الوجه السادس : التمسّك باستصحاب عدم كون المصلّي لابساً لغير المأكول ، الثابت قبل لبسه للمشكوك فيه ، فيترتّب عليه صحّة الصلاة وجوازها لما عرفت من جواز إحراز متعلّق الحكم بضمّ الوجدان إلى الأصل .
ولا يخفى أنّ هذا الوجه إنّما يتمّ إذا كان اعتبار المانعية متعلّقه لبس المصلّي أو مصاحبته لغير المأكول ، كما استظهرناه في الأمر العاشر(3)، وأمّا إذا كان متعلّقه هو اتّصاف اللباس بغير المأكولية أو وقوع الصلاة في غير المأكول ، فلا يثبت بالأصل المزبور شيء من ذلك ، إلاّ على القول بالأصل المثبت ، فإن جرى الأصل في نفس اللباس ـ بناءً على جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية ، أو فرض عدم كون الحيوان محرّم الأكل في زمان ـ فهو أصل موضوعي يحرز به عدم وقوع ــــــــــــــــــــــــــــ (1) أجود التقريرات 2 : 328 وما بعدها . (2) منتهى المطلب 4 : 236 / الفرع الثالث . (3) في ص30 ـ 32 .
ــ[64]ــ
الصلاة في غير المأكول ، من دون فرق بين كون المانعية راجعة إلى الصلاة أو إلى المصلّي أو إلى اللباس ، كما هو الحال في بقية الاستصحابات الموضوعية ، وإلاّ فلابدّ من الرجوع إلى أصل آخر ، لفرض عدم جريان الأصل في اللباس ، وعدم كون الصلاة مسبوقة بالحالة السابقة ، إذ هي من أوّل وجودها واقعة إمّا فيما لا يؤكل أو في غيره ، فليس هناك حالة سابقة حتّى يتعبّد ببقائها في ظرف الشكّ .
نعم فيما إذا لبس المصلّي أثناء صلاته ما يشكّ في كونه من أجزاء ما لا يؤكل يجري استصحاب عدم اتّصاف الصلاة بوقوعها في غير المأكول ، ويحكم بالصحّة ، وإن لم يحرز به حال اللباس وأنّه ممّا لا يؤكل أو من غيره ، كما في بقية موارد الشكّ في رافعية الموجود ، فإنّه على فرض كون المانع هو وقوع الصلاة في غير المأكول فالأثر مترتّب على إحراز عدمه ، سواء اُحرز معه حال الموجود الخارجي أيضاً أم لا .
ثمّ لا يخفى أنّ جريان هذا الاستصحاب لا يبتني على اعتبار الهيئة الاتّصالية في الصلاة ، المستفاد من أدلّة القواطع ، حتّى يشكل عليه بأنّ القاطع ليس إلاّ ما يكون عدمه بنفسه معتبراً فيها ، وليس من اعتبار الهيئة الاتّصالية زائداً على اعتبار الشرائط وعدم الموانع في الروايات عين ولا أثر .
بل هو مبنيّ على كون الصلاة موجوداً واحداً ولو بالاعتبار ، افتتاحها التكبير واختتامها التسليم ، فما دام المصلّي لم يسلّم فهو بعد في الصلاة ولم يخرج عنها .
وعلى أنّ أدلّة الموانع يستفاد منها اعتبار عدم كلّ منها في نفس العمل من المبدأ إلى المنتهى كما هو الظاهر ، إذ مقتضى اعتباره في كلّ جزء بخصوصه ـ بحيث لا يرجع إلى تقيّد ذات العمل به ـ عدم فساد العمل فيما وقع المانع في الآنات المتخلّلة ، بل مع الاشتغال بالجزء أيضاً ، فإنّ غايته بطلان الجزء ووجوب
ــ[65]ــ
تداركه ، لا بطلان العمل إلاّ فيما كان التدارك موجباً للبطلان من جهة اُخرى ، إذ عليه يكون العمل الوحداني عند تحقّقه ولو بتحقّق أوّل جزء منه متّصفاً بأنّه لم يكن واقعاً في غير المأكول ، فيحكم عليه الآن بأنّه كما كان ، كما في غير المقام من إجراء الاستصحاب في نفس بقاء الاُمور التدريجية ، أو في بقاء اتّصافها بوصف كالسرعة في الحركة مثلا .
ومنه يظهر الحال في منع شيخنا الاُستاذ العلاّمة (قدّس سرّه)(1) عن جريانه في المقام .
|