فيما إذا العبد مبعضاً أو الأمة مبعضة ففي لحوقهما بالحر أو القن إشكال 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى- الجزء الثاني:النكاح   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6877


   [ 3704 ] مسألة 1: إذا كان العبد مبعضاً أو الأَمة مبعضة، ففي لحوقهما بالحر أو القنّ إشكال، ومقتضى الاحتياط (4) أن يكون العبد المبعض كالحرّ بالنسبة إلى الإماء فلا يجوز له الزيادة على أمتين، وكالعبد القنّ بالنسبة إلى الحرائر فلا يجوز له الزيادة على حرّتين. وأن تكون الأَمة المبعضة كالحرّة بالنسبة إلى العبد ، وكالأَمة بالنسبة إلى الحرّ .

   بل يمكن أن يقال إنّه بمقتضى القاعدة، بدعوى أنّ المبعض حرّ وعبد، فمن حيث حرّيته لا يجوز له أزيد من أَمتين ، ومن حيث عبديته لا يجوز له أزيد من حرّتين. وكذا بالنسبة إلى الأَمة المبعضة.

   إلاّ أن يقال : إنّ الأخبار الدالّة على أن الحر لا يزيد على أَمتين ، والعبد لا  يزيد على حرّتين ، منصرفة إلى الحر والعبد الخالصين ، وكذا في الأَمة ، فالمبعض قسم

ــــــــــــــــــــــــــ
   (4) فيما لو قلنا بأن حكم المبعض لا يخرج عن حكم الحر والعبد ، وأ نّه محكوم


ــ[148]ــ

ثالث (1) خارج عن الأخبار ، فالمرجع عمومات الأدلة على جواز التزويج ، غاية الأمر عدم جواز الزيادة على الأربع ، فيجوز له نكاح أربع حرائر أو أربع إماء .

   لكنه بعيد من حيث لزوم كونه أولى من الحر الخالص ، وحينئذ فلا يبعد أن يقال: إنّ المرجع الاستصحاب(2) ومقتضاه إجراء حكم العبد والأَمة عليهما ودعوى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بأحد الحكمين ـ كما هو ليس ببعيد ـ حيث تسقط إطلاقات الأدلة الدالة على جوار النكاح بأربع ، سواء أ كانت من الحرائر أم من الإماء أم ملفّقة ، وذلك للعلم بالتخصيص وتردّده بين متباينين ، بمعنى العلم بمنع المبعض ، أما عن التزوج بأكثر من حرّتين ، وأما عن التزوج بأكثر من أَمتين .

   فعند العلم بالتخصيص ودورانه بين متباينين يسقط العموم أو الإطلاق لا محالة ولا بدّ من الرجوع إلى الأصل العملي ، وهو يقتضي عدم نفوذ العقد في موارد الشكّ فليس له أن يتزوج بأكثر من حرتين ، ولا بأكثر من أَمتين فيما إذا كانت الثالثة أَمة أيضاً ، وهذا هو معنى الاحتياط .

   وبما ذكرناه يظهر الحال في المبعضة، فإنّ جواز النكاح بالنسبة إليها خصّص بأحد أمرين متباينين: إما بعدم جواز نكاحها من حر عنده أمتان ، أو بعدم جوازه من عبد عنده حرتان . فلا يمكن التمسك بالإطلاق ، وينتهي الأمر إلى التمسك بأصالة الفساد .

   (1) على ما يحتمل احتمالاً بعيداً ، وعليه فلا مانع من التمسك بإطلاقات وعمومات ما دلّ على جواز التزويج بأربع إذ لا معارض لها ، حيث أنّ موضوع أدلة عدم جواز نكاح أكثر من حرتين هو العبد وهذا ليس بعبد ، كما أنّ موضوع أدلة عدم جواز نكاح أكثر من أَمتين هو الحر وهذا ليس بحر . إذن فلا مانع من الالتزام بصحة تزوجه بأكثر من حرتين أو أكثر من أَمتين .

   (2) ولا يخفى أنّ تفريع الاستصحاب على الالتزام بكون المبعض قسماً ثالثاً غير واضح ، فإنّه لو قلنا بجريان الاستصحاب فلا بدّ من القول به حتى بناءً على شمول الأخبار له أيضاً ، إذ ينتفع به في حل العلم الإجمالي الناشئ من شمول الأخبار له ، وبه يثبت له أحكام العبد .

ــ[149]ــ

   وعلى كل فقد يستشكل في جريان الاستصحاب بأ نّه استصحاب تعليقي ، ولا نقول به لأ نّه معارض بالاستصحاب التنجيزي ، حيث أنّ استصحاب ترتب أثر الزوجية على عقده على أربع إماء حال رقيته، أو عقده إلى حال حرية بعضه، معارض باستصحاب الحرمة وعدم ترتب الأثر على عقده فعلاً فلا يمكن الأخذ به .

