استثناء النِّساء والصبيان والشيوخ وغيرهم - الوقوف الاضطراري 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4851


   مسألة 375 : من وقف في المزدلفة ليلة العيد وأفاض منها قبل طلوع الفجر جهلاً منه بالحكم صحّ

حجّه على الأظهر ، وعليه كفارة شاة (2) .

   مسألة 376: من لم يتمكن من الوقوف الاختياري ـ الوقوف فيما بين الطلوعين ـ في المزدلفة

لنسيان أو لعذر آخر أجزأه الوقوف الاضطراري ـ  الوقوف وقتاً ما  ـ بعد طلوع الشمس إلى زوال

يوم العيد ، ولو تركه عمداً فسد حجّه (3) .

 

ـــــــــــــــــــــــــ
   (2) قد ذكرنا حكم هذه المسألة عند البحث عن المسألة 373 فلا نعيد .

   (3) قد عرفت أن الوقت الاختياري للمشعر من طلوع فجر يوم العيد إلى طلوع الشمس ، وأمّا

الاضطراري فيمتد إلى زوال الشمس من يوم النحر ، للنصوص الكثيرة المعتبرة(3) وحكى ابن إدريس

عن السيد امتداد وقت المضطر إلى الغروب(4) وأنكر العلاّمة هذه النسبة أشدّ الانكار(5) وكيف

كان فلا دليل على الامتداد إلى الغروب .

ـــــــــــــــ
(3) الوسائل 14 : 37 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 .

(4) السرائر 1 : 619 .

(5) المختلف 4 : 264 .

ــ[211]ــ


إدراك الوقوفين أو أحدهما

   تقدّم أن كلاًّ من الوقوفين ـ الوقوف في عرفات والوقوف في المزدلفة ـ ينقسم إلى قسمين :

اختياري واضطراري ، فاذا أدرك المكلف الاختياري من الوقوفين كليهما فلا إشكال ، وإلاّ فله حالات

:

   الاُولى : أن لا يدرك شيئاً من الوقوفين : الاختياري منهما والاضطراري أصلاً ففي هذه الصورة

يبطل حجّه ويجب عليه الاتيان بعمرة مفردة بنفس إحرام الحج ويجب عليه الحج في السنة القادمة فيما

إذا كانت استطاعته باقية أو كان الحج مستقراً في ذمته .

   الثانية : أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات والاضطراري في المزدلفة .

   الثالثة : أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات والاختياري في المزدلفة، ففي هاتين الصورتين

يصحّ حجّه بلا إشكال .

   الرابعة : أن يدرك الوقوف الاضطراري في كل من عرفات والمزدلفة ، والأظهر في هذه الصورة

صحّة حجّه وإن كان الأحوط إعادته في السنة القادمة إذا بقيت شرائط الوجوب أو كان الحج مستقراً

في ذمته .

   الخامسة : أن يدرك الوقوف الاختياري في المزدلفة فقط، ففي هذه الصورة يصح حجّه أيضاً .

   السادسة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في المزدلفة فقط ، ففي هذه الصورة لا تبعد صحّة الحج ،

إلاّ أن الأحوط أن يأتي ببقية الأعمال قاصداً فراغ ذمّته عما تعلق بها من العمرة المفردة أو إتمام الحج ،

وأن يعيد الحج في السنة القادمة .

   السابعة : أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات فقط ، والأظهر في هذه الصورة بطلان الحج

فينقلب حجّه إلى العمرة المفردة ، ويستثنى من ذلك ما إذا

ــ[212]ــ

وقف في المزدلفة ليلة العيد وأفاض منها قبل الفجر جهلاً منه بالحكم كما تقدّم ولكنه إن أمكنه الرجوع

ولو إلى زوال الشمس من يوم العيد وجب ذلك وإن لم يمكنه صح حجّه وعليه كفارة شاة .

   الثامنة : أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات فقط ، ففي هذه الصورة يبطل حجّه فيقلبه إلى

العمرة المفردة (1) .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

   (1) اعلم أن لكل من الوقوفين ـ الوقوف بعرفة والوقوف بالمشعر الحرام ـ وقت اختياري ووقت

اضطراري ، فيكون المجموع أربعة أوقات . أمّا الموقف الاختياري لعرفة فقد عرفت أنه من زوال يوم

التاسع من ذي الحجة الحرام إلى الغروب ، والموقف الاضطراري منها هو الوقوف برهة من ليلة العيد

، والموقف الاختياري للمشعر من طلوع الفجر يوم العيد إلى طلوع الشمس ، والاضطراري من

طلوع شمس يوم العيد إلى زواله كما في النصوص الكثيرة (1) ونسب إلى السيد المرتضى (قدس سره)

امتداده إلى الغروب من يوم العيد(2) ولا دليل عليه بل لم تثبت النسبة إليه كما تقدّم قريباً .

