و حصل الفسخ في السفر فنفقة الرجوع على العامل - حكم تداخل العقد بين المضاربة والقرض والبضاعة 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4406


ــ[56]ــ

   [ 3411 ] مسألة 22 : لو حصل الفسخ أو الانفساخ في أثناء السفر ، فنفقة الرجوع على نفسه ((1)) (1) بخلاف ما إذا بقيت ولم تنفسخ ، فإنها من مال المضاربة .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الواجبة ـ كنفقة الزوجة ـ لمثل نفقات العلاج ، وعدمه بدعوى اختصاصها بالمسكن والملبس والمأكل والمشرب .

   إلاّ أنه في غير محلّه ، ولا يمكن المساعدة عليه . فإن كلاًّ من الأمرين تابع لدليله . وقد اخترنا في مسألة نفقات الزوجة وجوب نفقة العلاج بكل ما يكون دخيلاً في قوام حياتها ، كالحمام للتنظيف على الزوج ، باعتبار أنّ الوارد في النصوص عنوان «يقيم ظهرها» (2) وهو شامل لكلّ ما تحتاج إليه في حياتها المتعارفة .

   وأما فيما نحن فيه ، فلا دليل على وجوب نفقة العلاج على المالك . فإنّ الارتكاز العرفي مختصّ بما هو المتعارف وما يعد نفقة للمسافر في سفره ، فلا يعمّ ما يحتاج إليه من غير جهة السفر ، كالدية لو وجبت عليه ، فإنها غير مشمولة للارتكاز العرفي جزماً .

   وكذا الحال بالنسبة إلى صحيحة علي بن جعفر ، حيث إن المذكور فيها : «ما أنفق في سفره» وهو ظاهر فيما ينفقه لأجل سفره فلا تشمل ما كان أجنبياً عنه .

   ومن هنا فالصحيح هو القول بتحمل العامل بنفسه لها ، إذ لا موجب لإخراجها من أصل المال أو الربح .

   (1) فيما إذا انفسخ العقد بموت أو غيره ، أو جاء الفسخ من قبل العامل . وأما إذا كان بفعل المالك ، فالالتزام بكون مصرف الرجوع على العامل نفسه مشكل جداً . فإنّ صحيحة علي بن جعفر وإن لم تكن شاملة لها ، باعتبار أنّ موضوعها هو العامل المضارب وهو غير متحقق في المقام ، إلاّ أنه لا موجب لرفع اليد عن الارتكاز العرفي والتزام المالك بكون نفقاته في سفره عليه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وفيه أنّ الأمر كذلك في فرض الانفساخ وفيما إذا كان الفسخ من قِبَل العامل ، وأمّا فيما إذا كان الفسخ من قِبَل المالك ففي كون نفقة الرجوع على نفسه لا يخلو عن إشكال قوي .

(2) الفقيه 3 : 279 / 1331 ، الوسائل 21 : 509 أبواب النفقات ح 27714 .

ــ[57]ــ

   [ 3412 ] مسألة 23 : قد عرفت الفرق بين المضاربة والقرض والبضاعة . وأنّ في الأوّل الربح مشترك ، وفي الثاني للعامل ، وفي الثالث للمالك .

   فإذا قال : خذ هذا المال مضاربة والربح بتمامه لي ، كان مضاربة فاسدة (1) إلاّ إذا علم أنه قصد الإبضاع (2) فيصير بضاعة . ولا يستحقّ العامل اُجرة (3) إلاّ مع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وبعبارة اُخرى : إن أساس المضاربة قائم على أن لا تتوجّه خسارة على العامل بوجه من الوجوه . فهو إما أن يأخذ شيئاً وذلك على تقدير ظهور الربح ، وإما أن لا يكون له شيء ، وإما تحمّله للخسارة من كيسه الخاص فهو خارج عن عنوان المضاربة .

   نعم ، لو كان الفسخ من قبله تحمل هو نفقات رجوعه ، حيث إنه جاء من قبله والمالك لم يلتزم بنفقاته حتى على تقدير فسخه هو للعقد .