   ولكنه لا يمكن المساعدة عليه ، لأن الاستصحاب التعليقي إنّما يختص بما إذا كان الموضوع مركباً من جزءين ، وكان أحدهما حاصلاً بالفعل والآخر غير حاصل ، ولكن عند تحقق الجزء الثاني وحصوله يتغيّر وصف الأوّل ويزول . نظير المثال المعروف (العنب إذا غلى يحرم) فإنّه لا يمكن إثبات الحرمة للزبيب إذا غلى بالاستصحاب ، لأ نّه قبل الغليان لم يكن موضوع الحرمة بتمامه متحققاً نظراً لفقدان الجزء الثاني ، وعند حصوله يزول وصف الجزء الأول ويتغيّر ، فلا مجال للتمسك بمثل هذا الاستصحاب حيث إنّه معارض بالاستصحاب التنجيزي بحلية الزبيب .

   إلاّ أنّ هذا أجنبي عما نحن فيه ، إذ موردنا من استصحاب الحكم الشرعي ليترتب عليه حكم شرعي آخر ، كما لو شكّ في جواز التوضؤ بالماء المعيّن ، فاستصحب جوازه فإنّه يترتب عليه جواز الصلاة به . ولا مجال لأن يقال بأ نّه من الاستصحاب التعليقي ، وأ نّه معارض باستصحاب عدم جواز الدخول في الصلاة ، فإنّ جواز الدخول في الصلاة من الأحكام الشرعية المترتبة على جواز الوضوء ، فإذا ثبت ذلك ثبت هذا الحكم أيضاً قهراً .

   وهكذا الحال في جواز البيع بالنسبة إلى جواز التملك ، فإنّ الثاني مترتب على ثبوت الأوّل ولو كان ذلك بالاستصحاب .

   ومن هنا ففيما نحن فيه تترتب آثار الزوجية بأكملها على جواز التزوج بالمرأة ، فإذا شكّ في الثاني فثبت الجواز بالاستصحاب ترتبت عليه آثار الزوجية شرعاً . ومن الواضح أنّ بين هـذا ـ أعني استصحاب الحكم الشرعي ليترتب عليه حكم شرعي آخر ـ وبين الاستصحاب التعليقي ، بون شاسع وفرق ظاهر .

   ولزيادة التوضيح نقول : إنّ ارتباط الحكم الشرعي المجعول ـ التكليفي والوضعي ـ

ــ[150]ــ

بما يرتبط به على نحوين :

   فتارة يكون ارتباطه على نحو ترتب الحكم عليه كترتب المعلول على علته في التكوينيات ، بحيث يكون ذلك الشيء في مرتبة سابقة على الحكم ، ويكون الحكم متأخراً عنه كتأخر المعلول عن علته .

   واُخرى ينعكس فيكون الحكم في مرتبة سابقة على ذلك الشيء ، بحيث يكون ذلك الشيء ناشئاً من الحكم الشرعي ومترتباً عليه .

   ففي القسم الأوّل يعبّر عن ذلك الشيء بالموضوع ، فيما يعبّر عنه في القسم الثاني بالمتعلّق .

   ففي مثل الحضر والسفر وزوال الشمس وغروبها يرتبط الحكم الشرعي به ، حيث يجب التمام على الحاضر فيما يجب القصر على المسافر ، وتجب العصران عند زوال الشمس والعشاءان عند غروبها . إلاّ أنّ ارتباط الحكم بهذه الاُمور من قبيل القسم الأول ، حيث تكون هذه الاُمور بمنزلة العلّة للحكم ، فلا بدّ من فرض السفر في وجوب القصر ، والحضر في وجوب التمام ، وهكذا .

   وفي مثل وجوب الصلاة يرتبط الحكم الشرعي ـ أعني الوجوب ـ به أيضاً ، إلاّ أنّ ارتباطه في هذا المقام من قبيل القسم الثاني ، حيث تترتب الصلاة في الخارج على الوجوب بحيث يكون الوجوب كالعلّة في وجودها ، فإنّ الوجوب متحقق قبل تحقق الصلاة في الخارج ومع قطع النظر عن تحققها وعدمه ، فهو كالسبب في وجودها حيث يؤتى بها باعتبار كونها واجبة .

   إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ تمييز أحد القسمين عن الآخر ، وأنّ ارتباط الشيء المعيّن بالحكم من قبيل الأول أو الثاني ، إنّما يتبع ذلك الشيء الذي يرتبط الحكم به .

   فإن كان أمراً خارجاً عن اختيار المكلف نظير زوال الشمس ، فهو موضوع للحكم قهراً إذ لا يعقل كونه متعلقاً له ، سواء أذكر في لسان الدليل على نحو القضية الشرطية كقولنا : (إذا زالت الشمس فقد دخل الوقتان) أم ذكر على نحو القيدية كقولنا : (تجب الصلاة عند زوال الشمس) .

