إذا اشتبه بين من يجوز النظر إليه أو التستر عنه وبين من لا يجوز 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى- الجزء الثاني:النكاح   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4822


ــ[94]ــ

   [ 3682 ] مسألة 50 : إذا اشتبه من يجوز النظر إليه بين من لا يجوز بالشبهة المحصورة ، وجب الاجتناب عن الجميع (1) . وكذا بالنسبة إلى من يجب التستّر عنه ومن لا يجب .

   وإن كانت الشبهة غير محصورة أو بدوية ، فإن شكّ في كونه مماثلاً أو لا ، أو شكّ في كونه من المحارم النسبية أو لا ، فالظاهر وجوب الاجتناب((1)) ، لأنّ الظاهر من آية (وجوب الغضّ) أنّ جواز النظر مشروط بأمر وجودي وهو كونه مماثلاً أو من المحارم ، فمع الشكّ يعمل بمقتضى العموم ، لا من باب التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية (2) بل لاستفادة شرطية الجواز بالمماثلة أو المحرمية أو نحو ذلك .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) لتنجيز العلم الإجمالي .

   (2) على ما نسب إلى بعض ، بدعوى أنّ العام قبل التخصيص شامل لجميع الأفراد ، فما علم بخروجه منه بعد التخصيص فهو ، وبقي الباقي بما في ذلك الأفراد المشكوكة تحت العام حيث لم يحرز خروجها بالتخصيص . وعليه ففيما نحن فيه حيث ثبت وجوب الاجتناب وحرمة النظر مطلقاً ، ثم خصص ذلك الحكم بعناوين معينة ـ  كالزوج والأب وغيرهما من المذكورين في الآية  ـ فإذا شكّ في كون فرد من مصاديق هذه العناوين أو لا ثبت له حكم العام ، لظهور العام في شمول الحكم له قبل التخصيص وعدم إحراز كونه من مصاديق المخصص .

   وفيه : إنّ ذلك لو تمّ إنّما يتمّ فيما إذا كان التخصيص بدليل منفصل ، أما لو كان التخصيص بدليل متصل فلا يتمّ للعام ظهور في شمول الحكم لجميع الأفراد ، حيث لا  ينعقد للعام ظهور إلاّ في غير الخاص ، كما هو أوضح من أن يخفى .

   وحيث إنّ مقامنا من هذا القبيل فإنّ استثناء هذه العناوين في الآية الكريمة متصل فلا ينعقد ظهور العام في شمول الحكم لجميع الأفراد ، بل الحرمة إنّما تثبت من الأول في غير هذه العناوين المذكورة ، وعليه فلا يحرز كون الفرد المشكوك داخلاً تحت العام من الأول ، ومعه لا يكون مشمولاً للحكم حيث إنّ شمول الحكم له فرع إحراز كونه مصداقاً لذلك الموضوع .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الظاهر عدمه في نظر الرّجل والمرأة إلى من يشكّ في مماثلته .

ــ[95]ــ

فليس التخصيص في المقام من قبيل التنويع((1)) (1) حتى يكون من موارد أصل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وبعبارة اُخرى : إنّه لا بدّ في ثبوت الحرمة للفرد من إحراز كونه من غير العناوين المذكورة في الآية الكريمة ، حيث إنّ الحكم إنّما ثبت لمن لم يكن مصداقاً لتلك العناوين ، فإذا لم يحرز ذلك فلا وجه للتمسك بالعام فيه . على أنّ التمسك بالعام في الشبهات المصداقية في غير محلّه حتى ولو كان التخصيص بدليل منفصل ، وذلك لما ذكرناه في محلّه من أنّ المخصص المنفصل وإن لم يكن رافعاً لظهور العام في شمول الحكم لجميع الأفراد ، إلاّ أ نّه إنّما يكشف عن عدم تعلّق الإرادة الواقعية بجميع الأفراد من بادئ الأمر ، وأنّ الحكم من الأوّل كان متعلقاً بحصة خاصة هي غير الخاص . وعليه فكيف يصح التمسك بالعام في الفرد المشكوك والاحتجاج به على المولى ؟!