   (1) لفساد الشرط ، حيث إنه مخالف لمقتضى العقد ولا يجتمع معه ، وليس هو كاشتراط أمر خارجي حتى لا يكون فساده سارياً إلى العقد نفسه ، فإنّ بينهما بوناً بعيداً . فإنّ في المقام لما لم يكن المنشئ قد أنشأ العقد مطلقاً وإنما أنشأه مع شرط مناف ، كان ذلك من إنشاء أمر لا يتحقق في الخارج ، فهو في إنشائه فرض عدمه ، حيث اعتبر عنوان المضاربة وكون الربح مشتركاً بينهما على أن لا يتحقق ذلك في الخارج ، فيحكم ببطلانه حيث لا يقبل الإمضاء .

   ومن هنا يظهر أن البحث الكلي في سراية الفسـاد من الشرط إلى العقد وعدمه غير شامل للشرط المخالف لمقتضى العقد ، فإنه محكوم بالبطلان جزماً ، نظراً لاعتبار المالك عدمه في ضمن وجوده ، لأنه أنشأه على أن لا يتحقق في الخارج .

   (2) فيحكم بصحّته ، لأنه حينئذ ليس بمضاربة ، وإنما أتى المنشئ بلفظها غلطاً أو مجازاً أو جهلاً بمفاهيم الألفاظ .

   (3) باعتبار أنّ العمل لم يصدر عن أمره الضماني ، فإنه لم يأمر به بضمان وإنما أمره به مجاناً ، فلا وجه لاستحقاق العامل الاُجرة عليه .

ــ[58]ــ

الشّرط ، أو القرائن الدالّة على عدم التبرع (1) . ومع الشكّ فيه وفي إرادة الاُجرة يستحقّ الاُجرة أيضاً ((1)) ، لقاعدة احترام عمل المسلم (2) .

   وإذا قال : خذه قراضاً وتمام الربح لك ، فكذلك مضاربة فاسدة (3) إلاّ إذا علم أنه أراد القرض (4) .

   ولو لم يذكر لفظ المضاربة ، بأن قال : خذه واتجر به والربح بتمامه لي ، كان بضاعة (5) إلاّ مع العلم بإرادة المضاربة ، فتكون فاسدة (6) .

   ولو قال : خذه واتجر به والربح لك بتمامه ، فهو قرض ، إلاّ مع العلم بإرادة المضاربة ، ففاسدة .

   ومع الفساد في الصور المذكورة((2)) ، يكون تمام الربح للمالك (7) وللعامل اُجرة عمله ((3)) (8)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) فتثبت اُجرة المثل ، لصدور العمل عن الأمر مع الضمان .

   (2) وفيه : أنّ مجرّد ذلك لا يقتضي ثبوت الاُجرة عليه ، بعدما كان الإبضاع ظاهراً في العمل مجاناً ، كما يظهر ذلك من اشتراط كون تمام الربح له ، وقصد العامل لعدم التبرع لا أثر له ، بعد ان لم يكن الآمر قد أمر بضمان .

   (3) لمنافاته لمقتضى العقد على ما عرفت .

   (4) ظهر وجهه مما تقدّم .

   (5) لظهوره فيه .

   (6) لما تقدّم .

   (7) لتبعية النماءات والأرباح للأصل ، فهي لمالك المال .

   (8) قد يفرض فساد المضاربة لسبب غير اشتراط ما ينافي مقتضى العقد ، كما لو

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا يبعد عدم الاستحقاق ، لظهور الكلام في العمل مجّاناً ، وأمّا قاعدة الاحترام فهي بنفسها لا تفي بالضّمان ولو علم أنّ العامل لم يقصد التبرّع بعمله .

(2) الظاهر أ نّه أراد بها غير الصورة الاُولى حيث إنّه (قدس سره) قد بيّن حكمها بتمام شقوقها .

(3) الظاهر ثبوته في فرض علمه أيضاً .

ــ[59]ــ

كان رأس المال دَيناً . وقد يفرض فساده من جهة اشتراط ما يخالف مقتضاه .

