عدم تعدد المهر بتعدد الوطء بل يتعدد مع تعدد الاشتباه - جواز تزويج المرأة الزانية 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى- الجزء الثاني:النكاح   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6102


ــ[216]ــ

   [ 3723 ] مسألة 16 : لا يتعدّد المهر بتعدّد الوطء مع استمرار الاشتباه (1) . نعم ، لو كان مع تعدّد الاشتباه تعدّد (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إنّما هو عمل واحد ، فإذا لم يعتبر هذا العمل بالنسبة للفاعل زنا ـ كما هو صريح الصحيحة ـ فلا مجال لاعتباره بالنسبة إليها زنا بل حالها كحاله ، فتكون خائنة كما اعتبر هو خائناً .

   إذن فهذه الصحيحة واردة في فرض أجنبي عن محل كلامنا ـ أعني كون المرأة زانية ـ فلا مجال للاستدلال بها على المدعى .

   وبالنتيجة فيتحصل مما تقدم أنّ الصحيح في المقام هو ما اختاره الماتن (قدس سره) من عدم ثبوت شيء على الفاعل فيما إذا كانت الأَمة عالمة وزانية ، فإنّها حينئذ لا  تستحق شيئاً على الإطلاق لا لها ولا لسيدها .

   (1) إذ لم يثبت ولا في رواية واحدة كون العبرة والملاك في ثبوت المهر هو وحدة الوطء أو تعدّده ، بل الثابت هو كون العبرة في ثبوته طبيعي الوطء مع وحدة الاشتباه ، حيث لم يتعرض إلى وحدة الوطء أو تعدّده في شيء من النصوص ، بل المفروض في جملة من الروايات المعتبرة أنّ انكشاف الحال بعد تكرار الوطء وتعدّده ومع ذلك حكم (عليه السلام) أنّ عليه المهر الظاهر في الوحدة من دون إشارة إلى لزوم تعدّده .

   كالمعتبرة الواردة فيمن تزوج امرأة نعي إليها زوجها ثم جاء زوجها ، حيث حكم (عليه السلام) بأ نّه يفارقها ولا تحلّ له أبداً ، ويكون زوجها الأوّل أحقّ بها ، ولها على الثاني المهر بما استحل من فرجها (1) . فإنّ حمل هذه المعتبرة على وحدة الوطء ـ بحيث يفرض أن الزوج الثاني لم يطأها إلاّ مرة واحدة ـ بعيد غايته .

   (2) وذلك لأصالة عدم التداخل بعد أن كان السبب متعدّداً ، فإن الوطء الثاني الناشئ من اشتباه مستقل عما أوجب الوطء الأوّل موضوع جديد لثبوت المهر ، ومعه فالقول بالاتحاد والتداخل يحتاج إلى الدليل وهو مفقود .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 16 ح 6 .

ــ[217]ــ

   [ 3724 ] مسألة 17 : لا بأس بتزويج المرأة الزانية غير ذات البعل((1)) (1) للزاني وغيره (2) . والأحوط الأَولى((2)) أن يكون بعد استبراء رحمها بحيضة من

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) وفي حكمها ذات العدّة الرجعية ، إذ الزنا بها يوجب ثبوت الحرمة الأبدية أيضاً .

   (2) ولا يخفى أنّ محل الكلام بينهم إنّما هو فيما قبل توبتها ، وإلاّ فلا إشكال ولا خلاف بينهم في جواز التزويج بها حتى ولو كانت مشهورة ، فإنّها تخرج بذلك عن هذه الصفة الشنيعة على ما دلّ عليه قوله تعالى : (إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فأُ ولئِكَ يُبدّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَنات) (3) وجملة من الروايات المعتبرة التي يستفاد منها أنّ التائب من الذنب كمن لا ذنب له (4) ، مضافاً إلى دلالة جملة من الروايات الصحيحة صريحاً على جواز التزوج حتى بالمشهورة في فرض التوبة (5) .