   وبعبارة اُخرى : إنّ المخصص المنفصل وإن كان لا يرفع ظهور العام في شمول الحكم لجميع الأفراد ، إذ الشيء لا ينقلب عما وقع عليه ، لكنه يرفع حجية ظهور العام في الخاص ، ويوجب قصر حجية ظهور العام بغير الخاص . وعليه ففي الفرد المشكوك وإن أحرزنا ظهور شمول العام له، إلاّ أ نّه لا  طريق إلى إحراز حجية ذلك الظهور، فإنّها مختصة بغير الخاص وهذا الفرد مشكوك فلا يمكن القول بحجيته فيه .

   وبالجملة فلا مجال للالتزام بالحرمة في المقام عن طريق التمسك بالعام في الشبهات المصداقية ، سواء أ كان المخصص متصلاً ، أم منفصلاً .

   (1) تقدم الكلام في محلّه من المباحث الاُصولية أنّ كل تخصيص يوجب التحصيص والتنويع لا محالة ، سواء في ذلك الأقسام الذاتية كتقسيم المرأة إلى القرشية وغير القرشية ، أو العرضية كبلوغ الماء قدر كر وعدمه .

   والوجه فيه ظاهر ، فإنّ الباقي بعد التخصيص ـ كقولنا : كل امرأة تحيض إلى خمسين إلاّ القرشية ، وقولنا : إنّ الماء ينجس إلاّ إذا بلغ الكر ـ إما أن يثبت له الحكم على نحو الطبيعة المهملة ، أو الطبيعة المطلقة ، أو الطبيعة المقيدة .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التخصيص يوجب التنويع لا محالة ، إمّا أن المخصص في المقام بما أ نّه أمر وجودي فعند الشك يحرز عدمه بالأصل بناءً على ما حقّقناه من جريانه في الأعدام الأزلية .

ــ[96]ــ

البراءة ، بل من قبيل المقتضي والمانع (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   والأوّل ممتنع ، لامتناع الحكم على الطبيعة المهملة .

   والثاني غير معقول ، إذ لازمه ثبوت الحكم الأول للمستثنى منه والمستثنى معاً .

   فيتعيّن أن يكون الحكم ثابتاً له على نحو الطبيعة المقيدة بغير الخاص والمستثنى لا  محالة ، وهو ليس إلاّ التنويع والتحصيص . فإنّ الحكم بالحيض إلى خمسين أو النجاسة يثبت لنوع وحصة من المرأة والماء ، في حين إنّ الحكم بعدم الحيض وعدم الانفعال يثبت لنوع وحصة اُخرى من المرأة والماء .

   (1) وفيه : أنّ هذه القاعدة غير ثابتة ، إذ لم يدلّ عليها أي دليل من الشارع أو السيرة فلا مجال للتمسك بها ، اللّهم إلاّ أن يكون مرجعها إلى الاستصحاب ، وتفصيل الكلام في محلّه من الاُصول .

   ومما تقدم يتضح أ نّه لا مجال لإثبات الحرمة في المقام بما أفاده (قدس سره) .

   نعم ، ذكر شيخنا الاُستاذ (قدس سره) في مجلس درسه وفي حاشيته على الكتاب وجهاً آخر لإثباتها ، حيث قال : ويدلّ نفس هذا التعليق على إناطة الرخصة والجواز بإحراز ذلك الأمر ، وعدم جواز الاقتحام عند الشكّ فيه ، ويكون من المداليل الالتزامية العرفية .

   وحاصله أنّ كل أمر ترخيصي ، سواء أكان تكليفياً كجواز الكشف للمذكورين في الآية ، أم كان وضعياً كعدم انفعال الماء ، إذا كان مشروطاً بأمر وجودي فلا بدّ من إحرازه في ثبوته ، فلو لم يحرز ـ بأن شكّ فيه ـ ثبت فيه الإلزام لما هو المتفاهم العرفي من دليل الترخيص .

