جواز تقبيل الصبيّة ووضعها في الحجر وعدمه 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى- الجزء الثاني:النكاح   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5933


ــ[71]ــ

   [ 3668 ] مسألة 36 : لا بأس بتقبيل الرجل الصبية التي ليست له بمحرم ووضعها في حجره قبل أن يأتي عليها ستّ سنين (1) إذا لم يكن عن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مبغوضية وقوعه في الخارج من الشارع المقدس على كل تقدير ، بحيث لا يفرق الحال بين أن يكون مرتكبه بالغاً أو غير بالغ ـ  كالزنا ، وشرب الخمر ، واللواط ونحوها  ـ يجب على المكلفين المنع من تحقّقه وسدّ الطريق إليه وقطع السبيل على فاعله قولاً وفعلاً .

   وعلى هذا فحيث إنّ من غير البعيد كون ما نحن فيه من هذا القبيل ، ولو بلحاظ انتهاء ذلك شيئاً فشيئاً إلى ما هو أعظم منه ، باعتبار أنّ ذلك يوجب الاعتياد ونتيجته الابتلاء به أو بما هو أشدّ منه بعد البلوغ ، يجب على المرأة قطع السبيل على الصبي وعدم السماح له بذلك ، وهو لا يتحقق عادة إلاّ بالتستّر فيجب عليها ذلك .

   هذا مضافاً إلى ما عرفت من أنّ مقتضى قوله تعالى : (أَوِ الطّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهُروا عَلَى عَوْراتِ النِّساءِ) وهو وجوب التستّر عن مطلق المميز ، سواء كان نظره بشهوة أم بغيرها . وإنما خرجنا عن الإطلاق لصحيحتي البزنطي ، وحيث إنّ من الواضح اختصاصهما بالنظر المجرد عن الشهوة ، فإنّ موردهما السؤال عن الكشف بحسب طبع الحال لا بلحاظ جهة اُخرى ، فيبقى الإبداء بلحاظ النظر مع الشهوة تحت عموم المنع كما هو واضح .

   وأما الحكم في الثاني ـ أعني عدم جواز نظر الرجل إلى الصبية المميزة مع الشهوة والتلذّذ ـ فلما عرفت في تفسير قوله تعالى : (قُلْ للمُؤمِنينَ يغُضُّوا مِنْ أَ بْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُم) حيث تقدّم أنّ مقتضى هذه الآية وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُروجِهمْ حافِظُونَ) هو حرمة جميع الاستمتاعات الجنسية على الرجل على الإطلاق بالنسبة إلى غير الزوجة والمملوكة على تفصيل قد مرّ ، فعلى ذلك لا يجوز للرجل الاستمتاع والتلذّذ بالنظر إلى الصبية .

   (1) بلا خلاف فيه بين الأصحاب .

   وأما إذا بلغت ستّ سنين ، فقد استدل على عدم جوازه برواية أبي أحمد الكاهلي

ــ[72]ــ

قال : سألته عن جارية ليس بيني وبينها محرم ، تغشاني فأحملها وأقبّلها ، فقال : «إذا أتى عليها ستّ سنين فلا تضعها على حجرك» (1) .

   فإنّ السؤال فيها عن الحمل والتقبيل ، إلاّ أ نّه (عليه السلام) قد أجاب بالنهي عن وضعها في الحجر إذا أتى عليها ستّ سنين ، وهو يكشف ـ  بحسب المتفاهم العرفي كما هو واضح  ـ عن أ نّه (عليه السلام) إنّما أجاب عما هو أهون منهما ، فيستفاد منها أ نّه لا مانع من التقبيل والحمل ما لم تبلغ الصبية ستّ سنين ، فإذا بلغت ذلك فلا يجوز وضعها في الحجر فضلاً عن حملها أو تقبيلها .

   إلاّ أنّ الرواية ضعيفة بأبي أحمد الكاهلي فلا مجال للاعتماد عليها .

   نعم ، ذكر صاحب الوسائل (قدس سره) أ نّه : رواه الصدوق بإسناده عن عبدالله ابن يحيى الكاهلي ، قال : سأل أحمد بن النعمان أبا عبدالله (عليه السلام)، وذكر نحوه .

