تعارض الروايات في جواز تقديم الطواف على الوقوفين - استثناء ذوي الأعذار من حرمة تقديم الطواف 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4942


ــ[345]ــ

   مسألة 412 : لا يجوز في حج التمتّع تقديم طواف الحج وصلاته والسّعي على الوقوفين، ويستثنى

من ذلك الشيخ الكبير والمرأة التي تخاف الحيض والمريض [ (1)  ] فيجوز لهم تقديم الطّواف وصلاته

على الوقوفين (1)

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

فالقول بالامتداد إلى آخر شهر ذي الحجة هو الصحيح .

   (1) المعروف والمشهور بين الفقهاء عدم جواز تقديم طواف الحج وسعيه على الوقوفين ومناسك يوم

النحر للمتمتع اختياراً إلاّ للعاجز، بخلاف القارن والمفرد فيجوز لهما التقديم .

   بل ذكر في الجواهر الاجماع بقسميه وأن المحكي منهما مستفيض أو متواتر (2) وعن المحقق (3)

والعلاّمة (4) نسبته إلى إجماع العلماء كافة ، واستقرب السيد في المدارك الجواز مطلقاً (5) وتوقف

فيه صاحب الحدائق (6).

   فلابدّ من ملاحظة الروايات ، فقد ورد في عدة من الروايات جواز تقديمهما على الوقوفين وقبل أن

يخرج من مكة إلى عرفات ومنى ،

   فمنها : صحيحة ابن بكير وجميل جميعاً ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنهما سألاه عن المتمتع يقدّم

طوافه وسعيه في الحج ، فقال : هما سيان قدّمت أو أخّرت (7) .

   ومنها : صحيحة حفص بن البختري «في تعجيل الطّواف قبل الخروج إلى منى فقال : هما سواء أخّر

ذلك أو قدّمه ، يعني للمتمتع» (8) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

[ 1 ] حُذفت كلمة «المريض» من المناسك ط 12 .

(2) الجواهر 19 : 391 .

(3) المعتبر 2 : 794 .

(4) المنتهى 2 : 708 السطر 26 .

(5) المدارك 8 : 188 .

(6) الحدائق 17 : 247 .

(7) الوسائل 11 : 280 / أبواب أقسام الحج ب 13 ح 1 .

(8) الوسائل 13 : 416 / أبواب الطّواف ب 64 ح 3 .

ــ[346]ــ

   ومنها : ما رواه صفوان عن عبدالرحمن بن الحجاج في الصحيح ، قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه

السلام) عن الرجل يتمتع ثم يهلّ بالحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى منى

، فقال : لا بأس» (1) .

   وروى صفوان أيضاً عن عبدالرحمن بن الحجاج عن علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن (عليه

السلام) وذكر مثله(2) . والظاهر أنهما رواية واحدة ، إذ من المستبعد جداً أن عبدالرحمن يروي

لصفوان تارة بلا واسطة عن موسى بن جعفر (عليه السلام) واُخرى مع واسطة علي بن يقطين ، فذكر

علي بن يقطين في إحدى الروايتين زائد أو ناقص في الخبر الآخر ، وكيف كان لا ريب في صحة السند

ووضوح الدلالة .

   وبازاء هذه الروايات عدة من الروايات التي تدل على عدم جواز تقديم الطّواف على الوقوفـين

إلاّ للخائف والمرأة التي تخاف أن يسبقها الحيض ونحو ذلك من ذوي الأعذار كالمريض والمعلول .

   فمنها : صحيح الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «لا بأس بتعجيل الطّواف للشيخ الكبير

والمرأة تخاف الحيض قبل أن تخرج إلى منى» (3) ونحوها معتبرة إسماعيل ابن عبدالخالق الواردة في

الشيخ الكبير والمريض والمعلول (4) .

   وربما يقال بعدم منافاة هذه الرواية للروايات المتقدمة المجوّزة ، لعدم المفهوم للوصف . ولكن قد

ذكرنا غير مرة أن الوصف وإن لم يكن له مفهوم ولكن ينفي الحكم المطلق الساري ، وإن كان لا ينفي

عن غيره ولا ينافي ثبوت الحكم في مورد آخر ولكن ينفي سريان الحكم وثبوته للمطلق وإلاّ لكان

التقييد وذكر الوصف لغواً فالمستفاد من الخبر أن الحكم بالجواز غير ثابت على الاطلاق .

