كفّارة ترك المبيت بمنى 

الكتاب : المعتمد في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الحج   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4542


ــ[386]ــ

   مسألة 429 : من ترك المبيت بمنى فعليه كفارة شاة عن كل ليلة (1) .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

فنام ثم أصبح قبل أن يأتي منى فلا شيء عليه» (1) .

   وصحيحة معاوية بن عمار «لا تبت ليالي التشريق إلاّ بمنى ، فان بتّ في غيرها فعليك دم، فان

خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلاّ وأنت بمنى ، إلاّ أن يكون شغلك نسكك أو قد خرجت من

مكة»(2) ومحل الاستشهاد هو الجملة الأخيرة ، وفي جميعها ورد الخروج من مكة ولم يصل إلى منى .

   وفي رواية معتبرة جعل العبرة بالتجاوز عن عقبة المدنيين لا بمجرد الخروج من مكة «في الرجل يزور

فينام دون منى، فقال: إذا جاز عقبة المدنيين فلا بأس أن ينام»(3) فان كان موضع عقبة المدنيين حد

مكة ، يعني إذا وصل إلى العقبة فقد خرج من مكة فالروايات متوافقة ويكون المراد من الخروج من

مكة والتجاوز من بيوت مكة والجواز من عقبة المدنيين معنى واحداً ، وإن قلنا بأن عقبة المدنيين اسم

لموضع آخر فاصل بين مكة ومنى فتقيد هذه المعتبرة الروايات السابقة ، فتكون العبرة بالتجاوز عن

عقبة المدنيين قبل الوصول إلى منى وبعد الخروج من مكة .

   (1) يدل على ذلك صحيحة صفوان قال : «قال أبو الحسن (عليه السلام) سألني بعضهم عن رجل

بات ليلة من ليالي منى بمكة ، فقلت : لا أدري ، فقلت له : جعلت فداك ما تقول فيها ؟ فقال (عليه

السلام) : عليه دم إذا بات» (4) وهي صريحة في ثبوت الدم لكل ليلة من ليالي منى ، وصاحب

الوسائل نقلها «بات ليالي منى بمكة» وهو اشتباه ، والمذكور في التهذيب (5) والاستبصار(6) وكل

من روى عنهما نقلها كما ذكرنا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 256 / أبواب العود إلى منى ب 1 ح 17 .

(2) الوسائل 14 : 254 / أبواب العود إلى منى ب 1 ح 8 .

(3) الوسائل 14 : 256 / أبواب العود إلى منى ب 1 ح 15 .

(4) الوسائل 14 : 252 / أبواب العود إلى منى ب 1 ح 5 .

(5) التهذيب 5 : 257 / 871 .

(6) الاستبصار 2 : 292 / 1038 .

ــ[387]ــ

   ومعتبرة جعفر بن ناجية على طريق الصدوق «عمن بات ليالي منى بمكة ، فقال : عليه ثلاث من

الغنم يذبحهنّ» (1) وهي أيضاً صريحة في ذلك، وجعفر بن ناجية ثقة لأنه من رجال كامل الزيارات،

وصاحب الوسائل رواها عن أبي جعفر بن ناجية وهو رجل مجهول لا وجود له في الرواة ولا في

الرجال، ولكن لا ريب أن نسخة الوسائل غلط، وكذلك نسخة من لايحضره الفقيه المطبوع في الهند

(لكنهو) فان الموجود في الفقيه المطبوع في إيران الذي علّق عليه علي أكبر الغفاري، والمطبوع متناً

لروضة المتّقين(2) والمطبوع في النجف الأشرف، وكذا في الحدائق(3) ، والوافي(4) إنما هو جعفر بن

ناجية فمن المطمأن به أنّ نسخة الوسائل وكذلك نسخة الفقيه المطبوع في الهند غلط .

