عدم اعتبار العلم بمقدار الدَّين ولا جنسه - بالضمان ينتقل الحق إلى ذمّة الضامن 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3995


ــ[408]ــ

   [ 3568 ] مسألة 1 : لا يشترط في صحّة الضمان العلم بمقدار الدَّين ، ولا بجنسه . ويمكن أن يستدلّ عليه ، مضافاً إلى العمومات العامة (1) وقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : «الزعيم غارم» (2) بضمان علي بن الحسين (عليه السلام) لدين عبدالله بن الحسن ، وضمانه لدين محمّد بن اُسامة (3) .

   لكن الصحّة مخصوصة بما إذا كان له واقع معيّن، وأمّا إذا لم يكن كذلك

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) بل عمومات أدلّة الضمان ، حيث لم يعتبر في شيء منها كون الدَّين معـلوماً ومن هنا فمقتضاها الصحة حتى مع الجهل بالدَّين .

   وهذا الدليل هو العمدة في الحكم ، وإلاّ فسائر الأدلّة لا تخلو عن المناقشة ، كما ستعرفها .

   (2) الرواية نبويّة لم تثبت عن طرقنا ، بل في معتبرة الحسن بن خالد تكذيب ذلك فقد ورد في روايته عن أبي الحسن (عليه السلام) أنه قال له : جعلت فداك ، قول الناس الضامن غارم ، قال : فقال : «ليس على الضامن غرم ، الغرم على من أكل المال» (1) .

   ومن هنا فلا مجال للاعتماد عليها والاستدلال بها .

   (3) أمّا الأوّل فقد رواه الصدوق في الفقيه مرسلاً ، حيث قال (قدس سره) : روي أنه احتضر عبدالله بن الحسن فاجتمع إليه غرماؤه فطالبوه بدَين لهم ، فقال لهم : ما عندي ما اُعطيكم ، ولكن ارضوا بمن شئتم من أخي وبني عمي علي بن الحسين أو عبدالله بن جعفر . فقال الغرماء : أما عبدالله بن جعفر فمليّ مطول ، وأمّا علي بن الحسين فرجل لا مال له صدوق وهو أحبّهما إلينا ، فأرسل إليه فأخبره الخبر ، فقال (عليه السلام) : «أضمن لكم المال إلى غلّة» ولم يكن له غلّة ، فقال القوم : قد رضينا فضمنه فلما أتت الغلّة أتاح الله له المال فأدّاه (2) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 18 كتاب الضمان ، ب 1 ح 1 .

(2) الوسائل ، ج 18 كتاب الضمان ، ب 5 ح 1 .

ــ[409]ــ

ـ  كقولك : ضمنت شيئاً من دَينك ـ  فلا يصحّ (1) . ولعله مراد من قال : إنّ الصّحة إنما هي فيما إذا كان يمكن العلم به بعد ذلك . فلا يرد عليه ما يقال : من عدم الإشكال في الصحّة مع فرض تعيّنه واقعاً . وإن لم يمكن العلم به فيأخذ بالقدر المعلوم .

   هذا وخالف بعضهم فاشترط العلم به ، لنفي الغرر والضرر . وردّ بعدم العموم في الأوّل ، لاختصاصه بالبيع أو مطلق المعاوضات (2)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأمّا الثاني فقد رواه فضيل وعبيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «لما حضر محمد بن اُسامة الموت دخل عليه بنو هاشم ، فقال لهم : قد عرفتم قرابتي ومنزلتي منكم ، وعليَّ دَين فاُحبّ أن تقضوه عنّي ، فقال علي بن الحسين (عليه السلام) : ثلث دَينك عليَّ ، ثمّ سكت وسكتوا . فقال علي بن الحسين (عليه السلام) : عليَّ دينك كلّه ثمّ قال علي بن الحسين (عليه السلام) : أما إنه لم يمنعني أن أضمنه أوّلاً ، إلاّ كراهة أن يقولوا سبقنا» (1) .

   إلاّ أنّ الإرسال في الرواية الاُولى ، ووقوع عبيدالله الدهقان المردد بين عبيدالله بن أحمد الدهقان المجهول وعبيدالله بن عبدالله الدهقان الذي ضعّفه النجاشي صريحاً (2) يمنعان من الاعتماد عليهما والتمسّك بهما في مقام الاستدلال .

   على أنهما لا يتضمّنان إلاّ بيان قضية في واقعة ، فلا إطلاق لهما كي يتمسّك به في مقام نفي الشرط المشكوك ، ولعلّه (عليه السلام) كان يعلم بمقدار الدَّين الذي عليهما .

   (1) بلا خلاف فيه بين الأصحاب ، إذ يستحيل فراغ ذمّة المضمون عنه واشتغال ذمّة الضامن بالنسبة إلى ما لا تعيّن له واقعاً .

   (2) حيث ألحقها الفقهاء بالبيع ، فلا يشمل الضمان ونحوه مما لا يتضمّن المعاوضة .