   وهذا كلّه مما لا خلاف فيه . وإنّما الخلاف في جواز التزوج قبل توبتها وعند اتصافها بكونها زانية ، فقد ذهب جماعة إلى الجواز مطلقاً من دون فرق بين المشهورة وغيرها ، وذهب آخرون إلى عدم الجواز كذلك ، في حين فصل ثالث بين المشهورة وغيرها فالتزم بالجواز في الثانية دون الأولى .

   ولمعرفة الحق في المسألة لا بدّ من التكلّم في مقامين :

   الأوّل : في دلالة قوله تعالى : (الزَّاني لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيةً أَ وْ مُشْركَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ  يَنكِحُها إِلاَّ زَان أَ وْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤمِنينَ) (6) .

   الثاني : في دلالة النصوص الواردة في المقام .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وفي حكمها ذات العدّة الرجعيّة .

(2) لا يترك الاحتياط في تزويج نفس الزاني .

(3) سورة الفرقان 25 : 70 .

(4) الكافي 2 : 435 ح 10 .

(5) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 13 .

(6) سورة النور 24 : 3 .

ــ[218]ــ

   أمّا المقام الأوّل : فقد ادعي دلالة الآية المباركة على عدم جواز تزوج المؤمن من المشركة والزانية .

   إلاّ أن الإشكال عليه ظاهر ، ولا يكاد يخفى فإنّ هذه الآية الكريمة أجنبية عن محل الكلام ، ولا تصلح للاستدلال بها على المدعى .

   والوجه في ذلك أنّ هذه الآية غير ناظرة إلى التزوج بالمرة ، وإنّ المراد بالنكاح فيها إنّما هو نفس الفعل ـ أعني الوطء ـ وبذلك فتكون هذه الآية بصدد الإخبار عن الأمر الواقع دون الإنشاء والتشريع ، كما يرشدنا إلى ذلك ورود هذه الآية بعد قوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّاني فَاجْلدُوا كُلَّ واحِد مِنْهُمَا مائَةَ جَلْدة ...) (1) بلا فصل .

   فإنّ الظاهر من ذلك بيان أنّ الزاني لا يزني إلاّ بزانية أو مشركة ، وأنّ الزانية لا يزني بها إلاّ زان أو مشرك ، وأ نّه لا بدّ في تحقق هذا الفعل الشنيع من شخصين من سنخ واحد ، بحيث لو لم يكن هنالك زان لما تحقق الزنا من الزانية أو المشركة ، كما أ نّه لو لم تكن هناك زانية أو مشركة لما تحقق الزنا من الزاني ، فإنّه فعل واحد لا  يتحقق إلاّ من شخصين من نمط واحد ، وبذلك فيكون مدلولها مدلول المثل المعروف (إنّ الطيور على أمثالها تقع) .

   ومما يدلنا على أنّ الآية المباركة ليست بصدد التشريع اُمور :

   الأوّل : أنّ الآية المباركة تضمنت استثناء نكاح الزاني من المشركة ونكاح الزانية من المشرك ، والحال أنّ الزواج في هذين الموردين باطل بإجماع المسلمين .

   إذن فلا معنى لحمل الآية الكريمة على التشريع ، إذ لا يصح استثناء الموردين من الحرمة .

   الثاني : أنّ مقتضى حمل هذه الآية على التشريع هو اعتبار أنْ لا يكون الزوج زانياً في صحة الزواج ، وهو لا قائل به على الإطلاق . فإنّ ما وقع فيه النزاع إنّما هو اعتبار عدم كون الزوجة زانية ، أما اعتبار عدم كون الزوج زانياً فلا قائل به .

   وبعبارة اُخرى : إنّ محل النزاع بين الأصحاب إنّما هو اعتبار عدم الزنا في جانب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة النور 24 : 2 .

ــ[219]ــ

الزوجة ، أما اعتباره في جانب الرجل فلا خلاف في عدمه ، والحال أنّ مقتضى الآية الكريمة ـ بناء على حملها على التشريع ـ ذلك .