   وقيل بازائها روايات تعارض الروايات الدالّة على ثبوت الشاة، ففي خبر عبدالغفار الجازي «عن

رجل خرج من منى يريد البيت قبل نصف الليل فأصبح بمكة، قال: لا يصلح له حتى يتصدق بها صدقة

أو يهريق دماً» (5) فانه يدل على التخيير بين الصدقة والشاة فلم تكن الشاة متعينة ، ولكن الرواية

من الشواذ ولم يعمل بها أحد فيما نعلم ويمكن حملها على الصدقة فيما إذا لم يتمكن من الشاة ، لما تقدم

في الكفارات أن الصدقة بدل عن الكفارة ، فيكون الحكم بالصدقة والشاة تقسيماً للحكم بحسب

أفراد المكلفين باختلاف حالاتهم من التمكّن والعجز ، نظير قوله تعالى : «مُحَلِّقِينَ وَمُقَصِّرِين»(6) يعني

يثبت الحلق لجماعة ويثبت التقصير لطائفة اُخرى . مضافاً إلى أن الخبر ضعيف بالنضر بن شعيب ، فانه

مع كثرة رواياته في الكتب الأربعة لم يذكر في كتب الرجال غير أنّ البرقي عدّ النضر بن شعيب المحاربي

من أصحاب الصادق (عليه السلام) (7)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 253 / أبواب العود إلى منى ب 1 ح 6 ، الفقيه 2 : 286 / 1406 .

(2) روضة المتّقين 5 : 130 .

(3) الحدائق 17 : 301 .

(4) الوافي 14 : 1252 .

(5) الوسائل 14 : 256 / أبواب العود إلى منى ب 1 ح 14 .

(6) الفتح 48 : 27 ونصّها (مُحلِّقين رؤوسكم ومُقَصِّرين) .

(7) راجع معجم الرجال 20 : 173 .

ــ[388]ــ

ويحتمل اتحاد النضر بن شعيب مع النضر بن شعيب المحاربي ، وعلى كل حال لم يرد فيه توثيق ، وقد

جزم القهبائي في مجمع الرجال (1) ، باتحاده مع النضر بن سويد الذي هو من الأجلاء والثقات ، وهو

غريب إذ لا مقتضي لاحتمال الاتحاد فضلاً عن الجزم به ، وكونهما في طبقة واحدة لرواية محمد بن

الحسين الخطاب عنهما لا يدل على الاتحاد فالرواية ضعيفة .

   بقى في المقام روايتان :

   الاُولى: معتبرة سعيد بن يسار «فاتتني ليلة المبيت بمنى من شغل، فقال: لابأس»(2) .

   الثانية : معتبرة العيص «عن رجل فاتته ليلة من ليالي منى ، قال : ليس عليه شيء وقد أساء»(3) فان

المستفاد منهما عدم لزوم الكفارة عليه، فتعارضان ما دلّ على الثبوت.

   والصحيح أنه لا معارضة في البين ، أمّا عدم البأس في خبر سعيد بن يسار فالمراد به عدم البأس في

حجته ، فلا دلالة فيه على نفي الكفارة، ولو دل فالجواب عنه ما نجيب عن خبر العيص فيقال بأن

دلالته على نفي الكفارة بالاطلاق ، فلا ينافي ثبوت الكفارة عليه بشاة ، فالجمع بينه وبين ما دل على

الكفارة يقتضي أن يقال إنه لا شيء عليه إلاّ الشاة ، وقد ورد نظير ذلك في بعض الروايات كقوله :

«لا يضر الصائم إذا اجتنب ثلاث أو أربع : الأكل والشرب والجماع والارتماس»(4) مع أن

المفطرات عشرة فان الاطلاق المستفاد من ذلك أقوى إطلاق في البين ومع ذلك يقيد بمفطرات اُخر .

   ومع الاغماض عن ذلك وفرضنا التصريح بعدم الكفارة لا على نحو الاطلاق فيتحقق التعارض ، فلا

بدّ من رفع اليد عنهما لموافقتهما للعامّة ، والعـبارة المذكورة في صحيح العيص عين العبارة المحكية عن

أحمد كما عن المغني (5) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مجمع الرجال 6 : 180 .