ــ[151]ــ

   وإن كان أمراً اختيارياً فهو يختلف باختلاف لسان الدليل ، فإن اُخذ شرطاً كقولنا : (إن سافرت فقصر) أو اُخذ على نحو تكون نتيجته نتيجة الاشتراط ، كما إذا اُخذ في القضية موضوعاً كقولنا : (المسافر يجب عليه القصر) فإنّ نتيجة كون المسافر موضوعاً هو فرضه مفروغ الوجود ، بمعنى أ نّه على تقدير وجوده يجب القصر ، وهو يعني كون السفر شرطاً في وجوب القصر ، لما ذكرناه غير مرة من أنّ القضية الحقيقية تنحلّ إلى القضية الشرطية فهو موضوع لا محالة .

   وأما إذا اُخذ قيداً في المتعلق كقولنا : (صلّ متطهراً) كان المتفاهم منه أنّ التكليف كما هو متعلق بالصلاة متعلق بقيدها أيضاً ، بحيث يكونان معاً معلولين للتكليف .

   إذا اتضح ذلك كلّه يظهر أنّ الحلّية والحرمة الثابتتين للبيع أو النكاح أو التملك أو غيرها ، إنّما هما حكمان ثابتان قبل تحقق تلك الاُمور في الخارج . فحلّية البيع أو حرمته مثلاً حكم ثابت قبل تحققه في الخارج ، لا أنّ حليته أو حرمته متوقّفة على تحققه في الخارج ، فهو حلال سواء أوقع البيع في الخارج أم لم يقع ، وكذلك الحال في التملك والنكاح .

   وأما ترتب الآثار الشرعية عليها ، فهي أحكام مترتبة على هذا الحكم ـ  أعني الحلّية أو الحرمة  ـ من دون أن يكون من الاستصحاب التعليقي . فإنّه إذا كان نكاحاً حلالاً ثم شككنا في زوال الحلّية ، كان مقتضى القاعدة استصحاب بقائها ، لأ نّها كانت ثابتة قبل العقد والنكاح في الخارج ولم تكن مترتبة عليه ، فلا وجه لأن يقال إنّه من الاستصحاب التعليقي فإنّ خطأ ، والصحيح أ نّه من الاستصحاب التنجيزي .

   ومن هنا فلا بأس بأن يقال : إنّ هذا المبعض كان يحرم عليه أن يتزوج من الحرائر بأكثر من اثنتين ، فمقتضى الاستصحاب أ نّه الآن كذلك أيضاً ، وبه تجري عليه أحكام العبد . إلاّ أنّ هذا كلّه لا يقتضي التزامنا بجريان الاستصحاب في المقام ، وذلك لما تقدم منّا غير مرة من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفية الكلّية ، حيث أنّ جريانه فيها معارض باستصحاب عدم الجعل من الأول فيسقط بالمعارضة ، بل الثاني حاكم على الأوّل ، على ما مرّ توضيحه في محلّه من المباحث الاُصولية .

ــ[152]ــ

تغيّر الموضوع كما ترى (1) .

   فتحصل أنّ الأوْلى الاحتياط الذي ذكرنا أوّلاً، والأقوى العمل بالاستصحاب((1)) وإجراء حكم العبيد والإماء عليهما .
ــــــــــــــــــــــ

   ثم لو تنزّلنا وقلنا بجريانه في الأحكام التكليفية الكلّية فلا نلتزم به في المقام، وذلك لاختلاف الموضوع بنظر العرف ، حيث يرى عنوان الحرية والرقية مقوِّماً للموضوع ، نظير ما يراه في عنوان المسافر والحاضر . وعلى هذا فلا يمكن التمسك بالاستصحاب ، لعدم اتّحاد القضية المتيقنة مع القضية المشكوكة ، فإنّ الذي لم يكن له التزوج بأكثر من حرتين إنّما كان هو هذا الشخص بما هو عبد لا ذاته بما هي ، ومن الواضح أ نّه بذلك الوصف غير المبعض حيث إنّه ليس بعبد وإنّما نصفه عبد خاصة ، وهو لم يكن موضوعاً للحكم .

   وعليه فحكمه يبتني على الاحتمالين السابقين ، من عدم خروج حكمه عن حكم أحد القسمين فيجب عليه الاحتياط ، ومن كونه قسماً ثالثاً فيحكم بصحة تزوجه بأربع مطلقاً ، سواء أكنّ من الحرائر أم الإماء أم ملفّقاً منهما .

   (1) وفيه ما تقدم .
ـــــــــــــــ

(1) فيه إشكال بل منع .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net