   إذا عرفت ذلك فحاصل الأقسام المتصورة لدرك الموقفين كالآتي :

   فان المكلف قد يدرك الموقفين الاختياريين، وقد يدرك الاضطراريين، وقد يدركهما مختلفين ، وقد

يدرك أحدهما الاختياري أو الاضطراري لكل منهما من دون أن يدرك الموقف الآخر ، فيكون الوقوف

الانفرادي أربعة كما أن الوقوف الامتزاجي التركيبي بين الوقوفين أربعة ، وإذا أضفت إليها صورة عدم

إدراكه لشيء من الموقفين لا الاختياري ولا الاضطراري تكون الأقسام تسعة ، فنقول :

   قد نفرض أن الناسك لايدرك شيئاً  من الموقفين لا الاختياري منهما ولا الاضطراري أصلاً، ففي

هذه الصورة لا ريب في بطلان حجّه ويكون ممّن فاته الحج ووظيفته

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 37 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 .

(2) تقدم مصدره في ص 210 .

ــ[213]ــ

الاتيان بعمرة مفردة ، وعليه الحج في السنة الآتية فيما إذا كانت استطاعته باقية أو كان الحج مستقرّاً

عليه ، وتدل عليه عدّة من النصوص :

   منها : صحيح الحلبي قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من

عرفات ـ إلى أن قال ـ فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج

من قابل» (1) .

   ومنها : صحيحة معاوية بن عمار ، وغيرهما من الروايات (2) .

   وقد نفرض أن الناسك يدرك الوقوف ففيه صور :

   فقد يدركهما معاً الاختياريين أو الاضطراريين أو اختياري عرفة واضطراري مشعر أو بالعكس ـ

أي اضطراري عرفة واختياري مشعر ـ فهذه أربع صور لصورة الامتزاج والتركيب بين الوقوفين .

   وأمّا صور الانفراد فهي أربعة أيضاً ، لأنه قد يقف الموقف الاختياري لعرفة فقط وقد يدرك الموقف

الاختياري للمشعر فقط، وقد يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات فقط ، وقد يدرك الموقف

الاضطراري في المزدلفة فقط .

   فان أدرك المشعر الاختياري فصوره ثلاثة ، لأنه قد يدرك الموقف الاختياري لعرفة أيضاً ، وقد يدرك

الموقف الاضطراري لعرفات وقد لا يدرك شيئاً من الوقوف في عرفات لا الاختياري ولا الاضطراري ،

   أمّا إذا أدرك الوقوفين الاختياريين فلا ريب في الصحة ، وهذه هي القدر المتيقن من الحكم بالصحة

ولا حاجة إلى التكلم والبحث عنه .

   وأمّا إذا ضم إليه الموقف الاضطراري لعرفة أو لم يقف في عرفات أصلاً لا الموقف الاختياري ولا

الاضطراري فلا ريب في الحكم بالصحة فيهما أيضاً ، للنصوص الدالة على أن من أتى المزدلفة قبل

طلوع الشمس فقد أدرك الحج ولا عمرة له (3) ،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 36 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 2 .

(2) الوسائل 14 : 48 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ، 27 .

(3) الوسائل 14 : 37 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 .

ــ[214]ــ

   وقد يدرك الموقف الاضطراري للمشعر فهذا أيضاً له صور ثلاث ، لأنه قد يقف في عرفات الموقف

الاختياري منها وقد يقف الموقف الاضطراري لعرفة وقد لا يقف في عرفات أصلاً لا الاختياري ولا

الاضطراري .

   أمّا إذا وقف الموقف الاضطراري في المشعر فقط فمقتضى إطلاق جملة من الروايات المعـتبرة بل

الآية الكريمة بطلان الحج إذا لم يدرك المشعر قبل طلوع الشمس كما في صحيحة الحلبي «فقد تم حجّه

إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس ، فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته

الحج فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل» (1) وأنه إذا أتى المشعر وقد طلعت الشمس من

يوم النحر فليس له حج ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل (2) .

