التنازع في التلف - التنازع في مقدار حصّة العامل - التنازع في أصل المضاربة أو تسليم المال 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4343


   [ 3449 ] مسألة 52: لو ادّعى العامل التلف وأنكر المالك، قدِّم قول العامل، لأنّه أمين((1))(2) سواء كان بأمر ظاهر أو خفي .

 ــــــــــــــــــــــــــ
   (2) تقدّم التعرّض لهذه المسألة في مسائل تنازع المالك والمستأجر من كتاب الإجارة . وحيث إنّها لا تخلو عن غموض ، فلا بأس بإعادة التعرض لها ثانياً ، لبيان ما هو الحقّ في المقام ويقتضيه التحقيق جلياً .

   فنقول : لهذه المسألة صور أربع :

   الاُولى : ما إذا كان العامل غير مأمون ، وادّعى تلف المال بغير تفريط حتى ينفي عن نفسه الضمان للمالك ، وادّعى المالك في قباله إتلافه للمال عمداً أو تفريطه في تلفه أو عدم تلفه أصلاً ، فطالبه بالعين أو ببدلها .

   والمشهور في هذه الصورة بل ادّعي عليه الإجماع ، أنه ليس على العامل إلاّ اليمين وعلى المالك المدّعي للضمان إقامة البيّنة على خلاف ما يدّعيه العامل .

   غير أنّ الشهيد الثاني (قدس سره) نسب في المسالك إلى المشهور مطالبة العامل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا إذا لم يكن متّهماً ، وإلاّ فيستحلف .

ــ[129]ــ

بالبيّنة (1) .

   أقول : لا يخفى أنّ الموافق لقواعد القضاء وعمومات كون البيّنة على المدّعي واليمين على من ادُّعي عليه ، هو ما ادُّعي عليه الإجماع ، نظراً لكون المالك هو المدّعي للضمان على العامل .

   إلاّ أنّ المستفاد من النصوص الخاصّة ، كون المطالب بالبيّنة في محل الكلام هو العامل . وعليه فيتعين رفع اليد عن العمومات ، والحكم بإلزام العامل بالبيِّنة .

   بيان ذلك : أنّ الروايات الواردة في المقام على ثلاث طوائف :

   الطائفة الاُولى : ما دلّ على ضمان العامل ، وأ نّه لا بدّ له في دفع الضمان عن نفسه من إثبات مدّعاه . وهي عدّة روايات :

   منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال في الغسال والصبّاغ : «ما سرق منهم من شيء ، فلم يخرج منه على أمر بيّن إنه قد سرق وكل قليل له أو كثير فإن فعل فليس عليه شيء. وإن لم يقم البيّنة وزعم أنه قد ذهب الذي ادّعي عليه، فقد ضمنه إن لم يكن له بيّنة على قوله»(2).

   ومنها : صحيحة ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن قصّار دفعت إليه ثوباً فزعم أنه سرق من بين متاعه ، قال : «فعليه أن يقيم البيّنة أنه سرق من بين متاعه وليس عليه شيء ، فإن سرق متاعه كله فليس عليه شيء» (3) .

   ومنها : معتبرة السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يضمّن الصبّاغ والقصّار والصائغ احتياطاً على أمتعة الناس» (4) .

   ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سئل عن رجل جمّال

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مسالك الافهام 4 : 374 ـ 375 .

(2) الوسائل ، ج 19 كتاب الاجارة ، ب 29 ح 2 .

(3) الوسائل ، ج 19 كتاب الاجارة ، ب 29 ح 5 .

(4) الوسائل ، ج 19 كتاب الاجارة ، ب 29 ح 6 .

ــ[130]ــ

استكري منه إبلاً وبعث معه بزيت إلى أرض ، فزعم أنّ بعض زقاق الزيت انخرق فاهراق ما فيه ، فقال : «إن شاء أخذ الزيت ، وقال : إنه انخرق ، ولكنه لا يصدق إلاّ ببيّنة عادلة» (1) .

   ومنها : صحيحته عنه (عليه السلام) أيضاً ، في رجل حمل مع رجل في سفينته طعاماً فنقص ، قال : «هو ضامن» الحديث (2) . ونحوها غيرها .

   فإنّ هذه الروايات المعتبرة تدلّ وبوضوح على ضمان العامل في فرض دعواه التلف ، ما لم يقم بيّنة عادلة على صدق ما يقوله .

   الطائفة الثانية : ما دلّ على عدم ضمان العامل عند دعواه التلف . وهي عدّة روايات :

   منها : معتبرة يونس ، قال : سألت الرضا (عليه السلام) عن القصّار والصائغ أيضمنون ؟ قال : «لا يصلح إلاّ أن يضمنوا» (3) .