   إلاّ أ نّه لا يمكن المساعدة عليه ـ  وإن كان (قدس سره) يصرّ عليه كثيراً في مجلس بحثه  ـ وذلك لعدم مساعدة الفهم العرفي لما ذكره (قدس سره) ، وذلك لأنّ المتفاهم من دليل الأحكام أ نّه لا يتكفل إلاّ بيان الحكم الواقعي ـ الذي هو في المقام حرمة كشف المرأة بدنها لغير المذكورين وجوازه لهم ـ وأما ما هي الوظيفة عند الشكّ وعدم إحراز الموضوع فليس للدليل أي تعرض لحكمه ، بل هو ساكت عنه تماماً .

   وبعبارة اُخرى : إنّ أدلة الأحكام لا تتكفل إلاّ بيان ما هي وظيفة المكلف وما هو

ــ[97]ــ

حكمه واقعاً ، من دون أن يكون لها أي نظر إلى ما هو حكمه ظاهراً عند الشكّ في الحكم الواقعي نتيجة الشكّ في المصداق .

   والصحيح في توجيه الحرمة في المقام هو التمسك بأصالة العدم الأزلي ، فيقال : إنه بعد فرض ثبوت العموم وكون الاستثناء استثناءً للأمر الوجودي ، فإذا شكّ في تحقق ذلك العنوان الوجودي وحدوثه استصحب عدمه ، وحكم على ما في الخارج بأ نّه غير متصف بذلك الوصف الوجودي .

   وتوضيحه : أنّ المرأة حينما تشك في كون من تنظر إليه مماثلاً لها وعدمه ، أو كونه من محارمها النسبية وعدمه ، إنّما تشك في انطباق العنوان الوجودي الخارج بالدليل من عموم حرمة النظر وإبداء الزينة ـ  أعني كونه مماثلاً لها ، أو من محارمها النسبية  ـ عليه . ومقتضى استصحاب العدم الأزلي هو عدم كون المنظور إليه متصفاً بهذا الوصف ، وعليه فلا يجوز لها النظر إليه ولا إبداء زينتها له ، لأنه بمقتضى الاستصحاب انسان غير متصف بكونه مماثلاً أو محرماً نسبياً .

   وهكذا الحال في جانب الرجل حينما يشكّ في المنظور إليه ، فإنه إنّما يشكّ في حدوث العنوان الوجودي ـ المماثلة والمحرمية ـ الخارج بالدليل من حرمة النظر لهذا المنظور المشكوك فيه ، فيستصحب عدمه ويحكم بالحرمة لا محالة .

   هذا ولكن شيخنا الاُستاذ (قدس سره) أصرّ على عدم جواز إجراء الأصل في الأعدام الأزلية ، وملخّص ما أفاده (قدس سره) في هذا المقام هو :

   إنّ الاستثناء يوجب تعنون المستثنى منه بعنوان لا محالة ، على ما تقدم توضيحه قريباً منّا حيث قلنا أنّ المستثنى منه يستحيل أن يبقى بعد الاستثناء على إطلاقه ، بل يتقيّد بغير المستثنى قهراً . وعليه فإن كان المستثنى عنواناً وجودياً ـ كقولنا : يحرم النظر إلى المرأة إلاّ المحارم ـ كان القيد المأخوذ في المستثنى منه عنواناً عدمياً ، فيكون الموضوع للحرمة هو المرأة المتصفة بعدم كونها من محارمه . وكلما كان الموضوع مركباً من جوهر وعرض ـ كقولنا : إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء ـ كان العرض نعتاً ووصفاً للموضوع لا محالة ، بحيث يكون الموضوع في المثال المتقدم هو الماء المتصف بالكرية لا الماء وذات الكرية أينما كانت ، فإنه ليس موضوعاً للحكم جزماً .

ــ[98]ــ

   وحيث إنّ حال القيد العدمي حال القيد الوجودي ، فكما أن أخذ الثاني في موضوع الحكم إنّما يكون نعتاً ووصفاً للموضوع فكذلك الأول ، فإنّه إذا اُخذ عدم الأمـر الوجودي قيداً للموضوع ـ كقولنا : المرأة تحيض إلى خمسين إلاّ القرشية ـ كان ذلك نعتاً ووصفاً للموضوع لا محالة ، فيكون المستثنى منه هي المرأة المتصفة بأنها من غير قريش ، في حين يكون المستثنى هي المرأة المتصفة بأنها من قريش .

