لو ادعى المحيل على المحال عليه مالاً وأنكره المحال عليه 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى-جزء1:المضاربةولمساقاة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 3996


   [ 3624 ] مسألة 9: لو أحال عليه فقبل وأدّى ثمّ طالب المحيل بما أدّاه، فادعى أنه كان له عليه مال وأنكر المحال عليه ، فالقول قوله مع عدم البيِّنة (5) فيحلف على براءته ويطالب عوض ما أدّاه ، لأصالة البراءة (6) من شغل ذمّته للمحيل .

   ودعوى أنّ الأصل أيضاً عدم اشتغال ذمّة المحيل بهذا الأداء .

   مدفوعة بأنّ الشكّ في حصول اشتغال ذمّته وعدمه ، مسبب عن الشكّ في اشتغال ذمّة المحال عليه وعدمه(7)

   ــــــــــــــــــــــــــــ
   (5) على ما تقتضيه قواعد القضاء .

   (6) بل لاستصحاب عدم شغل ذمّته ، فإنه أصل موضوعي حاكم على أصالة البراءة قطعاً . فإنّ المحال عليه لم يكن في زمان مشغول الذمّة للمحيل جزماً ، فإذا شككنا في اشتغال ذمّته له بعد ذلك ، كان مقتضى الاستصحاب الحكم بعدم اشتغالها ، وبه يتحقق موضوع الضمان ، أعني أداءه لما لم يكن بثابت في ذمّته بأمر من المحيل .

   (7) إذ لو كان المحال عليه مشغول الذمّة للمحيل لكانت ذمّة المحيل بريئة قطعاً لحصول التهاتر بين ما في الذمّتين قهراً . وهذا بخلاف ما لو كانت ذمّته بريئة له ، فإنّ أداء الحوالة من قبل المحال عليه موجب لاشتغال ذمّة المحيل بمثله له .

ــ[515]ــ

وبعد جريان أصالة براءة ذمّته((1)) (1) يرتفع الشكّ .

   هذا على المختار من صحّة الحوالة على البريء. وأمّا على القول بعدم صحّتها فيقدم قول المحيل، لأنّ مرجع الخلاف إلى صحّة الحوالة وعدمها ، ومع اعتراف المحال عليه بالحوالة يقدّم قول مدّعي الصحّة وهو المحيل .

   ودعوى أنّ تقديم قول مدعي الصحّة إنما هو إذا كان النزاع بين المتعاقدين وهما في الحوالة المحيل والمحتال ، وأمّا المحال عليه فليس طرفاً وإن اعتبر رضاه في صحّتها .

   مدفوعة أوّلاً :  بمنع عدم كونه طرفاً ، فإنّ الحوالة مركّبة من إيجاب وقبولين((2)) (2) .

   وثانياً: يكفي اعتبار رضاه في الصحّة(3) في جعل اعترافه بتحقّق المعاملة حجّة عليه بالحمل على الصحّة.

   نعم ، لو لم يعترف بالحوالة ، بل ادّعى أنه أذن له في أداء دَينه ، يقدّم قوله لأصالة البراءة من شغل ذمّته (4) فبإذنه في أداء دينه له مطالبة عوضه ، ولم

  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) بل الاستصحاب عدم شغل ذمّته ، فيثبت موضوع الضمان ، أعني أداءه لما لم يكن بثابت في ذمّته بأمر من المحيل .

   (2) وفيه : إنه مناف لما ذكره (قدس سره) في الشرط الأوّل صريحاً من كون الحوالة إيقاعاً لا عقداً .

   (3) وهو مناف أيضاً لما تقدّم في الشرط الثالث من عدم اعتبار رضا المحال عليه في صحّة الحوالة ، باعتبار كونه أجنبياً عن المال بالمرّة ، وإنما أمره بيد مالكـه المحيل فله نقله كيفما شاء بالحوالة أو البيع أو غيرهما من الأسباب .

   (4) أقول : لا يخفى أنه بناءً على جريان أصالة الصحّة في أمثال المقام ، فكما أنه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الصحيح التمسك في المقام باستصحاب عدم اشتغال ذمّته ، فإنه يحرز الموضوع دون أصالة البراءة .

(2) مرّ أ نّها ليست كذلك .