   كما أن مقتضى إطلاق قوله تعالى : (فَإذا أفَضْتُم مِن عَرَفات فَاذْكُروا اللهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرام ـ إلى

أن قال ـ ثُمَّ أفِيضُوا مِن حيثُ أفاضَ النّاس)(3) وجوب درك المشعر عندما يقف الناس فيه ويفيضون

إليه ، ومن المعلوم أن الناس كانوا يقفون إلى طلوع الشمس ، فمقتضى إطلاق هذه الأدلة بطلان الحج

وفساده لو لم يدرك المشعر الاختياري ، فلو كنّا نحن وهذه الأدلة لحكمنا بالفساد إلاّ إذا كان في البين

دليل خاص على خلافه .

   ولكن قد وردت روايات كثيرة على أن من أدرك المشعر قبل زوال الشمس فقد صح حجّه وتم ،

ففي صحيح جميل عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس

فقد أدرك الحج» (4) فيحصل التعارض بين الطائفتين ، لأن الطائفة الاُولى تدل على أنه من لم يدرك

المشعر إلى طلوع الشمس فلا حج له ، والثانية تدل على امتداد الوقت إلى زوال الشمس من يوم

العيد وأنه لو أدرك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 36 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 2 .

(2) الوسائل 14 : 37 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 .

(3) البقرة 2 : 198 .

(4) الوسائل 14 : 40 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 8 .

ــ[215]ــ

المشعر قبل زوال الشمس فقد أدرك المشعر ، ولا ينبغي الريب في عدم جواز تأخير الوقوف اختياراً إلى

الزوال ، وما دل على الامتداد إلى الزوال لا يشمل المتعمد لكلمة «من أدرك» في هذه الروايات ، فان

الظاهر من هذه الكلمة هو التأخير عن عذر كما ذكرنا في باب الصلاة في قوله : «من أدرك ركعة من

الوقت»(1) .

وأمّا التأخير عن عذر فقد عرفت أن مقتضى الطائفة الاُولى من الروايات الموافقة للكتاب العزيز هو

فساد الحج، ومقتضى الثانية هو الصحة وقد ذهب المشهور إلى البطلان، إلاّ أن جماعة من القدماء كابن

الجنيد(2) والصدوق(3) والمرتضى(4) وجماعة من المتأخرين كصاحب المدارك(5) والشهيد الثاني(6)

اختاروا الصحة .

   فان قلنا بالتعارض بين الطائفتين فالصحيح ما ذهب إليه المشهور من الحكم بالبطلان، لأن الترجيح

بالكتاب إنما هو للطائفة الاُولى . ولكن بعد التأمل في جملة من الروايات يتبيّن أنه لا معارضة بين

الطائفتين ، بيان ذلك :

   إن كلاًّ من الطائفتين باعتبار اشتماله على قوله «من أدرك» حيث يظهر من إحداهما امتداد الموقف

إلى طلوع الشمس مطلقاً حتى للمعذور ، بينما يظهر من الاُخرى امتداد الموقف إلى زوال الشمس من

يوم النحر على الاطلاق فالمعارضة بينهما ظاهرة ، ولكن عدة منها ظاهرة في امتداد الموقف إلى الزوال

للمعذور وغير المتمكن ، فتكون هذه الروايات شاهدة للجمع بين الطائفتين ، بحمل الطائفة الاُولى على

امتداد الموقف إلى طلوع الشمس للمختار ، وحمل الطائفة الثانية الدالة على امتداد الموقف إلى زوال

الشمس من يوم العيد على المعذور وغير المتمكن ، ففي الحقيقة تكون الروايات على طوائف ثلاث :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تعرّض لهذه القاعدة ـ  قاعدة من أدرك  ـ في ذيل المسألة [ 1190 ]  فلاحظها .

(2) حكاه في المختلف 4 : 263 / 216 .

(3) علل الشرائع : 451 .

(4) الانتصار : 234 .

(5) المدارك 7 : 407 .

(6) المسالك 2 : 277 .

ــ[216]ــ

   الاُولى : ما دلّت على امتداد الموقف إلى طلوع الشمس مطلقاً  كصحيحة الحلبي المتقدمة .

   الثانية : ما دلّت على امتداد الموقف إلى الزوال من يوم العيد على الاطلاق كصحيحة جميل

المذكورة .

   الثالثة : ما دلّت على امتداد الموقف إلى الزوال للمعذور كما سنذكرها ، فتكون هذه الطائفة

شاهدة للجمع بين الطائفتين المتقدمتين .