   وعليه ففي مقام الاستصحاب إن اُريد استصحاب العدم الأزلي ـ أعني نفس عدم القرشية ـ المعبّر عنه بالعدم المحمولي ، فهو وإن كان صحيحاً من حيث أنّ لذلك العدم حالة سابقة حيث أنّ المرأة لم تكن كما لم تكن القرشية على نحو القضية السالبة بانتفاء الموضوع ، إلاّ أن هذا الاستصحاب لا يجدينا نفعاً ، باعتبار أ نّه لا يثبت أنّ هذه المرأة متصفة بأنها ليست من قريش والمعبّر عنه بالعدم النعتي ، لأ نّه من الأصل المثبت وهو ليس بحجة عندنا .

   وإن اُريد به استصحاب العدم النعتي المأخوذ في موضوع الحكم ، فمن الواضح أ نّه ليست له حالة سابقة ، فلا مجال لجريان الاستصحاب فيه .

   وبعبارة اُخرى نقول: إنّ عدم المماثلة أو المحرمية لا يمكن إثباته بالاستصحاب، لأنّ ما له حالة سابقة وهو العدم المحمولي لا أثر له ، وما له أثر ـ  أعني اتصاف الموجود الخارجي بعدم ما اُخذ في الاستثناء المعبّر عنه بالعدم النعتي  ـ لا حالة سابقة له كي يستصحب .

   وفيه : إنّ ما ذكره (قدس سره) وإن كان صحيحاً فيما إذا علم من الخارج أنّ العدم مأخوذ على نحو النعتية المعبّر عنها بالعدم النعتي لظهور الدليل أو لجهة اُخرى ، فإنه حينئذ لا  ينفع استصحاب العدم الأزلي في إثبات اتصافه بذلك . نظير ما لو اُجري استصحاب عدم البصر في المشكوك كونه أعمى أو بصيراً ، فإنه لا يثبت كونه أعمى بل لا بدّ من إحراز الوصف المأخوذ في الموضوع لا محالة .

   إلاّ أن تطبيقه على المقام كسائر موارد الاستثناءات المتصلة أو المنفصلة غير تام ، وذلك لأنّ المعتبر في جانب المستثنى إنّما هو نفس العرض ، والعرض وجوده في نفسه عين وجوده لغيره ، فوجود الكرية في الماء عين اتصاف الماء بالكرية ، فإنّ سنخ

ــ[99]ــ

وجوده وجود قائم بالغير ، فإذا قيل : إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء ، كان الموضوع هو الماء المتصف بالكرية طبعاً .

   وعلى هذا قس سائر الموارد ومنها المقام ، فإنّ وجود الاُبوة في شخص عين اتصاف ذلك الشخص بالاُبوة ، فليس هناك إلاّ شيء واحد ووجود منفرد .

   وهذا الكلام بقدر ما يرتبط بالمستثنى تامّ ولا إشكال فيه . وأما في جانب المستثنى منه فلا يخفى أنّ موضوع الحكم فيه ليس هو الفرد المتصف بعدم الوصف المأخوذ في المستثنى ، فإنّه يحتاج إلى العناية والتكلف ولا يقتضيه الدليل بنفسه ، إذ الاستثناء لا يقتضي إلاّ خروج العنوان المذكور ـ المستثنى ـ من الحكم الثابت للمستثنى منه، وأما اتصاف المستثنى منه بعنوان آخر مضاد للمستثنى فليس فيه أي اقتضاء لذلك .

   وعليه فيكون الباقي تحت العام بعد الاستثناء في قولنا : كل امرأة تحيض إلى خمسين إلاّ القرشية ، هي المرأة التي لا تكون قرشية على نحو السالبة المحصلة ، بمعنى أنّ موضوع الحكم إنما هي المرأة التي لا تتصف بالقرشية ، لا المرأة المتصفة بأنها ليست قرشية ، وبين العنوانين فرق واضح .