   وهذه الرواية معتبرة سنداً وإن كان في طريقها إسماعيل بن مرار ، فإنه ثقة على الأصحّ لوروده في إسناد تفسير علي بن إبراهيم . وقد دلّت على عدم تضمين العامل مطلقاً ، إلاّ أن يشترط عليه الضمان في ضمن العقد .

   ومنها : صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الصبّاغ والقصار ، فقال : «ليس يضمنان» (4) .

   الطائفة الثالثة : ما دلّ على التفصيل بين المتهم وغيره ، حيث يضمن الأوّل دون الثاني . وهي عدّة روايات أيضاً :

   منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يضمِّن القصّار والصائغ احتياطاً للناس ، وكان أبي يتطوّل عليه إذا كان

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 19 كتاب الاجارة ، ب 30 ح 1 ، 2 .

(2) الوسائل ، ج 19 كتاب الاجارة ، ب 30 ح 1 ، 2 .

(3) الوسائل ، ج 19 كتاب الاجارة ، ب 29 ح 9 .

(4) الوسائل ، ج 19 كتاب الاجارة ، ب 29 ح 14 .

ــ[131]ــ

مأموناً» (1) . حيث دلّت على تضمينه (عليه السلام) لمن لم يكن مأموناً .

   ومنها : معتبرة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «كان علي (عليه السلام) يضمِّن القصّار والصائغ ، يحتاط به على أموال الناس . وكان أبو جعفر (عليه السلام) يتفضّل عليه إذا كان مأموناً» (2) . وهي في الدلالة كسابقتها .

   ومنها : صحيحة جعفر بن عثمان ـ الرواسي الثقة ـ قال : حمل أبي متاعاً إلى الشام مع جَمّال فذكر أنّ حملاً منه ضاع ، فذكرت ذلك لأبي عبدالله (عليه السلام) فقال : «أتتهمه» ؟ قلت : لا . قال : «فلا تضمِّنه» (3) . وهي تدلّنا بمنطوقها ومفهومها على أنّ التضمين إنما يختصّ بصورة الاتهام ، ولا يثبت في غيرها .

   ومنها : معتبرة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الجمّال يكسر الذي يحمل أو يهريقه ، قال : «إن كان مأموناً فليس عليه شيء ، وإن كان غير مأمون فهو ضامن» (4) . ولا إشكال في أن السؤال في هذه المعتبرة إنما هو عن حكم التلف ، وإلاّ فلا فرق في ضمان المتلف بين المأمون وغيره جزماً .

   ومما يؤيد هذا الطائفة رواية خالد بن الحجاج كما في الكافي ، أو الحجال كما في التهذيب ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الملاح أحمله الطعام ثمّ أقبضه منه فينقص ، قال : «إن كان مأموناً فلا تضمّنه» (5) .

   فإنها وإن كانت صريحة في المدعى ، إلاّ أنها قاصرة من حيث السند ، فإنّ خالد بن الحجال لا وجود له على الإطلاق ، لا في كتب الرجال ولا في كتب الحديث ، ما عدا نسخة التهذيب من هذه الرواية والمظنون قويّاً وقوع التحريف فيها ، والصحيح ما في الكافي فإنّ الكليني أضبطُ في النقل . وخالد بن الحجاج لم يُوَثَّق . ومن هنا فلا تصلح هذه الرواية إلاّ لتأييد هذه الطائفة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 19 كتاب الاجارة ، ب 29 ح 4 ، 12 .

(2) الوسائل ، ج 19 كتاب الاجارة ، ب 29 ح 4 ، 12 .

(3) الوسائل ، ج 19 كتاب الاجارة ، ب 30 ح 6 ، 7 .

(4) الوسائل ، ج 19 كتاب الاجارة ، ب 30 ح 6 ، 7 .

(5) الوسائل ، ج 19 كتاب الاجارة ، ب 30 ح 3 .

ــ[132]ــ

   ثمّ إنّ الطائفتين الاُوليين وإن كانتا متعارضتين بالتباين ، حيث دلّت الاُولى على الضمان في حين صرّحت الثانية بعدمه ، إلاّ أنّ الطائفة الثالثة تقيِّد كلاًّ منهما ، وبذلك يرتفع التعارض بينهما . وتكون النتيجة عدم ضمان العامل فيما إذا كان مأموناً من غير أن يطلب منه الإثبات بإقامة البيّنة على دعواه ، بخلاف ما إذا كان متَّهماً حيث يطالب بإثبات ما ادعاه وإلاّ تعيّن الضمان عليه .

