حكم ضمان درك الثمن للمشتري - حكم ضمان أرش المعيب 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4843


   [ 3606 ] مسألة 39: يجوز عندهم بلا خلاف بينهم ضمان درك الثمن للمشتري إذا ظهر كون المبيع مستحقّاً للغير، أو ظهر بطلان البيع لفقد شرط من شروط صحّته إذا كان ذلك بعد قبض الثمن كما قيّد به الأكثر، أو مطلقاً كما أطلق آخر، وهو الأقوى(2). قيل: وهذا مستثنى((1))

 ــــــــــــــــــــــــــــ
   (2) لما عرفته في المسألة السابقة من كون صحّة هذا الضمان بالمعنى الذي ذكرناه على القاعدة ، وعدم توقّفه على وجود ضامن سابق للمال .

   بل لا يبعد دعوى كون الحكم بصحّة الضمان قبل القبض أولى منه بعده . فإنّ ضمانه قبل القبض يستلزم وبالطبع أمره للمضمون له ـ البائع أو المشتري ـ بالإقباض ، إذ إنّ ضمانه لعهدة الثمن أو المثمن ليس إلاّ أمر مالكه بدفعه إلى صاحبه ، مع التزامه وتعهده ـ الضامن ـ بتدارك ما بإزائه عند ظهور كونه مستحقاً للغير .

   وهذا بخلاف الضمان بعد القبض ، فإنه لما لم يكن الإقباض عن أمره ، يكون الحكم بصحّة تعهده أخفى منه في الأوّل .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الاستثناء لم يثبت ، بل الحال فيه هو الحال في ضمان بقية الأعيان الخارجية ، وبذلك يظهر حال بقية المسألة .

ــ[470]ــ

من عدم ضمان الأعيان (1) .

   هذا وأمّا لو كان البيع صحيحاً ، وحصل الفسخ بالخيار أو التقايل أو تلف المبيع قبل القبض ، فعلى المشهور لم يلزم الضامن فيرجع على البائع ، لعدم ثبوت الحق وقت الضمان (2) فيكون من ضمان ما لم يجب . بل لو صرّح بالضمان إذا حصل

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) وفيه : أنّ الضمان إن كان بالمعنى المصطلح ، فهو غير قابل للحكم بصحّته مطلقاً ، لدورانه بين ضمان ما لم يجب الذي عرفت عدم معقوليته ، والضمان المعلّق الذي عرفت بطلانه بالإجماع ، بلا فرق فيه بين المقام وغيره .

   وإن كان بالمعنى الذي ذكرناه ، فصحّته ، على القاعدة مطلقاً أيضاً ، ولا وجه لجعل هذا الفرد مستثنى مما سبق .

   والحاصل أنه لا وجه للاستثناء في المقام على التقديرين . فإنه إن صحّ ضمان الأعيان الخارجية بحمله على المعنى الذي ذكرناه، فالصحّة هنا على القاعدة أيضاً، وإلاّ فالضمان في المقام أيضاً محكوم بالبطلان ، إذ لا يختلف فيما لا يعقل أو المجمع على بطلانه بين المقام وغيره .

   (2) إذ الثمن قد انتقل من ملك المشتري إلى ملك البائع جزماً ، كما انتقل المثمن من ملك البائع إلى ملك المشتري قطعاً ، فانقطعت علاقة كلّ منهما عما كان يملكه قبل العقد وأصبح ملكاً لصاحبه ظاهراً وواقعاً ، غاية الأمر أنه يمكن أن يعود إلى ملكه ثانياً بالفسخ في حينه . ومعه فلا معنى لضمانه ، لأنه بمعنى اشتغال ذمّته به بالفعل غير معقول ، وبمعنى اشتغال ذمّته به في ظرف الفسخ من التعليق الباطل ، بلا فرق فيه بين إقباضه للثمن وعدمه .

   نعم ، لو كان البيع وإقباض الثمن والمثمن عن أمر الضامن ، ملتزماً بتدارك ما يترتّب عليه من الضرر والمفسدة عند تحقق الفسخ ورجوع كلّ من المالين إلى مالكه الأوّل ، لم يبعد الحكم بصحّته في المقام . فإنه لما كان الإقباض عن أمره ، كانت الأضرار المتوجّهة إلى البائع أو المشتري ـ المضمون له ـ متوجهة إلى الآمر الضامن فإنه داخل فيما جرت عليه السيرة العقلائية ومشمول لعمومات الوفاء بالعقود .

ــ[471]ــ

الفسخ ، لم يصحّ بمقتضى التعليل المذكور .

   نعم، في الفسخ بالعيب السابق أو اللاّحق اختلفوا في أنه هل يدخل في العهدة ويصحّ الضمان أوْ لا؟ فالمشهور على العدم(1). وعن بعضهم دخوله ، ولازمه الصحّة مع التصريح(2) بالأولى. والأقوى في الجميع الدخول مع الإطلاق والصحّة مع التصريح ودعوى أنه من ضمان ما لم يجب، مدفوعة بكفاية وجود السبب(3) .

   هذا بالنسبة إلى ضمان عهدة الثمن إذا حصل الفسخ. وأمّا بالنسبة إلى مطالبة الأرش، فقال بعض من منع من ذلك بجوازها، لأنّ الاستحقاق له ثابت عند العقد(4) فلا يكون من ضمان ما لم يجب . وقد عرفت أنّ الأقوى صحّة الأوّل

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لدورانه بين التعليق وضمان ما لم يجب الباطلين .

