمس بحيث كان حرجياً ونحو ذلك من الأعذار ، فلا يمكن

الاستدلال بها لاثبات حكم كلّي .

   ومنها : صحيحة جميل ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «لا بأس بالظلال للنِّساء ، وقد رخص

فيه الرجال» (2) .

   ويرد عليه : أن كلمة «قد» دليل على التقليل لا الجواز دائماً ، ولا ريب أ نّه قد يتفق جواز التظليل

للرجال لعذر من الأعذار ، وإلاّ لو كان في مقام بيان أصل الجواز الدائمي لم يكن وجه للتفكيك في

كلامه بالتعبير عن الجواز للنِّساء بقوله : «لا بأس» وعن الرجال بالترخيص مع كلمة «قد» بل كان له

أن يقول لا بأس للرجال والنِّساء ، فالمعنى أنّ التظليل في نفسه للنِّساء جائز وقد يتفق جوازه للرجال

لمرض ونحوه من الأعذار ، بل نفس كلمة الترخيص تستعمل غالباً في موارد المنع ذاتاً والجواز عرضاً .

   ومع الاغماض عن ذلك وتسليم ظهور هذه الروايات في الجواز ، فلا يمكن حمل الروايات المانعة

على الكراهة لصراحتها في الحرمة ، فلا بدّ من حمل هذه الروايات المجوّزة على التقية ، لأنّ العامة

ذهبوا إلى الجواز كأبي حنيفة وأبي يوسف وأتباعهما ، بل وغيرهم من العامة كما يظهر من نفس

الروايات الواردة في المقام من احتجاجه (عليه السلام) على أبي يوسف ومحمّد بن الحسن ، فراجع .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 13 : 154 /  أبواب بقية كفارات الاحرام ب 6 ح 2 .

(2) الوسائل 12 : 518 /  أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 10 .

ــ[493]ــ

   يقع البحث في موارد :

   الأوّل :  بعد الفراغ عن اختصاص حرمة التظليل بحال السير ، وجوازه في المنزل والخباء كما في

النصوص الّتي اشتملت على اعتراض المخالفين بالفرق ، وجواب الإمام (عليه السلام) بأنّ الفرق بين

الأمرين من أجل التعبد والنص لا للقياس(1) وقع الكلام في إلحاق السفينة بحال السير أو المنزل ،

باعتبار أنّ السفينة راحلته ومنزله في حال السير ، وكذلك القطار الحديدي في الأسفار البعيدة .

   قوى شيخنا الاُستاذ لحوقها بالمنزل(2) ولكن لم يظهر له وجه ، لأن مقتضى إطلاق النصوص هو

المنع عن التستّر عن الشمس وحرمة التظليل للمحرم ، وقد استثني من ذلك خصوص حال النزول في

الخباء والوصول إلى المنزل ، وأمّا السفينة فلا دليل على استثنائها ، فمقتضى الاطلاق هو المنع إلاّ إذا

اقتضت الضرورة التظليل .

   وبالجملة : دليل الجواز خاص بحال النزول والوصول إلى المنزل ، ولا يتناول مثل السفينة ونحوها ،

فالمتبع إطلاق دليل المنع .

   الثاني :  هل الحكم بحرمة التظليل يختص بالراكب أو يعم الراكب والراجل ، الظاهر هو التعميم ،

لأن موضوع الحكم في الروايات هو المحرم وهو يشمل الراكب والراجل .

   نعم ، في بعض الروايات اُخذ فيه الراكب ولكنّه من باب ذكر المورد ولا يظهر منه الاختصاص به ،

كروايات القبة والكنيسة ، فلا وجه لدعوى الاختصاص بالراكب بعد إطلاق النصوص ، بل يمكن أن

يقال : إنّ المشاة كانوا كثيرين ـ جدّاً خصوصاً من الحجازيين ـ حين صدور الروايات ولو كان

الحكم مختصّاً بحال الركوب لم يكن وجه لذكر الحكم على الاطلاق ، بل كان اللاّزم التصريح

باختصاص الحكم بالراكب، وليس في شيء من الروايات تصريح أو إشارة إلى اختصاص الحكم

بالراكب ، فالتقييد به

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 520 /  أبواب تروك الاحرام ب 66 .