   الثالث : أنّ مقتضى الآية الكريمة ـ بناء على كونها في مقام التشريع ـ جواز تزوج الرجل الزاني من المرأة الزانية ، والحال أ نّه بناءً على عدم جواز ذلك لا يفرق الحال بين كون الرجل زانياً وعدمه ، فيكشف ذلك عن عدم كون الآية المباركة في مقام التشريع .

   ومن هنا يتضح أنّ ما ورد من النصوص في تفسير الآية الكريمة بالتزوج بالفواجر (1) لا بدّ من ردّ علمه إلى أهله ، فإنه غير قابل للتصديق على ما عرفت .

   وأمّا المقام الثاني : فالنصوص الواردة في المقام على طوائف ثلاث :

   الطائفة الاُولى : ما دلّ على عدم الجواز مطلقاً ، سواء أ كانت مشهورة أم غيرها وهي روايات عديدة :

   منها : معتبرة عمار بن موسى عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل يحلّ له أن يتزوج امرأة كان يفجر بها ، قال : «إن آنس منها رشداً فنعم ، وإلاّ فليراودها على الحرام فإن تابعته فهي عليه حرام ، وإن أبت فليتزوجها» (2) .

   فإنّها واضحة الدلالة على عدم الجواز وحرمتها في فرض إصرارها على الزنا وعدم توبتها .

   ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر أو أبي عبدالله (عليها السلام) قال : «لو أنّ رجلاً فجر بامرأة ثم تابا فتزوجها لم يكن عليه شيء من ذلك» (3) .

   حيث تدلّ بمفهومها على الحرمة في فرض عدم توبتها ، وبما أن الرجل لا يشترط فيه ذلك ـ إجماعاً ـ فيحمل على الكراهة بالنسبة إليه ، ويبقى ظهورها في اشتراط توبة المرأة على حاله .

   ومنها: معتبرة أبي بصير، قال: سألته عن رجل فجر بامرأة ثم أراد بعد أن يتزوجها،

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 13 .

(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 11 ح 2 .

(3) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 11 ح 5 .

ــ[220]ــ

فقال : «إذا تابت حلّ له نكاحها» . قلت : كيف يعرف توبتها ؟ قال : «يدعوها إلى ما كانا عليه من الحرام ، فإن امتنعت فاستغفرت ربّها عرف توبتها» (1) .

   ومنها : معتبرة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن الخبيثة ، أتزوجها ؟ قال : «لا» (2) .

   ومنها: رواية إسحاق بن جرير عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : قلت له : الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في تزويجها، هل يحلّ له ذلك؟ قال: «نعم، إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدّتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله أن يتزوجها ، وإنّما يجوز له أن يتزوجها بعد أن يقف على توبتها» (3) .

   وهذه الرواية وإن كانت دالّة على المنع مطلقاً ، إلاّ أ نّها ضعيفة السند بالإرسال فلا  مجال للاعتماد عليها .

   نعم ، قد رواها الشيخ (قدس سره) في التهذيب بسند صحيح ، إلاّ أ نّها لا تشتمل على الذيل ، أعني قوله : «وإنّما يجوز له أن يتزوجها بعد أن يقف على توبتها» (4) فلا تكون لها دلالة على المنع مطلقاً . وبهذا الذيل تختلف رواية الشيخ (قدس سره) عن رواية الكليني (5) (قدس سره) فإنّ الثانية مشتملة عليه بخلاف الاُولى . ومن هنا فما ذكره صاحب الوسائل (قدس سره) من أنّ رواية الشيخ (قدس سره) مثل رواية الكليني (قدس سره) لا يخلو من مسامحة بل غرابة .

   ثم إنّ صاحب الوسائل (قدس سره) قد روى هذه الرواية عن إسحاق بن حريز (6) ولكن الموجود في الكافي والتهذيب والذي رواه صاحب الوسائل نفسه في أبواب العدد هو إسحاق بن جرير(7) والظاهر أ نّه هو الصحيح .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 11 ح 7 .

