وينبغي التنبيه على اُمور :
الأول : كما لا يترتّب على أصالة الإباحة جواز الصلاة في المشكوك فيه كذلك لا يترتّب عدم الجواز على أصالة الحرمة من جهة الشكّ في التذكية أو من جهة اُخرى ، وذلك لأنّ عدم الجواز كما عرفت(1) مترتّب على الحرمة الشأنية وأين ذلك ممّا يثبته الأصل العملي من الحرمة الفعلية . فحال الحيوان المشتبه حلّ أكل لحمه على حدّ سواء من جهة الجواز وعدمه ، سواء كان الأصل الجاري فيه مقتضياً للحلّية أو الحرمة .
وكذلك الحال بناءً على أن يكون المانع وقوع الصلاة في أحد العناوين الذاتية ، نعم لو كان نفس العنوان الذاتي أو الحلّية أو الحرمة الشأنيتين مورداً للتعبّد الشرعي لترتّب عليه أثره من الجواز وعدمه .
الثاني : إذا اقتضى الأصل بقاء الحيوان على ما هو عليه من كونه متّصفاً بأحد العناوين الذاتية المحلّلة ، فهل يترتّب عليه جواز الصلاة في أجزائه ، بناءً على كون عدم الجواز مترتّباً على الحرمة لا على نفس العنوان ، أم لا ؟
الظاهر هو الأول ، فإنّ الأصل الموضوعي يحرز به [عدم] الحرمة التي هي ــــــــــــــــــــــــــــ (1) في ص42 .
ــ[46]ــ
موضوع عدم الجواز ، بناءً على ما هو المحقّق في محلّه(1) من أنّه لا بأس بترتّب الآثار الشرعية المترتّبة على الأثر الشرعي المترتّب على المستصحب ، وليس هذا من الاُصول المثبتة في شيء ، وهذا كالنجاسة المستصحبة ، فإنّه كما يترتّب عليها نجاسة الملاقي يترتّب عليها نجاسة الملاقي للملاقي أيضاً ، وهكذا .
والسرّ فيه : أنّ الأثر الشرعي إذا كان مترتّباً على المستصحب بواسطة أمر شرعي فهو مترتّب عليه بلا عناية ، فيشمله حرمة نقض اليقين بالشكّ ، ووجوب ترتيب آثار المتيقّن ، وهذا بخلاف الأثر الشرعي المترتّب على لازم عادي أو عقلي ، فإنّه لا ترتّب له على الملزوم شرعاً إلاّ بالعناية ، فإنّ الترتّب إذا كان في تمام السلسلة شرعياً أو عقلياً فالأثر الأخير يترتّب على أوّل الوجود من السلسلة شرعاً أو عقلا .
وأمّا إذا اختلف الترتّب فكان في أوّلها عقلياً وبعده شرعياً فليس ترتّب الأثر الشرعي على أوّل السلسلة شرعياً ، ومن الضروري لزوم كون الترتّب كنفس الأثر شرعياً فيما كان إثبات الأثر بالتعبّد الشرعي .
وإن أبيت عن ذلك فليجعل المستصحب في محلّ الكلام نفس الحلّية الشأنية ، فيرتّب عليها أثرها الشرعي ، وهو جواز الصلاة على الفرض. والإشكال في الاُصول المثبتة إنّما هو فيما لم يكن اللازم بنفسه مسبوقاً باليقين ، وإلاّ فيستصحب نفس اللازم كما في المقام .
ومن ذلك يعلم ما في كلام بعض المعاصرين من المحقّقين(2) من جعل جواز ــــــــــــــــــــــــــــ (1) مصباح الاُصول 3 (موسوعة الإمام الخوئي 48) : 181 . (2) وهو المحقّق الإيرواني (رحمه الله) في رسالة الذهب المسكوك في اللباس المشكوك : 34 وما بعدها .
ــ[47]ــ
الصلاة في أجزاء الحيوان المفروض مبنيّاً على اختيار الجواز في أصل المسألة .
الثالث : بناءً على كون المأخوذ في موضوع عدم الجواز هي الحرمة الفعلية فهل يعتبر في جريان أصالة الحلّ كون اللحم في محلّ الابتلاء ، حتّى يكون قابلا للتعبّد بحلّيته ، فيترتّب عليه جواز الصلاة فيما يتّخذ من حيوانه ، أم يكفي فيه مجرّد كون الصوف في محلّ الابتلاء ، وإن لم يكن اللحم كذلك ؟
ذهب بعض المحقّقين(1) إلى الأول ، نظراً إلى أنّ أصالة الإباحة حيث إنّها من الاُصول الحكمية فلابدّ في جريانها من قابلية المحلّ للحكم عليه بالإباحة ، ومع عدمها من جهة كون اللحم خارجاً عن محلّ الابتلاء لا معنى للحكم عليه بالإباحة حتّى يترتّب عليه جواز الصلاة ، نعم إذا كان اللحم محكوماً عليه بالحلّية في زمان فلا مانع من الحكم بجواز الصلاة فيما اُخذ من حيوانه إلى الأبد ، والسرّ فيه واضح لا يكاد يخفى .
وأنت خبير بما فيه ، فإنّ أصالة الإباحة وإن كانت من الاُصول الحكمية إلاّ أنّ الإباحة اُخذت في موضوع جواز الصلاة على الفرض ، فالحكم بجوازها فعلا يكفي في جريانها في اللحم ، وإن لم يكن هو محلا للابتلاء في شيء من الأزمنة . وهذا نظير جريان استصحاب النجاسة فيما لاقاه الماء مثلا ، مع عدم كونه محلا للابتلاء حين جريانه .
والسرّ فيه : أنّه يكفي في جريان الأصل العملي وجود أثر ما ، وأمّا كون مجرى الأصل محلا للابتلاء فلا ملزم له أصلا .
|