(2) دليل الناسك (المتن) : 170 .

ــ[494]ــ

بعيد جدّاً .

   نعم ، دلّ النص على جواز الاستظلال بظل المحمل للراجل (1) وربما يستدل به على جواز

الاستظلال له مطلقاً بدعوى حمل المحمل على المثال ، ولذا عطف الشهيد الثاني قوله : «ونحوه» على

ظل المحمل (2) ، وهذه الدعوى وإن لم تكن بعيدة في نفسها كل البعد ولكنه مع ذلك خلاف الظاهر

من الأدلّة ، فانّ الظاهر منها هو المنع عن التظليل مطلقاً ، راكباً كان أو راجلاً بظل المحمل وغيره ،

وإنّما جوّز النص الخاص التظليل له بظل المحمل حال المشي ، وهذا مما نلتزم به للتعبد بالنص ولا يدل

على جواز الاستظلال مطلقاً ولو بظل غير المحمل ، والأحكام تعبّدية وملاكاتها مجهولة عندنا ، فيجب

الاقتصار على مورد النص. ودعوى أنّ المتبادر من الأخبار الاستتار حال الركوب غير مسموعة بعد

إطلاق الأدلّة ، فمقتضى إطلاق النصوص عدم جواز الاستظلال للراجل مطلقاً بمظلة ونحوها ، إلاّ

الاستظلال بظل المحمل حال السير .

   وأمّا رواية الاحتجاج الدالّة على جواز الاستظلال للماشي مطلقاً ولو بظل غير المحمل فضعيفة

للارسال (3).

   الثالث :  ذهب جماعة إلى اختصاص حرمة التظليل بما يكون على رأسه ، كالقبة وسقف السيارة

ورفع المظلة فوق رأسه ونحو ذلك مما يكون فوق رأسه ، وأمّا الاستتار عن الشمس بأحد الجانبين على

وجه لا يكون الساتر فوق رأسه فلا بأس به ، بل ادعى بعضهم جواز ذلك بلا خلاف . ونسبه آخر

إلى جميع أهل العلم ، بل ذكر بعضهم أنّ التظليل لا يتحقق إلاّ بما يكون فوق رأسه كالمحمل ونحوه .

وممن صرّح بالجواز شيخنا الاُستاذ (4) ، واستدلّوا بوجوه ضعيفة غير قابلة للذكر ولا يقاوم إطلاق

الأدلّة الناهية عن التستر عن الشمس والآمرة بالاضحاء ، فانّ المتفاهم منها هو المنع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 524 /  أبواب تروك الاحرام ب 67 ح 1 و ب 66 ح 6 .

(2) الروضة البهية 2 : 244 .

(3) الوسائل 12 : 523 /  أبواب تروك الاحرام ب 66 ح 6 .

(4) دليل الناسك (المتن) : 169 .

ــ[495]ــ

عن أن يصنع المحرم شيئاً يمنع من وصول الشمس إليه ، سواء بجعل شيء فوق رأسه أو بجعله على أحد

جوانبه ليستظل به .

   ولعلّ أحسن ما استدلّوا به على اختصاص حرمة التظليل بما هو فوق الرأس ، صحيح ابن سنان قال

: «سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول لأبي وشكى إليه حرّ الشمس وهو محرم وهو يتأذى به ، فقال

: ترى أن أستر بطرف ثوبي ؟ قال : لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك» (1) .