(2) الوسائل 14 : 255 / أبواب العود إلى منى ب 1 ح 12 .

(3) الوسائل 14 : 253 / أبواب العود إلى منى ب 1 ح 7 .

(4) الوسائل 10 : 31 / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1 وغيره .

(5) المغني لابن قدامة 3 : 482 .

ــ[389]ــ

   وممّا يؤكد الحمل على التقية صحيحة صفوان المتقدمة (1) من أنه (عليه السلام) لما سأله بعض العامة

فلم يجبه وقال (عليه السلام) لا أدري .

   ومن الغريب جداً ما صنعه الشيخ (قدس سره) من حمل الروايتين على المشتغل بالعبادة بمكة أو على

من خرج من منى بعد نصف الليل (2) إذ لا يخفى فسادهما ، أمّا فساد الثاني فواضح جداً ، لأنه إذا

خرج من منى بعد انتصاف الليل فقد عمل بما هو عليه فكيف قال (عليه السلام) «وقد أساء» على أنه

كيف يصح التعبير بأنه فاتته ليلة من ليـالي منى . وأمّا فساد الأول فلأن المشتغل بالعـبادة بمكة لا

يقال في حقه فاته المبيت. وأيضاً لايصح أن يقال إنه أساء ، لأن الفوت والإساءة بترك الواجب

والوظيفة مع أنه لو كان مشتغلاً بالعبادة فقد أتى بالوظيفة .

   فالصحيح في الجواب أن يقال ـ كما ذكرنا ـ إن دلالتهما بالاطلاق ، فيقيدان بما دلّ على ثبوت

الدم أو يحملان على التقية ، فالصحيح وجوب الكفارة عليه بالشاة عن كل ليلة .

   وقد احتمل شيخنا الاُستاذ في مناسكه ثبوت الكفارة على المبيت في مجموع الليل وتمامه خارج منى،

فمن خرج بعد أول الليل من منى وبات في مكة غير مشتغل بالعبادة يكون آثماً لترك المبيت في منى

وعدم اشتغاله بالعـبادة ، ولكن لا تجب عليه الكفارة لأن الكفارة إنما تثبت فيما إذا بات تمام الليل

خارج منى(3) .

   وفيه : أن المستفاد من النص أنه لو رجع إلى منى بعد انتصاف الليل يثبت عليه الكفارة ، مع أنه لم

يبت تمام الليل خارج منى كصحيحة معاوية بن عمار «فان بت في غيرها فعليك دم ، فان خرجت أول

الليل فلا ينتصف الليل إلاّ وأنت في منى إلاّ أن يكون شغلك نسكك» (4) فان المستفاد منه إن رجع

بعد انتصاف الليل إلى منى ولم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 386 .

(2) التهذيب 5 : 258 .

(3) دليل الناسك (المتن) : 434 .

(4) الوسائل 14 : 254 / أبواب العود إلى منى ب 1 ح 8 .

ــ[390]ــ

والأحوط التكفير فيما إذا تركه نسياناً أو جهلاً منه بالحكم أيضاً . والأحوط التكفير للمعذور من

المبيت (1) .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

يكن شغله نسكه يجب عليه الدم ، وكذلك من صحيحته الاُخرى لقوله : «عن الرجل زار عشاء فلم

يزل في طوافه ودعائه وفي السعي بين الصفا والمروة حتى يطلع الفجر قال : ليس عليه شيء كان في

طاعة الله» (1) فانه صريح في أنه إذا زار عشاءً أي مضى شطر من الليل في منى وزار عشاء ، فان كان

في طاعة الله فليس عليه شيء ، وأمّا إذا لم يكن في طاعة الله فعليه الكفارة ، وكذلك يستفاد من خبر

جميل المتقدم (2) لقوله : «من زار فنام في الطريق فان بات بمكة فعليه دم» لامكان أن يزور البيت بعد

أوّل الليل وقبل انتصافه ، ولكن الرواية كما عرفت لم يثبت كونها مسندة بل نحتمل ارسالها كما رواها

الكليني مرسلة (3) فتصح للتأييد .

