عدم حرمة محللة أحدهما على الآخر مع عدم الدخول - تحرم على الزوج اُم الزوجة مطلقاً 

الكتاب : المباني في شرح العروة الوثقى- الجزء الثاني:النكاح   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 4514


ــ[263]ــ

وكذا لا تحرم المحللة (1) لأحدهما على الآخر إذا لم تكن مدخولة (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) فإنّ مجرد التحليل لا يزيد عن مجرد الملكية ، وقد عرفت أنّ الثاني لا يقتضي التحريم فيكون الأمر في المقام كذلك ، وحيث لا دليل على إلحاق التحليل بالملك فتشملها عمومات الحل .

   نعم، خالف في ذلك بعض حيث اختار الحرمة فيها ، تمسكاً بإطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة : «إذا جرّد الرجل الجارية ووضع يده عليها فلا تحلّ لابنه» فإنّ مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين كون الجارية مملوكة له أو محللة .

   وفيه : أنّ هذه الصحيحة معارضة بموثقة علي بن يقطين المتقدمة أيضاً ، حيث دلّت على الجواز مطلقاً ومن غير تقييد بما إذا كانت الأَمة مملوكة للفاعل ، فتتعارضان لأنّ النسبة بينهما هو التباين . لكن لما قيدت موثقة علي بن يقطين بالأخبار التي دلت على ثبوت الحرمة فيما إذا كانت الجارية مملوكة له ، كان مدلولها هو الجواز فيما إذا لم تكن الجارية مملوكة له ، وبذلك تنقلب النسبة بينها وبين صحيحة محمد بن مسلم إلى المقيد والمطلق ، فتقيد إطلاق الصحيحة لا محالة ، وعندئذ يكون مدلول الصحيحة هو عدم الجواز فيما إذا كانت الجارية مملوكة له خاصة .

   (2) وإلاّ فتثبت الحرمة ، لقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدمة : «إذا أتى الجارية وهي له حلال ، فلا تحلّ تلك الجارية لابنه ولا لأبيه» فإنّ مقتضى إطلاقه هو عدم الفرق بين كون الوطء بتزويج أو ملك يمين أو تحليل .

   وأما الاستدلال على المدعى بقوله تعالى : (وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُم) فقد عرفت ما فيه ، باعتبار أنّ كلمة النكاح ـ ولا سيما إذا وقعت في سياق النهي ـ ظاهرة في التزويج دون الوطء .

   ثم لا يخفى أنّ مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة : «إذا أتى الجارية وهي له حلال ، فلا تحلّ تلك الجارية لابنه ولا لأبيه» عدم اختصاص الحكم بما إذا كان الإتيان عن تزوج أو ملك يمين أو تحليل ، بل يثبت الحكم حتى ولو كان ذلك عن شبهة ، نظراً إلى صدق ذلك عليه .

ــ[264]ــ

   [ 3739 ] مسألة 3: تحرم على الزوج اُمّ الزوجة وإن علت، نسباً أو رضاعاً (1) مطلقاً(2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   ودعوى أنّ الرواية واردة في الجارية وهي ظاهرة في المملوكة ، فيختص الحكم بالوطء عن ملك يمين .

   يدفعها صدر الرواية ، حيث قال زرارة : قال أبو جعفر (عليه السلام) : «إن زنى رجل بامرأة أبيه أو بجارية أبيه فإنّ ذلك لا يحرمها على زوجها ولا يحرم الجارية على سيدها ، إنّما يحرم ذلك منه إذا أتى الجارية وهي له حلال ، فلا تحلّ تلك الجارية لابنه ولا لأبيه» (1) .

   فإنّ ذلك إنّما يكشف عن عدم اختصاص الرواية بالجارية ، وإن ذكرها في ذيلها إنّما هو على نحو المثال فلا يختص الحكم بها ، على أنّ اختصاص الحكم بالجارية مما لا  قائل به أصلاً . وعلى هذا فكما يثبت بالوطء بالزوجية وبملك اليمين وبالتحليل يثبت بالوطء شبهة .

   (1) لما دلّ على تنزيل الرضاع منزلة النسب .

   (2) على ما هو المعروف والمشهور بين الأصحاب ، بل عليه الإجماع عدا ما نسب إلى ابن أبي عقيل من اشتراط الدخول بالبنت في حرمتها (2) .

   ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَأُ مّهاتُ نِسائكُمْ) (3) فإنّه مطلق من حيث الدخول بالزوجة وعدمه .

   واحتمال رجوع قوله تعالى بعد ذلك : (مِن نِسائكُمُ اللاّتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) إلى كل من (نِسائكُم) و (رَبائبكُم) بعيد جداً . فإنّه مضافاً إلى كونه ركيكاً في نفسه حتى ولو  لم يكن هناك فصل في البين باعتبار أ نّه لا معنى لتكرار كلمة النساء بحيث يكون المعنى (واُمّهات نسائكم من نسائكم اللاّتي دخلتم بهنّ) فإنّه زيادة ولا حاجة إليه ، أنّ

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 4 ح 1 .