   ولكنّه واضح الدفع ، لأنّ السائل كان يتأذّى من حرّ الشمس ، فجوّز له الاستظلال للضرورة ونهاه

عن التغطية وستر رأسه فان ذلك محرم آخر غير الاستظلال ، فمورد الرواية هو الاضطرار لا الاختيار

، فمعنى الرواية أ نّه يجوز لك الاستظلال للضرورة ولكن لا تستر رأسك ولا تغطيه ، فلا تدل الرواية

على جواز الاستظلال اختياراً بأحد الجانبين الّذي هو محل الكلام .

   الرابعة :  هل يختص الحكم بحرمة التظليل بما إذا كان الساتر سائراً كظل سقف السيارة أو القبّة

والمحمل ونحو ذلك أو يعم الاستظلال بالظل الثابت المستقر كظل الأشجار والجدران والجبال ونحو

ذلك .

   ذكر بعضهم الجواز في الظل الثابت واختصاص المنع بالظل السائر كالعلاّمة في المنتهى (2)
والفخر(3) وأيدهما في الجواهر ج 18 ص 403 ، وهو الصحيح ، وذلك لأ نّه لو كان هذا أمراً

محرماً لكان أمراً ظاهراً وواضحاً جدّاً ، لكثرة ابتلاء الحاج حال سيرهم بالمرور تحت الظلال الثابتة ولا

أقل من ظلال جدران بيوت القرى وأبنيتها الّتي يمـرّون بها ، بل نفس الأمر برفع الستار والحجاب

ونحوه ظاهر في أنّ الممنوع إحداث الستر وإيجاد المانع عن الاضحاء وشروق الشمس عليه ، وأمّا الظل

الثابت المستقر فلا يشمله النهي ، نظير المشي تحت السحاب فانّه لا يتوهّم المنع عنه ، ولا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 525 /  أبواب تروك الاحرام ب 67 ح 4 .

(2) المنتهى 2 : 792  السطر 5 .

(3) إيضاح الفوائد 1 : 296 .

ــ[496]ــ

نعم، يجوز للمحرم أن يتستّر من الشمس بيديه ، ولا بأس بالاستظلال بظل المحمل حال المسير(1)،

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

يتوهّم لزوم المشي في المنطقة الّتي لا سحاب فيها .

   وملخص الكلام : أنّ الظاهر من الروايات هو جعل المحرم الساتر لنفسه ، بأن يصنع شيئاً أو يعمل

عملاً يتستر به ولا تشمل الساتر الثابت كظل السحاب أو ظل الحيطان والجبال والأشجار ونحوها ،

بل قد يتفق إطباق السحاب في فصل الشتاء مثلاً ، ولا تحتمل لزوم الكفّارة عليه من باب الضرورة .

   وبالجملة : لا ينبغي الريب في انصراف الأدلّة الناهية عن الظل الثابت وعدم تناول الأدلّة له .

   والّذي يؤكّد ذلك : أنّ الحجّ على ثلاثة أقسام : تمتع وإفراد وقران، والقسمان الأخيران وظيفة

القريب ومن كان في مكّة وضواحيها وأطرافها ، فربما تكون بلدة مكّة المعظمة في طريقه إلى عرفات ،

ولا ريب أن بلدة مكّة مشتملة على ظل الجدران وحيطان البيوت والعمارات ، فلو كان الاستظلال

بالظل الثابت ممنوعاً ومحرماً لوجب التنبيه عليه في الروايات، وللزم المنع عن الذهاب إلى عرفات من

طريق مكّة والدخول في مكّة ، بل وجب السفر والذهاب من البر وخارج مكّة حتّى لا يبتلي

بالاستظلال ولم نر في شيء من الروايات المنع عن ذلك والتنبيه عليه .