   ومنها : موثقة إسحاق بن عمار قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المتمتع

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل 11 : 280 / أبواب أقسام الحج ب 13 ح 2 ، 3 .

(3) الوسائل 11 : 281 / أبواب أقسام الحج ب 13 ح 4 .

(4) الوسائل 11 : 281 / أبواب أقسام الحج ب 13 ح 6 .

ــ[347]ــ

إذا كان شيخاً كبيراً أو امرأة تخاف الحيض يعجّل طواف الحج قبل أن يأتي منى ، فقال : نعم من كان

هكذا يعجّل» الحديث (1) فان قوله (عليه السلام) : «من كان هكذا» له مفهوم ينفي الجواز عمن لم

يكن هكذا فيعارض الروايات المتقدمة المجوّزة .

   ومنها : صحيح علي بن يقطين قال : «سمعت أبا الحسن الأول (عليه السلام) يقول : لا بأس

بتعجيل طواف الحج وطواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى ، وكذلك من خاف

أمراً لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف ويودع البيت ثم يمر كما هو من منى إذا كان
خائفاً»(2) ولا ريب في ثبوت المفهوم لذلك ، لأن الجملة الشرطية مذكورة في كلام الإمام (عليه

السلام) ومقتضى المفهوم عدم جواز التقديم على إطلاقه .

   ثم إن هنا رواية ذكرها في الوسائل عن صفوان بن يحيى الأزرق عن أبي الحسن (عليه السلام) قال :

«سألته عن امرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج ففرغت من طواف العمرة وخافت الطمث قبل يوم النحر

أيصلح لها أن تعجّل طوافها طواف الحج قبل أن تأتي منى ؟ قال : إذا خافت أن تضطر إلى ذلك فعلت»

(3) .

   وكذا ورد السند في التهذيب كما في بعض النسخ (4) والظاهر أن في العبارة سقطاً والصحيح

صفوان بن يحيى عن يحيى الأزرق كما في النسخ الاُخرى . ويؤكد ذلك أن صفوان بن يحيى الأزرق لا

وجود له في الرواة ، ويحيى الأزرق اسم لعدة أشخاص فيهم الثقة والضعيف ، فيكون يحيى الأزرق

المذكور في السند مردداً بين الثقة والضعيف ولكنه ينصرف إلى الثقة وهو يحيى بن عبد الرحمن لاشتهاره

، وقد تقدّم تفصيل ذلك في المسألة 394 فراجع .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 11 : 281 / أبواب أقسام الحج ب 13 ح 7 .

(2) الوسائل 13 : 415 / أبواب الطّواف ب 64 ح 1 .

(3) الوسائل 13 : 415 / أبواب الطّواف ب 64 ح 2 .

(4) التهذيب 5 : 398 / 1384 .

ــ[348]ــ

   ونحوها رواية علي بن أبي حمزة الواردة في المرأة التي تخاف الحيض (1) وهي أيضاً ضعيفة بعلي بن

أبي حمزة البطائني فتصلح للتأييد .

   فالروايات متعارضة، وقد حمل الشيخ الأخبار المجوّزة المطلقة على صورة الضرورة كالشيخ الكبير

والخائف والمرأة التي تخاف الحيض وقال (قدس سره) : فأمّا مع زوال ذلك أجمع فلا يجوز على حال(2)

وكذا صاحب الجواهر فحمل المطلق على المقيد (3) واستبعده صاحب المدارك ، فان تقييد قوله : «

هما سيان قدّمت أو أخّرت» على صورة الضرورة والعجز بعيد جداً (4) .

   وحمل بعضهم الأخبار المانعة على الكراهة للجمع العرفي بين النهي والتجويز بدعوى أن الروايات

المانعة ظاهرة في الحرمة والروايات المجوّزة صريحة في الجواز ومقتضى الجمع رفع اليد عن ظهور النهي

في الحرمة وحمله على الكراهة .