   إلاّ أ نّه يعدّ غريباً منه (قدس سره) ومسامحة في التعبير ، فإنّ الذي رواه الصدوق باسناده عن عبدالله بن يحيى الكاهلي ليس نحو رواية أبي أحمد الكاهلي بل هو مغاير لها ، فإنّ الموجود في الفقيه قال : سأل محمد بن النعمان أبا عبدالله (عليه السلام) فقال له : جويرية ليس بيني وبينها رحم ولها ستّ سنين ، قال (عليه السلام) : «لا تضعها في حجرك» (2) .

   وهي أجنبية عن محلّ كلامنا بالمرّة ، إذْ لم يذكر فيها الحمل ولا التقبيل ، فلا مجال للاستدلال بها .

   وما ذكرناه في رواية أبي أحمد الكاهلي من استفادة الحكم فيها بالأوْلوية نظراً إلى أن الوضع في الحجر أهون منهما بحسب نظر العرف لا يتأتى هنا ، فإنّ الأولوية في تلك إنما استفيدت من إعراض الإمام (عليه السلام) عن الجواب عن المسؤول عنه والإجابة ببيان حكم الوضع في الحجر ، وحيث لم يرد في هذه الرواية سؤال عن الحمل والتقبيل فلا يكـون لكلامه (عليه السلام) ظهور عرفي في بيان حكمهما بالأولوية ، بل يبقى مدلول الرواية منحصراً ببيان حكم الوضع في الحجر للصبية التي

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 127 ح 1 .

(2) الفقيه 3 : 275 / 1307 .

ــ[73]ــ

بلغت ستّ سنين .

   ثم إنّ ظاهرها وإن كان حرمة ذلك ، إلاّ أنّ الذي يستفاد من عدم تعرّض الفقهاء له في كلماتهم ، وعدم وروده في غير هذه الرواية مع كثرة الابتلاء به ، أنّ الحكم ليس بالزامي ، فلا بدّ من حملها على الكراهة وبيان الحكم الأخلاقي .

   ومما يؤيد ذلك أنّ الحكم بالحرمة لو كان ثابتاً لكان من أوضح الواضحات لكثرة الابتلاء به كما عرفت ، فكيف والسيرة قائمة على الجواز !

   ثم لا يخفى أ نّه لا مجال للاستدلال على المدعى بمرفوعة زكريا المؤمن ، قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : «إذا بلغت الجارية ستّ سنين فلا يقبّلها الغلام ، والغلام لا يقبّل المرأة إذا جاز سبع سنين» (1) .

   فإنّها ضعيفة السند باعتبار كونها مرفوعة ، فإنّ زكريا المؤمن وإن كان من أصحاب الصادق (عليه السلام) وقد ذكر النجاشي أ نّه يروي عن أبي عبدالله (عليه السلام) وعن أبي الحسن (عليه
السلام)(2) إلاّ أ نّه لم يوجد له في مجموع الكتب الأربعة ولا رواية واحدة عن الصادق (عليه السلام) ، فإنّ هذه الجهة هي التي تمنعنا عن القول بأنّ الرواية ليست بمرفوعة ، وإلاّ فليس هناك أي مانع غيرها ، فإنّ الرجل من أصحاب الصادق (عليه السلام) فلا محذور في أن يروي عنه مباشرة .

   على أ نّها قاصرة دلالة ، لأنّ موردها الغلام وهو يطلق على غير البالغ ، فهي أجنبية عما نحن فيه ، أعني تقبيل البالغ للصبية .

   وما ذكرناه في هذه الرواية يجري في جميع أخبار هذا الباب ، فإنّها جميعاً لا تخلو من ضعف سندي ، أو قصور دلالي على سبيل منع الخلو ، فراجع وتأمّل .

   وعلى هذا فيتحصل مما تقدم أ نّه ليس في المقام ولا رواية واحدة صحيحة السند وتامّة الدلالة ، يمكن الاعتماد عليها لإثبات الحكم . وعليه فمقتضى أصالة البراءة هو الجواز ما لم يكن ذلك عن شهوة وتلذّذ .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح ، ب 127 ح 4 .

(2) رجال النجاشي ، 172 ترجمة برقم 453 .

ــ[74]ــ

شهوة (1) .
ــــــــــــــــــــــــ

   (1) لما تقدّم في المسألة السابقة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net