الوجه السابع : التمسّك بالاستصحاب التعليقي ، فيقال : إنّ الصلاة قبل لبس المصلّي للمشكوك فيه لو كانت موجودة لم تكن واقعة فيما لا يؤكل ، فالآن كما كانت .
وأورد عليه شيخنا الاُستاذ العلاّمة (قدّس سرّه)(2) بأنّ الاستصحاب التعليقي على تقدير القول بصحّته وجريانه إنّما يجري فيما كان الموضوع والركن الركين في القضية باقياً في ظرف الشكّ ، وليس المقام كذلك ، فإنّ موضوع الصحّة فيه هو الصلاة ، وهي لم تكن موجودة سابقاً ، وعند وجودها يشكّ في صحّتها وفسادها من جهة احتمال وقوعها في غير المأكول وعدمه ، من دون حالة سابقة متيقّنة . ولأجله منع عن جريان استصحاب الحرمة التعليقية الثابتة للعنب في حال الزبيبية ، بدعوى أنّ موضوع الحكم هو العصير العنبي ، وهو مرتفع بعد كون العنب زبيباً قطعاً ، والماء الخارجي الملقى على الزبيب موضوع آخر ، على أنّا لا نقول بصحّة جريان الاستصحاب التعليقي من أصله. ــــــــــــــــــــــــــــ (1) لاحظ رسالة الصلاة في المشكوك : 397 . (2) كتاب الصلاة 1 : 254 ، أجود التقريرات 4 : 125 ، 126 .
ــ[66]ــ
أقول : أمّا منعه عن جريان الاستصحاب التعليقي حتّى فيما كان المستصحب من الأحكام الشرعية فهو في محلّه ، وذلك لما ذكرنا في محلّه(1) من أنّ القيود المعلّق عليها ثبوت الحكم لا محالة ترجع إلى كونها مأخوذة في موضوعه ، فمرجع قولنا : العنب إذا غلى يحرم ، إلى أنّ العنب المغلي حرام فالحكم ـ وهي الحرمة ـ ثابت للعنب مع وجود الغليان فيه ، فما لم يكن كلا الجزأين متحقّقين في الخارج معاً لا يكون الحكم فعلياً ، ضرورة توقّف فعلية الحكم على فعلية تمام موضوعه ، نظير توقّف المعلول على وجود علّته التامّة .
نعم بعد ثبوت هذا الحكم الشرعي للمركّب من الجزأين وتحقّق أحدهما فالعقل يحكم بلزوم وجوده على تقدير وجود الجزء الآخر ، وأين هذا من الحكم الشرعي ، بل هو عقلي صرف ، جار في كلّ عارض لمركّب ، شرعياً كان أو غيره فإنّ العارض متى ما كان عارضاً لمركّب وفرض وجود أحد الجزأين فالعقل يحكم بتحقّقه على تقدير وجود الجزء الآخر ، وإلاّ لزم الخلف وعدم كون العارض عارضاً له .
فتحصّل : أنّ الحكم بمرتبته الفعلية لم يكن متحقّقاً في الخارج حتّى يستصحب ، وبمرتبته الإنشائية ـ أعني بها ثبوته على موضوعه المقدّر وجوده بلا توقّف على وجوده التحقيقي ، على ما هو الشأن في القضايا الحقيقية ـ غير محتمل الارتفاع ، لعدم النسخ يقيناً ، فإنّ العنب المغلي بعدُ باق على حرمته قطعاً ، وليس هناك بين المرتبتين مجعول شرعي متحقّق خارجاً يشكّ في بقائه ، إلاّ إذا بنينا على أنّ التقدير من قيود الحكم ، بأن تكون الحرمة الخاصّة ثابتة لذات العنب ، فإنّه ــــــــــــــــــــــــــــ (1) مصباح الاُصول 3 (موسوعة الإمام الخوئي 48) : 164 ، محاضرات في اُصول الفقه 2 (موسوعة الإمام الخوئي 44) : 167 .
ــ[67]ــ
حينئذ يكون تمام الموضوع لذلك الحكم الخاصّ ذات العنب المتحقّق في الخارج ، فيحكم ببقائه في ظرف الشكّ . لكنّه بمراحل عن الواقع ، كما أنّ التمسّك باستصحاب الملازمة بين الغليان والحرمة كذلك ، وتمام الكلام في محلّه(1).
كما أنّ منعه عن جريانه في خصوص مثال العنب ولو على القول بصحّة الاستصحاب التقديري فهو في غاية المتانة ، لما عرفت .
وأمّا منعه عن جريانه في المقام ، بدعوى عدم بقاء الموضوع ، فيرد عليه : أنّ موضوع المستصحب في المقام هو نفس طبيعة الصلاة ، ومن الضروري إضافة اليقين والشكّ إليها ، ولا يعتبر في جريان الاستصحاب إلاّ اتّحاد القضية المتيقّنة والمشكوكة ، وهو متحقّق في المقام قطعاً ، فإنّ طبيعي الصلاة لو كانت موجودة سابقاً لم تكن واقعة في غير المأكول ، فيحكم ببقائها على ما كانت عليه في ظرف الشكّ .
فالصحيح في الجواب أن يقال : إنّ الاستصحاب التعليقي على تقدير صحّة جريانه فإنّما يصحّ إجراؤه في الأحكام الشرعية ، دون موضوعاتها أو متعلّقاتها ، فإنّ الموضوع أو المتعلّق للحكم الشرعي إنّما يترتّب عليه الأثر فيما كان موجوداً بالفعل ومتحقّقاً في الخارج ، وأمّا وجوده التقديري المعلّق على شيء لم يتحقّق فهو غير قابل للتعبّد به ، لعدم أثر مترتّب عليه ، وعدم كونه بنفسه قابلا للتعبّد .
وأمّا الملازمة المتيقّنة فهي غير قابلة للتعبّد ، لعدم كونها بنفسها قابلة للتعبّد وعدم أثر شرعي مترتّب عليها . مثلا إذا رتّب الأثر الشرعي على وجود الغسل بالماء ، وشككنا في وجوده من جهة الشكّ في وجود الماء في الحوض ، فإنّه وإن ــــــــــــــــــــــــــــ (1) مصباح الاُصول 3 (موسوعة الإمام الخوئي 48) : 161 وما بعدها .
ــ[68]ــ
كنّا على يقين سابقاً من تحقّق غسل الثوب النجس على تقدير وقوعه فيه ، الراجع إلى ثبوت الملازمة بين الوقوع والغسل ، إلاّ أنّه غير قابل للتعبّد به ، فإنّ موضوع الحكم هو فعلية الغسل ، لا الغسل التقديري ، ولا الملازمة . فإثباتها بجريان الأصل فيه أو في الملازمة مبني على القول بالأصل المثبت .
ومنه يظهر الحال في إجراء الأصل في صحّة الصلاة التقديرية ، المنتزعة من انطباق المأمور به على المأتي به خارجاً ، أو في منشأ انتزاعها ، وهو عدم اتّصاف الصلاة بكونها في غير المأكول على تقدير وجودها خارجاً ، فإنّ متعلّق التكليف هي الصلاة الغير الواقعة في غير المأكول خارجاً وبالفعل ، والاستصحاب المزبور لا يثبت أنّ الصلاة الخارجية كذلك .
وبالجملة : الأثر مترتّب على الوجود الخارجي ، وهو غير معلوم التحقّق في زمان . والوجود التقديري المتيقّن أجنبي عمّا له الأثر ، وغير مثبت له إلاّ على القول بالأصل المثبت .
|