   (1) إنّ التظليل الممنوع ما إذا تحقق بالجسم الخارجي كالمظلة وسقف الطيارة والسيارة ونحو ذلك ،

وأمّا التظليل بنفس أعضائه كيده فلا بأس به ، لمعتبرة المعلى بن خنيس(1) وصحيحة معاوية بن

عمار(2) ، ويؤيّدهما رواية محمّد بن الفضيل أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ربما يستر

وجهه بيده(3) وبازائهما صحيحة الأعرج المانعة عن الاستتار باليد «عن المحرم يستتر من الشمس بعود

وبيده ، قال : لا ، إلاّ من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 12 : 524 /  أبواب تروك الاحرام ب 67 ح 2 ، 3 .

(3) الوسائل 12 : 520 /  أبواب تروك الاحرام ب 66 ح 1 .

ــ[497]ــ

وكذلك لا بأس بالاحرام في القسم المسقوف من مسجد الشجرة (1) .

   مسألة 270 : المراد من الاستظلال التستر من الشمس أو البرد أو الحر أو المطر ونحو ذلك ، فإذا لم

يكن شيء من ذلك بحيث كان وجود المظلة كعدمها فلا بأس بها (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

علّة» (1) والجمع العرفي يقتضي حملها على الكراهة ، لصراحة الاُوليين في الجواز كما صنعه في

الوسائل والحدائق (2) .

   (1) أمّا باعتبار أ نّه منزل له وقد عرفت اختصاص الحكم بحال السير فلا يشمل الاستظلال في المنزل

وفي الخباء ، أو أ نّه ظل ثابت لا يتناوله أدلّة حرمة التظليل .

   بل يمكن أن يقال إنّ المستفاد من أدلّة النهي هو إحداث الظل بعد صدور الاحرام منه ، وأمّا عقد

إحرامه في الظل وبقائه على حالة الاستظلال فغير مشمول للأدلّة .

   مضافاً إلى السيرة ، فانّ الحجاج كانوا يحرموا في القسم المسقوف ولم يعهد ردعهم عن ذلك .

   (2) التظليل المنهي عنه لا يختص بالاستظلال عن الشمس ، بل الممنوع مطلق التستّر ولو عن غير

الشمس كالبرد والحر والمطر والريح ونحو ذلك ، فانّ التظليل مأخوذ من التستر ولو من غير الشمس

، فانّ الكلمة مأخوذة من الظلة وهي شيء يستتر به من الحر والبرد كما في اللّغة (3) فالاستظلال اُخذ

في مفهومه الاستتار من شيء سواء كان شمساً أو غيرها ، ومنه الشمس مستظلة أي هي في السحاب

مستترة ، وعلى ذلك فلا فرق بين النهار واللّيل .

   ويؤكِّد ما ذكرنا إطلاق المنع عن الركوب في القبّة والكنيسة فانّه يقتضي عدم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 525 /  أبواب تروك الاحرام ب 67 ح 5 .

(2) الحدائق 15 : 492 .

(3) الظلة : الغاشية والبرطلّة أي المظلة الضيقة ، وشيء كالصفة يستتر به من الحر والبرد ، المظلة ـ 

بالكسر والفتح  ـ  : الكبير من الأخبية .  أقرب الموارد 2 : 731 .

ــ[498]ــ

   مسألة 271 : لا بأس بالتظليل تحت السقوف للمحرم بعد وصوله إلى مكّة وإن كان بعد لم يتخذ

بيتاً ، كما لا بأس به حال الذهاب والاياب في المكان الّذي ينزل فيه المحرم ، وكذلك فيما إذا نزل في

الطريق للجلوس أو لملاقاة الأصدقاء أو لغير ذلك ، والأظهر جواز الاستظلال في هذه الموارد بمظلة

ونحوها أيضاً وإن كان الأحوط الاجتناب عنه (1) .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

الفرق بين اللّيل والنهار خصوصاً مع تعارف حركة السير والقوافل في الليالي ، لا سيما في البلاد الحارّة

كأراضي الحجاز ونحوها ، فالميزان في حرمة التظليل هو التستر والتحفّظ عن الشمس والبرد والحر

والريح وأمثال ذلك ممّا يتأذّى منه الانسان حال سيره ، ولذا لو فرضنا فرضاً نادراً جدّاً بأن كان رفع

المظلة فوق رأسه لا يؤثر شيئاً أبداً ولا يمنع عنه شيئاً أصلاً وكان وجوده كعدمه فلا بأس به ، لعدم

صدق الاستظلال والاستتار على ذلك ، لأنّ الممنوع كما عرفت ليس مجرد وجود المظلة على رأسه ،

بل الممنوع هو الاستتار والتحفظ عن الشمس والريح العاصف والمطر .