   بقي الكلام في أنه هل للمالك ، في فرض كون العامل متهماً ، مطالبته بالحلف بدلاً عن مطالبته بالبيّنة ؟

   وبعبارة اُخرى : هل المالك في صورة اتهام العامل مخيّر بين مطالبته بإقامة البيّنة على التلف وبين مطالبته بالحلف عليه، أم إنه ليس للمالك إلاّ مطالبة العامل بالإثبات ؟

   الظاهر هو الأوّل ، وذلك لوجوه :

   الأوّل : إنّ جواز مطالبة المالك العامل بالبيّنة حقّ له ، وله أن يرفع اليد عنه ويرضى بحلفه بدلاً عنه .

   نعم ، لا يترتب على هذا الوجه إلزامه العامل بالحلف ، فإنّ للعامل الامتناع عنه وإقامة البيّنة على ما يدّعيه .

   الثاني : عمومات ما دلّ على أن البيّنة على المدّعي واليمين على المدعى عليه ، فإنّها غير قاصرة عن شمول محلّ الكلام ، لأنها وإن خصّصت فيه بالنسبة إلى مطالبة المدّعي بالبيّنة ، حيث دلّت النصوص الخاصة على مطالبتها من المدَّعى عليه ، إلاّ أنها لم تدلّ على عدم جواز مطالبة الحلف منه ، فتبقى العمومات على حالها وسليمة عن المخصص من هذه الناحية ، وبذلك فيثبت للمالك مطالبة العامل باليمين .

   نعم ، يختص هذا الوجه بما إذا كان المالك مدّعياً لخلاف ما يدّعيه العامل جزماً وإلاّ فليس له حقّ الدعوى عليه بمقتضى العمومات .

   الثالث : صحيحة أبي بصير يعني المرادي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «لا يضمن الصائغ ولا القصار ولا الحائك إلاّ أن يكونوا متهمين ، فيخوف بالبيّنة

ــ[133]ــ

ويستحلف لعله يستخرج منه شيئاً» . الحديث (1) .

   وجه الدلالة : أن جملة «ويستحلَف» معطوفة على جملة «فيخوَّف» فتدلّ الصحيحة أنه كما يخوَّف العامل بالبيّنة يُطلب منه اليمين .

   بل لو كنا نحن وهذه الصحيحة ، لحكمنا بأنّ وظيفة العامل هو الحلف فقط ، لكننا وبلحاظ الروايات السابقة نحكم بتخيير المالك بين مطالبة البيّنة والحلف .

   وأمّا ما تقدّم منّا في كتاب الإجارة من المناقشة في دلالة الصحيحة على جواز الاستحلاف ، فلم يكن في محلّه ، والظاهر هو التخيير كما عرفت .

   ومما يؤيد ذلك ما رواه الشيخ بإسناده عن بكر بن حبيب ، قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أعطيت جبة إلى القصّار فذهبت بزعمه، قال: ان اتهمته فاستحلفه وإن لم تتهمه فليس عليه شيء»(2).

   وما رواه أيضاً عنه عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال : «لا يضمن القصّار إلاّ ما جنت يده ، وإن اتهمته أحلفته» (3) .

   الصورة الثانية : ما إذا كان العامل غير مأمون وادّعى التلف بغير تفريط ، ولم يدَّعِ المالك عليه شيئاً لعدم جزمه بكذب العامل في دعواه واحتمال صدقه .

   وفيها لو كنا نحن ولم تكن الروايات الخاصة المتقدِّمة ، لحكمنا بعدم ضمان العامل حيث لا يدّعي المالك عليه الضمان .

   غير أنّ الروايات الخاصة المتقدِّمة ، والدالّة على ضمان العامل إذا كان متهماً في نفسه وغير مأمون، غير قاصرة  الشمول عن هذه الصورة. وعليه فيكون حكمها حكم سابقتها في تخيّر المالك بين مطالبة العامل بالبيّنة أو اليمين ، وإلاّ فالعامل ضامن للمال .

   الصورة الثالثة : ما إذا كان العامل مأموناً وادّعى التلف بغير تفريط ولم يدَّع المالك عليه شيئاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 19 كتاب الاجارة ، ب 29 ح 11 .

(2) الوسائل ، ج 19 كتاب الاجارة ، ب 29 ح 16 .

(3) الوسائل ، ج 19 كتاب الاجارة ، ب 29 ح 17 .