(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 14 ح 3 .

(3) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 11 ح 4 .

(4) التهذيب 7 : 327 / 1346 .

(5) الكافي 5 : 356 .

(6) المقصود به الطبعة القديمة من الوسائل .

(7) الوسائل ، ج 22 كتاب النكاح ، أبواب العدد ، ب 44 ح 1 .

 
 

ــ[221]ــ

   والحاصل أنّ هذه الرواية بسندها الصحيح لا دلالة فيها على المدعى ، وإنّما هي من أدلة القول بالجواز مطلقاً ، وبمتنها الدال ضعيفة سنداً ، فلا مجال للاعتماد عليها كدليل للقول بالحرمة مطلقاً .

   وأمّا الطائفة الثانية : وهي الدالة على الجواز مطلقاً ، فهي على قسمين :

   الأوّل : ما يقبل التقييد ببعد التوبة .

   الثاني : ما لا يقبل التقييد بما تقدم .

   أما القسم الأوّل فهو روايات عديدة :

   كمعتبرة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها ، فقال : «حلال ، أوّله سفاح وآخره نكاح ، أوّله حرام وآخره حلال» (1) .

   وصحيحة إسحاق بن جرير المتقدمة ، بناء على ما رواه الشيخ (قدس سره) .

   ومعتبرة عبيدالله بن علي الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «أيما رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها حلالاً» قال : «أوّله سفاح وآخره نكاح ، ومثله مثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها حراماً ، ثم اشتراها بعد فكانت له حلالاً» (2) .

   فهذه الروايات كما تراها دالّة على الجواز مطلقاً ، إلاّ أ نّها لما كانت صالحة للتقييد لا تكون قابلة لمعارضة الطائفة الاُولى .

   وأما القسم الثاني :

   فكمعتبرة موسى بن بكر عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سئل عن رجل أعجبته امرأة فسأل عنها فإذا النثاء عليها في شيء من الفجور، فقال: «لا بأس بأن يتزوّجها ويحصنها»(3).

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 11 ح 1 .

(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 11 ح 3 .

(3) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 12 ح 2 .

         والنثاء : مثل الثناء ، إلاّ أ نّه في الخير والشر جميعاً ، والثناء في الخير خاصة ، راجع الصحاح 6  :  2501 .

ــ[222]ــ

   فإنّ تقييدها بالتوبة قبل الزواج بعيد جداً ، لا سيما بملاحظة قوله (عليه السلام) : «يتزوّجها ويحصنها» فإنه ظاهر بكل وضوح في عدم تحقق التوبة منها قبل الزواج وإنّما الإحصان يكون بعده .

   وأوضح منها دلالة معتبرة علي بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام) (1) .

   فإنّ الظاهر من الإجابة بالإثبات على التزوج بالفواسق هو جوازه في حال كونهن كذلك بالفعل ، ومن هنا فلا مجال لحملها على توبتهن قبل الزواج ، نظراً لكونه حملاً على خلاف الظاهر .

   وصحيحة علي بن رئاب قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة الفاجرة يتزوجها الرجل المسلم ، قال : «نعم ، وما يمنعه ، ولكن إذا فعل فليحصن بابه مخافة الولد» (2) .

   فإنّها ظاهرة الدلالة على كون التزوج في حال اتصاف المرأة بالفجور وتلبّسها بذلك الوصف .

   ومعتبرة إسحاق بن جرير ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : إنّ عندنا بالكوفة امرأة معروفة بالفجور ، أيحلّ أن أتزوجها متعة ؟ قال : فقال : «رفعت راية» ؟ قلت : لا ، لو رفعت راية أخذها السلطان ، قال : «نعم ، تزوّجْها متعة» (3) .

   ودلالتها على الجواز مع كونها معروفة بالفجور واضحة ، وتقييد الجواز فيها بالمتعة إنّما هو لأجل كون السؤال عنها خاصة ، وإلاّ فلا إشكال في عدم الفرق بينها وبين الزواج الدائم .