   والحاصل : مجرد جعل المظلة على رأسه من دون ترتيب أيّ أثر عليه لا مانع منه ، بل لا بدّ من تحقق

عنوان التستر والتحفظ عن الشمس أو المطر أو البرد أو الريح .

   ومن نظر في الروايات يجد بوضوح صحّة ما ذكرناه ، فلا مجال للمناقشة أصلاً ، فانّ الروايات

واللّغة(1) مطبقة على أنّ المراد بالتظليل التستر عن الشمس وغيرها ولا يختص بالشمس ، بل صرّح في

الروايات بالمنع عن التظليل عن البرد والمطر(2) ـ  باب 6 من أبواب بقية الكفّارات وباب 64 من

أبواب تروك الاحرام ـ وأمّا إطلاق النهي عن الركوب في القبة والكنيسة فلحصول التستر بهما دائماً

ولا أقل من الهواء .

   (1) ما تقدّم كلّه في الاستظلال حال السير إلى مكّة ، وأمّا إذا وصل إلى مكّة فلا

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تقدّم ذكر مصدره في الصفحة السابقة .

(2) الوسائل 13 : 154 /  أبواب بقية كفارات الاحرام ب 6 ، والوسائل 12 : 519 / أبواب

تروك الاحرام  ب 64 ح 13 ، 14 .

ــ[499]ــ

يحرم عليه الاستتار ويجوز له الاستظلال ، فلا مانع من سيره ومشيه وجلوسه تحت ظل الجدران

والحيطان وسقوف الأسواق ونحو ذلك ، وإن كان بعد لم يتخذ بيتاً لسكناه ، وذلك لأ نّه لو قلنا

باختصاص التحريم بالظل السائر وعدم شموله للظل الثابت المستقر ـ كما هو المختار ـ فالأمر واضح

، وإن لم نقل بذلك وقلنا بتعميم المنع للظل السائر والثابت ـ كما عن جماعة ـ فلا إشكال فيه أيضاً ،

لأنّ المستفاد من روايات المقام هو المنع عن الاستظلال حال سيره إلى مكّة ، ولا تشمل حال نزوله إلى

منزله ومقصده ووصوله إلى مكّة المكرمة ، وهذا الحكم كان أمراً متسالماً عليه عند الشيعة ومما اختصوا

به ، بل كان ذلك من شعارهم من الصدر الأوّل إلى زماننا هذا ، ولذا كثر سؤال المخالفين عن الأئمة

(عليهم السلام) بأ نّه ما الفرق بين حال السير والنزول في المنزل والخباء ، وأجابوا (عليهم السلام)

بأنّ الدّين لا يقاس ، والأحكام حسب النصوص الواردة عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)

وهذه الروايات المشتملة على احتجاج الأئمة (عليهم السلام) وإن كانت ضعيفة سنداً ولكن صحيح

البزنطي يكفينا ، فان أبا حنيفة سأل عن الصادق (عليه السلام) : «إيش فرق ما بين ظلال المحرم

والخباء ؟ فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : إن السنّة لا تقاس» (1).