   على أنه لا غرر في المقام بالمرّة . فإنّ الضامن سيأخذ بمقدار ما يدفعه إلى الدائن من المدين قلّ أو كثر ومن غير أن ينقص منه شيء على الإطلاق ، حاله حال القرض

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 18  كتاب الضمان ، ب 3 ح 1 .

(2) رجال النجاشي : 231  ترجمة رقم 614 .

ــ[410]ــ

وبالإقدام في الثاني (1) .

   ويمكن الفرق ((1)) بين الضمان التبرعي والإذني ، فيعتبر في الثاني دون الأوّل ، إذ ضمان علي بن الحسين (عليه السلام) كان تبرعياً (2) . واختصاص نفي الغرر بالمعاوضات ممنوع ، بل يجري في مثل المقام الشبيه بالمعاوضة (3) إذا كان بالإذن مع قصد الرجوع على الآذن . وهذا التفصيل لا يخلو عن قرب .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حيث يصحّ إقراض ما في الكيس حتى مع الجهل بمقداره اتفاقاً . ومن غير أن يشمله دليل نفي الغرر ، إذ لا خطر على الدائن في المقام بعد ثبوت معادل ما يأخذه في ذمّة المدين .

   والحاصل أنه لا  أثر للعلم أو الجهل بالمقدار في الحكم بالبطلان وتحقّق الغرر . فإنّ الخطر إنما يتصوّر في مثل البيع مما يختلف فيه العوضان ، ويكون مبناه على المغابنة بمعنى الاسترباح ودفع الأقل بإزاء أخذ الأكثر ، حيث يحتمل فيه الخسارة . ولا يتصوّر في مثل المقام ، حيث يستوفي الضامن بمقدار ما يدفعه إلى المضمون له .

   (1) فإنّ دليل «لا  ضرر» إنما ينظر إلى ارتفاع الأحكام الإلزامية به ، فلا دلالة فيه على عدم جواز إلقاء النفس في الضرر ، ولذا لم يستشكل أحد في صحّة الهبة ونحوها باعتبار استلزامها للضرر .

   والحاصل أنّ دليل «لا ضرر» بنفسه قاصر عن شمول الضمان قلّ أو كثر ، فإنه لا يدلّ إلاّ على نفي إلزام الشارع بالحكم الضرري .

   (2) قد عرفت الإشكال فيه فيما تقدّم .

   (3) فيه إشكال ظهر مما تقدّم . فإنه لا عموم لدليل نفي الغرر ، على أنه لا غرر في المقام إطلاقاً ، حيث إنه سيأخذ من المضمون عنه بمقدار ما يؤدّيه للمضون له .

   والحاصل أنه لا فرق في عدم عموم الدليلين ـ نفي الضرر ونفي الغرر ـ للضمان بين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لكنه بعيد .

ــ[411]ــ

   [ 3569 ] مسألة 2 : إذا تحقّق الضمان الجامع لشرائط الصحّة انتقل الحقّ من ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن ، وتبرأ ذمّة المضمون عنه ، بالإجماع والنصوص (1) . خلافاً للجمهور ، حيث إنّ الضمان عندهم ضمّ ذمّة إلى ذمّة . وظاهر كلمات الأصحاب عدم صحّة ما ذكروه ، حتى مع التصريح به على هذا النحو . ويمكن الحكم ((1)) بصحّته حينئذ ، للعمومات (2) .

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كونه تبرعياً أو إذنياً ، فإنهما وعلى كلا التقديرين غير شاملين له .

   وعليه فالقول بالجواز مطلقاً هو الأقرب .

   (1) كصحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام)، في الرجل يموت وعليه دين فيضمنه ضامن للغرماء ، فقال : «إذا رضي به الغرماء ، فقد برئت ذمّة الميت» (2) .

   (2) لم يظهر مراده (قدس سره) من العمومات في المقام . فإن أدلّة الضمان وبأجمعها واردة في نقل الدَّين من ذمّة إلى اُخرى ، وليس فيها ما يقتضي صحّته حتى على نحو ضمّ ذمّة إلى اُخرى كي يتمسّك به في المقام .

   والعمومات العامة غير شاملة له أيضاً . فإن اشتغال ذمّة شخص ـ الضامن ـ بالنسبة إلى غيره مجاناً وبلا عوض ، غير داخل في عنوان التجارة ، ولا يشمله الأمر بالوفاء بالعقود ، إذ العقد ربط لالتزام الطرفين المتعاقدين ، فلا يصدق على ما يكون الالتزام فيه من طرف واحد خاصّة . ولو صحّ ذلك للزم القول بصحّته في غير موارد الدَّين كموارد الالتزام الابتدائي ، والحال أنه باطل ولم يقل بصحّته أحد على الإطلاق .

   فإنّ اشـتغال الذمّة ليس أمراً اختيارياً للمكلف بحيث يكون له ذلك كيفما شاء وإنما هو متوقف على أسبابه الخاصة ، من تجارة أو استيلاء أو إتلاف أو الشرط في ضمن العقد ـ بناءً على أنه يوجب الملكيّة ـ فلا يحصل من دونها .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لكنه ضعيف جداً .

(2) الوسائل ، ج 18 كتاب الضمان ، ب 2 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net