(2) مختلف الشيعة 7 : 48 .

(3) سورة النساء 4 : 23 .

ــ[265]ــ

كلمة (مِن) إذا كانت متعلقة بالنساء كانت بيانية وإذا كانت متعلقة بالربائب كانت نشوئية ، فإذا فرض تعلقها بهما معاً كانت مستعملة في معنيين وهو أمر غير معهود ولا دليل عليه . على أنّ الفصل الموجود بين كلمة (نِسائكُمْ) وكلمة (مِن نِسائكُمْ) يوجب زيادة البعد في احتمال رجوع الثانية إلى الاُولى .

   ومن هنا يظهر الحال في دعوى كون قوله تعالى : (اللاّتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) صفة لكل من (نِسائكُم) الاُولى والثانية ، بحيث يكون المعنى : واُمّهات نسائكم اللاّتي دخلتم بهن وربائبكم اللاّتي في حجوركم من نسائكم اللاّتي دخلتم بهنّ ، فإنّه بعيد جداً للفصل بين الصفة والموصوف ، بل لم يعهد ذلك في الكتاب وغيره .

   فمن هنا لا ينبغي الشكّ في إطلاق (نِسائكُم) الاُولى ، ورجوع كلمة (مِن نسائِكُم) إلى الربائب خاصّة ، واختصاص قوله (اللاّتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) صفة لـ  (نسائِكُم) الثانية .

   وأما النصوص الواردة في المقام فهي على طائفتين : فمنها ما هو صريح في الإطلاق وعدم الفرق بين الدخول وعدمه ، ومنها ما دلّ على اشتراط الدخول بالبنت في حرمة الاُم .

   فمن الطائفة الاُولى صحيحة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه : «أنّ عليّاً (عليه السلام) قال : إذا تزوج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالاُم ، فإذا لم يدخل بالاُم فلا  بأس أن يتزوج بالابنة ، وإذا تزوج بالابنة فدخل بها أو لم يدخل فقد حرمت عليه الاُم . وقال : الربائب عليكم حرام ، كنّ في الحجر أو لم يكنّ» (1) .

   وصحيحة وهيب بن حفص عن أبي بصير ، قال : سألته عن رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، فقال : «تحلّ له ابنتها ، ولا تحلّ له اُمّها» (2) .

 والمذكور في نسخة الوسائل وإن كان هو وهب ، إلاّ أنّ الصحيح هو وهيب (3)

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 18 ح 4 .

(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 18 ح 5 .

(3) هذه الملاحظة تختص بالطبعة القديمة من الوسائل .

ــ[266]ــ

الذي وثّقه النجاشي والذي له كتاب (1) ، وأما وهب فلا وجود له في كتب الرجال وغيرها .

   وصحيحة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه : «أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : الربائب عليكم حرام من الاُمّهات اللاّتي قد دخل بهن ، هنّ في الحجور وغير الحجور سواء ، والاُمّهات مبهمات دخل بالبنات أو لم يدخل بهنّ ، فحرموا ، وأبهموا ما أبهم الله» (2) .

   وأما الطائفة الثانية ، فمنها صحيحة جميل بن دراج وحماد بن عثمان عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «الاُم والبنت سواء إذا لم يدخل بها ، يعني إذا تزوج المرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، فإنّه إن شاء تزوّج اُمّها وإن شاء ابنتها» (3) .

   وقد أشكل الشيخ في التهذيب على هذا الحديث بأ نّه : مضطرب الإسناد ، لأن الأصل فيه جميل وحماد بن عثمان ، وهما تارة يرويانه عن أبي عبدالله (عليه السلام) بلا واسطة ، واُخرى يرويانه عن الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، ثم أنّ جميلاً تارة يرويه مرسلاً عن بعض أصحابه عن أحدهما ، وهذا الاضطراب في الحديث مما يضعف الاحتجاج به (4) .

   إلاّ أنّ ما ذكره (قدس سره) لا يمكن المساعدة عليه ، فإنّ ما ذكره لا يعدّ اضطراباً في الحديث ، نظراً إلى إمكان سماع جميل وحماد الحديث عن الحلبي فروياه ، ثم سمعاه من أبي عبدالله (عليه السلام) مباشرة فروياه بلا واسطة ، وليس في ذلك أية غرابة أو بعد . كما أنّ الإرسال في إحدى روايتي جميل لا يوجب سقوط روايته عن الاعتبار فإنّ من الممكن أن يكون جميل قد صرح في إحدى الروايتين باسم الواسطة ، في حين لم يصرح به في الاُخرى . على أ نّه لو فرض ضعف هذا الطريق للارسال ، إلاّ أنّ ذلك لا  يعني رفع اليد عن الطريق الآخر الصحيح ، فإنّ الإرسال في رواية وعدم ذكر

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رجال النجاشي 431 / 1159 .

(2) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 18 ح 3 .

(3) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 20 ح 3 .

(4) التهذيب 7 : 275 .

