شراء العامل أباه أو غيره ممن ينعتق عليه \ أحكام الفسخ في عقود المضاربة : 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4553


ــ[102]ــ

   [ 3434 ] مسألة 45 : إذا اشترى العامل أباه أو غيره ممن ينعتق عليه ، فإن كان قبل ظهور الربح ولا ربح فيه أيضاً(1) صحّ الشراء وكان من مال القراض(2).

   وإن كان بعد ظهوره أو كان فيه ربح ، فمقتضى القاعدة وإن كان بطلانه (3) لكونه خلاف وضع المضاربة ، فإنها موضوعة ـ كما مر ـ للاسترباح بالتقليب في التجارة ، والشراء المفروض من حيث استلزامه للانعتاق ليس كذلك ، إلاّ أن المشهور بل ادّعي عليه الإجماع صحّته . وهو الأقوى في صورة الجهل بكونه ممن ينعتق عليه ، فينعتق مقدار حصّته من الربح منه ، ويسري في البقيّة ، وعليه عوضها((1)) للمالك مع يساره ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) الفرق بين الفرضين يكمن في أن الأوّل ناظر إلى الربح السابق على هذا الشراء والمشترك بين المالك والعامل بمقتضى قانون المضاربة ، بحيث يكون العامل قد اشترى من ينعتق عليه من ربح التجارات السابقة . في حين أن الثاني ناظر إلى وجود الربح في نفس هذا الشراء ، بحيث تكون هذه المعاملة بنفسها رابحة .

   والحاصل أن مراده (قدس سره) من هذه المقابلة بيان اعتبار عدم كون شراء من ينعتق على العامل من أرباح التجارات السابقة عليه ، وعدم كونه بنفسه تجارة رابحة في الحكم بصحّة هذا الشراء .

   (2) لاستقلال المالك في ملكيّة العبد ، إذ لا موجب لاشتراك العامل معه في ذلك ومن ثمّ الحكم بعتقه .

   (3) وفيه : أنّ البطلان مبني على القول بالسراية وتغليب جانب العتق مطلقاً ، ومن دون فرق بين صورتي العلم والجهل . إلاّ أن الأمر ليس كذلك ، فإنّ صحيحة محمد بن قيس مختصّة بصورة الجهل ولا تشمل صورة العلم ، ومعه فلا يبقى وجه للقول بالسراية مع علم العامل بالحال .

   نعم ، ورد في بعض النصوص أنّ عتق أحد الشريكين لحصّته من العبد المشترك موجب لانعتاق الباقي وسراية العتق فيه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا دليل عليه ، بل الظاهر عدم الفرق بين يساره وإعساره .

ــ[103]ــ

   إلاّ أنه أجنبي عن محلّ الكلام ، حيث إنه يختصّ بالعتق الاختياري الناشئ من إنشاء أحد الشريكين له بالنسبة إلى حصّته من العبد المشترك ، فلا مجال للتعدي عنه إلى موارد الانعتاق القهري مطلقاً ، سواء أكان بمقدمات اختيارية كالشراء ، أو غيرها كالإرث .

   والحاصل أنّ النص إنما يختص بالعتق الاختياري بالمباشرة ، فلا يشمل موارد الانعتاق القهري حتى ولو كان بمقدمات اختيارية .

   ومن هنا يكون مقتضى القاعدة في المقام هو الالتزام بصحّة الشراء مع التبعيض في العتق ، بالقول بانعتاق حصّة العامل ، مع بقاء حصّة المالك على صفته ، أعني كونه مال المضاربة .

   على أنا لو التزمنا بالسراية حتى في مورد الانعتاق القهري ، لا سيما بناءً على ما ذكره (قدس سره) من كفاية حصول الربح في البعض الآخر من أموال المضاربة ، كان لازمه بطلان الشراء مضاربة حتى في الفرض الأوّل .

   وذلك فإنّ بناء المضاربة كما عرفت إنما هو على الاسترباح ، ولا يتصوّر ذلك في شراء العبد في مفروض الكلام . فإنه إما أن لا يكون بعد ذلك زيادة في قيمة العبد ولا في غيره من أموال المضاربة ، وإما أن يكون ذلك ، وعلى التقديرين لا يكون ربح في هذه المعاملة . أما على الأوّل فواضح ، وكذا على الثاني ، فإنّ حصّة العامل من الربح في العبد ينعتق عليه ، ويسري العتق إلى الباقي فيكون خسارة على المالك ، ومعه كيف يمكن أن يقال إنه يصح الشراء ويكون من مال القراض ؟ .