   وهذه الصحيحة وإن لم يقع فيها التصريح بالفرق بين حال السير والنزول في المنزل ، إلاّ أ نّه بقرينة

تلك الروايات وبقرينة الخلاف بين السنّة والشيعة في الفرق بين الأمرين يظهر أن سؤال أبي حنيفة ناظر

إلى هذه المسألة أي المنع عن التظليل حال السير وجوازه في الوصول إلى المنزل ، وأبو حنيفة يسأل

نفس السؤال الواقع في تلك الروايات ، وإلاّ فلا نحتمل خصوصية للخباء مقابل المظلة مثلا .

   وبالجملة : لا ريب في اختصاص المنع بحال السير ، فمن وصل مكّة لا يصدق عليه عنوان السير إلى

مكّة ، بل يصدق عليه أ نّه دخل منزله ، فانّ الداخل فيها للحج لا يجوز له الخروج بل هو محتبس

ومرتهن للحج كما هو الصحيح عندنا . هذا كلّه مضافاً إلى السيرة القطعية .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 523 /  أبواب تروك الاحرام ب 66 ح 5 .

ــ[500]ــ

   مسألة 272 : لا بأس بالتظليل للنِّساء والأطفال ، وكذلك للرجال عند الضرورة والخوف من الحر

أو البرد (1) .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

   بل الظاهر عدم الفرق بين الاستظلال بالمظلة ونحوها ، وبين الاستظلال بالظل الثابت كظل العمارات

والسقوف وإن كان الأحوط الاقتصار بالظل الثابت فانّه إمّا جائز بالأصل كما هو المختار وإمّا جائز

لأجل النزول في المنزل ، بخلاف الظل السائر فانّه إنّما يجوز لأجل المنزل ، ولعل السيرة قائمة على

الظل الثابت دون السائر ، إلاّ أنّ النص الدال على جواز الاستظلال في المنزل مطلق يشمل الظل

الثابت والسائر المتحرك معاً .

   (1) أمّا اختصاص الحكم بالرجال وعدم شموله للنِّساء فلعدة من الروايات المعتبرة (1) . مضافاً إلى

التسالم بين الأصحاب وعدم الخلاف .

   وأمّا الصبيان فقد ورد في رواية معتبرة جواز التظليل لهم وهي صحيحة حريز(2) مضافاً إلى أ نّه

متسالم عليه ، ولكن لا حاجة إلى دليل الجواز بالخصوص ، بل لو لم يكن نص في المقام لكان الجواز لهم

على القاعدة ، والوجه في ذلك : أن ما اُمر به الصبيان نفس ما أمر به المكلفون ، ولا فرق في نفس

الطبيعي المأمور به بالنسبة إلى المكلفين وغيرهم شرطاً وجزءاً ومانعاً إلاّ بالوجوب والندب ، فنفس

المأمور به المشتمل على جميع الشرائط والأجزاء واجبة على المكلفين ومندوبة للأطفال ، وأمّا غير ذلك

من الأحكام التكليفية المستقلّة المحضة الّتي ليست شرطاً ولا جزءاً ولا مانعاً فمرفوعة عن الأطفال

لحديث رفع القلم(3) ، وتروك الاحرام غير الجماع غير دخيلة في صحّة الحجّ شرطاً أو جزءاً أو مانعاً

، ولا يضر ارتكابها بالحج أصلاً سوى ارتكاب المحرم محرّماً شرعياً ، فإذا كان المحرم غير مكلف فلا

حرمة عليه ، لأن دليل رفع القلم كاف في رفع هذه الأحكام عنه ، وكما لا يجب عليه هذه الأحكام لا

يجب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 12 : 515 /  أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 1 ، 2 ، 4 ، و ب 65 ح 1

، 2 .

(3) الوسائل 1 : 42 /  أبواب مقدّمة العبادات  ب 4 .

 
 

ــ[501]ــ

   مسألة 273 : كفّارة التظليل شاة ، ولا فرق في ذلك بين حالتي الاختيار والاضطرار ، وإذا تكرر

التظليل فالأحوط التكفير عن كل يوم وإن كان الأظهر كفاية كفّارة واحدة في كل إحرام (1) .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

على الولي ردعه ومنعه من ذلك .

