مقدّمات قبل البحث عن استصحاب العدم الأزلي / الاُولى : استصحاب أحد جزأي الموضوع أو المتعلّق 

الكتاب : مجمع الرسـائل - رسـالة في اللباس المشكوك   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 13594


وقد عبّر في كلماتهم عن هذا الاستصحاب باستصحاب العدم الأزلي ، وحيث إنّ تحقيق الحال في ذلك وأنّه هل هو جار مطلقاً كما هو مختار المحقّق صاحب الكفاية(1)، أو غير جار كذلك كما اختاره شيخنا الاُستاذ العلاّمة(2)، أو أنّ هناك تفصيلا كما هو مختار بعض أعاظم العصر(3) (قدّس الله تعالى أسرارهم) يترتّب عليه فوائد كثيرة في أبواب مختلفة ، فلا بأس به ، وإن كان يطول بنا المقام ، فأقول وبه أستعين: لابدّ من تقديم مقدّمات :

الاُولى : أنّ المركّب من اُمور متعدّدة إذا اُخذ موضوعاً أو متعلّقاً للحكم فليس ذلك إلاّ من جهة دخل كلّ منها في ترتّب غرض الحاكم عليها ، وإلاّ لكان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 223 .
(2) أجود التقريرات 2 : 328 وما بعدها .
(3) نهاية الأفكار 2 : 528 ، وراجع أيضاً رسالة في استصحاب العدم الأزلي (مطبوع مع روائع الأمالي) : 172 .

ــ[52]ــ

أخذه في شيء منهما لغواً صرفاً ، ولا يكشف ذلك عن دخل عنوان آخر منتزع عنها فيه ، بل الدخيل فيه هو ذوات أجزاء المركّب أعني بها كلّ واحد منها بنحو العموم المجموعي ، أعني به الوجودات التوأمة ، وإلاّ فليس لعنوان اجتماعها في الوجود دخل في الموضوع أو المتعلّق أصلا ، وعليه فالحاكم يلاحظها شيئاً واحداً من جهة دخالتها في الغرض الواحد ، فيأخذها في متعلّق حكمه أو موضوعه .

ومن هنا إذا كان أحد الأجزاء موجوداً وجداناً والآخر مستصحباً فلا محالة يترتّب عليه الأثر ، لإحراز الموضوع أو المتعلّق بضمّ الوجدان إلى الأصل .

ولا يمكن معارضة ذلك باستصحاب عدم المركّب ، المتحقّق قبل زمان الشكّ ، فإنّ المركّب بما هو مركّب ـ أعني به وصف الاجتماع ـ لا حكم له ، وإنّما الحكم لذوات الأجزاء على الفرض ، ولا شكّ في تحقّقها بضمّ الوجدان إلى الأصل ، نعم لو كان وصف الاجتماع أو المقارنة أو غير ذلك من المفاهيم موضوعاً له لخرج عن محلّ الكلام من فرض الموضوع مركّباً ، ولا يكون حينئذ إشكال في استصحاب عدمه ، وأنّه لا يثبت ذلك باستصحاب بعض الأجزاء وضمّه إلى الوجدان حتّى يكون معارضاً له .

مثلا إذا كان الأثر مترتّباً على وجود العالم العادل ، فإن كانت عدالة زيد متحقّقة فعلا مع القطع بعدمها سابقاً ، ولكن كان علمه متيقّناً سابقاً ومشكوكاً فيه فعلا ، فلا مناص عن استصحاب العلم ، فيثبت به الأثر المترتّب عليه ، كوجوب الإكرام مثلا . ولا يمكن معارضته باستصحاب عدم العدالة المقارنة للعلم ، لعدم ترتّب الأثر على المقارنة على الفرض .

وإن شئت توضيح ذلك فارجع إلى نفسك فيما إذا كان شرب الخمر حراماً يوم الجمعة ، فإذا شكّ في خمرية مائع يوم الجمعة مع كونه مسبوقاً بها ، فهل لا تستصحب الخمرية مع إحراز يوم الجمعة وجداناً ، فتحكم بذلك بحرمته ، أو تقول :

ــ[53]ــ

إنّ هذا المائع لم يكن خمراً مقيّداً بيوم الجمعة ، والآن كما كان .

والسرّ فيه : ما ذكرناه من أنّ الحكم يترتّب على ذوات الأجزاء المجتمعة ، لا مع وصف الاجتماع ، نظير ترتّب الأثر التكويني على عدّة اُمور خارجية ، بحيث يكون الاقتضاء الواحد قائماً بالمركّب .

وهذا هو الوجه في عدم المعارضة ، لا ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(1) من كون الشكّ في وجود المركّب مسبّباً عن الشكّ في وجود أجزائه ، ومع جريان الأصل في السبب لا تصل النوبة إلى جريانه في المسبّب ، وذلك لأنّ السببية وإن كانت واضحة إلاّ أنّها ليست بشرعية ، فلا حكومة لأحد الأصلين على الآخر .

هذا كلّه في المركّب من غير العرض ومحلّه ، وإن كان التركيب من عرضين لمحلّ واحد .

وأمّا في المركّب من العرض ومحلّه فلا مناص فيه من اعتبار العرض نعتيّاً ، ضرورة أنّ العرض وجوده في الخارج لا ينفكّ عن وجود نسبة بينه وبين موضوعه ، فإنّ وجوده في نفسه عين وجوده لموضوعه ، فإذا اُخذ في الموضوع فإمّا أن يؤخذ بنحو النعتية ـ أعني بها وجوده بما هو عرض وقائم بالغير ـ أو بما هو شيء في نفسه مع إلغاء جهة النسبة والنعتية .

فعلى الأول لا مناص عن أخذ الموضوع متّصفاً به ، فإنّه معنى النعتية .وعلى الثاني لابدّ من ترتيب الأثر على مطلق وجوده ، ولو في غير هذا
الموضوع ، وهو خلف مع فرض التركّب من العرض ومحلّه .

وهذا هو الوجه فيما ذكرناه ، لا ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدّس سرّه)(2) من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رسالة الصلاة في المشكوك : 410 .
(2) رسالة الصلاة في المشكوك : 420 .

ــ[54]ــ

كون الإطلاق والتقييد بالقياس إلى انقسامات نفس الشيء في مرتبة سابقة على انقسامه بالقياس إلى مقارناته ، فإنّ ذلك بلا ملزم .
مضافاً إلى أنّه يستلزم اعتبار صفة المقارنة في الموضوع المركّب مطلقاً ، فإنّ المقارنة من صفات الشيء وأعراضه ، فلابدّ في كلّ من الأجزاء بالإضافة إلى اتّصافه بالمقارنة وعدمها من لحاظه مطلقاً أو مقيّداً في مرتبة سابقة على وجود المقارن وعدمه ، وبه يرتفع موضوع الإطلاق والتقييد بالإضافة إلى ذات المقارن كما هو الحال بعينه في العرض ومحلّه ، وهذا خلف .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net