الكلام في وجوب تثليث الهدي - هل يجب التثليث بنسبة متساوية ؟ 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3660


   ولا ريب أن ظاهر هذه الأوامر هو الوجوب ولا وجه لرفع اليد عنه ، فحمل الأمر الواقع في

الكتاب والسنة على الجواز بالمعنى الأعم ـ أي الاستحباب ـ كما صنعه في الجواهر بدعوى أن الأمر

صدر في مقام توهم الحظر ، خصوصاً بعد أن كان المحكي عن الجاهلية تحريم ذلك على أنفسهم كما

حكاه الزمخشري في الكشاف عنهم (2) فيكون الأمر بالأكل حينئذ ظاهراً في مطلق الاباحة ورفع

الحظر ، مما لا وجه له ، إذ يرد عليه :

   أوّلاً : أنه لم يثبت ما حكاه الزمخشري عن أهل الجاهلية .

   وثانياً : أن الدين الاسلامي كان ناسخاً لأحكام الجاهلية ، ومجرّد الحرمة عند أهل الجاهلية لا يوجب

رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب ، ولا يوجب وقوع الأمر في مقام توهّم الحظر حتى لا يكون

الأمر ظاهراً في الوجوب .

   وحيث إن المشهور على الخلاف لذا قلنا بالاحتياط .

   الثاني : هل يجب تثليث الهدي ، بأن يعطي مقداراً منه صدقة ومقداراً منه هدية ويأكل الناسك

مقداراً منه ، أم يقسم قسمان الصدقة والأكل منه ولا يجب الاهداء ؟

   ذهب جماعة إلى التقسيم بأقسام ثلاثة : الصدقة والاهداء والأكل منه ، وخالفهم ابن إدريس

واكتفى بالصدقة والأكل منه ولم يذكر الاهداء بل خصه بالاُضحية (3) .

   والصحيح وجوب صرفه في جهات ثلاث ، ويمكن الاستدلال لذلك بنفس الآية الشريفة ، فان

التصدق دل عليه قوله تعالى : (وَأطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِير)(4) وأمّا

ــــــــــــــ
(2) الكشاف 3 : 11 .

(3) السرائر 1 : 598 .

(4) الحج 22 : 28 .

ــ[311]ــ

الاهداء فيدل عليه قوله تعالى : (وَأطْعِمُوا القَانِعَ وَالمُعْتَرّ)(1) . بناء على أن القانع والمعتر لم يعتبر فيهما

الفقر كما عن أهل اللغة(2) فانهم فسروا القانع بالذي يرضى ويقتنع إذا اُعطي ، والمعتر بالمتوقع الذي

يعتري ويتعرّض ولا يسأل وهو أغنى من القانع كالأهل والجوار الذين يتوقعون من شخص وإن لم

يكونوا فقراء ولم يأخذوا فيهما الفقر، وظاهر تفسيرهم عدم اعتبار الفقر فيهما، فهما في قبال الفقير

ويصدقان على الغني أيضاً . ويؤكده جعل المساكين في قبالهما في بعض الروايات المعتبرة كصحيحة

سيف الآتية ، فنفس الآية الكريمة متكفلة للتقسيم الثلاثي بين الصدقة والاهداء والأكل .

   نعم ، لو قلنا بمقالة المشهور وأن القانع والمعتر قسمان من الفقير لا قسيمان له ، فلا دلالة في  الآية

على وجوب الاهداء ، فيثبت كلام ابن إدريس وغيره من الاكتفاء بالتصدق والأكل، ولكن الظاهر

هو القول المشهور إذ لم يثبت أخذ عنوان الفقر في القانع والمعتر .

   الثالث : بعد الفراغ من لزوم التقسيم الثلاثي فهل يجب التثليث بالنسبة المتساوية بأن يتصدّق

بالثلث ويهدي ثلثاً كاملاً ويأكل من الثلث الباقي ، أم اللاّزم مجرّد التقسيم الثلاثي ولو بالتفاوت

وبزيادة بعض الحصص على حصة اُخرى ؟

   ظاهر المشهور هو التقسيم الثلاثي بالنسبة المتساوية كما في الشرائع(3) واختاره صاحب
الجواهر(4). وربما يقال بأن ذلك لا يستفاد من الآية ، فان المستفاد منها هو التقسيم إلى جهات ثلاث

، وأمّا كون الحصص متساوية فلا تدلّ عليه الآية ، فالتفاوت بينها جائز .

   ولكن المحكي عن جماعة ومنهم الأردبيلي (قدس سره) (5) أنه يلزم التساوي في الحصص فيعطى

لكل طائفة ثلث منه ، إلاّ أنه لم يرد فيه رواية مصرحة بذلك في هدي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحج 22 : 36 .

(2) القاموس المحيط 3 : 76 ، 2 : 87 .

(3) الشرائع 1 : 298 .

(4) الجواهر 19 : 157 .

(5) مجمع الفائدة والبرهان 7 : 286 ،

ــ[312]ــ

التمتّع الذي هو محل الكلام .

   نعم ، ورد في صحيحة شعيب العقرقوفي قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) سقت في العمرة

بدنة فأين أنحرها ؟ قال: بمكة، قلت: أيّ شيء اُعطي منها؟ قال: كل ثلثاً ، وتصدق بثلث» (1) .

   وفي صحيحة سيف التمار قال: «قال أبو عبدالله (عليه السلام): إن سعيد بن عبدالملك قدم حاجاً

فلقي أبي فقال: إني سقت هدياً فكيف أصنع ؟ فقال له أبي : أطعم أهلك ثلثاً وأطعم القانع والمعتر ثلثاً

، وأطعم المساكين ثلثاً ، فقلت : المساكين هم السُؤّال؟ فقال: نعم، وقال: القانع الذي يقنع بما أرسلت

إليه من البضعة فما فوقها، والمعتر ينبغي له أكثر من ذلك وهو أغنى من القانع يعتريك فلا

يسألك»(2).

   فان مورد الأول وإن كان العمرة التي تساق فيها البدنة ولو ندباً ، ومورد الثاني هو حج القران

ومحل كلامنا هو حج التمتّع ، إلاّ أن التقسيم المذكور في الروايتين إشارة إلى ما في القرآن المجيد ،

ويظهر من ذلك بوضوح أن المراد من القرآن هو التقسيم بنسبة متساوية بلا تفاوت بين الحصص ،

لأن ما في القرآن مطلق من حيث حج التمتّع أو القران أو العمرة ، فان المتفاهم منه جريان هذا الحكم

في كل ما يعتبر فيه الهدي .

   ثم إنّ الأمر بالأكل من الثلث أعم من أن يأكل منه بنفسه ويأكل معه غيره ، لعدم إمكان أكل الثلث

بتمامه لشخص واحد غالباً ، وقد صرّح في صحيح سيف التمار المتقدم «وأطعم أهلك ثلثاً» .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 165 / أبواب الذبح ب 40 ح 18 .

(2) الوسائل 14 : 160 / أبواب الذبح ب 40 ح 3 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net