ــ[267]ــ

الواسطة فيها لاعتقاد ضعفها ـ مثلاً ـ لا يستلزم رفع اليد عن الرواية الاُخرى مع وضوح صحة سندها .

   ومنها : معتبرة محمد بن إسحاق بن عمار ، قال : قلت له : رجل تزوج امرأة ودخل بها ثم ماتت ، أيحلّ له أن يتزوج اُمّها ؟ قال : «سبحان الله ، كيف تحلّ له اُمّها وقد دخل بها» . قال : قلت له : فرجل تزوج امرأة فهلكت قبل أن يدخل بها ، تحلّ له اُمّها ؟ قال : «وما الذي يحرّم عليه منها ولم يدخل بها» (1) .

   وقد أشكل الشيخ (قدس سره) عليها في التهذيب: أ نّه ليس فيه ذكر المقول له، لأنّ محمد بن إسحاق بن عمار قال : قلت له ، ولم يذكر من هو ، ويحتمل أن يكون الذي سأله غير الإمام والذي لا يجب العمل بقوله ، وإذا احتمل ذلك سقط الاحتجاج به (2) .

   وفيه : أنّ ذكر الصفار (قدس سره) لذلك في كتابه بعنوان الرواية يدلّ على أ نّه حديث من المعصوم (عليه السلام) ، وإلاّ فكيف يمكن ذلك منه (قدس سره) على جلالة قدره ، ونظير ذلك في كتاب الصفار كثير .

   ومنها : معتبرة منصور بن حازم ، قال : كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام) فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوج امرأة فماتت قبل أن يدخل بها ، أيتزوج باُمّها ؟ فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : «قد فعله رجل منّا فلم يَرَ به بأساً». فقلت له : جعلـت فداك ما تفخر الشيعة إلاّ بقضاء علي (عليه السلام) في هذا الشمخية التي أفتاها ابن مسعود أ نّه لا بأس بذلك ، ثم أتى عليّاً (عليه السلام)، فسأله، فقال له علي (عليه السلام): «من أين أخذتها»؟ قال: من قول الله عزّ وجلّ: (وَرَبائِبكُمُ اللاّتي فِي حُجُورِكُم مِن نِسائكُمُ اللاّتي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ). فقال عليّ (عليه السلام) : «إنّ هذه مستثناة وهذه مرسلة واُمّهات نسائكم» إلى أن قال : فقلت له : ما تقول فيها ؟ فقال : «يا شيخ ، تخبرني أنّ عليّاً (عليه السلام) قضى بها وتسألني

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 20 ح 5 .

(2) التهذيب 7 : 275 .

ــ[268]ــ

ما تقول فيها» (1) .

   ونسخ الكتب في هذه الرواية مختلفة ، ففي الكافي : «فلم نَرَ به بأساً» (2) في حين أنّ في الوافي : «فلم يَرَ به بأساً» (3) وكأ نّه (عليه السلام) على التقدير الثاني قد أعرض عن الجواب ونسب الحكم إلى بعضهم . وأما نسخ الاستبصار فهي مختلفة فيما بينها ، وظاهر السؤال أن نسخته مطابق للثاني ، حيث ذكر (قدس سره) : أنّ قول الرجل المذكور ليس بحجة إذ لا  تعلم عصمته (4) .

   ومن هنا فلا يمكن الاعتماد على هذه المعتبرة لعدم ثبوت الحكم فيها . على أنّ ذيلها يدلّ على أنّ الحكم حتى ولو كان صادراً منه كان على نحو من التخلص عن الجواب الحقيقي ، إذ لا انسجام بين الحكم بالجواز وإمضاء ما نقله الشيخ عن علي (عليه السلام) .

   وكيفما كان ، فهذه الروايات متعارضة مع ما دلّ صريحاً على عدم الجواز ، ومن هنا فقد يقال : أنّ مقتضى الجمع العرفي هو حمل الطائفة الاُولى على الكراهة ، إلاّ أ نّه مدفوع بأنّ الجمع العرفي بالحمل على الكراهة إنّما يكون في مورد الأمر والنهي أو النهي والترخيص ، وأما في مثل (تحلّ ولا تحلّ) فلا مجال للحمل على الكراهة ، لأ نّهما من المتباينين والمتعارضين بتمام معنى الكلمة . على أنّ الحمل على الكراهة إنّما يكون في السؤال عن الحكم التكليفي ، وحيث أنّ السؤال في المورد إنّما هو عن الحكم الوضعي ـ  أعني الصحة وعدمها  ـ فلا مجال للحمل على الكراهة إذ لا معنى لها في الحكم الوضعي .

   ومن هنا فقد حمل جماعة ـ  منهم صاحب الجواهر (قدس سره) ـ الطائفة الثانية على التقية ، مستشهدين على ذلك بصحيحة منصور بن حازم المتقدمة (5) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل ، ج 20 كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ب 20 ح 1 .

(2) الكافي 5 : 422 .

(3) الوافي 21 : 168 .

(4) راجع الاستبصار 3 : 573 . وفيه : «فلم نَرَ به بأساً» .

(5) الجواهر 29 : 353 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net