   وهذا القسم كما تراه لا يقبل التقييد بتوبتها قبل الزواج ، إذن يقع التعارض بينه وبين الطائفة الاُولى التي دلّت على المنع مطلقاً .

   وأما الطائفة الثالثة ، فهي ما تضمنت التفصيل بين المشهورة المعلنة بالزنا وغيرها فلا يجوز التزوج بالاُولى بخلاف الثانية .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 12 ح 3 .

(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 12 ح 6 .

(3) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب المتعة ، ب 9 ح 3 .

ــ[223]ــ

   كمعتبرة الحلبي ، قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : «لا تتزوج المرأة المعلنة بالزنا ، ولا يتزوج الرجل المعلن بالزنا ، إلاّ بعد أن تعرف منهما التوبة» (1) .

   وهذه الرواية واضحة الدلالة على عدم جواز التزوج بالمرأة المعلنة بالزنا ، وكذلك التزوج من الرجل المعلن للزنا . وظاهر النهي وإن كان هو الحرمة إلاّ أ نّه لا بدّ من رفع اليد عن هذا الظهور في جانب الرجل للجزم بعدم الحرمة فيه ، لكن ذلك لا  يقتضي رفع اليد عن ظهور النهي في جانب المرأة فإنه لا مبرر له على الإطلاق . ومن هنا فلا بدّ من التفصيل والالتزام بالحرمة في التزوج بالمرأة المعلنة بالزنا والكراهة في التزوج من الرجل المعلن بالزنا .

   ولما كانت النسبة بين هذه المعتبرة وبين ما دلّ من النصوص على الجواز مطلقاً هي نسبة الخاص إلى العام ، خصص عموم تلك الروايات بهذه المعتبرة ، وبذلك فينتج اختصاص الجواز بما إذا لم تكن المرأة معلنة بالزنا . وبهذا التخصيص تنقلب النسبة بين هذه الطائفة وبين الطائفة التي دلّت على المنع مطلقاً إلى العموم والخصوص بعد ما كانت التعارض ، فتخصصها لا محالة .

   فيكون الحاصل من ذلك كلّه اختصاص الحرمة بما إذا كانت المرأة معلنة بالزنا ومشهورة بذلك ، واختصاص الجواز بغيرها .

   هذا كلّه ، ولكن قد ورد في ذيل معتبرة إسحاق بن جرير المتقدمة ما يدلّ على الجواز حتى في فرض كون المرأة معلنة بالزنا ، حيث ورد فيها : ثم أصغى إلى بعض مواليه فأسرّ إليه شيئاً ، فلقيت مولاه فقلت له : ما قال لك ؟ فقال : إنّما قال لي : «ولو رفعت راية ما كان عليه في تزويجها شيء ، إنّما يخرجها من حرام إلى حلال» .

   وبهذا فتكون هذه المعتبرة معارضة لمعتبرة الحلبي الدالة على عدم الجواز فيما إذا كانت معلنة بالزنا ، فتتساقطان لا محالة ، وحينئذ يتعيّن الرجوع إلى عمومات الحل وتكون نتيجة ذلك هو ما اختاره الماتن (قدس سره) من القول بالجواز مطلقاً .

   إلاّ أنّ هذا الذيل لا يمكن الاعتماد عليه ، نظراً إلى مجهولية بعض مواليه (عليه السلام) الذي يروي عنه الحلبي ، ومعه فلا مجال لقبول خبره .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 13 ح 1 .

ــ[224]ــ

مائه أو ماء غيره (1) إن لم تكن حاملاً .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وبذلك فيكون الصحيح في المقام هو ما ذكرناه من التفصيل بين المشهورة فلا يجوز التزوّج منها ، وغيرها حيث لا مانع من العقد عليها . بل إنّ معتبرة جرير بعد رفع اليد عن ذيلها مشعرة بالتفصيل إنْ لم نقل بظهورها فيه ، فتكون مؤكدة لصحيح الحلبي الدالّ على عدم جواز التزوّج من المعلنة .

