حكم كون المضاربة فاسدة - حكم من ادعى على أحد مال مضاربة بدون بيّنة 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4432


   [ 3445 ] مسألة 48 : إذا كانت المضاربة فاسدة ، فإمّا أن يكون مع جهلهما بالفساد ، أو مع علمهما، أو علم أحدهما دون الآخر . فعلى كلّ التقادير الربح بتمامه للمالك، لإذنه في التجارات(2) وإن كانت مضاربته باطلة . نعم ، لو كان الإذن مقيَّداً بالمضاربة توقّف ذلك على إجازته (3) وإلاّ فالمعاملات الواقعة باطلة (4) . وعلى عدم التقيد أو الإجازة يستحق العامل مع جهلهما لاُجرة عمله (5) .

   وهل يضمن عوض ما أنفقه في السفر على نفسه ، لتبيّن عدم استحقاقه النفقة أوْ لا لأنّ المالك سلّطه على الإنفاق مجاناً ؟ وجهان ، أقواهما الأوّل((1)) (6) ولا

ـــــــــــــــــــــــــــ
   (2) وهو يكفي في صحّتها ، حيث إنّها لا تتوقّف على صحّة عقد المضاربة ، إذ الذي يتوقف عليها إنما هو استحقاق العامل للحصّة المعيّنة من الربح .

   (3) على ما تقتضيه القاعدة في العقد الفضولي .

   (4) لفقدانها الإذن والإجازة معاً .

   (5) لاستيفاء المالك عمل الغير الصادر عن أمره لا على نحو المجانية ، فإنه موجب لضمانه له بدفع بدله ، أعني اُجرة المثل ، على ما تقتضيه السيرة القطعية ، على تفصيل في المقام يأتي .

   (6) بل الثاني . فإنّ إذن المالك له بالسفر والصرف من ماله ، لما لم يكن مقيداً بصحّة عقد المضاربة ، كان مقتضى القاعدة عدم الضمان ، إذ الضمان إنما يختص بفرض

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل أقواهما الثاني فيما إذا أذن المالك في الإنفاق مجّاناً كما في فرض عدم التقييد .

 
 

ــ[121]ــ

يضمن التلف والنقص (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التصرّف فيه بالتعدي أو التفريط ، وهو مفقود . وفي المقام تفصيل ستعرفه .

   (1) ظاهر عبارته (قدس سره) ترتب الاحكام الثلاثة ـ استحقاق اُجرة المثل وعدم ضمانه لما أنفقه في السفر على نفسه ، وعدم ضمانه للتلف والنقص ـ على فرضي عدم كون الإذن في المعاملات مقيّداً بصحّة عقد المضاربة ، والتقييد مع إجازته للمعاملات بعد ذلك ، معاً ومن دون فرق بينهما .

   إلاّ أنّ الظاهر هو التفصيل بين الفرضين .

   فعلى الأوّل : يستحقّ العامل اُجرة المثل قطعاً ، لاستيفاء المالك عمل مسلم محترم صادر عن أمره من دون قصد التبرع والمجانية ، على ما تقتضيه السيرة القطعية الممضاة من قبل الشارع المقدس ، حيث لم يرد الردع عنها .

   كما لا يضمن العامل ما أنفقه على نفسه في سفره ، حيث إنّه قد صدر عن إذنه وإجازته وإن كان عقد المضاربة فاسداً .

   وعليه فلا موجب لحكمه (قدس سره) بالضمان ، فإنه لو كان العقد صحيحاً لما كان فيه ضمان ، ففاسده يكون كذلك لنفس الملاك ، أعني صدوره عن إذنه .

   ومنه يظهر الحال فيما يتلف في يد العامل من الأموال ، فإنه لا موجب للحكم بالضمان بعد كون هذه الأموال أمانة في يده ، ولم يكن العامل متعدّياً أو مفرطاً .

   وعلى الثاني : بحيث لولا الإجازة المتأخرة لبطلت المعاملات الصادرة من العامل فحكم هذه الصور حكم باقي العقود الفضولية ، فلا يستحقّ العامل شيئاً من الربح ولا اُجرة المثل ، باعتبار أنّ المالك لم يأمره بشيء ، بل ولم يستوف من عمله شيئاً ، وإنما هو استوفى الربح بعمل نفسه بإجازته للعقد .