   وبعبارة اُخرى : إنّ الذي يقتضيه الاستثناء إنّما هو كون الموضوع مقيداً بكونه ليس من المستثنى ، فيكون القيد المأخوذ عدمياً لا محالة ، أما كونه مقيداً باتصافه بأ نّه غير المستثنى بحيث يكون القيد وجودياً ، فهو بحاجة إلى عناية زائدة ولا يقتضيه الاستثناء بنفسه .

   وعليه فحيث لا يعتبر في أخذ العدم قيداً للموضوع كونه على نحو الناعتية ، إذ الذي هو نعت ووجوده في نفسه عين وجوده لغيره إنّما هو وجود العرض لا عدمه فإن العدم أمر باطل وليس له وجود في الخارج كي يكون وجوده لنفسه عين وجوده لغيره ، بل يستحيل أن يكون العدم حقيقة نعتاً ووصفاً لشيء إذ لا وجود له كي يكون كذلك ، وإنّما يؤخذ على نحو من العناية ، بأن يلحظ أمر وجودي ملازم له فيكون ذلك الأمر الوجودي نعتاً ، وإلاّ فالعدم غير قابل للناعتية .

   فكل امرأة لم تكن متصفة بعنوان القرشية ـ في المثال المتقدم ـ تكون داخلة في الحكم من دون حاجة إلى أخذ قيد أو وصف ، إذ إنّ ثبوت الحكم لها لا يتوقف إلاّ

ــ[100]ــ

على أمرين :

   الأوّل : إحراز أصل الذات .

   الثاني : عدم اتصافها بالقرشية على نحو السالبة المحصلة .

   وحيث إنّ الأوّل محرز في الخارج وجداناً ، والثاني يمكن إحرازه بالأصل ، فيثبت الحكم لها لا محالة ، فإنها قبل أن توجد لم تكن ذاتها ولا اتصافها بالقرشية موجوداً فإذا وجدت ذاتها وشككنا في اتصافها بالقرشية أمكن نفيه بأصالة العدم ، المعبّر عنها باستصحاب عدم الوجود .

   والحاصل أنّ موضوع الحكم يحرز عن طريق ضمّ الوجدان إلى الأصل ، فيضم ما  هو معلوم بالوجدان إلى ما يعلم بالأصل ، فيثبت الحكم له قهراً ، حيث إنّ الموضوع ليس هو الاتصاف بالعدم وإنّما هو نفس العدم ، وهو قابل للإحراز بالاستصحاب .

   وتمام الكلام قد ذكرناه في مبحث اللباس المشكوك وتعليقاتنا على تقريراتنا لبحث شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه) ، فراجع .

   ثم إنّ لبعضهم تفصيلاً في جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية ، بين ما إذا كان الوصف المشكوك ثبوته من أعراض الوجود ووصفاً عرضياً نظير القرشية وغيرها من العناوين النسبية ، وبين ما إذا كان الوصف ذاتياً ومن قبيل مقومات الماهية كإنسانية الإنسان وحجرية الحجر .

   حيث أنكر جريان الاستصحاب في الثاني حتى بناء على القول باستصحاب العدم الأزلي ، بدعوى أنّ ثبوت الشيء لنفسه ضروري. فإنّ الإنسان انسان سواء وجد في الخارج أم لم يوجد، وعليه فإذا شكّ في كون الموجود خارجاً إنساناً أم غيره فلا معنى لأن يستصحب عدم إنسانيته، حيث لم تكن لذلك حالة سابقة فإنّ الإنسان لم يكن في زمان موصوفاً بعدم الإنسانية كي يستصحب ، وحيث إنّ الرجولية والاُنوثية من هذا القبيل ، فلا مجال عند الشكّ فيهما لاستصحاب عدمهما .

   وفيه : أنّ ذلك من الخلط بين الحمل الأولي الذاتي الذي يكون الملاك فيه الاتحاد في المفهوم ، وبين الحمل الشائع الصناعي الذي يكون ملاكه الاتحاد في الوجود خارجاً .

 
 

ــ[101]ــ

   وإذا شكّ في كونها زوجة أو لا فيجري ـ مضافاً إلى ما ذكر من رجوعه إلى الشكّ في الشرط ـ أصالة عدم حدوث الزوجية (1) . وكذا لو شكّ في المحرمية من باب الرضاع .