   وكذلك يجوز التظليل للرجال عند الضرورة ولو لشدّة الحر أو البرد كما في النصوص المتظافرة(1).

   (1) وهنا اُمور :

   الأوّل :  لا فرق في ثبوت الكفّارة بين حالتي الاختيار والاضطرار ، فانّ الاضطرار يرفع المنع وأمّا

الكفّارة فغير مرتفعة ، فانّ الكفّارة وإن وردت في النصوص في موارد خاصّة ولكن يظهر منها ملازمة

الكفّارة للتظليل وأنّ التظليل في جميع الموارد لا يفارق الكفّارة ، ويظهر ذلك بوضوح من صحيح علي

بن جعفر «اُظلل وأنا محرم ؟ فقال : نعم ، وعليك الكفّارة» (2) فان قوله : «اُظلل» كما أ نّه مطلق

من حيث الاختيار والاضطرار كذلك مطلق من حيث أسباب الاضطرار ، فيعلم منه أنّ التظليل مطلقاً

من أيّ سبب كان يلازم الكفّارة ، نعم لو صدر التظليل منه عن غير اختيار له بحيث لا يستند التظليل

إليه ، كما إذا حمله شخص إلى الظل فلا تجب الكفّارة عليه ، لعدم استناد الفعل إليه حينئذ ، وأمّا لو

صدر الفعل منه اختياراً ولو للضرورة ولو كانت مثل التقية تجب الكفّارة .

   بل يظهر من بعض الروايات المعتبرة أن ملازمة الكفّارة للتظليل كانت أمراً متسالماً عليه وأمراً

مفروغاً عنه ، ولذا يسأل عن الإمام (عليه السلام) أ نّه يظلل اختياراً ويكفّر زعماً منه أنّ الكفّارة ترفع

الحرمة ، فمنعه (عليه السلام) عن ذلك إلاّ إذا  كان مريضاً ، ففي معتبرة عبدالله بن المغيرة قال : «

قلت لأبي الحسن الأوّل (عليه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 515 /  أبواب تروك الاحرام ب 64 .

(2) الوسائل 13 : 154 /  أبواب بقية كفارات الاحرام ب 6 ح 2 .

ــ[502]ــ

السلام) : اُظلل وأنا محرم ؟ قال : لا ، قلت : أفاُظلل واُكفر ؟ قال : لا ، قلت : فان مرضت ؟ قال :

ظلل وكفر» (1) .

   الثاني :  المشهور أن كفّارة التظليل شاة كما في جملة من الروايات ، وفي بعض الروايات أ نّها دم

يهريقه ، وفي بعضها الآخر أ نّه يتصدق بمد لكل يوم ، وفي بعض الروايات حكم بالكفّارة ولم يذكر

جنسها (2) أمّا ما اشتمل على التصدق بالمد فضعيف سنداً بعلي بن أبي حمزة البطائني ، وأمّا ما دلّ

على مطلق الكفّارة فيحمل على الشاة ، وكذا ما دلّ على مطلق الدم ، فالمتعين بعد حمل المطلقات على

المقيّد هو الشاة وعدم إجزاء غيرها .

   نعم ، في صحيحة علي بن جعفر أن علي بن جعفر نحر بدنة لكفّارة الظل (3) ، ومن ثمّ حمل جملة من

الأصحاب البدنة هنا على الاستحباب ، ولكن الظاهر أ نّه لا وجه له ، بل مقتضى الروايات تعيين

الشاة وعدم إجزاء غيرها ولو كان إبلاً ، وأمّا فعل علي ابن جعفر فغير حجّة ولعله اجتهاد منه غير

متبع عندنا .