   اللّهمّ إلاّ أن يراد به الضمان بالمعنى الذي ذكرناه ، فيحكم بصحّته لما تقدّم .

   (2) قد ظهر الحال فيه مما سبق .

   (3) لكنك قد عرفت ضعفه وعدم معقوليته مما ذكرناه في المسائل السابقة .

   (4) وفيه : أنه لا ينبغي الشك في بطلان هذا الضمان ، حتى بناءً على القول بصحّته في الأعيان الخارجية ، كما هو المختار .

   والوجه فيه ما عرفته في ضمن المسائل السابقة ، من أنّ الضمان إنما يصحّ في موردين لا ثالث لهما .

   الأوّل : ضمان الدَّين الثابت في الذمّة بالفعل ، فإنه القدر المتيقّن من صحّة الضمان وهو الضمان بالمعنى المصطلح الذي عليه تسالم الأصحاب .

   الثاني : ضمان الأعيان الشخصية بالمعنى الذي ذكرناه .

   الفرق بينهما يكمن في كون الأوّل متضمناً لاشتغال ذمّة الضامن بالدَّين بالفعل ، في حين إنّ الثاني لا يعني إلاّ كون العين في عهدته ومسؤوليتها عليه .

   وكيف كان ، فحيث لا دليل على صحّة الضمان في غير هذين الموردين ، أعني ما

ــ[472]ــ

كان ديناً ثابتاً بالفعل أو عيناً خارجياً ، فلا وجه للحكم بالصحّة في ضمان الأرش فإنه خارج عنهما معاً .

   وذلك لما ذكرناه في مباحث خيار العيب مفصّلاً وتطرّقنا إليه في كتاب الإجارة أيضاً ، من أنّ ثبوت الأرش في موارد العيب ليس حكماً على القاعدة ويقتضيه نفس العقد ، فإنّ وصف الصحّة لا يقابل بالمال بتاتاً ، فليس المبيع مركباً من أصل المثمّن ووصف الصحّة ، كي يقال باقتضاء القاعدة لبقاء ما قابله على ملك المشتري ، نظراً لتخلّف هذا الجزء وبطلان العقد بالنسبة إليه ، بل الثمن واقع بتمامه بإزاء أصل المبيع فقط ، وإنما هو ـ وصف الصحّة ـ يوجب زيادة مقداره لا غير . ولذا لا يحكم عند تخلّفه ببطلان العقد بالنسبة إليه .

   والحال أنّ المبيع لو كان مركّباً منه ومن ذات السلعة ، للزم القول ببطلان العقد بالنسبة إليه ، ووجوب إرجاع البائع لما قابله من الثمن بعينه إلى المشتري ، سواء طالب بذلك أم لم يطالب ، وهو باطل جزماً ولا يقول به أحد من الأصحاب . فإنه يجوز دفع الأرش من غير الثمن حتى مع وجود عينه ، كما لا يجب على ورثة البائع لو مات قبل ظهور العيب إخراج الأرش من تركته .

   بل الأرش إنما ثبت بالنصوص الخاصّة ـ على خلاف القاعدة ـ في البيع خاصّة .

   وعليه فإن أمكن بعد الفسخ ردّ العين بنفسها سالمة فهو . وإن لم يمكن لمانع عقلي أو شرعي انتقل الأمر إلى مطالبته بالأرش ، فإن طالبه به لزم البائع دفعه من أي مال شاء حتى مع وجود عين الثمن ، وإن لم يطالبه فلا شيء عليه ، وليس بمشغول الذمّة له بشيء .

   وعليه ففي المقام ، حيث لا يكون متعلّق الضمان ديناً فعلياً ثابتاً في ذمّة البائع عند الضمان ولا عيناً خارجياً ، فلا محيص عن رجوع ضمانه إلى ضمان ما لم يجب الغير المعقول لامتناع انتقال المعدوم إلى ذمّة الغير ، أو الضمان على نحو الواجب المشروط الباطل إجماعاً لاعتبار التنجيز فيه .

   والحاصل أنّ المتعين في المقام هو الحكم بالبطلان ، وإن قلنا بصحّة ضمان الأعيان الخارجية ـ بالتقريب المتقدِّم ـ فإنّ الأرش خارج عنه، وعن الدَّين الثابت بالفعل في

ــ[473]ــ

أيضاً ، وأنّ تحقّق السبب حال العقد كاف (1) . مع إمكان دعوى أنّ الأرش أيضاً لا يثبت إلاّ بعد اختياره ومطالبته(2) فالصحّة فيه ((1)) أيضاً (3) من جهة كفاية تحقّق السبب . ومما ذكرنا ظهر حال ضمان درك المبيع للبائع(4) .
ــــــــــــــــــــ

ذمّة المضمون عنه .

   (1) لكنّك قد عرفت عدم معقوليته وامتناعه .

   (2) بل هو المتعين ، على ما عرفت توضيحه فيما تقدّم .

   (3) وقد عرفت إشكاله ، وأنّ الأقوى بل المتعين هو الحكم بالبطلان .

   (4) فإنّ حاله حال ضمان درك الثمن للمشتري حرفاً بحرف ، فيبطل ضمانه بالمعنى المصطلح ، ويصحّ ـ على القاعدة ـ بالمعنى الذي ذكرناه .
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لا وجه للصحة لفرض أنّ الذمّة غير مشغولة بالأرش إلاّ بعد المطالبة ، وعليه فلا يصحّ ضمانه لأنه من ضمان ما لم يجب .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net