ــ[134]ــ

وكذا لو ادّعى الخسارة ، أو ادّعى عدم الربح (1) أو ادّعى عدم حصول المطالبات في النسيئة ، مع فرض كونه مأذوناً في البيع بالدين .

   ولا فرق في سماع قوله بين أن تكون الدعوى قبل فسخ المضاربة أو بعده(2) . نعم ، لو ادّعى بعد الفسخ التلف بعده ، ففي سماع قوله لبقاء حكم أمانته ، وعدمه لخروجه بعده عن كونه أميناً ، وجهان((1)) (3) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وفيها لا إشكال في عدم ضمان العامل ، وأنه لا يلزم بشيء من الحلف أو إقامة البيّنة ، إذ لا مقتضي لشيء منهما بعد عدم توجه دعوىً إليه من قبل المالك ، بل الروايات المتقدِّمة واضحة الدلالة على عدم التضمين في هذه الصورة .

   الصورة الرابعة : ما إذا كان العامل مأموناً في نفسه وادّعى التلف بغير تفريط ، إلاّ أن المالك اتهمه وادّعى عليه الإتلاف أو التلف بتعدٍّ أو تفريط .

   وفيها يكون المالك هو المطالَب بالبيّنة ، إلاّ أنّ له إحلاف العامل ، على ما تقتضيه موازين القضاء .

   وما تقدّم من الروايات الدالّة على التضمين قاصرة الشمول لمثل هذه الصورة مضافاً إلى أنّ صحيحة جعفر بن عثمان المتقدِّمة دلّت على جواز التضمين في فرض الاتهام .

   (1) في خصوص الفرض ، حيث يكون التنازع في أمر زائد عن رأس المال فللمالك إقامة الدعوى إن كان جازماً بما يدعيه ، إذ بدونه ليس له حق الدعوى .

   وعليه فإن أقام البيّنة فهو ، وإلاّ فله إحلاف العامل . فإن حلف فهو ، وإلاّ فله ردّه على المالك ، وإلاّ اُلزم به ، على ما تقتضيه موازين القضاء .

   (2) لإطلاق الأدلّة .

   (3) أظهرهما الأوّل . إذ لم يظهر وجه خروج يده عن الأمانة ، فإنّ المالك هو الذي سلّمه المال وسلطه عليه، ليكون أمانة عنده حتى يرده إليه، ومقتضاه كونه كذلك

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أظهرهما الأوّل .

ــ[135]ــ

   ولو أقرّ بحصول الربح ، ثمّ بعد ذلك ادّعى التلف أو الخسارة، وقال: إني اشتبهت في حصوله، لم يسمع منه، لأنه رجوع عن إقراره((1)) الأوّل (1) . ولكن لو قال : ربحت ثمّ تلف ، أو ثمّ حصلت الخسارة ، قُبل منه (2) .

   [ 3450 ] مسألة 53 : إذا اختلفا في مقدار حصّة العامل ، وأنه نصف الربح مثلاً أو ثلثه ، قدِّم قول المالك (3) .

   [ 3451 ] مسألة 54: إذا ادّعى المالك أني ضاربتك على كذا مقدار وأعطيتك فأنكر أصل المضاربة، أو أنكر تسليم المال إليه، فأقام المالك بيّنة على ذلك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حتى بعد الفسخ وقبل الردّ .

   نعم ، لو طالبه المالك به وامتنع ، خرجت يده عن الأمانة واتصفت بالعدوان لا محالة ، إلاّ أنه خلاف المفروض في المقام .

   (1) في كون هذا رجوعاً عن الإقرار السابق إشكال ، بل منع . فإنه ليس من الإنكار بعد الإقرار ، حيث لا يتّحد مورده مع ما ورد عليه الإنكار ، وإنما هو من الدعوى على خلاف ظاهر الكلام ، فإنّ ظاهر كلّ كلام صادر من عاقل شاعر ملتفت هو صدوره عن جدّ ومن غير غلط فيه .

   وبعبارة اُخرى : إنّ دعوى الاشتباه في المقام إنما يصطدم مع ظهور كلامه في الجد وعدم الغلط ، ولا يصطدم مع إقراره السابق .

   إلاّ أن هذا لا يعني سماع دعواه في ذلك ، بل لا بدّ له من الإثبات نظراً لحجية ظهور الكلام لدى العقلاء . فإن أثبت سمعت دعواه ، وإلاّ فلا .

   (2) إذا لم يكن متهماً على ما تقدّم .

   (3) وعلى العامل الإثبات ، على ما تقتضيه موازين الدعوى .