   والحكم في الأوّل كما أفاده (قدس سره) . فإنّ الربح بتمامه يكون للمالك ، ولا يعطى للعامل منه شيء ، باعتبار أنه لا أثر لجعل النسبة المعينة منه له ، فإنه قد بطل بعدم إمضاء الشارع للعقد . لكن لما كان العمل بأمر من المالك لا على نحو المجانية ، واستيفاء العمل المحترم بضمان يوجب الضمان ، كان عليه دفع اُجرة مثل العمل إلى العامل .

   وأما في الثاني ، فلا بدّ من التفصيل بين ما إذا كان الشرط المخالف لمقتضى العقد هو كون تمام الربح للعامل ، وبين ما إذا كان الشرط كون تمامه للمالك .

   ففي الأوّل فالحكم ما تقدّم أيضاً . فإنّ تمام الربح يكون للمالك ، لكن لما كان عمل العامل عملاً محترماً وصادراً بأمر المالك على نحو الضمان ، تثبت اُجرة المثل لا محالة . وهذا بخلاف الثاني ، حيث لا وجه فيه للضمان بالمرّة ، فإنّ وجهه في العقود الفاسدة إنما هو الإقدام عليه وأمر الغير بعمل له اُجرة من غير ظهور في المجانية ، وهو غير متحقّق في المقام ، لظهور أمره في التبرع والمجانية ، كما يظهر من اعتبار كون تمام الربح له . ومعه فكيف يكون ضامناً ؟

   بل حال هذه الصورة حال البضاعة عند عدم القرينة على الاُجرة ، وهو الموافق للقاعدة الكلّيّة : «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» .

   ثمّ إن في إطلاق استحقاق العامل لاُجرة المثل في فرض فساد العقد ، بأي وجه كان ، نظراً بل منعاً .

   إذ الضمان في مثل هذه الموارد لم يثبت بدليل لفظي كي يتمسك بإطلاقه ، وإنما هو ثابت ببناء العقلاء ، والقدر المتيقن منه هو استحقاقه للاُجرة فيما إذا كانت مساوية للمقدار الذي جعل له في العقد الفاسد أو أنقص منه . فلو كان الفساد من جهة اشتراط كون تمام الربح للعامل ، وفرضنا أنه كان مائة دينار ، فهو لا يستحق في فرض الفساد إلاّ ذلك المقدار من اُجرة المثل .

   وأما إذا فرض زيادة الاُجرة عليه ، فلم يثبت بناء منهم على لزوم دفعها بتمامها ، بل لا ينبغي الشك والريب في عدم وجوب دفع ما زاد عن الربح إليه ، لأنه الذي ألغى احترامه فيه .

ــ[60]ــ

إلاّ مع علمه بالفساد (1) .
ــــــــــــــــ

   والحاصل أن إطلاق لزوم دفع اُجرة مثل عمل العامل في فرض فسـاد المضاربة إنما يتمّ فيما إذا كانت الاُجرة أنقص أو مساوية لما اتفقا عليه من الربح ، وأما إذا كانت أزيد منه فلم يثبت بناءً منهم على استحقاقه للزائد .

   (1) تقدّم نظيره في عدّة من أبواب المعاملات ، وقد تكلمنا حوله في مبحث الإجارة مفصَّلاً ، حيث قد عرفت أنّ العلم بالفساد وعدمه سيّان من هذه الجهة . فإنّ علمه بالفساد ليس إلاّ العلم بعدم إمضاء الشارع لهذا العقد ، وهو لا يلازم قصده التبرع والمجانية ، بل هو قاصد للربح ولو بغير استحقاق شرعاً . فإذا كان قصده كذلك ، ولم يكن أمر الآمر ظاهراً في المجانية ، فلا وجه للحكم بعدم استحقاقه للاُجرة .

   والحاصل أنّ العلم بالفساد لا يلازم قصد التبرع والمجانية في العمل ، وإنما هو من هذه الناحية مع عدمه سيّان .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net