ــ[45]ــ
مسألة 303 : اعتبر المشهور في الطّواف أن يكون بين الكعبة ومقام إبراهيم (عليه السلام) ويقدّر
هذا الفاصل بستّة وعشرين ذراعاً ونصف ذراع ، وبما أن حجر إسماعيل داخل في المطاف فمحل
الطّواف من الحجر لا يتجـاوز ستّة أذرع ونصف ذراع ، ولكن الظاهر كفاية الطّواف في الزائد على
هذا المقدار أيضاً ، ولا سيما لمن لايقدر على الطّواف في الحد المذكور، أو أ نّه حرج عليه، ورعاية
الاحتياط مع التمكّن أولى (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــ
وأمّا اعتبار التوالي بين الأشواط ، فلأنّ الطّواف عمل واحد مركب من أشواط سبعة ، وليس كل
شوط عملاً مستقلاًّ ، فحاله حال سائر الأعمال ، والعمل الواحد المركب من أجزاء غير متماثلة
كالصلاة ، أو المركب من أجزاء متماثلة كالطواف المركب من الأشواط إذا اُمر به يفهم العرف إتيانه
متوالياً من دون فصل بين الأجزاء ، وإلاّ فلا يصدق العمل الواحد المأمور به على ما أتى به ، كما إذا
أتى بشوط من الطّواف ثمّ بعد عشر ساعات أتى بشوط آخر ، كما هو الحال في الصلاة والأذان
والاقامة ، بل حتّى العقود وغير ذلك من الأعمال المركبة ، ومما ذكرنا ظهر اعتبار التوالي في نفس
الشوط الواحد وإلاّ فلا يصح الطّواف .
(1) المعروف والمشهور بين الأصحاب وجوب كون الطّواف بين الكعبة وبين المقام مراعياً ذلك
القدر من البعد في جميع أطراف البيت حتّى جهة حجر إسماعيل ، ولذا يضيق المطاف حينئذ من تلك
الجهة ويكون قريباً من ستّة أذرع ونصف ذراع، ويقرب في سائر الجوانب بستّة وعشرين ذراعاً
ونصف ذراع .
ويدل على مذهب المشهور ما رواه الكليني عن محمّد بن مسلم قال : «سألته عن حدّ الطّواف
بالبيت الّذي من خرج عنه لم يكن طائفاً بالبيت ، قال : كان الناس على عهد رسول الله (صلّى الله
عليه وآله) يطوفون بالبيت والمقام ، وأنتم اليوم تطوفون ما بين المقام وبين البيت ، فكان الحد موضع
المقام ، فمن جازه فليس بطائف ، والحد قبل اليوم واليوم واحد قدر ما بين المقام وبين البيت من
نواحي البيت كلّها ، فمن طاف
ــ[46]ــ
فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفاً بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد لأ نّه طاف في
غير حد ولا طواف له»(1) والرواية صريحة في مذهب المشهور ولكنّها ضعيفة سنداً ، لأن في طريقها
ياسين الضرير وهو غير موثق ، وقد ذكرنا غير مرّة أنّ الانجبار مما لا أساس له عندنا .
ونسب إلى ابن الجنيد أ نّه جوّز الطّواف خارج المقام ومن خلفه عند الضرورة(2) ، وعن الصدوق
الجواز مطلقاً ولو اختيارا (3) .
ويظهر الميل إليه من المختلف(4) والتذكرة(5) والمنتهى(6) كما يظهر الميل من صاحب المدارك(7)
، وهو الصحيح .
ويدل عليه صحيحة الحلبي قال «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الطّواف خلف المقام ، قال :
ما اُحب ذلك وما أرى به بأساً فلا تفعله إلاّ أن لا تجد بدّاً»(8) وصريح الرواية الجواز على المرجوحية
الّتي ترتفع عند الاضطرار ، فلا بأس بالعمل بها كما عن الصدوق الإفتاء بمضمونها .
فالمتحصل : أنّ الطّواف بالنسبة إلى البُعْد والقُرْب إلى الكعبة غير محدّد بحد ، بل العبرة بصدق
الطّواف حول البيت عرفاً وإن كان خلف المقام .
نعم ، لو طاف خارج المسجد كالشوارع المحيطة بالمسجد أو نفس المسجد ولكن في مكان بعيد جدّاً
عن الكعبة بحيث لا يصدق عليه الطّواف حول البيت لا يجتزأ به قطعاً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 13 : 350 / أبواب الطّواف ب 28 ح 1 ، الكافي 4 : 413 / 1 .
(2) حكاه عنه في المختلف 4 : 200 [ مسألة 154 ] .
(3) الفقيه 2 : 249 / 1200 .
(4) المختلف 4 : 200 [ مسألة 154 ] .
(5) التذكرة 8 : 93 .
(6) المنتهى 2 : 691 السطر 12 .
(7) المدارك 8 : 131 .
(8) الوسائل 13 : 351 / أبواب الطواف ب 28 ح 2 .
|