الرابع : أنّ ذهاب المشهور في محلّ البحث إلى عدم الجواز مع اتّفاقهم على
ــ[9]ــ
جريان البراءة فيما تردّد أمره بين الأقل والأكثر ، واتّفاقهم على البراءة في الشبهات الموضوعية التحريمية لعلّه من جهة أنّهم يرون النهي الغيري المستفاد منه المانعية نهياً واحداً متعلّقاً بالطبيعة ، ولا ينحلّ إلى نواه عديدة حسب تعدّد الأفراد ، فيكون العلم بتعلّق النهي بالطبيعة موجباً لتنجّزه على المكلّف ولو مع الشكّ في فردية شيء لها ، وذلك للعلم بفعلية التكليف والقدرة على امتثاله . وهذا بخلاف النواهي النفسية المنحلّة إلى النواهي الكثيرة حسب كثرة الأفراد الخارجية ، فإذا شكّ في فردية شيء لموضوعاتها فلا مناص عن الرجوع إلى البراءة .
وهذا الوجه وإن لم يكن تامّاً عندنا ، إلاّ أنّه يندفع به تعجّب شيخنا الاُستاذ العلاّمة (قدّس سرّه)(1) من ذهاب المشهور إلى البراءة في المقامين وإلى عدم الجواز في المقام . وسيتّضح(2) الحال فيما كان الحكم متعلّقاً بالطبيعة أو الأفراد من حيث الرجوع إلى البراءة والاحتياط ، ونبيّن إن شاء الله تعالى أنّ مانعية الطبيعة غير معقولة ، بل لابدّ من الالتزام بمانعية كلّ فرد ، وعليه يكون القول بالبراءة في المقامين ملازماً للقول بالجواز في المقام . ولعلّ المشهور لم يلتفتوا إلى استحالة مانعية الطبيعة .
ويمكن أن يقال : إنّه لم يثبت من المشهور إلاّ ذهابهم إلى عدم الجواز في خصوص الساتر ، كما هو صريح عبارة العلاّمة (قدّس سرّه) في المنتهى(3) بدعوى اشتراط الساتر بكونه من غير ما لا يؤكل لحمه .
ولعلّ المشهور ذهبوا إلى الشرطية أيضاً في خصوص الساتر ، وعليه فعدم ذهابهم إلى البراءة في المقام من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، ومن جهة عدم بنائهم ــــــــــــــــــــــــــــ (1) لاحظ رسالة الصلاة في المشكوك : 312 ، كتاب الصلاة 1 : 210 . (2) في ص73 وما بعدها . (3) منتهى المطلب 4 : 236 / الفرع الثالث .
ــ[10]ــ
على المانعية .
وكيف كان ، فالمتّبع هو الدليل ، وسيظهر الحال فيما بعد إن شاء الله تعالى .
|