ــ[516]ــ

يتحقّق هنا حوالة بالنسبة إليه حتى تحمل على الصحّة، وإن تحقّق بالنسبة إلى المحيل والمحتال لاعترافهما بها.

   ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لا فرق بين كون دعوى الفساد من أحد المتعاقدين أو الأجنبي ، فإنه يحمل العقد على الصحيح ويترتب عليه أثره حتى مع عدم وجود الدعوى خارجاً بالمرّة كما لو شكّ الأجنبي في صحّته رأساً ، لا فرق بين اعتراف المحال عليه بالحوالة وعدمه ، إذ العبرة في جريانها إنما هي بثبوت العقد لا اعتراف الخصم به .

   وعليه فلو ثبتت الحوالة في مورد النزاع بالوجدان أو البينة الشرعية ، جرت أصالة الصحّة بناءً على تسليم جريانها في أمثال المقام ، سواء اعترف المحال عليه بالحوالة أم لم يعترف .

   إلاّ أنّ الذي يهوّن الخطب أنّ أصالة الصحّة غير جارية في أمثال المقام أصلاً . وذلك لما ذكرناه في مبحث أصالة الصحّة من المباحث الاُصولية ، أنها لما لم تكن ثابتة بدليل لفظي وإنما الدليل عليها هي السيرة العقلائية القطعية المتصلة بزمان المعصوم (عليه السلام) من غير ردع ، حيث جرت عادتهم على الحكم بصحّة العقد المشكوك صحّته نظير قاعدة الفراغ الجارية في عمل الشخص نفسه ، فإنهما متحدتان من حيث المدلول تماماً وإنما الفارق بينهما اختصاص الاُولى بعمل الغير والثانية بعمل الشخص نفسه ، كان اللازم الاقتصار فيها على القدر المتيقن ، وهو خصوص فرض الشكّ في صحّة العمل المستكمل لجميع الأركان والمقومات ، من جهة الشكّ في توفّر بعض الشروط أو مزاحمة بعض الموانع الشرعية .

   فإنّ هذا الفرض هو المورد المتيقن من بناء العقلاء على الصحّة فيه ، وإلاّ فلو كان الشكّ في صحّة العمل ناشئاً من الشكّ في تحقق أركان العقد ومقوّماته ، فلم يثبت من العقلاء بناء على التمسّك بهذا الأصل فيه ، كما لو باع زيد دار عمرو بادعاء الوكالة عنه ، فإنه لا يمكن الحكم بصحّته تمسّكاً بالأصل ، للشكّ في سلطنته على البيع ، بل لا بدّ له من إثبات الوكالة والسلطنة على هذا التصرّف في الحكم بالصحّة . نعم ، لو كانت الدار تحت يده بحيث كان ذا يد بالنسبة إليها ، حكمنا بصحّة بيعه باعتبار حجّية قول ذي اليد .

ــ[517]ــ

   وكذا الحال لو ادعى أحد المتعاقدين كون الثمن مما لا مالية له شرعاً كالخمر ، فإنه لا يمكن إثبات صحّة العقد وإلزام مدعي البـطلان بما يقوله الآخر لأصالة الصحّة لأنها لا تجري في موارد الشكّ في تحقق أركان العقد وما يتوقف عليه عنوانه .

   وحيث إنّ مقامنا من هذا القبيل ، باعتبار أنّ الشكّ في صحّة الحوالة إنما هو من جهة الشكّ في سلطنة المحيل لإحالة الدَّين على غيره ، فلا يمكن التمسّك بأصالة الصحّة والحكم ببراءة ذمّة المحيل واشتغال ذمّة المحال عليه له .

   والحاصل أنّ اشتغال ذمّة الغير ـ المحال عليه ـ لما كان من قوام الحوالة ، بناءً على عدم صحّة الحوالة على البريء ، فلا يمكن التمسّك في مورد الشكّ فيه بأصالة الصحّة لإثبات صحّة العقد واشتغال ذمّة الغير بالمال .

   ثمّ إنّ هذا كلّه لا يعني المخالفة في أصل الحكم ، فإنّ ما ذكره الماتن (قدس سره) من أخذ المحال عليه باعترافه صحيح ولا غبار عليه ، إلاّ أنّ ذلك لا لما أفاده من التمسّك بأصالة الصحّة ، فإنك قد عرفت عدم جريانها في أمثال المقام ، بل لحجّية الظهورات اللفظية في مداليلها الالتزامية ، فإنّ الاعتراف بالحوالة لما كان مدلولاً لفظياً كان حجّة في لازمه ، أعني اشتغال ذمّته بالمال للمحيل .