   ومن هنا فحكمه (قدس سره) باستحقاقه لاُجرة المثل حتى في هذه الصورة ـ على ما يظهر من عبارته ـ لا يمكن المساعدة عليه .

   وكذا الحال فيما صرفه العامل في سفره ، فإنه لا موجب لحسابه على المالك بعد أن لم يكن كلّ ذلك بإذن منه .

ــ[122]ــ

   وكذا الحال إذا كان المالك عالماً دون العامل (1) فإنه يستحق الاُجرة ، ولا يضمن التلف والنقص .

   وإن كانا عالمين ، أو كان العامل عالماً دون المالك ، فلا اُجرة له((1)) ، لإقدامه على العمل مع علمه بعدم صحّة المعاملة (2) . وربّما يحتمل في صورة علمهما أنه يستحقّ حصّته من الربح من باب الجعالة((2)) . وفيه : أنّ المفروض عدم قصدها (3) . كما أنه ربّما يحتمل استحقاقه اُجرة المثل إذا اعتقدا أنه يستحقها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ومنه يظهر الحال فيما يتلف في يد العامل ، فإنه ضامن له لا محالة بعد أن لم تكن يده يد أمانة ، حيث إنّ المالك لم يأذن له في التصرّف مطلقاً ، وإنما أذن له فيه مقيّداً بصحّة عقد المضاربة ، فإذا انتفى القيد كان المقيد مثله .

   (1) يظهر الحال فيه مما تقدّم . فإنّ الكلام في هذا الفرض ، هو الكلام في الفرض السابق من حيث الأدلّة والتفصيل حرفاً بحرف .

   (2) لكنك قد عرفت غير مرّة ، أنّ العلم بالفساد شرعاً لا يلازم الإتيان بالعمل مجاناً وبغير عوض، فإنّ العامل قاصد للعوض وإن كان يعلم بأنّ الشارع لم يمضه . ومقتضى السيرة العقلائية القطعية اقتضاء استيفاء عمل الغير الصادر عن أمره للضمان مطلقاً ، علم العامل بالفساد أو جهل ، فإنّ العبرة في عدم الضمان إنما هو بالتبرّع به وهو غير متحقق .

   (3) ظاهر هذا التعليل أنّ عدم الاستحقاق ناشئ من عدم القصد إلى الجعالة .

   وفيه : أنه لا أثر للقصد وعدمه ، وذلك لما تقدّم مراراً من عدم صحّة تمليك الإنسان ما لا يملكه بالفعل إلاّ ما خرج بالدليل ، إذ ليس له بالفعل مال وملك كي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فيه إشكال بل منع ، فإنّ العلم بفساد المعاملة شرعاً لا يستلزم الإقدام على العمل مجّاناً .

(2) المضاربة وإن كانت نوعاً من الجعالة إلاّ أ نّهما تفترقان في أنّ العامل في باب المضاربة يشترك مع المالك في الربح ، وهذا بخلاف العامل في باب الجعالة فإنّه لا يشترك مع المالك في الربح وإنّما يستحق الاُجرة التي جُعلت له .

ــ[123]ــ

مع الفساد ، وله وجه (1) وإن كان الأقوى خلافه .

   هذا كلّه إذا حصل ربح ولو قليلاً . وأما مع عدم حصوله ، فاستحقاق العامل الاُجرة ولو مع الجهل مشكل((1)) (2) لإقدامه على عدم العوض لعمله مع عدم حصول الربح .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ينقله إلى غيره ويجعله هو المالك .

   وعليه فحيث لا دليل على صحّته في الجعالة ، فلا بدّ في الجعل من كونه مالاً مملوكاً للجاعل في الخارج أو في الذمّة بالفعل ، ولما لم يكن الربح من هذا القبيل حيث لا وجود له حين الجعل ، فلا يصلح للجعل ، سواء تحقق القصد إلى الجعالة أم لم يتحقق .

   فالبطلان غير ناشئ من جهة عدم قصده لها في عقد المضاربة ، فإنه باطل حتى مع القصد .