   (1) ذكر في الجواهر أن إطلاق النص والفتوى يقضي بعدم الفرق في ثبوت الكفارة بين العالم

والجاهل والناسي بل المضطر (4) وعن بعضهم استثناء المضطر من ثبوت الكفارة كما عن بعض آخر

استثناء الجاهل .

   وأمّا الناسي فأولى بالخروج ، وربما ادعي الاجماع على ثبوت الكفارة مطلقاً .

   ولا ريب أن الاجماع غير تام والقول بعدم وجوب الكفارة في جميع الموارد المزبورة هو الصحيح .

   أمّا بالنسبة إلى الاضطرار فلحديث الرفع ، فانه لا يختص بمجرد التشريع ، بل يرفع كل ما يترتب

على الفعل المضطر إليه إلاّ إذا قام دليل خاص على الخلاف .

   وكذلك الحال بالنسبة إلى الجهل كما في صحيحة عبدالصمد «أيّ رجل ركب أمراً

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 14 : 254 / أبواب العود إلى منى ب 1 ح 9 .

(2) في ص 385 .

(3) الكافي 4 : 514 / 3 .

(4) الجواهر 20 : 6 .

ــ[391]ــ

ولا كفارة على الطائفة الثانية والثالثة ممن تقدم (1) .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ــــــ

بجهالة فلا شيء عليه» (1) ولذا ذكرنا أنه لا كفارة على الجاهل في باب الصوم(2) ، فاذا كان يرى

جواز المبيت خارج منى فليس عليه شيء بمقتضى صحيح عبدالصمد المتقدم.

   وهكذا في مورد النسيان ، فانه يرتفع في مورده كل حكم مترتب على الفعل ، فكأن الفعل الصادر

من الناسي لم يقع وهو في حكم العدم ، والأحوط ثبوت الكفارة في هذه الموارد خروجاً عن شبهة

الخلاف .

   (1) أمّا عدم ثبوتها على المشتغل بالعبادة فلصحاح معاوية بن عمار المتقدمة (3) وأمّا عدم وجوبها

على من تجاوز عقبة المدنيّين ونام بعد الخروج من مكة فيدل عليه صحيح هشام وصحيح محمد بن

إسماعيل المتقدمين(4) ويؤيدهما خبر جميل(5) وبازائها رواية علي ، أي علي بن أبي حمزة البطائني عن

أبي إبراهيم (عليه السلام) «سألته عن رجل زار البيت فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم رجع فغلبته

عينه في الطريق فنام حتى أصبح ، قال : عليه شاة» (6) .

   وهي ضعيفة بعلي بن أبي حمزة المعروف بالوقف والكذب . على أنها مطلقة من حيث النوم قبل

الخروج من مكة أو بعده ، ففي هذين الفرضين لا كفارة فيهما .

   بقي الكلام في استثناء الرعاة والسقاة ، فقد صرح جماعة ومنهم شيخنا الاُستاذ النائيني بعدم وجوب

الفدية عليهما (7) .

   ولكن لا يمكن المساعدة على ما ذهبوا إليه . أمّا الرعاة فاستثناؤهم لعلّه غفلة من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 12 : 488 / أبواب تروك الاحرام ب 45 ح 3 .

(2) في فصل في كفّارة الصوم قبل المسألة [ 2470 ] .

(3) في ص 384 .

(4) الوسائل 14 : 257 / أبواب العود إلى منى ب 1 ح 17 ، 15 .

(5) الوسائل 14 : 256 / أبواب العود إلى منى ب 1 ح 16 .

(6) الوسائل 14 : 254 / أبواب العود إلى منى ب 1 ح 10 .

(7) دليل الناسك (المتن) : 437 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net