   وهذا بعيد أيضاً ، لأن مفهوم قوله : «لا بأس بتعجيل الطّواف للشيخ الكبير» ثبوت البأس لغيره ،

وفي الروايات المجوّزة نفي البأس ، والجمع بين لا بأس وفيه البأس من الجمع بين المتناقضين بحيث لو

اجتمعا في كلام لكان مما اجتمع فيه المتناقضان .

   فالصحيح تحقق التعارض بين الطائفتين فلابد من العلاج وتقديم إحداهما على الاُخرى ، فاللازم تقديم

الأخبار المانعة ، والوجه في ذلك : أ نّا علمنا من كثير من الروايات البيانية لكيفية الحج حتى الروايات

الحاكية لحج آدم (عليه السلام) (5) تأخر الطّواف عن الوقوفين وأعمال منى .

   وكذلك يستفاد التأخّر من صحيح سعيد الأعرج الوارد في إفاضة النساء ليلاً قال فيه «فان لم يكن

عليهنّ ذبح فليأخذن من شعورهنّ ويقصرن من أظفارهنّ ثم يمضين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 13 : 416 / أبواب الطّواف ب 64 ح 5 .

(2) الاستبصار 2 : 230 ، التهذيب 5 : 131 .

(3) الجواهر 19 : 392 .

(4) المدارك 8 : 188 .

(5) الوسائل 11 : 212 / أبواب أقسام الحج ب 2 .

ــ[349]ــ

ولكن [ (1) ] عليهم أن يحرموا للحج ثم يطوفون (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

إلى مكة في وجوههنّ ويطفن بالبيت ويسعين بين الصفا والمروة» الحديث (2) .

   وقد تقدّم قريباً أخبار كثيرة ذكر فيها أنه يزور البيت يوم النحر أو من غده أو يزور البيت إلى آخر

يوم من أيام التشريق أو إلى طول ذي الحجّة (3) وأيضاً ورد في النصوص عدم تقديم الطّواف على

أعمال منى : الرمي والذبح والحلق كما ذكرنا كل ذلك في محله ، فمن جميع ذلك يعلم أن المرتكز هو

تأخير الطّواف عن الوقوفين بل عن أعمال منى ، فيكون الترجيح للأخبار المانعة ، لكونها موافقة للسنة

، فلا بدّ من طرح الأخبار المجوّزة وردّ علمها إلى أهلها .

   مضافاً إلى أنه لو كان التقديم جائزاً مع كون المسألة مما يبتلى به كثيراً لظهر الحكم بالجواز وبان

وشاع ، مع أنه ادعي الاجماع على المنع ولم يذهب إلى الجواز إلاّ بعض متأخري المتأخرين ، فالتقديم

غير جائز اختياراً وإنما يجوز للعاجز ولذي الأعذار .

   (1) وذلك لأنّ طواف الحج لا بدّ من صدوره بعد التلبية والاحرام للحج ، فقبل التلبية والاحرام

للحج لا يصح منه طواف الحج .

   ويظهر ذلك أيضاً من الروايات المجوّزة لتقديم الطّواف المحمولة على الجواز لذي الاعذار كصحيح

عبدالرحمن «عن الرجل يتمتع ثم يهل بالحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى

منى ، فقال : لا بأس»(4) .

   ونحوه صحيح علي بن يقطين(5) ويؤيد بخبر علي بن أبي حمزة الصريحة في ذلك «فلينظر إلى التي

يخاف عليها الحيض فيأمرها فتغتسل وتهل بالحج من مكانها» (6) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

[ 1 ] قوله «ولكن ...» هذه الجملة غير موجودة في المناسك ط 12 .

(2) الوسائل 14 : 28 / أبواب الوقوف بالمشعر ب17 ح2. وفي نسخة «ويمضين» بدل «ثم

يمضين».

(3) الوسائل 14 : 243 / أبواب زيارة البيت ب 1 .

(4) ، (5) الوسائل 11 : 280 / أبواب أقسام الحج ب 13 ح 2 ، 3 .

(6) الوسائل 13 : 416 / أبواب الطّواف ب 64 ح 5 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net