   على أنه قد تقدّم أنّ المضاربة عين الجعالة ، وليست شيئاً في قبالها . نعم ، تمتاز هي عن سائر أفراد الجعالة بالصحّة مع مجهولية الجعل .

   (1) عرفته فيما تقدّم .

   (2) الظاهر أنه لا ينبغي الإشكال في عدم استحقاق العامل للاُجرة في الفرض . وذلك لأن الضمان في هذه الموارد لم يثبت بدليل لفظي ، كي يتمسك بإطلاقه في إثبات اُجرة المثل في مثل المورد أيضاً ، وإنما هو قد ثبت بالسيرة العقلائية القائمة على اقتضاء الأمر بعمل ذي اُجرة المثل في مثل المورد أيضاً ، وإنما هو قد ثبت بالسيرة العقلائية القائمة على اقتضاء الأمر بعمل ذي اُجرة لا مجاناً لثبوتها في ذمّة الآمر .

   ومن هنا يكون المتبع في الحكم هو السيرة القطعية . وحيث إنّه لا ينبغي الشك في عدم ثبوت شيء على الآمر غيره بعمل مجاناً ومن غير اُجرة مطلقاً أو على تقدير دون تقدير ، سواء أقصد العامل التبرع أيضاً أم لم يقصده إذ لا أثر لقصده ، فلا ينبغي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر أ نّه لا إشكال في عدم استحقاقه .

ــ[124]ــ

   وعلى هذا ففي صورة حصوله أيضاً يستحقّ أقلّ الأمرين ، من مقدار الربح واُجرة المثل(1) . لكن الأقوى خلافه ، لأن رضاه بذلك كان مقيّداً بالمضاربة (2) . ومراعاة الاحتياط في هذا وبعض الصور المتقدِّمة أوْلى .

   [ 3446 ] مسألة 49 : إذا ادّعى على أحد أنه أعطاه كذا مقداراً مضاربة وأنكر ، ولم يكن للمدعي بيِّنة ، فالقول قول المنكر مع اليمين (3) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإشكال في عدم ثبوت الاُجرة للعامل في المقام . فإنّ المالك إنما جعل له الحصّة من الربح على تقدير تحققه ، ولم يجعل له شيئاً من ماله الخاص ، وهو إنما يعني أنّ المالك إنّما أمره بالعمل على تقدير عدم الربح مجاناً وبغير عوض ، ومعه فلا يكون وجه للضمان .

   والحاصل أنّ الضمان إنما يثبت عند الأمر بالعمل لا مجاناً ، وأما مع كون الأمر به مقيَّداً بالمجانية ولو على تقدير ـ على فرض تحققه ـ فلا موجب للضمان .

   (1) ظهر وجهه ما تقدّم . فإنّ الأمر إنما يقتضي الضمان بالمقدار الذي التزم به الآمر وأما الزائد عنه فلا دليل عليه . وأما مع زيادة الاُجرة عن الحصّة ، فلإقدام العامل على العمل على أن لا يستحق الزائد عن هذا المقدار .

   (2) إلاّ أنك قد عرفت أنّ العبرة إنما هي بما التزم به الآمر على نفسه ، لا برضا العامل وعدمه . على أننا لو التزمنا بكون رضا العامل مقيَّداً بصحّة المضاربة ، لكان لازمه القول بعدم استحقاق العامل شيئاً بالمرّة ، لأنّ كون رضا العامل مقيَّداً بها يستلزم كون رضا المالك وأمره له مقيداً بها أيضاً ، وهذا يعني فساد جميع العقود الصادرة منه لكونه فضولياً وتوقف صحّتها على الإجازة ، فإذا أجاز صحت المعاملات بها ، ومعه فلا يستحق العامل شيئاً من الربح أو اُجرة المثل ، على ما تقدّم .

   (3) على ما تقتضيه قواعد القضاء . فإن أقام المدّعي البيّنة فهو ، وإلاّ فله إحلاف المنكر . فإن حلف فهو ، وإن نكل عن اليمين ولم يردّها على المالك أيضاً ، اُلزم بدفع المال إن كانت عيناً معيّنة ، وإلاّ فبدله .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net