   الثالث :  هل تتكرر الكفّارة بتكرر التظليل أم لا ؟ ولا يخفى أن محل الكلام تكرر الكفّارة بتكرر

التظليل في إحرام واحد ، وأمّا إذا كان في إحرامين كاحرام العمرة وإحرام الحجّ فلا كلام في تكرر

الكفّارة ولا وجه للتداخل بعد تعدد السبب ، نظير تعدد كفّارة الصوم لافطار يومين من شهر رمضان

، فالكلام في تكرر التظليل في إحرام واحد ، كما إذا ظلل في إحرام الحجّ متعدداً من سبب واحد أو

من أسباب متعددة .

   مقتضى القاعدة الأولية عدم التداخل ولزوم التعدد ، ولكن هذا مما لا يمكن الالتزام به أبداً ،

للتسالم على عدم تعدد الكفّارة بذلك ، بل يستفاد وحدة الكفّارة ولو تكرر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 516 /  أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 3 .

(2) الوسائل 13 : 154 /  أبواب بقية كفارات الاحرام ب 6 ح 1 ، 3 ، 4 ، 5 ، 8 .

(3) المصدر المتقدِّم ح 2 .

ــ[503]ــ

التظليل من روايات جواز التظليل للشيخ والمريض ، فانّ الشيخ لا ريب أن عذره مستمر وكذلك

المريض الّذي سئل عنه في الروايات ، ولا ريب أن تظليلهم كان يتعدد ويتكرر في يوم واحد ومع ذلك

لم يحكموا (عليهم السلام) عليهم بتعدد الكفّارة . مع أ نّهم (عليهم السلام) في مقام بيان وظيفتهم ،

وإنّما أطلقوا لهم الكفّارة ، ولو كانت تتعدّد بتكرّر التظليل للزم البيان والتنبيه عليه ، ولا فرق قطعاً

بين الشيخ والمريض وغيرهما ممّن يتظلّل متكرّراً .

   على أ نّه يكفينا معتبرة ابن راشد قال : «قلت له (عليه السلام) : جعلت فداك إنّه يشتد علي

كشف الظلال في الاحرام ، لأ نّي محرور يشتد عليّ حر الشمس ، فقال : ظلل وارق دماً ، فقلت له :

دماً أو دمين ؟ قال : للعمرة ؟ قلت : إنّا نحرم بالعمرة وندخل مكّة ونحرم بالحج ، قال : فارق دمين»

(1) فانّها صريحة بتعدد الكفّارة بتعدد الاحرامين ، إحداها لاحرام العمرة والاُخرى لاحرام الحجّ ،

ويستفاد منها وحدة الكفّارة مع تكرّر التظليل إذا  كان في إحرام واحد .

   ولا وجه لمناقشة السند لوقوع محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني فيه فانّه ثقة جليل كما وثقه

النجاشي (2) وغيره ، ولا يعارض ذلك تضعيف الشيخ(3) إيّاه ، فان تضعيفه مبني على استثناء ابن

الوليد والصدوق رواياته عن خصوص يونس بطريق منقطع أو ما ينفرد بروايته عنه في كتاب نوادر

الحكمة ، فتخيل الشيخ أن استثناءهما لرواياته عن يونس ناشئ من تضعيفهما له ، مع أ نّه لم يظهر لا

من ابن الوليد ولا من الصدوق تضعيف محمّد بن عيسى نفسه ولم يناقشا فيه . والّذي يكشف عن

ذلك أنّ الصدوق تبع شيخه في الاستثناء المزبور فلم يرو في الفقيه ولا رواية واحدة عن محمّد ابن

عيسى عن يونس ، ولكن قد روى عنه عن غير يونس في نفس كتاب الفقيه في المشيخة في نيف

وثلاثين مورداً ، ولو كان محمّد بن عيسى بنفسه ضعيفاً لما روى عنه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 13 : 156 /  أبواب بقية الكفّارات ب 7 ح 1 .

(2) رجال النجاشي : 333 .

(3) الفهرست : 140  [ 896 ] .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net