أمّا القسم الأول : وهو ما كان الحكم فيه إيجابياً ، ولم يكن لمتعلّقه متعلّق في الخارج ، كوجوب التكلّم والذكر والدعاء مثلا ، فإن كان المطلوب فيه صرف الوجود المنطبق على أوّل الوجودات قهراً كما هو الغالب ، فلا إشكال في لزوم
ــ[75]ــ
إحرازه في الخارج ، ومع الشكّ في الانطباق يكون الامتثال بعد العلم بفعلية التكليف وقدرة المكلّف على امتثاله مشكوكاً فيه ، فيحكم العقل معه بالاشتغال ولزوم البراءة اليقينية كما هو ظاهر .
وإن كان المطلوب فيه كل الوجودات أو مجموعها بنحو العموم الاستغراقي أو المجموعي ، فحيث إنّ فعلية التكليف والبعث نحو أي وجود فرض يتوقّف على كون هذا الوجود في نفسه وجوداً لتلك الطبيعة المتعلّق بها الإيجاب بأحد النحوين ، فالشكّ في الانطباق شكّ في تعلّق الوجوب به استقلالا أو ضمناً فتجري معه البراءة .
وبعبارة اُخرى : انطباق عنوان المأمور به على الموجود الخارجي شرط في تعلّق البعث بذاك الوجود ، فإنّ المفروض أنّه تعلّق بوجودات تلك الطبيعة جمعاً أو مجموعاً ، فكون الوجود وجوداً لذلك العنوان لابدّ وأن يكون مفروضاً في مرتبة سابقة على البعث ، فالشكّ في كونه وجوداً له موجب للشكّ في تعلّق البعث إليه ، فيكون مورداً للبراءة .
ومن هنا يندفع ما أفاده شيخنا الاُستاذ العلاّمة (قدّس سرّه)(1) من كون موارد الشكّ في الشبهات الموضوعية في الأفعال الاختيارية مطلقاً مورداً لقاعدة الاشتغال .
ومن الغريب ما أفاده (قدّس سرّه) من أنّ عنوان الفعل الاختياري لا يكون مشكوكاً فيه حال صدوره الإرادي إلاّ في المسبّبات التوليدية ، أو من ناحية الشكّ في موضوعه ، فإنّ هوية الفعل الاختياري لابدّ وأن يكون معلوماً للمريد والمختار ، فإنّ الفعل الاختياري إنّما يلزم فيه حضوره للفاعل من الجهة التي تعلّق ــــــــــــــــــــــــــــ (1) رسالة الصلاة في المشكوك : 200 .
ــ[76]ــ
بها غرضه ، وأمّا صدق عنوان آخر من العناوين الخارجية فالشكّ فيه بمكان من الضرورة ، كما إذا شكّ المتكلّم في صدق عنوان الذكر على ما يصدر منه من الكلام حال صدوره .
هذا كلّه فيما إذا كان الشكّ في الانطباق ، وأمّا إذا كان في التحقّق الخارجي بعد العلم بانطباق عنوان المأمور به عليه على تقدير وجوده فهو مورد لقاعدة الاشتغال قطعاً ، للعلم بفعلية التكليف حينئذ ، والشكّ في تحقّق امتثاله .
|