ولنقدّم قبل الشروع في المباحث اُموراً ينتفع بها فيها :
الأوّل : الجواز المبحوث عنه في المقام إمّا وضعي بمعنى المضي والصحّة أو تكليفي بمعنى الإباحة المقابلة للتحريم التكليفي ، لكنّه مسنداً إلى الصلاة المأتي بها بداعي الأمر والمضافة إلى المولى ، فإنّ جواز الشيء بهذا المعنى مع ثبوت الأمر بالعبادة يلازم الصحّة والمضي في مقام الامتثال ، وإلاّ لكان الفعل من التشريع المحرّم بالأدلّة الأربعة ، فإنّ حرمته غير تابعة لعدم الحكم واقعاً ، بل يكفي فيها عدم الإحراز ، فإذا لم يحرز صحّة الصلاة في المشكوك في كونه ممّا لا يؤكل بأصل أو أمارة فهي محكومة بالحرمة إذا أتى بها بداعي الامتثال .
ثمّ إنّ الصحّة الملازمة للقول بالجواز صحّة واقعية ، فلا يجب الإعادة ولو انكشف بعد ذلك كون ما وقع فيه الصلاة من أجزاء غير المأكول. وهذا بناءً على اختصاص المانعية بصورة العلم بكونه ممّا لا يؤكل ظاهر ، وأمّا بناءً على عدم الاختصاص ، وكون المانعية مطلقة ـ كما هو الظاهر وسيجيء الكلام فيه
ــ[6]ــ
مفصّلا(1) ـ فلأنّ دليل « لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة »(2) حاكم على عموم أدلّة الأجزاء والشرائط والموانع ، وموجب لاختصاصها بغير ما إذا وقع العمل واحتاج التدارك إلى الإعادة ، وقد ذكرنا في محلّه(3) أنّه يشمل ما إذا كان النقصان من جهة الجهل بالحكم أو بالموضوع من غير تقصير ، ولا موجب للتخصيص بالناسي ، بل لا يبعد عمومه للجاهل المقصّر غير الملتفت إلى عدم انطباق المأتي به على المأمور به ولو احتمالا ، لولا قيام الإجماع على خلافه .
نعم لا إشكال في عدم شمول الدليل للعامد أو المحتمل لعدم الانطباق مع تنجّز الواقع عليه ، وذلك فإنّ الظاهر منه أنّ الإعادة على تقدير عدم الدليل كان من جهة الانكشاف المتأخّر ، بحيث لولا الانكشاف لماكان يعيد المصلّي ، من غير حاجة إلى ورود دليل ، ومن المعلوم أنّه يختصّ بغير الصورتين المذكورتين .
وبذلك يندفع ما ذهب إليه بعض المحقّقين من المعاصرين(4) من عمومه للعامد فضلا عن الجاهل المقصّر ، وتمام الكلام في محلّه .
|