   (1) ذهب إلى وجوب الاستبراء في المقام جماعة من الأصحاب ، لعدّة من الروايات التي دلّت على أ نّه إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل والعدّة والمهر (1) فإنها تدل بإطلاقها على وجوب العدّة عند التقاء الختانين حتى ولو كان ذلك حراماً . وكذلك الحال فيما دلّ على أنّ العدّة إنّما هي من الماء (2) فإنّ مقتضى إطلاقها ثبوتها في حالة الزنا أيضاً .

   إلاّ أنّ الظاهر أنّ الأمر ليس كذلك . والوجه فيه ما ثبت من أنّ ماء الزاني لا  حرمة له «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ولأجله لم يتوقّف أحد من الأصحاب في عدم لزوم الاستبراء على الزوج فيما إذا زنت زوجته ، على ما ورد التصريح به في معتبرة عباد بن صهيب أيضاً .

   ومن هنا يتضح أ نّه لا تجب العدّة في مورد الزنا ، وأنّ العدّة كالمهر في هذا المورد خارج عن تلك الروايات التي دلّت على لزومهما عند التقاء الختانين .

   هذا كلّه بالنسبة إلى غير الزاني . أما بالنسبة إليه فقد ورد في موثقة إسحاق بن جرير ـ التي تقدمت في الطائفة الاُولى ـ وجوب الاستبراء عليه ، حيث قال (عليه السلام) : «نعم ، إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدّتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله أن يتزوجها» . ولما كانت هذه الموثقة غير مبتلاة بالمعارض ، فلا محالة يتعيّن العمل بها والقول بلزوم الاستبراء عليه .

   ولعلّ الفرق بين الزاني نفسه وغيره حيث يجب على الأوّل الاستبراء بخلاف

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) الوسائل ، ج 22 كتاب النكاح ، أبواب العدد ، ب 44 ح 3 ، 4 .

ــ[225]ــ

   وأما الحامل فلا حاجة فيها إلى الاستبراء (1) بل يجوز تزويجها ووطؤها بلا فصل.
ــــــــــــــــــــ

الثاني ، يكمن في أنّ الزاني إذا كان غير من يريد التزوج بها فلا اشتباه في أمر الولد حيث إنه وإن كان يحتمل خلقه من ماء كل منهما إلاّ أ نّه لما لم يكن للعاهر غير الحجر فلا أثر للعدّة ، فإنّه يلحق الولد بالزوج بلا كلام . وهذا بخلاف ما لو كان من يريد التزوج منها هو الزوج نفسه ، حيث إنّ الولد ولده على كل تقدير ، غاية الأمر إنّه لا  يعلم كونه من الحلال أو الحرام ، فيكون للاعتداد أثر واضح إذ بها يميز الحلال عن الحرام .

   (1) جزماً حتى ولو كان مريد التزوج منها هو الزاني ، إذ لا يحتمل حينئذ أن يكون الولد ولده شرعاً بل هو من الزنا قطعاً ، فلا فائدة في الاعتداد .

   وقد دلّ على ذلك بعض الروايات ، كرواية محمد بن الحسن القمي ، قال : كتب بعض أصحابنا على يدي إلى أبي جعفر (عليه السلام) : ما تقول في رجل فجر بامرأة فحبلت ، ثم إنّه تزوجها بعد الحمل فجاءت بولد وهو أشبه خلق الله به ، فكتب (عليه السلام) بخطه وخاتمه : «الولد لغية لا يورث» (2) .

   إلاّ أ نّها ضعيفة السند بمحمد بن الحسن القمي ، فلا مجال للاعتماد عليها . نعم لا  بأس بجعلها مؤيدة للحكم .
ـــــــــــــــــــــــ


(2) الوسائل ، ج 21 كتاب النكاح ، أبواب أحكام الأولاد ، ب 101 ح 1 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net