   وقد يتوهم كون المقام من التداعي ، باعتبار أنّ المتيقن في استحقاق كلّ منهما من

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا ليس رجوعاً عن إقراره ، بل هو دعوى على خلاف ظاهر كلامه وهي لا تسمع ما لم تثبت شرعاً .

ــ[136]ــ

فادّعى العامل تلفه ، لم يُسمع منه((1)) واُخذ بإقراره المستفاد من إنكاره الأصل (1) . نعم ، لو أجاب المالك بأني لست مشغول الذمّة لك بشيء ، ثمّ بعد الإثبات ادّعى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المال هو ما يعترف الآخر له . فالمتيقن من حصّة المالك هو ما يعترف به العامل ، ومن حصّة العامل هو ما يعترف به المالك ، ويكون الباقي هو محل الخلاف بينهما ، فكل منهما يدعيه ، وبذلك فيكون من التداعي .

   إلاّ أنه في غاية الضعف . وذلك لما ذكرناه في باب القضاء ، من أنّ الروايات الواردة فيه على كثرتها لم تتعرض لتحديد المدّعي والمنكر ، حيث لم يرد في ذلك ولا نص ضعيف .

   ومن هنا فلا بدّ من الرجوع إلى العرف ، ومقتضاه كون المطالب بالإثبات هو المدّعي وصاحبه المنكر .

   وعلى ضوء هذا ففيما نحن فيه ، تكون الأرباح بأكملها ـ وبمقتضى قانون تبعية النماء للعين ـ للمالك إلاّ ما أخرجه عنه باختياره ، وحيث إنّ المتيقن فيه هو ما يعترف به المالك ، فعلى العامل الإثبات في الزائد عنه . وعليه فلا مجال للتحالف .

   (1) حيث إنّ إنكار المضاربة أو تسلّم المال تكذيب لدعواه التلف ، لأنه فرع تسلمه منه ، إذ لا يمكن إتلاف المعدوم .

   وعليه فللمالك مطالبته بأداء نفس العين ، لخروج يده عن وصف الأمانة ، ما لم يثبت تلفه بالبيّنة ، وإلاّ فينتقل الأمر إلى مطالبة البدل لا محالة ، لامتناع ردّها بنفسها .

   هذا وقد يقال : إنه لا أثر للبيّنة في المقام ، نظراً لاعتراف العامل بعدم التلف ، فإنه بإنكاره تسلُّمَ المال معترف بعدمه لتوقّفه عليه ، فلا تسمع بيّنته ، لأنها لا تكون حجة في مقابل الإقرار . وعليه فيلزم العامل بردّ العين ، وإلاّ فيحبس ، على ما هو مقتضى القضاء .

   وفيه : أنّ تكذيبه لنفسه في دعوى التلف ليس تكذيباً على الإطلاق ، فإنّ العامل

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فللمالك أن يطالبه بنفس العين، نعم إذا أقام العامل البيِّنة على التلف، طالبه المالك بدفع البدل.

ــ[137]ــ

التلف ، قُبل منه ، لعدم المنافاة بين الإنكار من الأوّل وبين دعوى التلف (1) .
ــــــــــــــــــــــــــ

إنما اعترف بعدم التلف من باب القضية السالبة بانتفاء الموضوع خاصة ، وأما التلف على نحو القضية السالبة بانتفاء المحمول فلم يعترف به ولم ينكره أيضاً ، فإنّ كلامه ساكت عن هذه الناحية ـ أعني التلف أو عدمه ـ على تقدير ثبوت أخذه للمال .

   وعليه فاللاّزم على العامل أوّلاً هو أداء العين بنفسها لاستصحاب بقائها عنده ، إلاّ أنه إذا أثبت تلفها بالبيّنة طولب بالبدل .

   والحاصل أنه ليس معنى عدم سماع قوله، مطالبته بالعين مطلقاً وعلى كل تقـدير كما يظهر ذلك من عبارة الماتن (قدس سره) . وإنما معناه أنه ليس كسائر العملاء في القول بعدم ضمانه مطلقاً على ما اختاره الماتن (قدس سره) ، أو مع عدم التهمة على ما اخترناه ، لأن يده قد خرجت عن الأمانة واتصفت بالخيانة والعدوان ، فلا يقبل قوله إلاّ مع إقامة البيّنة على التلف فيطالب ببدلها .

   (1) وحينئذ فيكون الحكم ما تقدّم في المسألة الثانية والخمسين ، من سماع قوله مطلقاً على ما اختاره الماتن (قدس سره) ، أو في خصوص فرض عدم التهمة على ما اخترناه .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net