   نعم ، لو شكّ في كون المنظور إليه أو الناظر حيواناً أو إنساناً ، فالظاهر عدم وجوب
الاحتياط((1))، لانصراف عموم وجوب الغضّ إلى خصوص الإنسان (2) .

   وإن كان الشكّ في كونه بالغاً أو صبياً أو طفلاً مميزاً أو غير مميز، ففي وجوب الاحتياط وجهان((2)): من العموم على الوجه الذي ذكرنا، ومن إمكان دعوى الانصراف، والأظهر الأوّل(3).

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فإن الذي بلحاظه لا تكون للصفات الذاتية حالة سابقة إنّما هو الأوّل خاصة ، وأما بلحاظ الثاني الذي هو الملاك في الاستصحاب فهي مسبوقة بالعدم لا محالة ، فإنّ هذا الموجود في الخارج ـ المشكوك فيه ـ لم يكن وجوداً لرجل أو امرأة أو حجر أو غير ذلك من العناوين قبل وجوده ، فإذا وجد علم بوجود الإنسان في الخارج وبقي الشكّ في اتصافه بالرجولية عند تحققه ، فيستصحب عدمه لا محالة .

   والحاصل أ نّه لا فرق في جريان الاستصحاب بين كون الصفة المشكوكة من قبيل الذاتيات أو كونها من العرضيات ، إذ الاستصحاب إنّما هو بلحاظ الوجود الخارجي وانقلاب العدم إلى الوجود ، لا بلحاظ الحمل الأولي الذاتي .

   (1) المعبّر عنها باستصحاب العدم النعتي ، فإنّ الذات بعد وجودها لم تكن موصوفة بذلك الوصف ، فإذا شكّ في اتصافها به استصحب عدمه من دون أن تكون هناك حاجة إلى التمسك باستصحاب العدم الأزلي .

   (2) فتكون الشبهة موضوعية ، ومقتضى أصالة البراءة هو الجواز .

   (3) وفيه : أ نّه لو سلمنا تمامية قاعدة المقتضي والمانع وأ نّه لا بدّ من إحراز شرط الجواز ، إلاّ أ نّها لا تجري في المقام ، إذ إنّ شرط الجواز محرز بالاستصحاب . فإنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بل الظاهر وجوب التستّر على المرأة في غير الوجه والكفّين في هذه الصورة .

(2) أظهرهما عدم الوجوب للإستحباب .

ــ[102]ــ

المنظور إليه كان غير بالغ ، وكان صبياً غير مميز ، فإذا شكّ في بلوغه أو تمييزه استصحب بقاؤه على الوصف السابق كما هو الحال في باقي موارد الشبهات الموضوعية، كالشكّ في طلاق الزوجة .

   وبالجملة فإنّ الاستصحاب يرفع موضوع القاعدة المذكورة ويثبت شرط الجواز .

   هذا كلّه بناء على ثبوت عموم يقتضي حرمة النظر مطلقاً إلاّ ما خرج بالدليل، على ما استفاده الماتن (قدس سره) من قوله تعالى: (قُلْ للمُؤمِنينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبصَارِهِمْ).

   وأما بناءً على ما ذكرنا من أنّ هذه الآية الكريمة غير ناظرة إلى حرمة النظر ـ  وإن استفدنا ذلك من أدلّة اُخرى كقوله تعالى : (وَلاَ يُبدِينَ زِينَتهُنَّ) ـ وإنّما هي ناظرة إلى صرف النظر وقطعه عن الجنس الآخر ، من دون أن يكون لها نظر إلى حرمة نظر الرجل إلى كل أحد إلاّ ما استثني ، فيختلف الحال بالنسبة إلى كثير من الاُصول المتقدمة .

   فإن كان الشكّ في كون المرأة المنظور إليها محرماً أو غير محرم ، فالحكم كما تقدم فلا يجوز النظر إليها ، لأنّ مقتضى استصحاب العدم الأزلي هو عدم اتصافها بالمحرمية فتكون من أفراد المستثنى منه لا محالة .