   وبالجملة إن القول ببطلان الشراء مضاربة بحسب القاعدة في مفروض كلامه (قدس سره) ، إنما يتمّ بناءً على القول بالسراية مطلقاً ، حيث يكون الشراء حينئذ متمحضاً في الخسارة ، وأساس المضاربة على الاسترباح . وأما بناءً على ما هو الصحيح من اختصاص السراية بالعتق الاختياري بالمباشرة ، فلا وجه للحكم بالبطلان فيما نحن فيه ، حيث يكون الانعتاق قهرياً .

   ثمّ إنّ مما ذكرنا يظهر أنّ أساس المضاربة وإن كان على الاسترباح ، إلاّ أنه يكفي فيها إمكان استرباح المالك ، وإن حصل الجزم بعدم حصول الربح للعامل .

ــ[104]ــ

ويستسعي العبد فيه مع إعساره (1) .

   لصحيحة ابن أبي عمير عن محمد بن قيس عن الصادق (عليه السلام)، في رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة فاشترى أباه وهو لا يعلم، قال (عليه السلام): «يقوّم، فإن زاد درهماً واحداً انعتق، واستسعى في مال الرجل» . وهي مختصة بصورة الجهل المنزل عليها إطلاق كلمات العلماء أيضاً .

   واختصاصها بشراء الأب لا يضرّ، بعد كون المناط كونه ممن ينعتق عليه(2). كما أن اختصاصها بما إذا كان فيه ربح لا يضرّ أيضاً، بعد عدم الفرق بينه وبين الربح السابق(3) . وإطلاقها من حيث اليسار والإعسار في الاستسعاء أيضاً منزَّل على الثاني، جمعاً بين الأدلّة((1))(4).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   هذا كلّه بالنسبة إلى ما تقتضيه القاعدة في المقام ، إلاّ أنه لا بدّ من الخروج عنها في خصوص فرض الجهل من المقام ، حيث دلّت صحيحة محمد بن قيس على السراية فيه .

   (1) لا دليل على ما أفاده (قدس سره) من التفصيل. فإنّ صحيحة محمد بن قيس مطلقة، ومقتضاها سعاية العبد في عوض حصّة المالك ، سواء أكان العامل موسراً أم معسراً . وسيأتي مزيد بيان عند تعرضه (قدس سره) له ثانياً في هذه المسألة .

   (2) إذ العبرة إنما هي بمالكيّة العامل ، ومن حيث إنه لا يمكن أن يكون مالكاً له ملكيّة مستقرة .

   (3) ظهر وجهه مما تقدّم في التعليقة السابقة . فإنّ العبرة إنما هي بمالكيّة المالك حيث إنّ الموجب للانعتاق هو دخول العبد في ملكه . ولا فرق في ذلك بين حصول الربح في نفس الشراء ، أو شرائه من الربح الحاصل سابقاً .

   (4) وفيه : أنه لا تعارض بين الأدلّة كي يحتاج إلى الجمع بينها بما ذكر ، فإنّ أدلّة التفصيل مختصة بعتق الشريك حصّته من العبد المشترك اختياراً ، فلا تشمل موارد الانعتاق القهري . ومن هنا فيتعين العمل في هذه الموارد بإطلاق صحيحة محمد بن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا دليل على ضمان العامل مع يساره في مفروض الكلام ، والدليل على التفصيل يختص بعتق الشريك حصّته من العبد اختياراً .

ــ[105]ــ

   هذا ولو لم يكن ربح سابق ، ولا كان فيه أيضاً ، لكن تجدّد بعد ذلك قبل أن يباع ، فالظاهر أنّ حكمه أيضاً الانعتاق والسراية ، بمقتضى القاعدة((1)) (1) . مع إمكان دعوى شمول إطلاق الصحيحة أيضاً للربح المتجدِّد فيه ، فيلحق به الربح((2)) الحاصل من غيره ، لعدم الفرق (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قيس ، الدال على استسعاء العبد في عوض حصّة المالك في الفرضين ، حيث لا موجب لرفع اليد عنه .

   (1) لكنك قد عرفت أنّ القاعدة لا تقتضي السراية في المقام ، وإنها إنما تقتضي السراية في خصوص موارد العتق بالمباشرة .

   نعم ، دعوى شمول صحيحة محمد بن قيس له غير بعيدة . فإنّ مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام) فيها : «يقوّم ، فإن زاد درهماً واحداً انعتق ، واستسعى في مال الرجل» عدم اختصاص التقويم بزمان البيع ، بل متى ما قوم وكانت قيمته زائدة ولو بدرهم عن قيمة شرائه بحيث كان العامل شريكاً فيه ، انعتق وسرى العتق .

   والحاصل أن العبرة على ما يستفاد من الصحيحة ، إنما هي بشركة العامل للمالك في العبد في أي زمان تحققت .