   فمن جملة هذه الروايات معتبرة عبدالله بن المغيرة ، قال : «جائنا رجل بمنى فقال : إني لم اُدرك الناس

بالموقفين جميعاً ، فقال له عبدالله بن المغيرة : فلا حج لك ، وسأل إسحاق بن عمار فلم يجبه فدخل

إسحاق بن عمار على أبي الحسن (عليه السلام) فسأله عن ذلك ، فقال : إذا أدرك مزدلفة فوقف بها

قبل أن تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج»(1) فانها واضحة الدلالة في فوت الموقفين على

الرجل عن عذر وعن غير اختيار ، وصريحة في امتداد الموقف للمعذور إلى الزوال .

   وأوضح من ذلك : معتبرة الفضل بن يونس ، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل

عرض له سلطان فأخذه ظالماً له يوم عرفة قبل أن يعرف ، فبعث به إلى مكة فحبسه ، فلمّا كان يوم

النحر خلى سبيله كيف يصنع ؟ فقال : يلحق فيقف بجمع ، ثم ينصرف إلى منى فيرمي ويذبح ويحلق

ولا شيء عليه» الحديث (2) .

   فظهر أن الصحيح ما ذهب إليه بعض القدماء وبعض المتأخرين من الاجتزاء بالموقف الاضطراري في

المزدلفة للمعذور وإن لم يدرك موقفاً آخر ، فان تم الحكم بالصحة في درك الوقوف الاضطراري في

المزدلفة فقط فيتمّ الحكم بالصحة في القسمين الأخيرين بالأولوية ، وهما ما لو أدرك اضطراري عرفة أو

أدرك اختياري عرفة منضماً إلى الوقوف الاضطراري للمشعر الحرام .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 39 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 6 .

(2) الوسائل 13 : 183 / أبواب الاحصار والصد ب 3 ح 2 .

ــ[217]ــ

   فتحصل : أن من أدرك موقف المشعر الاختياري صح حجّه على جميع التقادير سواء وقف اختياري

عرفة أو اضطراريها أو لم يدرك شيئاً منهما ، ولا يضرّه فوت الموقف الاختياري أو الاضطراري

لعرفات . وأمّا من أدرك الوقوف الاضطراري في المشعر الحرام فقط ، فصوره كما عرفت ثلاث ، لأنه

تارة يقتصر على ذلك ولم يدرك اختياري عرفة ولا الاضطراري منها ، واُخرى يدرك اختياري عرفة

أيضاً ، وثالثة : يدرك اضطراري عرفة ، وقد تقدم الكلام في الصورة الاُولى وعرفت أن المعروف بين

الأصحاب هو بطلان الحج وعدم الاكتفاء بالموقف الاضطراري للمشعر وحده، ولكن الأظهر تبعاً

لجماعة آخرين من القدماء والمتأخرين هو الصحة ، وذكرنا أن الروايات وإن كانت متعارضة ولكن

روايتي ابن المغيرة وابن يونس المتقدمتين تدلاّن على الصحة في فرض العذر ، فتحمل روايات البطلان

على صورة التمكّن ، وأمّا الصورتان الأخيرتان فيحكم عليهما بالصحة بالأولوية القطعية .

   وأمّا إذا قلنا بمقالة المشهور وحكمنا بالبطلان في صورة درك الموقف الاضطراري للمشعر وحده ،

فيقع الكلام في درك الوقوف الاختياري في عرفات مع درك الاضطراري للمشعر .

   فالمعروف هو الحكم بالصحة ، وتدل على ذلك صحيحة معاوية بن عمار قال : «قلت لأبي عبدالله

(عليه السلام) ما تقول في رجل أفاض من عرفات فأتى منى ؟ قال : فليرجع فيأتي جمعاً فيقف بها وإن

كان الناس قد أفاضوا من جمع» (1) وصحيحة يونس بن يعقوب قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه

السلام) رجل أفاض من عرفات فمرّ بالمشعر فلم يقف حتى انتهى إلى منى فرمى الجمرة ولم يعلم حتى

ارتفع النهار ، قال : يرجع إلى المشعر فيقف به ثم يرجع ويرمي الجمرة» (2) . فانهما صريحان في إجزاء

اختياري عرفة واضطراري المشعر منضماً .

   وأمّا لو أدرك اضطراري عرفة واضطراري المشـعر فقد اختلفت كلماتهم ، فذهب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 14 : 35 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 2 ، 3 .