   وإن كان الشكّ في كون المنظور إليه مماثلاً له وعدمه ، فالظاهر جواز النظر إليه ، إذ بعد فرض عدم وجود عموم يفيد حرمة نظر الرجل إلى كل أحد إلاّ ما استثني، يكون موضوع حرمة النظر هي المرأة خاصة ، فإذا شكّ في تحققه كان مقتضى استصحاب العدم الأزلي عدم تحققه . ومع قطع النظر عنه فمقتضى أصالة البراءة هو الجواز .

   ويظهر من كلام الشيخ الأعظم (قدس سره) التسالم على هذا الحكم ، حيث نقض به كلام المحقق الثاني (قدس سره) حين التزم بعدم جواز النظر إلى الخنثى المشكل بدعوى أنّ من المحتمل كونها امرأة فلا يجوز النظر إليها مقدمة لتحصيل فراغ الذمّة فأورد عليه (قدس سره) بأنّ الشكّ شكّ في التكليف ، فلا يكون مجرى لقاعدة الاشتغال (1) . فيظهر من إيراده هذا أنّ الحكم متسالم عليه بينهم ، وإلاّ فلا وجه لجعله نقضاً عليه .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) جامع المقاصد 12 : 42 .

ــ[103]ــ

   وعلى كلّ فما أفاده (قدس سره) هو الصحيح ، لأنّ موضوع الحكم بحرمة النظر إليه ـ  على ما عرفت  ـ هو المرأة ، فمع الشكّ في تحققه يمكن التمسك بأصالة البراءة ، أو استصحاب العدم الأزلي.

   وأولى من هذه الصورة بالجواز ما إذا كان الشكّ في أنّ المنظور إليه انسان أو غيره فإنه ليس هناك عموم يقتضي حرمة النظر إلى كل شيء ، إذ أ نّه على تقدير ثبوته فهو إنّما يقتضي حرمة النظر إلى كل انسان إلاّ ما أخرج بالدليل . وعليه فمع الشكّ في تحقق الموضوع يكون المورد مجرى البراءة ، كما يمكن إثبات عدم تحقق الموضوع بالتمسك باستصحاب العدم الأزلي .

   وأما باقي الصور فحكمها لا يختلف ، نتيجة القول بعدم وجود عموم يقتضي حرمة نظر الرجل إلى كل أحد ، فإنّ مقتضى استصحاب العدم النعتي هو عدم حدوث الزوجية فيما إذا كان الشكّ فيها فلا يجوز النظر إليها ، كما أنّ مقتضاه هو عدم البلوغ أو التمييز فيما إذا كان الشكّ فيهما فيجوز النظر إليهما .

   هذا كلّه بالنسبة إلى نظر الرجل أو المرأة إلى من يشكّ في جواز النظر إليه . وأما بالنسبة إلى وجوب التستّر على المرأة فيما إذا شكّت في كون الطرف مماثلاً أو من محارمها ، أو شكّت في حدوث سبب يسوغ الإبداء ـ كالزوجية أو المصاهرة أو الرضاع ـ أو شكّت في كونه إنساناً أو غيره ، فيختلف الحكم في ذلك .

   أما في الفرضين الأولين ، فلا يخفى أنّ مقتضى استصحاب العدم الأزلي في الأوّل ـ  أعني الشكّ في المماثلة أو المحرمية  ـ هو عدم اتصاف الموجود في الخارج بعنوان المستثنى ، وعليه فيبقى تحت عنوان المستثنى منه ، ومقتضى عموم حرمة إبداء الزينة هو وجوب الستر عليها .

   كما أنّ مقتضى استصحاب العدم النعتي في الثاني هو عدم حدوث السبب المسوغ للإبداء ، فيجب عليها الستر لا محالة .

   وأما في الفرض الثالث ، فلا بدّ من التفصيل بين الوجه واليدين وبين سائر الأعضاء . فلا يجب التستّر في الأولين لقوله تعالى : (إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْها) حيث استفدنا منه عدم وجوب سترهما ، وإن حرم عليها إبداؤهما لغير ما استثني ، ومن هنا فلما لم




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net