   (2) ما أفاده (قدس سره) مبني على اشتراك العامل مع المالك في جميع أموال المضاربة ، لا في خصوص ما يكون فيه ربح .

   إلاّ أنه لم يثبت بدليل ، بل ينافيه إطلاق مفهوم صحيحة محمد بن قيس المتقدِّمة حيث إنّ مقتضاه عدم انعتاق الأب إذا لم تزد قيمته ، حتى ولو زادت قيمة سائر أموال المضاربة .

   ثمّ إنّه لو انعكس الأمر ، بأن حصلت النقيصة في سائر أموال المضاربة ، فهل يمنع ذلك من انعتاق الأب عند ظهور الربح فيه بخصوصه ، أم لا ؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في كون ذلك بمقتضى القاعدة إشكال بل منع ، نعم لا يبعد شمول الصحيحة للمقام .

(2) في الإلحاق إشكال ، بل منع ، بعد عدم شمول النص لذلك .

ــ[106]ــ

   [ 3435 ] مسألة 46 : قد عرفت أن المضاربة من العقود الجائزة ، وأنه يجوز لكل منهما الفسخ (1) إذا لم يشترط لزومها (2) في ضمن عقد لازم ، بل أو في ضمن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   الصحيح في المقام هو التفصيل : فإنّ الخسارة إما أن تكون سابقة على الربح ، أو مقارنة له ، أو متأخرة عنه .

   ففي الأوليين ، لا ينبغي الشكّ في عدم الانعتاق إذا لم يكن الربح الحاصل فيه زائداً عن الخسارة الحاصلة ، فإنّ الصحيحة منصرفة عن هذا جزماً ، إذ الانعتاق إنما هو بمـلاك ملكيّة العامل لجزء من أبيه . ومن الواضح أ نّه مع فرض الخسران السابق يكون الربح وبمقتضى قانون المضاربة بإزائه ، ولا شيء للعامل كي ينعتق عليه .

   نعم ، لو زاد الربح عن الخسران السابق ، كان للعامل حصّته من الزيادة وينعتق الأب عليه ، على ما تقدّم تفصيله .

   وأما في الفرض الثالث ، فلا إشكال في كون الربح السابق جابراً للخسران اللاحق ، لما عرفت من كون الملاك في صدق الربح وعدمه مجموع المعاملات لا  خصوص كل معاملة على حدّه .

   إلاّ أنّ هذا لا يكشف عن عدم تحقق العتق من الأوّل ، فإنّه متحقق ، غايته أنه يجب على العامل تدارك الخسارة اللاحقة من سائر أمواله . فيكون المقام من قبيل طرو الخسارة بعد إتلاف العامل لما ملكه من الربح .

   ومما يدلّ على ما ذكرناه إطلاق صحيحة محمد بن قيس المتقدِّمة ، حيث إنّ مقتضاه تحقق الانعتاق عند ظهور الربح فيه ، سواء طرأت الخسارة بعد ذلك على المضاربة أم لم تطرأ .

   (1) تقدّم الكلام فيه في المسألة الثانية . وقد عرفت أنّ جواز الفسخ إنما هو بالنسبة إلى ما يأتي من المعاملات ، لا بالنسبة إلى ما سبق منها ، فإنها بالنسبة إليها لازمة ولا بدّ لها من العمل على وفق ما اتفقا عليه ، فليس للمالك فسخ العقد وأخذ الربح كله في قبال إعطاء اُجرة المثل .

   (2) قد عرفت في المسألة الثانية ، أنّ اشتراط اللزوم إنما ينفع فيما إذا كان على نحو

ــ[107]ــ

عقدها أيضاً ((1)) . ثمّ قد يحصل الفسخ من أحدهما . وقد يحصل البطلان والانفساخ لموت أو جنون ، أو تلف مال التجارة بتمامها ، أو لعدم إمكان التجارة لمانع ، أو نحو ذلك .

   فلا بدّ من التكلم في حكمها من حيث استحقاق العامل للاُجرة وعدمه ، ومن حيث وجوب الانضاض عليه وعدمه إذا كان بالمال عروض ، ومن حيث وجوب الجباية عليه وعدمه إذا كان به ديون على الناس ، ومن حيث وجوب الردّ إلى المالك وعدمه ، وكون الاُجرة عليه أوّلاً .

   فنقول : إما أن يكون الفسخ من المالك أو العامل ، وأيضاً إما أن يكون قبل الشروع في التجارة أو في مقدماتها أو بعده ، قبل ظهور الربح أو بعده ، في الأثناء أو بعد تمام التجارة ، بعد إنضاض الجميع أو البعض أو قبله ، قبل القسمة أو بعدها . وبيان أحكامها في طي مسائل .
ــــــــــــــ

(1) مرّ الكلام فيه [ في المسألة 3391 ] .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net