   وتوضيحه : أنا قد ذكرنا في مبحث الاُصول المثبتة من الاستصحاب ، أنّ المشهور بين الأصحاب وإن كان هو التفصيل في حجّية اللوازم بين الأمارات والاُصول بالالتزام في الاُولى بالحجيّة دون الثانية ، إلاّ أنه مما لا يمكن المساعدة عليه وإثباته بدليل ، إذ إنّ حال الأمارات حال الاُصول في اقتصار حدود التعبّد الشرعي بالنسبة إلى ثبوت نفس الموضوع دون لوازمه . ولذا لا يصحّ الاعتماد في دخول الوقت على تجاوز الشمس عن الجهة التي يظنّ كونها القبلة عند الجهل بها ، والحال أن الظنّ حجّة شرعية بالنسبة إليه بالقياس إلى تحديد نفس القبلة جزماً .

   وبعبارة اُخرى : إنّ الأمارة كالأصل لا يترتب عليها إلاّ إثبات الموضوع الذي قامت عليه وجرت فيه ، وبذلك تثبت الصغرى لكبرى الحكم الثابت لذلك العنوان . فلو شككنا في خمرية مائع وقامت الأمارة على خمريته أو تمسّكنا لإثباتها باستصحاب الحالة السابقة ، تثبت بذلك الصغرى لكبرى : «وكلّ خمر حرام» خاصّة

ــ[518]ــ

ومن غير تعرّض لشيء من اللوازم على كلا التقديرين .

   نعم ، يستثنى من ذلك ما لو كانت الأمارة من قبيل الإخبار ـ سواء في ذلك اللفظ وغيره ـ كالبيّنة وقول ذي اليد ، بل مطلق الثقة على القول بحجّيته ، فإنه يلتزم فيها بثبوت اللوازم وحجّيتها بلا إشكال فيه .

   وذلك لما ذكرناه في محلِّه من عدم اختصاص دليل حجّية البيّنة أو قول ذي اليد أو مطلق الثقة بالدلالات المطابقية ، فإنه كما يشمل المداليل المطابقية يشمل المداليل الالتزامية أيضاً . فإذا أخبرت البيّنة عن جهة القبلة مثلاً ، كان ذلك بعينه إخباراً عن دخول الوقت عند تجاوز الشمس عن تلك الجهة ، إذ الإخبار عن الملزوم إخبار عن اللازم قهراً ولا محالة .

   ومن هنا فلو اعترف المحال عليه بالحوالة كان ذلك اعترافاً منه باشتغال ذمّته للمحيل لا محالة ، إذ الظاهر الاعتراف بالحوالة الواقعية لا الصورية المحضة ـ كما هو الحال في سائر موارد الاعتراف ـ والمفروض أنها لا تصحّ إلاّ عن مشغول الذمّة للمحيل .

   لكن إثبات المدّعى بهذا الطريق إنما يتم في الجملة لا مطلقاً ، فإنه إنما يصحّ فيما إذا كان المخبر ملتفتاً إلى الملازمة ، فإنه حينئذ يصحّ أن يقال إنّ إخباره عن الملزوم إخبار عن اللازم بعينه .

   وأمّا إذا لم يكن المخبر ملتفتاً إلى الملازمة أو كان معتقداً لعدمها ، لم يصح دعوى كون إخباره عن الملزوم إخباراً عن اللازم ، فإن الإخبار من الاُمور القصدية فلا يتحقّق مع الغفلة وعدم الالتفات إليه .

   ومما يدلّ على ما ذكرناه ـ مضافاً إلى وضوحه في نفسه ـ اتفاقهم على عدم الحكم على منكر ضروري من ضروريات الدين بالكفر إذا لم يكن المنكر عالماً بكونه من الضروريات وأنّ إنكاره يستلزم تكذيب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فضلاً عما لو كان معتقداً لعدمه .

   إذن فتقديم قول المحيل في المقام وإلزام المحال عليه باعترافه ، إنما يتمّ فيما إذا كان




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net