ــ[218]ــ

بعضهم إلى الفساد وبعضهم إلى الصحة ، وهو الحق ، لصحيح العطّار الوارد فيه بالخصوص عن أبي

عبدالله (عليه السلام) قال : «إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر ، فأقبل من عرفات ولم يدرك

الناس بجمع ووجـدهم قد أفاضوا فليقف قليلاً بالمشعر الحرام ، وليلحق الناس بمنى ولا شيء عليه»

(1) .

   ولكن الأحوط استحباباً خروجاً من الخلاف إعادة الحج في السنة القادمة إذا بقيت شرائط الوجوب

، أو كان الحج مستقراً في ذمته .

   بقي هنا فرضان آخران :

   أحدهما : من لايدرك شيئاً من الوقوف بالمشعر لا الاختياري منه ولا الاضطراري وإنما يدرك

الوقوف الاضطراري في عرفات فقط ، ففي هذه الصورة لا ريب في بطلان الحج ، للروايات المتقدمة

الدالّة على أنّ مَن لم يدرك المشعر إلى طلوع الشمس أو إلى زوال يوم العيد فقد فاته الحج ولا حج له

، وليس في البين ما يدل على الصحة .

   ثانيهما : من أدرك اختياري عرفة خاصة ولم يدرك شيئاً من المشعر الحرام ففيه خلاف، فعن المشهور

الصحة وعن العلامة البطلان، لأن مقتضى إطلاق من لم يدرك المشعر فقد فاته الحج هو الفساد، ولا

دليل على الاجتزاء بالوقوف الاختياري في عرفات خاصّة (2) وما اختاره العلاّمة هو الصحيح ،

لانتفاء ما يدل على الصحة بدرك اختياري عرفة وحده ، والروايات صريحة في أنّ من فاته المشعر فقد

فاته الحج .

   نعم ، بقي هنا صورة واحدة ، وهي ما لو أدرك اختياري عرفة وأفاض من عرفات ومرّ بالمزدلفة ولم

يقف فيها وأفاض منها قبل الفجر جهلاً بالحكم بوجوب الوقوف في المزدلفة أو جهلاً بالموضوع حتى

أتى منى ، فان علم بعد ذلك وأمكنه الرجوع ولو إلى زوال الشمس من يوم العيد وجب كما عرفت

ويكون ممن أدرك اختياري عرفة واضطراري المشعر ، وإن لم يمكنه ذلك صحّ حجّه وعليه دم شاة كما

في صحيح

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 44 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 24 ح 1 .

(2) منتهى المطلب 2 : 728  السطر 12 .

ــ[219]ــ

مسمع(1) ويكتفي بمجرّد المرور والعبور عن المزدلفة وإن لم يكن بقصد الوقوف .

   ويدل على الصحة أيضاً ما رواه الكليني باسناد صحيح عن محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبدالله

(عليه السلام) «أنه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى أتى منى ، قال : ألم ير الناس ؟ ألم

ينكر (يذكر) منى حين دخلها ؟ قلت : فانه جهل ذلك قال : يرجع ، قلت : إن ذلك قد فاته ، قال :

لا بأس به» (2) ويلحق بالجاهل الناسي وغيره من المعذورين ، ولا نحتمل اختصاص الحكم بالصحة في

هذا الفرض بالجاهل .

   ولكن في خبر محمد بن حكيم قيّد الصحة والاجتزاء بما إذا ذكر الله في المشـعر الحرام(3) إلاّ أنه لا

نلتزم بهذا التقييد ، لأن الرواية ضعيفة بمحمد بن حكيم ، إذ لم يرد فيه توثيق وإن كان ممدوحاً من

حيث المناظرة وعلم الكلام .

   ولكن هنا إشكالاً في سند رواية الخثعمي المتقدمة تقدم في روايات جميل وابن أبي نجران ، وهو أن

الكليني روى الرواية عن الصادق (عليه السلام) مسنداً (4) ورواها الشيخ مرسلاً (5) ومن المستبعد

جداً أن الخثعمي يروي الرواية لابن أبي عمير تارة مرسلاً عن الصادق كما في التهذيب والاستبصار(6)

واُخرى مسنداً عن الصادق (عليه السلام) فلا نعلم أن الرواية رويت بطريق صحيح أو ضعيف . وبما

ذكرنا ظهر حكم جميع الصور الثمانية .

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 27 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 16 ح 1 .

(2) ، (3) الوسائل 14 : 47 / أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 6 ، 3 .

(4) الكافي 4 : 473 / 5 .

(5) التهذيب 5 : 292 / 992 .

(6) الاستبصار 2 : 305 / 1091 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net